هل أصبحت القاعدة وصية على الصومال؟

هل أصبحت القاعدة وصية على الصومال؟

عبد العزيز عرتن



فحوى البيانات
منطلقات هذه البيانات
العوج والتناقض في منهجية تفكير القاعدة

في ظرف زمني لا يتجاوز أربعين يوماً أطلّت علينا القاعدة بثلاثة بيانات تصاعدية اللهجة تطرقت من خلالها القضية للصومالية التي لا ترفض يد لامس، بدءاً من المدعو بأبي يحيى الليبي، مرورا بأيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم، وانتهاء بزعيمهم أسامة بن لادن، وحسب معرفتي هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ثلاثة من قيادات هذا التنظيم خلال فترة وجيزة وفي قضية واحدة، مما يدل على اهتمامهم بهذا البلد.

فحوى البيانات
1- إن شيخ شريف مع أنه كان زعيماً للمحاكم الإسلامية وقاوم الاحتلال الإثيوبي، فإنه حسب رأيهم انتكس وانقلب على عقبيه وكفر بالمبادئ التي جاهد من أجلها، بعد تغيير قناعاته من قبل الغرب وبعد قبوله "الإغراءات الأميركية" وبالتالي فالخطوات التي أجراها بعد هذا التغير هي "شرك يخرجه عن الملة" بمعنى أنه أصبح مرتداً مستباح الدم، وإلا ماذا تعني مقولة أبو يحيى الليبي "صوبوا سهامكم في نحورهم" غير هذا الفهم.

2- كون حال شيخ شريف هكذا، فنفس الحكم ينطبق على حكومته، وأنها لا تختلف عن سابقتها، حيث إن الأولى كانت في ظل احتلال سافر بوجود المحتل الإثيوبي، وأما هذه ففي ظل احتلال مقنع بوجود شريف "الممثل للاحتلال" حسب فهمهم للأمور، وبالتالي فيجب التعامل معها بالسوية مع الأولى.

3- رفض جميع المبادرات الهادفة إلى التوسط بين الفرقاء الصوماليين والتقريب فيما بينهم، وليشتعل الصومال، وليقتل الإخوة بعضهم بعضاً، وليضعف الجميع أمام الأخطار الخارجية كالتي مرت بنا قبل فترة وجيزة، إلى إشعار آخر غير محدد بالزمن حتى تأتي قوة غاشمة عندها اتحدوا ضدها!!

منطلقات هذه البيانات

"
تنطلق القاعدة في تناولها لقضايا الأمة من بعض الرؤى الخاصة بها، وأخرى مستوحاة من زعامة النظام العالمي الجديد "أميركا" ومن هذه الرؤى مصادرة الأفكار واحتكار الحق والفهم, واستباحة دماء الآخرين, والانحياز ضد شيخ شريف وحكومته  
"

تنطلق القاعدة في تناولها لقضايا الأمة من بعض الرؤى الخاصة بها، وأخرى مستوحاة من زعامة النظام العالمي الجديد "أميركا" ومن هذه الرؤى:

1- مصادرة الأفكار واحتكار الحق والفهم: يبدو أن القاعدة تأثرت بمفهوم أميركا في التعامل مع العالم الآخر بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وتطبق من خلال هذه البيانات النظرية التي أرسى قواعدها جورج بوش أثناء رئاسته للولايات المتحدة والتي مفادها (إذا لم تكن معي فأنت ضدي وعدوي) وعلى هذا فليس من حق شيخ شريف ومن معه من الصوماليين الاجتهاد في قضايا بلادهم وشعبهم بما يحفظ مستقبلهم الديني والدنيوي إلا بما يوافق رغبات وأهواء القاعدة، وأن الأخيرة أكثر حرصا على هذا البلد من بعض أبنائه.

كيف نوفق وأين يجب أن نقف من هذه البيانات ضد شريف ومن اتهام القاعدة السابق لجورج بوش بأنه فرعون العصر، إذ أنه انطلق في تعامله مع الآخرين من نفس القاعدة التي انطلق منها فرعون مصر كما جاءت في القرآن الكريم {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرّشاد} غافر 29.

2- فلسفة استباحة دماء الآخرين: ليس من باب الصدفة ورود أحمد شاه مسعود أحد زعماء الجهاد الأفغاني والذي اغتالته القاعدة عام 2001 وشيخ شريف في نفس القائمة المتهمة بالعمالة، والتنظير في تكفير شريف وردّة حكومته ورميها بالعمالة، الهدف منه استباحة قتالهم ودمائهم، وهنا يبدو أنه لا احترام ولا تقيد بنصوص الشريعة التي تحرم سفك دماء المسلمين بتهمة غير ثابتة، بل عكس ذلك علمتنا الشريعة مبدأ "درء الحدود بالشبهات" كما أنه ليس واردا في تفكير القاعدة العودة إلى علماء الشريعة للبت في مثل هذه الأمور، وهم الذين أمر الله تعالى بالعودة إليهم في مثل هذه المواقف {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل 43، ولكن القاعدة تمارس دور الحكم والخصم في آن واحد.

