حول اتفاقية التهدئة في قطاع غزة

حول اتفاقية التهدئة في قطاع غزة



منير شفيق

أعلن في 18/6/2008 النص الحرفي لاتفاقية التهدئة التي أبرمت بوساطة مصرية وقد تعهدت فيها حكومة الكيان الصهيوني من جهة وكل من حركة حماس وبالاتفاق مع كل فصائل المقاومة من جهة أخرى على وقف متبادل لكافة الأعمال العسكرية من قطاع غزة ومن الجيش الصهيوني بما لا يشمل الضفة الغربية, وذلك بدءا من يوم الخميس الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي. وعينت مدة التهدئة بستة أشهر.

وسيتم تنفيذها بالتوافق مع مصر وفي ظل رعايتها. ويبدأ فتح المعابر بشكل جزئي في الساعات التالية بعد دخول التهدئة حيز التنفيذ. ثم ستعمل مصر لاحقا على تنفيذ التهدئة إلى الضفة الغربية (البند الخامس) ثم تستضيف مصر في الأسبوع التالي لقاء يضم السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجانب الأوروبي من أجل مناقشة آليات فتح معبر رفح (البند السادس والأخير).

"
تذكر المواقف والممارسات الإسرائيلية والمقارنة بالنص الراهن للتهدئة لا يتركان مجالا للشك في أن التراجع كان من نصيب الحكومة الصهيونية وإذا كان هنالك من تراجع ممكن أن يسجل على الطرف الفلسطيني فينحصر في عدم إدراج الضفة الغربية في التهدئة
"

من يدقق في النص مع مقارنته بالمواقف الإسرائيلية التي تشددت في رفض الاتفاق على وقف متبادل لكافة الأعمال العسكرية يجد تراجعا إسرائيليا، فالتهدئة يجب أن تكون من طرف واحد, ولا تقبل بأن تتعامل مع المقاومة بندية, أو تعترف لها بحق وقف إطلاق النار أو العمليات العسكرية لأن هذا يعني الاعتراف بحقها في إطلاق النار والقيام بعمليات عسكرية تعتبرها "إرهابا" وتعتبر المنظمات التي تمارسها "منظمات إرهابية".

وهذا مدعاة لتأمل أبعاد التراجع الإسرائيلي الحاصل الآن. فقد حاولت إدراج إطلاق الأسير شاليط مقابل التهدئة مع عدم الالتزام بفك الحصار أو فتح المعابر, أو أن تكون ثمة كلمة لحماس في موضوع معبر رفح الذي أخضعته الاتفاقية لمفاوضات تشرف عليها مصر بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجانب الأوروبي.

لهذا لا بد من التدقيق في نص الاتفاقية ومقارنتها بالمواقف الإسرائيلية السابقة والتاريخية, مع وضعها في إطار الممارسات الصهيونية مؤخرا والممتدة من حصار قطاع غزة حصارا خانقا، إلى محاولتين لاقتحام القطاع، إلى مواصلة الاغتيالات، وأخيرا وليس آخرا التهديد باحتلال القطاع وتصفية حركتي حماس والجهاد والفصائل التي تمارس المقاومة حتى اللحظة السابقة لتوقيع الاتفاقية.

وذلك لأن تذكر المواقف والممارسات الإسرائيلية والمقارنة بالنص الراهن للتهدئة لا يتركان مجالا للشك في أن التراجع كان من نصيب الحكومة الصهيونية وإذا كان هنالك من تراجع ممكن أن يسجل على الطرف الفلسطيني فينحصر في عدم إدراج الضفة الغربية في التهدئة.

علما أن الاتفاقية تضمنت نصا تعهدت فيه مصر لاحقا بتنفيذ التهدئة في الضفة الغربية. وهو تعهد وافق عليه الطرف الإسرائيلي الصهيوني كذلك.

وبالمناسبة إن الإصرار الفلسطيني السابق على أن تشمل التهدئة الضفة الغربية أيضا ربما صدر عن دوافع مبدئية مرتكزة على وحدة الضفة والقطاع, إلى جانب إعطاء فرصة للضفة لتستريح بعض الشيء من الاعتقالات والاغتيالات والاقتحامات. وإن كان هذا الجانب الثاني جزئيا لأن حكومة سلام فياض تقوم بتفكيك خلايا المقاومة, ومن ثم لا ينسحب عليها اتفاق التهدئة.

