مقتل "عيرو" وتداعياته على الصراع الصومالي

تصميم لصفحة المعرفة العنوان: مقتل "عيرو" وتداعياته على الصراع الصومالي



محمد الأمين محمد الهادي

– قتل عيرو.. انتصار أم فشل؟
– قتل عيرو.. رصيد إضافي للحركة
– مقتل عيرو يعرقل الحوار

أعلن البنتاغون بنشوة مقتل الزعيم الشاب آدم حاشي عيرو زعيم حركة شباب المجاهدين المقاومة للاحتلال الإثيوبي يوم الأول من مايو/أيار ٢٠٠٨ بعد أن قامت مقاتلاتها بضربة جوية ألقت ثلاثة قنابل كبيرة على منزل صغير في قرية ريفية بجنوب الصومال تعرف باسم طوس مريب في محافظة جلجدود على بعد ٥٠٠ كم شمال العاصمة مقديشو.

وكان يأوي إلى تلك القرية في ذلك الوقت مجموعة من الشباب من بينهم الزعيم المستهدف وأحد العلماء المنظرين للحركة، وذلك قرابة الثانية صباح يوم الأربعاء ٣٠ أبريل/نيسان ٢٠٠٨.

وتعودت المقاتلات الأميركية قصف المدنيين في الصومال بحجة استهداف الإرهابيين منذ دخول القوات الإثيوبية للصومال في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٦ لدعم ما يسمى بالحكومة الانتقالية التي اتخذتها إثيوبيا حجة وغطاء لاحتلالها المباشر للصومال، وإخراج قوات المحاكم الإسلامية من مقديشو بعدما دحرت زعماء الحرب المدعومين أميركيا وسيطرت على المناطق الجنوبية لتعيد إليها الأمن والأمان الذي افتقده الشعب خلال ١٦ عاما من الحرب الأهلية والفوضى.

وتعتبر هذه المرة الرابعة المعلنة رسميا على الأقل التي تقوم بها الولايات المتحدة بقصف مناطق ريفية، ولكنها المرة الوحيدة التي تتمكن فيها من إصابة هدفها، وتقتل من يعتقد أنه زعيم حركة شباب المجاهدين إضافة إلى مقتل ما يصل إلى ثلاثين من المدنيين حسب شهود عيان تحدثوا لوسائل الإعلام.

فعادة تكون حصيلة الغارات الجوية الأميركية في الصومال من المدنيين والرعاة وماشيتهم.


"
لن يكون مقتل زعيم حركة شباب المجاهدين "عيرو" أكثر من علامة على استمرار المواجهة والحرب غير المنطقية وغير العقلانية ولا يمكن أن تعتبر انتصارا ولا هزيمة لأي من الجانبين
"

قتل عيرو.. انتصار أم فشل؟
ستجد أميركا أن الجهود التي تبذلها مع حلفائها في المنطقة -ولاسيما الإثيوبيين وما يسمى بالحكومة الانتقالية- تؤتي ثمارها، ولذلك اعتبر المتحدث باسم البنتاغون في تصريحه أن مقتل عيرو انتصار على الإرهاب، وإن كانت الكلمة أصبحت غير ذات دلالة لغوية بسبب استخدامها أميركيا حين صارت ثوبا يُلبسه الأميركيون كل من يعارض سياساتهم.

ولكن المهم الذي يعني المحللين والمتابعين لقضايا المنطقة وللصراع الملتهب في الصومال هو تداعيات هذا الحادث، وأثر مقتل زعيم الشباب على مستقبل حركته أولا ثم على قطار المحادثات البطيء الذي كان من المتوقع أن يبدأ بوساطة أممية بين الحكومة الانتقالية والتحالف من أجل إعادة تحرير الصومال الذي شكل في سبتمبر/أيلول العام الماضي، والذي يقوده التيار الرئيسي للمقاومة ضد الاحتلال الإثيوبي.