وهنا برأيي أن القاعدة تنطلق من المبدأ الذي يقول (الغاية تبرر الوسيلة) إذ أن غايتها هي إيجاد موطئ قدم لها أو لأتباعها أو المؤيدين لها في الصومال ولو كان على حساب الصوماليين، كي تستطيع نشر أفكارها فيه ويكون أحد مراكز انطلاقها في مواجهتها ضد أميركا.

وهذه في نظري ميكافيلية بغيضة لا تبقي ولا تذر من شيء في حال تطبيقها على الأرض، هذا إذا كانت اتهامات القاعدة في حق شريف ثابتة، فما بالك في استباحته بظنيات وتخمينات غير مؤكدة، وأين هذا من النصوص الوفيرة التي تؤكد حرمة دم المسلم وأنها أكبر على الله من زوال الدنيا كما ورد في الحديث [لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم] حديث صحيح رواه الترمذي، وقاتله عمدا خالد مخلد في النار كما جاء في آية سورة النساء {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها}.

"
القاعدة تعمل بالمبدأ الذي يقول (الغاية تبرر الوسيلة) إذ أن غايتها هي إيجاد موطئ قدم لها أو لأتباعها أو المؤيدين لها في الصومال ولو كان على حساب الصوماليين، كي تستطيع نشر أفكارها فيه ويكون أحد مراكز انطلاقها في مواجهتها ضد أميركا
"

وما هي الأدلة القاطعة التي في حوزة القاعدة دون غيرها في هذا الموضوع ؟ ليس في تكفير شريف فقط وإنما المحيطين به وحكومته وبرلمانه وقواته، حيث لا يمكن الوصول إليه إلا بعد التخلص من هؤلاء جميعاً؟ أم أن استمرار الفوضى بل وخلقها في بعض الأحيان واستباحة حرمات المسلمين بعضهم بعضا هو ما تبشرنا به القاعدة؟

وقارن بين ما نتحدث عنه وهي أحكام انبثقت عن اتهامات لم تثبت بعد في حق المتهمين، وقصة الصحابي الجليل حاطب ابن أبي بلتعة الذي كشف سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقريش في غزوة فتح مكة، وهي بمفهومنا الحديث ترتقي إلى خيانة من الدرجة الأولى، هل الرسول الكريم حكم عليه بالإعدام أو الكفر؟ أم أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة يؤكد إيمانه، وما حصل منه لا يتعدى كونه زلة لا تعادل ماضيه الناصع.

3- انحياز في غير محله: هدفت القاعدة من هذه الرسائل والبيانات إلى تأييد بعض الجماعات المسلحة التي ترفض الحكومة ورئيسها، وتأكيد مساندتها ومساعدتها لهم وأنهم ليسوا وحدهم في الساحة. وأين هذا الموقف التحريضي من قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} الحجرات.

وهل دور باقي المسلمين في القضية الصومالية يكون في إثارة الفتن والإحن والتحريض ضد بعضهم، أم هو كما يقول الحكيم جلّ وعلا في الآية الكريمة يتمثل في إصلاح ذات البين والتأليف فيما بينهم.

العوج والتناقض في منهجية تفكير القاعدة
يوماً بعد يوم تتعرى القاعدة بابتعادها عن المبادئ الأساسية للإسلام الذي تزعم أنها تسعى لتحقيقه على وجه البسيطة، إذ ترتكب وتمارس نفس الأخطاء التي عابت على خصومها "الأميركان" وهي مصادرة الأفكار واحتكار الحق واستباحة الحرمات وغيرها، ونحن لا نحكم ولا ننتقد القاعدة إلا لمخالفتها بما تزعم الإيمان به، وهي نصوص ومبادئ أساسية في الإسلام لم يحترموها ناهيك عن التزامها، ويتجلى هذا العوج في التفكير والتناقض في المواقف في نقاط عديدة من البيان السالف الذكر ومنها:

1- الدعوة إلى استمرار إراقة الدماء بين أبناء الصومال: في نظر القاعدة: عشرون سنة ليست كافية في أن يستمر النزف الصومالي بأيدي أبنائه، وليس مطلوباً الاستفادة من الأمل البسيط الذي تمثله حكومة شريف لإتمام المصالحة وتصحيح الحكومة بالحوار معها، وبدلاً من دعوتها إلى التوحد وإزالة الفرقة وتجميع الكلمة ضد الأخطار التي تهدد هذا البلد كما يأمرنا تبارك وتعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقوله سبحانه {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وقوله جل في علاه {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}  وغيرها من النصوص، أو على الأقل أن تدعو إلى محاورة الحكومة لإفشال خططها "غير النزيهة " بالحوار والنقاش معها، وبدلاً من هذا كله تدعو إلى الفرقة وإراقة الدماء وإلى مقاتلة أبناء البلد ضد بعضهم وأن يستبيح بعضهم بعضاً، أي نقيض ما جاء في النصوص تماما، وأول الغيث قطرة كما يقولون حيث رأينا بعد عدة أيام من آخر هذه البيانات كيف تم استهداف الشيخ عبد القادر علي عمر وزير الداخلية في حكومة شريف في محاولة اغتيال فاشلة، وكتب الله له النجاة وحمدا لله على السّلامة.