لكن, في الحقيقة إن استثناء الضفة الغربية من التهدئة لا يمس بمبدأ وحدتها مع القطاع إلا شكليا. ذلك لأن هذا الاستثناء سيف ذو حدين, إذ يمكن أن تحول -بل يجب أن تحول- الضفة إلى انتفاضة ضد الاحتلال وضد ما يرتكبه الاحتلال من جرائم, وهي الإستراتيجية التي يجب أن تتبناها فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني فورا بعد تنفيذ اتفاقية التهدئة، لأن الضفة ما زالت تحت الاحتلال المباشر ويجب أن يدحر الاحتلال عنها كما دحر من قطاع غزة، وإن لم يكن دحرا كاملا بسبب استمرار الحصار الذي يمارسه الاحتلال.

ولهذا يمكن تحويل استثناء الضفة من التهدئة إلى سيف كفاحي ضد الاحتلال، واستبقاء روحية المقاومة والممانعة تحت الفعل المستمر. فما يعتبر تراجعا فلسطينيا هو في الحقيقة ليس بتراجع إلا من الناحية الشكلية الصرفة.

فالتهدئة في قطاع غزة محددة بستة أشهر، ولا يستطيع القطاع أن يسحب إصبعه عن الزناد أو يرتب أوضاعه إلا بوحدة الموقف الفلسطيني بدحر الاحتلال بالكامل وبلا قيد أو شرط.

"
يمكن تحويل استثناء الضفة من التهدئة إلى سيف كفاحي ضد الاحتلال واستبقاء روحية المقاومة والممانعة تحت الفعل المستمر. فما يعتبر تراجعا فلسطينيا هو في الحقيقة ليس بتراجع إلا من الناحية الشكلية الصرفة
"

وقد أثبتت التجربة أن استثناء الضفة من التهدئة أفضل من إدراجها فيها. إن شرط العمل لاحقا على تنفيذ التهدئة في الضفة الغربية يجب أن لا يتم وفقا لمنهج السلطة في عقد اتفاق المعابر أو اتفاق فك الحصار عن الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات والذي شمل المعتصمين في كنيسة المهد أو اتفاق أوسلو.

أي يجب أن تكون يد فصائل المقاومة فيه هي العليا كما حدث في اتفاق التهدئة الأخير. وبكلمة يجب استبعاد حكومة سلام فياض والمفاوض الفلسطيني من التفاوض, أو التدخل في البند المتعلق بالتهدئة لاحقا بالضفة الغربية.

أما الأمر الذي يجب أن يدرك في هذا الصدد وهو نفسه الذي يفسر لماذا تراجعت حكومة الكيان الصهيوني عن مواقفها السابقة وقبلت بالتهدئة كما نصت عليها الاتفاقية, فيتلخص في معرفة المدى الذي وصله الضعف الأميركي والإسرائيلي نتيجة السنوات السبع الماضية على المستوى الفلسطيني واللبناني والعراقي والصومالي والأفغاني, وعلى المستوى العربي والإسلامي العام كما على المستوى العالمي.

ما كان من الممكن للعقلية الصهيونية والغطرسة الإسرائيلية أن تعقد مثل هذا الاتفاق لو كان بمقدور الجيش الإسرائيلي اقتحام قطاع غزة وفرض الحل العسكري.

وبالطبع ما كان لقطاع غزة وحماس والجهاد أن يصلوا إلى هذا الاتفاق لولا الصمود أمام حصار التجويع والحرمان من الدواء والماء والكهرباء والوقود.

فالاستعداد لمقاتلة الاقتحام من بيت لبيت ومن شارع لشارع ومع دعم جماهير العرب والمسلمين (الأمة تقاتل مع قطاع غزة إذا اندلعت الحرب, وكان الصمود وكان القتال) وقد ثبت ذلك عمليا في جولتين أو محاولتين للاقتحام.

وكذلك تحدي الحصار والإقدام على تحطيمه مهما كان الثمن, هما اللذان فرضا على حكومة الكيان الصهيوني التراجع, والقبول بالندية في وقف العمليات العسكرية والتهدئة. وذلك من دون نسيان الإصرار على إطلاق الصواريخ وما حدث من عمليات.

وهنا يجب أن يشدد على إبراز الموقف الصلب لحماس والجهاد والفصائل المقاومة في التفاوض حول التهدئة, ورفض الشروط الإسرائيلية مما أسهم بدوره في إجبار المفاوض الإسرائيلي على التراجع، وذلك عكس المواقف الهزيلة للمفاوض الفلسطيني المتراجعة دوما والمتهالكة على الوصول إلى اتفاق, ولا تقف إلا عندما يصبح المطلوب التنازل عن القدس كليا, وليس جزيئا, أو المشاركة في أرض المسجد الأقصى أو ما تحته.

"
الموقف الصلب لحماس والجهاد والفصائل المقاومة في التفاوض حول التهدئة, ورفض الشروط الإسرائيلية أسهم في إجبار المفاوض الإسرائيلي على التراجع وذلك عكس المواقف الهزيلة للمفاوض الفلسطيني المتراجعة دوما
"

هذه التجربة , وإن كانت على مستوى محدود (قطاع غزة) إلا أنها يجب أن تدفع حركة فتح ومن يناصر نهج الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قيادات فلسطينية دخلت أوسلو, في إستراتيجيته التفاوضية -هذا في بعض النقاط الثانوية وشبه الشكلية- إلى مراجعة تلك الإستراتيجية.

وذلك بالتخلص أولا من وهم أن الكيان الصهيوني لا يملك أن يتراجع أو أنه من غير الممكن أن يفرض عليه وعلى أميركا ما لا يريدان. وثانيا أن يستعيدوا الثقة بقدرة شعبهم على الصمود والتضحية إلى أبعد الحدود -لا حاجة إلى أن ندعوهم إلى الثقة بنصر الله إن نصروه- وثالثا التأكد من انتهاء مرحلة الهزائم العسكرية أو مرحلة الجيش الذي لا يقهر, التي ترعرعوا في أكنافها وتجمدت عقولهم عندها.

فلم يعودوا يستطيعون إدراك المرحلة الجديدة، مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بلا تفاوض وبلا قيد أو شرط, مرحلة المقاومة والانتفاضة الفلسطينية بعد العام 2000, ثم فك الارتباط بقطاع غزة وتفكيك المستوطنات أيضا بلا قيد أو شرط, مرحلة المقاومة العراقية التي أفشلت الاحتلال الأميركي ووضعته على حافة الهزيمة, ثم مرحلة الصمود في وجه الحصار في قطاع غزة واستعصاء اقتحامه عسكريا ووقوف الأمة إلى جانب المقاومين حين يثبتون ويصبرون ويواجهون.

ولا ضرورة إلى الحديث عن مرحلة المقاومة الأفغانية في وجه الاحتلال الأميركي المدعوم من الحلف الأطلسي وما ينتظر أميركا هناك.

وأخيرا وليس آخرا مرحلة حرب يوليو/تموز 2006 حيث لم يستطع الجيش الذي لا يقهر -وقد بهر البعض حتى تفككت مفاصلهم- أن يحتل شبرا من أرض جنوب لبنان.

ويكفي لمن يريد أن يخرج من كابوس مرحلة الحرب الباردة وأوهام القطب الواحد أن يقرأ تقريري فينوغراد أو يقرأ ما كتبه كبار المؤرخين العسكريين الإسرائيليين عن التدهور الذي وصله الجيش الصهيوني قيادة, وضباطا, وجنودا, وهو محسوب أيضا على المجتمع والدولة والأحزاب السياسية.

أما الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية فهو إدراك الضعف الذي وصلته أميركا في هذه المرحلة بالذات, وعلى التحديد بعد سبع سنوات من محاولة فرض نظام الأحادية القطبية ونظام الشرق الأوسط الكبير من خلال القوة العسكرية ويكفي، أن يلاحظ وبلا جهد ومشقة, كيف غاب كل حديث عن النظامين. وذلك نتيجة مسلسل الإخفاقات في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال.

وأضف انتقال روسيا إلى مكانة الدولة الكبرى بكل ما تمتلكه من قدرات نووية وصاروخية وتكنولوجيه موروثة عن الاتحاد السوفياتي طورت مؤخرا. وقد تخلصت خلال السبع سنوات الماضية من مراكز القوى المؤمركة والمصهينة, أو أغلبها, في الدولة والاقتصاد والإعلام.

ووفت بديونها بعد أن كانت على حافة الإفلاس عام 1999/2001, وأفادت من ارتفاع أسعار النفط لتعزيز اقتصادها. ثم زد، التطورات الهائلة التي حدثت في القدرات الاقتصادية والعسكرية والعلمية الصينية (إغراق الأسواق العالمية ببضائعها وإسقاط قمر صناعي صيني بصاروخ عطل أجهزة الرصد الأميركي وأصاب هدفه بنجاح). ثم يمكن أن يقال ما يشبهه بالنسبة إلى الهند أو البرازيل اقتصاديا, أو إيران نوويا -ولو سلميا-.

"
إنه لوضع من الضعف والتدهور لا مثيل له منذ استقلال الولايات المتحدة الأميركية أو بالأدق منذ انتصار الشمال على الجنوب في الحرب الأهلية وهذا ما يفسر كيف وقفت عاجزة أمام الأزمة اللبنانية الأخيرة
"

أما ما حدث من تطورات استقلالية وحتى ثورية في أميركا اللاتينية فقد اقتحم الهيمنة الأميركية في عقر "فنائها الخاص". وأصبح قدوة للشعوب المستضعفة الأخرى.

هذا ولم يقتصر الأمر على هذه الوقائع إذ عكست نفسها على الداخل الأميركي حيث انقسم الرأي العام في الموقف من قضية العراق باتجاه ضرورة الانسحاب. وأصبحت شعبية الرئيس بوش قريبة من الحضيض.

ثم زاد الطين بلة مع انهيار الرهن العقاري, وزحف الركود على الإنتاج, وتصاعد التضخم وانهيار مكانة الدولار, وتفاقم الديون الداخلية والخارجية على الخزينة الأميركية , ولولا السطوة العسكرية, وتدفق مئات المليارات الخليجية إلى البنوك الأميركية, والطباعة الورقية للدولار لأعلنت الإدارة الأمريكية الإفلاس.

إنه لوضع من الضعف والتدهور لا مثيل له منذ استقلال الولايات المتحدة الأميركية أو بالأدق منذ انتصار الشمال على الجنوب في الحرب الأهلية، وهذا ما يفسر كيف وقفت عاجزة أمام الأزمة اللبنانية الأخيرة، مما أتاح الفرصة لقطر أن تنجح في اتفاق الدوحة اللبناني–اللبناني وبدعم الذين عارضوا السياسات الأميركية, كما الذين راهنوا عليها فخيبت آمالهم, بينما وقفت إدارة بوش متفاجئة, كما عبر عن ذلك ديفد ولش مسؤول خلية إدارة الأزمة اللبنانية في الخارجية.

ثم اضطرت كوندوليزا رايس في زيارتها الأخيرة إلى لبنان لتأييد اتفاقية الدوحة وما نجم عنها من انتخاب لرئيس الجمهورية وتوجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد وعدت بدعم الحكومة بعد تشكيلها حتى لو ضمت وزراء من حزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية.

وقد فعلت كوندوليزا رايس الشيء نفسه وهي تعلق دعمها لانفتاح فرنسا على سوريا, وإجراء مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية، بدلا من الرعاية الأميركية حيث لم يكن مسموحا لأحد حتى لأوروبا بالتدخل سابقا.

وهذا ما ينسحب على اتفاقية التهدئة والحوار الفلسطيني وكل ذلك يمثل تراجعات أميركية صارخة عن المواقف السابقة حتى بعد زيارة بوش الأخيرة للمنطقة.

كان الموقف الأميركي الرسمي والمعلن هو دعوة الدول العربية إلى محاربة حماس وحزب الله وسوريا وإيران. وأسهم الرئيس الأميركي بوش في ذلك شخصيا وتكرارا. وهو ما تناسته كوندوليزا رايس بتصريحاتها الأخيرة. إن الذين لا يلمسون إشكالية الضعف الأميركي-الإسرائيلي وما يعانيانه من حالة تدهور وعجز لا يستطيعون تفسير اتفاقية الدوحة اللبنانية-اللبنانية, ولا نجاح المسعى المصري لعقد اتفاقية التهدئة, ولا ما يجري من مفاوضات غير مباشرة إسرائيلية-سورية -بغض النظر عن الموقف المبدئي منها ومن التفاوض من حيث أتى-. فأولمرت هو الذي قدم التنازلات حتى يحصل عليها.

صحيح أن هذه المعادلة الدولية-الإقليمية لم تثبت بعد, وصحيح أن أميركا والكيان الصهيوني ما زالا قادرين على الكر من جديد، فإذا كانا الآن في حالة تراجع وغير قادرين على الإملاء إلا إنهما قادران على التخريب لا سميا بسبب ما يعانيه الوضع العربي والإقليمي في كل قطر وعلى مستوى الدولة من انقسامات وصراعات حادة.

الأمر الذي يوجب خلال هذا العام على الأقل, إن صار تطويقه وحرمان إدارة بوش من اللعب في الانقسامات الداخلية. أما طريق ذلك فيرجع إلى ضرورة نزع فتيل تفجر الانقسامات والعمل على إحياء روح الحوار والمساومات الداخلية والعربية-العربية, والعربية-الإيرانية. فالمعادلة الراهنة تسمح بالاختراقات كما حدث في اتفاقية الدوحة واتفاقية التهدئة.

فهي تسمح لبنانيا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ونزع فتيل الشحن الطائفي وإراحة الوضع لبضعة أشهر على الأقل.

"
الظرف الراهن وقبل مجيء رئيس أميركي جديد, ملائم جدا لإحداث اختراقات كبرى على مختلف الجبهات ولا سيما إذا تأكد أن إدارة بوش استبعدت شن حرب عدوانية على إيران في الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة
"

وتسمح عراقيا بتشكيل أوسع جبهة من فصائل المقاومة والقوى السياسية المعارضة للاحتلال, لإحباط مشروع الاتفاقية الأمنية التي ستبقي الاحتلال والانقسامات العراقية-العراقية الداخلية، وتكرس مع مشروع الاتفاقية النفطية الفساد ونهب الثروات والموازنات، والأهم أنها تنقذ الاحتلال من الانسحاب بلا قيد أو شرط. وقد وقف الآن على حافة الهزيمة.

وتسمح المعادلة (الإقليمية والدولية) المذكورة, بوقف إستراتيجية التفاوض التي يتبناها الرئيس محمود عباس, والعودة للوحدة الوطنية الفلسطينية باتجاه إطلاق مقاومة شعبية حاسمة ضد الاحتلال في الضفة الغربية وفرض الانسحاب بلا قيد أو شرط.

فجولة سنة في الأكثر من أجل الضفة الغربية, كما حدث في قطاع غزة يمكنها أن تفرض على الاحتلال مواصلة التراجع, شريطة توفر الوحدة الأميركية وتبني إستراتيجية الانتفاضة والمقاومة بحزم، وبعيدة من التفاوض حول التسوية وبعيدا حتى عن المطالبة بأن تشمل اتفاقية التهدئة الضفة الغربية.

فما تحتاج إليه الضفة الغربية ليس اتفاق تهدئة وإنما رفع سياسة حكومة سلام فياض في ملاحقة خلايا المقاومة, وإطلاق معتقليها والتخلي عن إستراتيجية التفاوض والتفاوض فقط, وعن الرهان على الراعي الأميركي الذي هو الطرف الإسرائيلي كما ثبت بالتجربة عبر مفاوضات ما بعد أنابوليس خصوصا.

إن الظرف الراهن وقبل مجيء رئيس أميركي جديد, ملائم جدا لإحداث اختراقات كبرى على مختلف الجبهات ولا سيما إذا تأكد أن إدارة بوش استبعدت شن حرب عدوان على إيران في الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة.

الحصانة السياسية تقتضي عدم انتظار القرار الأميركي سلبا أو إيجابا حول الحرب على إيران، وذلك من أجل الإفادة القصوى من المعادلة القائمة والظرف الراهن. أما إذا وقعت الحرب في أثناء ذلك فلكل حادث حديث.

بل قد تزيد من الظروف المواتية في مواجهة أميركا والكيان الصهيوني وتعميق أزماتهما وضعفهما وعزلتهما الدولية. فما هما فيه لا ينقضه في الوضع الراهن حرب, أولا حرب على إيران. فليس أمامهما غير التراجع للتقليل من الخسائر.
ــــــــــ
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.