حركة شباب المجاهدين برزت للعلن وأصبحت حديث وسائل الإعلام بعد الاحتلال الإثيوبي للصومال، ورغم ما يؤخذ عليها من خطاب متشدد صار يتوازى مع خطاب القاعدة، فإنها لم تعلن أنها جزء من القاعدة، ولا تبناها زعماء القاعدة المعروفون ولا أعطوها تلك الصفة.

وكل ما يملكه متهموها مما يمكن الاعتداد به هو أن بعض زعمائها من الشباب شاركوا في الحرب الأفغانية أو تدربوا في أفغانستان، وليس هناك دليل أنهم التقوا مع بن لادن أو غيره من زعماء القاعدة.

لكن المراكز الغربية ووسائل إعلامها اعتبروها جناح القاعدة في القرن الأفريقي، ووضعتها الولايات المتحدة تحت لائحة المنظمات الإرهابية. لكنها لم تتجاوز في استهدافها رقعة الصومال والاحتلال الإثيوبي والمتعاونين معه، ولم تهاجم أهدافا أميركية في السابق ولم تعلن عن سعيها لذلك.

ونحن هنا لا ندافع عن رؤية الحركة المتشددة والمتطرفة التي ينتقدها بسببها الكثير من المنصفين حتى داخل الحركة الإسلامية في الصومال، ولاسيما الخطاب غير الواقعي وغير المتوازن وكذلك توسعها في قتل المدنيين وغير المقاتلين، واعتبارها كل من يتعامل مع الحكومة العميلة عميلا، ما يشير إلى عدم فهمها لفقه الواقع وفقه الأولويات ورفضها للحوار كمبدأ.

ولكننا هنا في مشكلة مع الفهم والمنظور الغربي الأميركي وهو افتراضهم عادة أن القتل والموت يجدي مع المتطرفين والمتشددين ويمنعهم من الاستمرار في المقاومة، في حين يرى المتطرفون أنهم يجاهدون وبالتالي فالموت في سبيل الله أسمى الأماني، وبتحقق الموت يتحقق النجاح والهدف الأسمى في نيل الشهادة التي يسأل كل مسلم أن يمنحه الله إياها ليل نهار.

الأيدولوجية الاستشهادية هي الدافع لمقاتلي حركة الشباب في الصومال ولكثير من الاستشهاديين في المناطق الأخرى من العالم، ويعتقد هؤلاء أن دم الشهيد هو الذي يغذي ويلهم الأجيال المقبلة من المقاتلين. ولكنهم لا يعتقدون أن الله كما أمرنا أن نموت من أجل الإسلام أمرنا أيضا أن نحيا من أجل الإسلام.

وهنا تكمن المعضلة التي تولد الفعل ورد الفعل والعنف بين إرهاب دولة ظالم يحاول عبر الإرهاب والقتل نشر أيدولوجيتها الليبرالية وفرض الديمقراطية، وبين هؤلاء الذين لا يقتصرون على مقاومتها -وهو فعل شرعي- بل يتجاوزون ذلك إلى السعي لفرض فهمهم للإسلام ويجيزون لأنفسهم قتل الناس بالشبهة وعدم الاعتداد بمقتل المدنيين عندما يختلطون بالعدو.

وكلا الطرفين يفرض رؤيته وأيدولوجيته بممارسة العنف والقوة الباطشة فيقترفون فظائع وأعمالا وحشية تأبى الفطرة قبولها.

وتكون العقلانية وصوت المنطق والحكمة هما الضحية، ولأنهم يمارسون البطش والقوة والقهر -بغض النظر عن مقدار ومستوى قوة وبطش كل طرف منهما- يكون صوتهم هو الأعلى والمسموع، بينما تكون أصوات الضعفاء الذين يريدون أن يجادلوا بالحكمة ضعيفة وتنتهك بين سنابك خيلهم ورجلهم.