أنا لا أتهم أيّ جهة ولكن الحقيقة أن هناك جواً مهيّأً لمثل هذه الأعمال الوحشية أفرزته هذه البيانات وغيرها، حتى ولو استثمره غير أصحاب البيانات.

2- تسفيه العلماء: صورة من صور مصادرة أفكار الآخرين وتجهيلهم وتسفيههم واحتكار الحق والفهم الصحيح التي تمارسها القاعدة بحق الأمة، بحيث أن قرابة خمسين من علماء الصومال والذين اجتمعوا في مقديشو وعرضوا وساطتهم بين الحكومة وخصومها وأصدروا بياناً لتقريب وجهات النظر، لا يفهمون في نظر القاعدة عن الحالة الصومالية شيئاً!!

وهؤلاء العلماء فضلاً عن كونهم صوماليين أي "أبناء القضية المباشرين" فمعظمهم عاش طيلة الأزمة الصومالية داخل البلاد مما يمكنهم من معرفة الواقع عن كثب أكثر من أي إنسان آخر، وطبعا أكثر من قيادات القاعدة القابعين في كهوف أفغانستان.

والأمر نفسه -أي الاتهام- وقع على علماء العالم الإسلامي الذين ذهبوا فيما ذهب إليه زملاؤهم الصوماليون وفي مقدمتهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والحملة العالمية لمقاومة العدوان.

"
القاعدة بدعوتها مقاتلة الصوماليين ضد بعضهم بعد رحيل الاحتلال واستمرار الفوضى في بلادهم, فإنها تفقد التعاطف والمصداقية إن بقي لها شيء منه, وتضع نفسها في موقف لا تحسد عليه حيث تضرب ببعض المبادئ الأساسية في الإسلام عرض الحائط
"

وتجدر الإشارة سواء رفضت القاعدة أم لم ترفض إلى أن العلماء ينطلقون في تحركهم هذا من قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء، ومن قوله سبحانه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} الحجرات،  {والصلح خير} كما جاء في آية أخرى. وليس لديهم أي مصلحة أو أجندة خاصة بهم، فهل القاعدة ترفض تطبيق ما تأمر به الآيات على حياة المسلمين، أم أنها تنطلق من مفهومها وأجندتها الخاصة التي تجعلها حسب رأيها وصية على الجميع، ومصلحتها فوق مصلحة الآخرين.

3- انتهاكات صارخة على الشريعة الإسلامية: الدعوة إلى مقاتلة الصوماليين ضد بعضهم، واتهام العلماء بعدم درايتهم للواقع لنسف جهودهم، وتكفير شريف وحكومته لاستباحة دمهم، ماذا يعني كل هذا؟ ألا يعتبر هذا انتهاكاً صارخاً في حق الشريعة الإسلامية التي صانت حرمات هؤلاء جميعاً وحافظت عليها إلا بحق؟ ومن يبين هذا الحق؟ أليس العلماء الذين يتم تجاهلهم واستبعادهم عن القضية ؟! وما تمارسه القاعدة ليس إلا فتاوى دون علم، أو مع علم ولكنه غلبت عليه الأجندة السياسية الخاصة ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

وفي الختام أقول: عندما كانت القاعدة توجه سهامها ضد أعدائها الذين أعلنوا الحرب عليها، وكان ما تفعله ردا لهجومهم عليها ومحاولة دفع بعض الظلم عنها، حينها كانت تلقى بعض التعاطف من بعض المسلمين، ولكن عندما وجهت هذه السهام إلى بيوت المسلمين الآمنة والتفجير هنا وهناك كما حصل في عديد من البلاد العربية والإسلامية، أو على الأقل لم تستنكر قياداتها هذه الأفعال التي قام بعض المحسوبين عليها، عندها فقدت كثيرا من هذا التعاطف.

والآن وبدعوتها مقاتلة الصوماليين ضد بعضهم بعد رحيل الاحتلال واستمرار الفوضى في بلادهم ليعيش هذا الشعب منكوبا مقهورا دائما في مخيمات اللاجئين البائسة، فإنها تفقد التعاطف والمصداقية إن بقي لها شيء منه.

ومن جهة أخرى فإنها تضع نفسها في موقف لا تـُحسد عليه حيث تضرب ببعض المبادئ الأساسية في الإسلام عرض الحائط، بينما تدعي ليلاً ونهاراً أنها تسعى لخدمة الاسلام!! ويا للمفارقة.
ــــــــ
كاتب صومالي

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان