سبع ملاحظات على صفقة التبادل بين حماس وتل أبيب
يبدو أنّ صفقة تبادل الأسرى بين الدولة العبرية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في طريقها للخروج إلى حيّز التنفيذ، ومع ذلك فإنّ الطرفين يحاولان خفض سقف التوقعات، ويشددان على حصول تقدم في المفاوضات، ولكن إبرام الصفقة نهائيًّا ما زال بعيدًا، كما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما قال لا أعرف هل خرجت الصفقة إلى حيّز التنفيذ أم لا، ولا أدري هل ستتم الصفقة أم لا، فالأمور متعلقة بأطراف أخرى، على حد تعبيره.
الصفقة هي بمثابة امتحان مهم للغاية لحركة حماس، لأنّ نتائجها ستلقي بظلالها على مصير الحركة في الشارع العربي الفلسطيني بجميع أطيافه وألوانه، وأيضا على حاضرها ومستقبلها وتأثيرها على الشارعين العربي والإسلامي، ولكن قبل الخوض في الامتحان، نرى من المناسب التطرق إلى بعض الأمور، ليس استباقًا للأحداث، وإنّما لوضع بعض النقاط على عددٍ من الحروف، ومحاولة لسبر أغوار هذه الظاهرة:
" المخابرات الإسرائيلية، وبمشاركة المخابرات الغربية، وتواطؤ مخابرات عربية، بذلت جهودًا جبّارة من أجل الحصول على معلومات عن شاليط, لكنّها فشلت فشلاً مجلجلاً " |
أولا: يتشدق أركان الدولة العبرية بمناسبة أو بغير مناسبة بأنّ المخابرات الإسرائيلية هي من أقوى المخابرات في العالم، وبأنّها حققت إنجازات منقطعة النظير، لا يمكن الكشف عنها الآن، لأنّها قد تمس بأمن الدولة، على حد تعبيرهم.
الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، تمّ أسره خلال عملية عسكرية خطط لها وأشرف عليها شخصيًّا قائد كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري، في الخامس والعشرين من شهر يونيو/حزيران من عام 2006، أي قبل ثلاث سنوات وخمسة أشهر.
الجندي المأسور محتجز، وفق المعلومات المتوفرة في مدينة غزة، المخابرات الإسرائيلية، ولا نستبعد مشاركة المخابرات الغربية، وتواطؤ مخابرات عربية، بذلت جهودًا جبّارة من أجل الحصول على معلومات عن الجندي الأسير، ولكنّها فشلت فشلاً مجلجلاً، أثبت أنّها ليست مجموعة سوبرمانات، قادرة على كل شيء، على الرغم من أنّها خصصت المبالغ الطائلة من أجل العثور على الجندي والقيام بعملية تحريره، لكي لا تدفع الدولة العبرية الثمن من ناحية، ولكي تؤكد للجميع أنّها قادرة على تنفيذ عمليات بطولية، من الناحية الأخرى.
حماس تمكنت من إدارة الأزمة بطريقة ممتازة للغاية، ومنعت إسرائيل من معرفة مكان احتجاز شاليط، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى علينا أن نتذكر أنّه بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، قامت الحركة بقطع دابر العملاء والخونة، الذين كانوا يزودون المخابرات الإسرائيلية بالمعلومات المهمة عن تحرك المقاومين والمجاهدين، وحتى المحلل للشؤون الإستراتيجية في صحيفة يديعوت أحرونوت، إليكس فيشمان المعروف بصلاته الوطيدة مع المنظومة الأمنية في الدولة العبرية، اعترف وبفم مليء في مقال نشره بأنّ المخابرات الإسرائيلية أخفقت في فك رموز الجعبري، الذي يُسمى إسرائيليًّا بقائد هيئة الأركان العامة لحماس، لافتًا إلى أنّ هذا الشخص، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن التخطيط لمئات العمليات ضدّها، هو صاحب القول الفصل في قضية صفقة التبادل. بإيجازٍ شديدٍ يمكن الجزم بأنّ حماس تغلبت على إسرائيل في هذه المعركة، وبأن الأخيرة مُنيت بهزيمة نكراء لم تتعود عليها في الماضي.
ثانيا: مضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار قضية مهمة للغاية بالنسبة لحماس تحديدًا وبالنسبة للشعب الفلسطيني برمته، فمنذ اتفاق أوسلو الذي تمّ توقيعه بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر/أيلول عام 1993، قامت إسرائيل بإطلاق سراح حوالي تسعة آلاف أسير فلسطيني من منطلق بوادر حسن النية للسلطة الفلسطينية وبهدف تشجيعها على المضي قدمًا في المفاوضات التي جلبت الويلات على الفلسطينيين، الدولة العبرية رفضت بشكل قاطعٍ إطلاق سراح أسرى من عرب الداخل، زاعمة بأنّ الحديث يجري عن مواطنين إسرائيليين خانوا دولتهم في زمن الحرب، وتمكنت من فرض هذه الأجندة على السلطة الفلسطينية، التي تنازلت عن هؤلاء الأسرى وحوّلتهم إلى أيتام على موائد اللئام.
" إطلاق سراح أسرى من مناطق الـ48، سيكون صفعة تتلقاها إسرائيل من حماس، وسيكون رسالة أخرى إلى صنّاع القرار في تل أبيب بأنّ محاولات تقسيم العرب إلى عربين مصيرها الفشل الذريع " |
والمفارقة العجيبة والغريبة أنّ هؤلاء الأسرى السياسيين نفّذوا أعمال المقاومة بأوامر من قادة فلسطينيين باتوا بعد توقيع أوسلو السيئ الصيت والسمعة أصدقاء للدولة العبرية. من هنا فإنّ إصرار حماس على أن تشمل الصفقة المزمع إبرامها مع إسرائيل أسرى من مناطق الـ48، الذين يستوفون الشروط التي وضعتها الحركة بنفسها، سيُغيّر قواعد اللعبة ويعيدنا إلى عام 1985، عندما تمكن أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة من فرض شروطه على إسرائيل وأجبرها على تحرير 39 أسيرًا من عرب الداخل، وإطلاق أسرى من عرب الداخل في الصفقة الجديدة سيكون رسالة إلى محمود عبّاس وإلى زمرة المحيطين به مفادها أنّ محاولتهم لسلخ فلسطينيي الداخل عن شعبهم مصيرها مزبلة التاريخ، ولا ضير في هذا السياق في التذكير بأنّ السيد محمود عبّاس صرح في أكثر من مناسبة بأنّ فلسطينيي الداخل هم (عرب إسرائيل) ومواقفهم المتشنجة، على حد وصفه، تعود سلبًا على القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، فإطلاق سراح أسرى من مناطق الـ48، سيكون صفعة أخرى تتلقاها إسرائيل من حماس، وسيكون رسالة أخرى إلى صنّاع القرار في تل أبيب بأنّ محاولات تقسيم العرب إلى عربين مصيرها الفشل الذريع.
ثالثا: علاوة على ذلك، يجب الانتباه إلى أن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيلفان شالوم، قال إنّ بلاده لن توافق على إطلاق سراح الأسيرين مروان البرغوثي، من حركة فتح، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، فيما تواصل حماس التأكيد على أنّها شملت في القائمة التي قدّمتها البرغوثي وسعدات، وعليه فإنّ إجبار إسرائيل على الموافقة على إطلاق سراح المناضلين المذكورين، سيكون له أبعاد وتداعيات كبيرة على الشارع الفلسطيني.
فحماس ستثبت لكل من في رأسه عينان أنّها بعيدة عن الفئوية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى -في اعتقادنا المتواضع- فإنّ البرغوثي، وهو من أقطاب حركة فتح، لا يحمل ضغينة على حركة حماس، مثل بعض زعماء حركة فتح، وبالتالي فإنّ لإطلاق سراحه الكثير من الإيجابيات، وفي مقدمتها التأثير الكبير على إعادة اللحمة إلى البيت الفلسطيني وتوحيد الشعب بهدف مقاومة الاحتلال بعيدًا عن المفاوضات العبثية التي تقودها مجموعة أوسلو، هذه المفاوضات التي لم تفض إلى أيّ شيء، بل بالعكس رفعت من وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة، وعندما تعود اللحمة إلى البيت الفلسطيني الممزق سيتعلم الإسرائيليون درسًا لن ينسوه في التعاضد والتماسك الفلسطيني، وهذا الأمر أيضا سيؤثر كثيرًا على الشعب الفلسطيني التواق إلى الحرية والتحرر من نير الاحتلال.
والتسريبات الإسرائيلية بأنّ محمود عبّاس يخشى من الصفقة لأنّها ستُقوي حركة حماس، في اعتقادنا صحيحة، فعبّاس تمكن من إطلاق سراح أسرى بقي على انتهاء مدة محكوميتهم عدة أشهر، بالإضافة إلى أسرى جنائيين كانوا في السجون الإسرائيلية.
" إصرار حماس على إطلاق سراح الأسرى الذين وردت أسماؤهم في القائمة التي قُدّمت لإسرائيل عبر المصريين، يثبت للدولة العبرية أنّ حماس هي حركة إسلامية ووطنية وغير مستعدة للتنازل عن الثوابت " |
رابعا: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كال المديح في خطابه الأخير عن تجميد الاستيطان للأجهزة الأمنية الفلسطينية ودورها الحاسم في قطع ما أسماه بدابر الإرهاب في الضفة الغربية المحتلة، وباعتراف إسرائيلي لا يقوى على تحمل الضغوطات. وقد اكتشفت حركة حماس بحنكتها وحكمتها هذا الأمر، فأجلّت إخراج الصفقة إلى حيّز التنفيذ لأنّها على علم ودراية بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي سيمنح الحركة ما تريده في هذا الشأن بعد مرور عدة أشهر، كما أكده المحلل فيشمان، في يديعوت أحرونوت. وإصرار حماس على إطلاق سراح الأسرى الذين وردت أسماؤهم في القائمة التي قُدّمت لإسرائيل عبر المصريين، يثبت للدولة العبرية أنّ حماس هي حركة إسلامية ووطنية وغير مستعدة للتنازل عن الثوابت التي وضعتها هي بنفسها.
خامسا: وهناك نقطة أخرى لا تقل أهمية عن الأمور التي تطرقنا إليها، ففي الماضي غير البعيد رُشّحت أنباء كثيرة عن أنّ رئيس سلطة رام الله المأزومة، محمود عبّاس، طلب من الإسرائيليين عدم الموافقة على شروط حماس بالنسبة لصفقة التبادل، ومع أننّا لا نستبعد البتة قيامه بهذه الفعلة المشينة والمخزية، فإننّا نريد أن نقول بفم مليء إنّ الدولة العبرية تخشى أيضا من أنّ إخراج الصفقة إلى حيّز التنفيذ سيرفع أسهم حركة حماس في الشارع الفلسطيني على مختلف أطيافه، على حساب حزب السلطة، أي حركة فتح، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الدولة العبرية وأميركا وأوروبا والعرب المتواطئين، الذين يعملون كل ما في وسعهم من أجل مراضاة محمود عبّاس وسلطته المنهارة.
سادسا: أما النقطة التي نرى لزامًا على أنفسنا أن نحاول سبر غورها فتتعلق بتقدم المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بالنسبة لصفقة التبادل. المصريون احتكروا دور الوسيط، لكنّهم فشلوا في التوصل إلى نتائج، على الرغم من أنّهم قاموا بتهديد قادة حماس بأنّهم إذا لم يوافقوا على الشروط الإسرائيلية فإنّ مصيرهم سيكون الاغتيال من قبل دولة الاحتلال، حماس لم ترضخ للتهديدات ولم تأبه بالضغوطات، وبقيت مصرة على موقفها منذ البداية وحتى ما قبل النهاية.
التقدم في المفاوضات مرده دخول الوسيط الألماني على الخط، فمنذ الاتفاق عليه بين إسرائيل وحماس طرأ الكثير من التقدم، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى خط النهاية. بكلماتٍ أخرى، لو أنّ الوساطة المصرية كانت ناجحة، لما كانت هناك حاجة لإدخال وسيط غربي، أي أنّ مصر لم تتمكن من فرض شروطها على حركة حماس، كما طلب منها أركان دولة الاحتلال.
" تمّ الزج بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لأنّهم كانوا يقاومون الاحتلال، أما شاليط فقد كان في مهمة عسكرية لتكريس الاحتلال، وهذا هو الفرق الجوهري بين أسرانا وأسراهم " |
سابعا: وأخيرًا، لا بدّ من الاعتراف بأنّه على الرغم من أنّ الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، يعتبر كنزًا إستراتيجيًّا بالنسبة لحماس، فإنّه بمعنى أو بآخر بات عبئًا على الحركة، عبئًا من ناحية المحافظة عليه، وعدم السماح للإسرائيليين بالعثور عليه أو تحديد مكان احتجازه، وعبئًا لأنّ عائلات الأسرى الفلسطينيين كثّفت من ضغوطها على الحركة لإطلاق سراح أبنائها الذين يقبعون في غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي.
من هنا فإنّ الحركة، مثل إسرائيل، بحاجةٍ ماسّةٍ لطيّ هذا الملف، وكلنا أمل في أن يتم الاتفاق ويعود الأسرى إلى عائلاتهم وبيوتهم، بما في ذلك شاليط، ولكن على العالم أن يتذكر أنّ الأسرى الفلسطينيين تمّ الزج بهم في سجون الاحتلال لأنّهم كانوا يقاومون الاحتلال، أما شاليط فقد كان في مهمة عسكرية لتكريس الاحتلال، وهذا هو الفرق الجوهري بين أسرانا وأسراهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.