وبهذا المعنى لن تكون وفاة زعيم حركة شباب المجاهدين "عيرو" أكثر من علامة على استمرار المواجهة والحرب غير المنطقية وغير العقلانية ولا يمكن أن تعتبر انتصارا ولا هزيمة لأي من الجانبين.


"
حركة شباب المجاهدين تستمد شرعيتها من وجود الاحتلال والجرائم التي يقترفها، ومن انتهاك حقوق الإنسان المستمر على يد قواته، ومن الغارات الجوية الأميركية التي تقتل المدنيين بوحشية غير مسبوقة
"

قتل عيرو.. رصيد إضافي للحركة
إلا أنه بمنطق القوة والضعف والاستكبار والاستضعاف يعتبر استهداف حركة صغيرة ومجموعة من الشباب في قرية نائية بكل هذه القوة والبطش من قوة عظمى تتحكم في العالم -وإن حققت هدفها- عجزا ضمنيا، بل وتعطي المجموعة زخما يحرضها على الاستمرار في نهجها.

ويساعد ذلك أيضا على إضفاء شرعية على وجود تلك الحركة لاستمرار قضيتها التي تلهم وتجند المزيد من الشباب للانضمام إليها من أجل الفوز بإحدى الحسنيين إما الانتصار والإثخان في العدو وهزيمته أو نيل الشهادة.

ولا شك في أن وفاة زعيم الحركة ستجعل الناس يعتقدون أن حركة شباب المجاهدين هي المقاومة الحقيقية ضد العدو الإثيوبي الذي يستهدف الهوية القومية والدينية للشعب الصومالي كما يرى الكثير من الصوماليين، وأنها لهذا السبب أصبحت مستهدفة من قبل الولايات المتحدة، ومن ثم تستطيع ادعاء كونها على الطريق الصحيح عكس من يريد إبرام صفقة اتفاق مع الحكومة التي تمثل العدو.

ومن المحتمل أن تستثمر الحركة هذا الأمر لتضفي على نفسها شرعية قيادة المقاومة، بل وتستخدمها ذريعة لاتهام قيادة التحالف في أسمرة بوضع أيديهم مع قتلة زعيم الحركة -التي عارضت أي حوار مع ما يسمى بالحكومة الانتقالية- الذي قضى نحبه وقدم حياته قربانا لما يؤمن به، بينما القيادة الأخرى تنفق وقتها في التنقل بين العواصم أو في فنادق أسمرة، كما يصفها أنصار حركة شباب المجاهدين التي رفضت الانضواء تحت قيادة التحالف وأعلنت رفضها لأي محادثات مع الحكومة الانتقالية.

صحيح أنه من المحتمل أن تسعى حركة شباب المجاهدين إلى إفساد أي اتفاق يعقده التحالف مع الحكومة، وأنها قد تكون عقبة أمام تحقيق أو تنفيذ أي اتفاق بين ما يسمى بالحكومة الانتقالية والتحالف من أجل تحرير الصومال.

غير أن معظم الصوماليين يعتقدون جازمين أن السلطة والنفوذ الذي تتمتع به حركة الشباب مبالغ فيه كثيرا وتضخم من قبل وسائل الإعلام الغربية من جانب، والإثيوبيين والحكومة الانتقالية من جانب آخر لتبرير وحشية ما ترتكبه من فظائع بدعوى أنها تحارب القاعدة والحركة التي تمثلها في الصومال، وتستخدم ذلك غطاء للأعمال الإجرامية التي تقوم بها ضد المدنيين، ما دامت مطاردة الإرهابيين أصبحت أمرا مقبولا دوليا.

ويعتقد المراقبون الصوماليون القريبون من المقاومة أن حركة الشباب أعطيت أهمية أكبر من حجمها الحقيقي، وأنه بالرغم من عدد أفرادها القليل جدا وعدم شعبية رؤيتها فإن صوتها أعلى، كما أنها تدعي القيام بأعمال كبيرة.

ويبدو أن التركيز عليها في وسائل الإعلام والحكومة الانتقالية والاحتلال الإثيوبي المدعومة من الولايات المتحدة، يتيح لها الفرصة لتوظيف المزيد من الشباب.

الحقيقة أن حركة شباب المجاهدين تكتسب شرعيتها وتستمدها من وجود الاحتلال والجرائم التي يقترفها، ومن انتهاك حقوق الإنسان المستمر على يد قواته، على غرار ما حدث في الأسبوع الماضي في مقديشو عندما ذبحت القوات الإثيوبية ثلاثين من علماء الدين المنتمين لجماعة مسالمة لا تشغل نفسها بالسياسة وهي جماعة التبليغ في مسجد الهداية في حي وحرعدي بالعاصمة مقديشو، وعندما قاموا بقتل وخطف أطفال المدارس.

وشباب المجاهدين أيضا يستمدون شرعيتهم -بطبيعة الحال- من الغارات الجوية الأميركية التي تقتل المدنيين بوحشية غير مسبوقة.


"
مقتل "عيرو" سيؤدي إلى تصعيد الوضع وتعقيد الأزمة الصومالية أكثر، وقد تفلت الأمور من التحكم ويكون من الصعب التعامل معها
"

مقتل عيرو يعرقل الحوار
أما عن تأثير هذا الحادث على الحوار المرتقب فإنه من المؤكد أن هذه العملية ستعرقل قيادة التحالف عن المضي قدما فيما شرعت فيه، ولاسيما أن هناك حتى من بين عناصر التحالف من يؤمن بعدم جدوى هذا الحوار في ظل استمرار مثل هذا الاستهداف للمدنيين والقصف الأميركي للأراضي الصومالية ولقيادات مهما تكن مواقفها فإنها تحارب العدو الإثيوبي.

ولن تكون القيادة هناك سعيدة بأن تصور على أنها من المنتفعين من وفاة الزعيم الشاب عيرو. ومن المرجح أن ترفض المشاركة في الحوار المقترح بينها وبين الحكومة أو على الأقل تأجيله إلى أجل غير مسمى، ووضع بعض الشروط التي تضمن عدم تكرار مثل تلك الأحداث.

كثير من الصوماليين ومنهم شيوخ العشائر كانوا يحاولون إشراك شباب المجاهدين في العملية التفاوضية، وقد أعلن رئيس الوزراء نور عدي عن استعداده لذلك حتى لا تفسد ما يتم التوصل إليه من اتفاق بين الحكومة الانتقالية والتحالف.

وكانت التوقعات متفائلة قبل مقتل "عيرو"، ولكن سيكون الآن من الصعب إقناعها بتقبل مثل هذا الأمر لأنها ستكون مطالبة بالثأر لزعيمها.

وخلاصة القول إن مقتل "عيرو" سيؤدي إلى تصعيد الوضع وتعقيد الأزمة الصومالية أكثر، وقد تفلت الأمور من التحكم ويكون من الصعب التعامل معها.

وما ينبغي أن تفهمه الولايات المتحدة هو أن احتواء هؤلاء الشباب المتشددين أو المتطرفين أو الإرهابيين -حسب ما يحلوا لها تسميتهم به- لا يمكن أن يكون إلا عن طريق إشراكهم في الحياة وليس الإقصاء والتشديد.

ولا يستطيع معالجة وضعهم سوى الصوماليين أنفسهم، وإذا كانت المشكلة الأساسية -وهي الاحتلال الإثيوبي غير المشروع- لم يتم التخلص منها فإن مسألة حركة الشباب لا يمكن احتواؤها.

ودون ذلك فإن الحركة ستكسب المزيد من الشرعية وتصبح أكثر راديكالية وتطرفا مع الوقت ما دام السبب الأساسي في نشوئها لم يعالج بشكل سليم.
__________________
كاتب صومالي

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان