هبوط سعر صرف الدولار

تصميم فني لصفحة تحليلات - هبوط سعر صرف الدولار - صباح نعوش

 


صباح نعوش

– العجز التجاري
– الاختلال المالي
– تعثر الاستثمارات
– نتائج وخيمة
– ما العمل؟

تتذبذب العملة تحت تأثير عوامل تجارية ومالية وسياسية، ترتفع أو تنخفض تبعاً لتغير تلك العوامل، وإذا استمر التذبذب باتجاه واحد كأن تنخفض باستمرار دون وجود مؤشرات لارتفاعها يصبح الوضع خطيرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بأهم عملة دولية كالدولار الأميركي.

السنة

اليورو

الإسترليني

الين

1999

0.934

0.617

113.7

2000

1.087

0.658

107.8

2001

1.111

0.694

121.6

2002

1.052

0.666

125.2

2003

0.885

0.613

115.9

2004

0.806

0.546

108.1

2005

0.791

0.539

107.6

2006

0.763

0.504

115.5

2007

0.722

0.499

115.7

في عام 2002 هبط سعر صرف الدولار بنسبة 5.3% مقابل اليورو و4% مقابل الإسترليني، وفي عام 2003 انخفض سعره مرة أخرى بنسبة 15.9% مقابل اليورو و7.5% مقابل الإسترليني. هبط الدولار في عامي 2002 و 2003 بعد أن شهد ارتفاعاً في عامي 2000 و2001.

عادت إذن العملة الأميركية إلى قيمتها التعادلية لعام 1999 وبالتالي فهي للوهلة الأولى حركات عادية للعملات المعومة، بيد أن الدولار لم يستقر بل استمر في التراجع طيلة الفترة بين 2002 و2007.

ففي منتصف عام 2007 مقارنة بعام 1999 انخفض بنسبة 22.7% مقابل اليورو و19.1% مقابل الإسترليني. كما تدل المؤشرات على استمرار العملة الأميركية في الانخفاض في السنوات القادمة وربما بمعدلات عالية جدا. كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ وما هي نتائجها؟


"
انقلب غزو العراق من استثمار لتحسين الوضع التجاري إلى مشكلة مالية خطيرة، إذ لم تستطع الشركات الأميركية السيطرة على نفط العراق بالطريقة المخطط لها، فأصبحت الإدارة تطالب بالمزيد من الاعتمادات الإضافية لتمويل نفقات الحرب
"

العجز التجاري
في الستينيات اتسم الميزان السلعي بالفائض وميزان الخدمات بالعجز. وبالنظر إلى أهمية الفائض السلعي قياساً بعجز الخدمات، كان ميزان العمليات الجارية يسجل فائضاً دائما وصل عام 1964 إلى 6 مليارات دولار، وهو الرقم القياسي في الولايات المتحدة.

ثم انقلب الوضع كلياً اعتباراً من عام 1971 فأصبح عجز الميزان السلعي مزمناً وحساب الخدمات يحقق فائضاً بفضل تطور صناعة تقنية المعلومات، لكن هذا الفائض أقل بكثير من ذلك العجز وبالتالي أصبح الميزان التجاري يعاني من عجز مزمن يرتفع سنوياً ليصل 758 مليار دولار عام 2006، ما أدى إلى تدهور القيمة التعادلية للدولار.

وفي الستينيات كانت زيادة الواردات تقود إلى زيادة الصادرات، أي كان البلد يستورد سلعاً تستخدم لإنتاج سلع قابلة للتصدير، ثم تغير الحال ولم تعد زيادة الواردات تؤدي بالضرورة إلى تحسن الصادرات، بل قد ترتفع الواردات وتنخفض الصادرات كما حدث عام 2002 حين ازدادت الواردات مقارنة بالعام السابق عليه بمبلغ 59 مليار دولار وهبطت الصادرات بمبلغ 36 مليارا.

أصبح الأميركيون يستوردون سلعاً للاستهلاك المحلي بالدرجة الأولى، بمعنى آخر إذا كان العجز التجاري المزمن يساهم في تدهور القيمة التعادلية للدولار، فإن أسباب هذا العجز المتمثلة في تراجع قدرة الجهاز الإنتاجي على تلبية الحاجات الاستهلاكية تجعل هذا التدهور مرتفعاً ومستمرا.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين هبوط القيمة التعادلية لعملة ما وعجز الموازين التجارية ليست آلية وحتمية عندما تكون معدلات النمو مرتفعة، فعلى سبيل المثال لم ينخفض سعر صرف الفرنك الفرنسي عام 1989 ولا سعر صرف الإسترليني عام 2005 رغم العجز التجاري نظراً لارتفاع معدل النمو.

ولكن لا يمكن إنكار تلك العلاقة في الولايات المتحدة لأن عجز الميزان التجاري لم يعد استثنائياً بل أصبح مشكلة مستعصية منذ أكثر من 30 عاما. وإذا كان معدل النمو الحالي 3.5% مقبولاً فإنه سوف يتراجع بفعل تردي الوضع المالي وتدهور الإنتاج السلعي.

ولم تعد الصناعة تشكل أكثر من 21% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت العمالة في هذا القطاع من 11% من العمالة الكلية عام 1996 إلى 8% عام 2006.

وبات الاقتصادي الأميركي يرتكز على الخدمات ولا تحرز الصناعة فيه أي تقدم باستثناء قطاع تقنية المعلومات، وستقود هذه العوامل المتزامنة مع ضخامة الديون الرسمية والفردية والعجز المالي إلى تباطؤ النمو فيتدهور سعر صرف الدولار.


الاختلال المالي
بلغ عجز الميزانية 7% من الناتج المحلي الإجمالي أي أعلى بكثير من المعدل المقبول لدى صندوق النقد الدولي، وسيرتفع حسب التوقعات إلى 8% العام القادم و12% عام 2010.

ويؤثر هذا الارتفاع تأثيراً مباشراً على سعر صرف الدولار ويؤدي إلى استمرا هبوطه، وتعود أسبابه إلى عوامل سياسية وعسكرية، إذ ترفض الإدارة الحالية رفع الضرائب لزيادة الإيرادات العامة، بل إنها وعدت أثناء حملتها الانتخابية بتخفيض حجم الضرائب بمبلغ 350 مليار دولار لمدة عشر سنوات.

كما زاد الإنفاق العسكري الأميركي حتى بلغ نصف الإنفاق العسكري العالمي، ولم يعد هذا الإنفاق منتجاً من الزاوية الاقتصادية لأن قسطه الأكبر يمول عمليات حربية خاصة في العراق.

وانقلب غزو العراق من استثمار لتحسين الوضع التجاري للولايات المتحدة وشركاتها إلى مشكلة مالية خطيرة، ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على الاحتلال لم تستطع الشركات الأميركية السيطرة على نفط العراق بالطريقة المخطط لها، بل أصبحت الإدارة تطالب الكونغرس بالمزيد من الاعتمادات الإضافية لتمويل نفقاتها العسكرية التي بلغت أكثر من ستة مليارات دولار شهريا. وهكذا يزداد عجز الميزانية وينخفض سعر صرف الدولار.


تعثر الاستثمارات
في التسعينيات كانت الاستثمارات مرتفعة في الصناعات التصديرية، وممولة من قبل رؤوس أموال أجنبية كفيلة بخلق إيرادات لخدمة الديون الخارجية.

ولم يقد العجز المالي إلى انخفاض القيمة التعادلية للدولار لأن الأجنبي يشتري الدولار للاستثمار في الولايات المتحدة، أي كان الطلب على هذه العملة مرتفعا. ومنذ عام 2002 انخفضت أسعار الفائدة وهبطت الاستثمارات الأجنبية وارتفع عجز الميزانية.

وأصبحت القروض الخارجية الجديدة تمول هذا العجز بعدما كانت الاستثمارات تتولى هذه المهمة، أي أن العالم يمول الميزانية الأميركية بعدما كان يمول استثماراتها المنتجة، الأمر الذي ساهم مساهمة فاعلة في هبوط سعر صرف الدولار.


"
انخفاض سعر الدولار يؤدي إلى تآكل الاحتياطيات الرسمية بالدولار، وأي هبوط في سعره بنسبة معينة يعني خسارة مالية بنفس النسبة، خاصة بالنسبة لأقطار كمجلس التعاون الخليجي لا يمكنها تحقيق التعويض لأن صادراتها المقومة بعملاتها الوطنية ضعيفة
"

نتائج وخيمة
تنتج عن هبوط سعر صرف الدولار آثار إيجابية ترتبط بانخفاض أسعار السلع المستوردة من الولايات المتحدة والتخفيف من عبء الديون الخارجية للبلدان التي حررت قروضها بالدولار.

وتستفيد الدول المستوردة للنفط خاصة أوروبا من هبوط الدولار. فبين عامي 2001 و2007 ارتفع سعر البرميل بنسبة 204% بالدولار، لكنه لم يرتفع إلا بنسبة 98% باليورو.

أما سلبيات هذا الهبوط فعديدة أهمها ما يلي:
– تآكل الاحتياطيات الرسمية بالدولارات، أي أن هبوط سعر صرف الدولار بنسبة معينة يعني خسارة مالية بنفس النسبة. وإذا استطاعت بلدان كالصين واليابان تعويض هذه الخسارة بزيادة صادراتها فإن دولاً أخرى كأقطار مجلس التعاون الخليجي لا يمكنها تحقيق هذا التعويض لأن صادراتها المقومة بعملاتها الوطنية ضعيفة.

– ارتفاع أسعار السلع المستوردة من أوروبا، ويحدث ذلك في البلدان التي تعتمد أنظمتها النقدية على التثبيت مقابل العملة الأميركية كدول المجلس أيضا، وعندئذ تتفاقم معدلات التضخم وتتراجع القوة الشرائية.

– انخفاض قيم الأسهم والسندات المحررة بعملات ذات أسعار صرف ثابتة مقابل الدولار، وتزداد الخسائر عندما تكون أسعار الفائدة في هذه العملات مساوية لأسعار الفائدة على الدولار، وهذا ما يحدث في دول المجلس.

– هبوط القوة الشرائية لحصيلة الصادرات المقومة بالدولار، وتأتي أسعار النفط في المرتبة الأولى. وعندما يهبط سعر صرف الدولار بنسبة معينة يجب أن يرتفع سعر البرميل بنفس النسبة للحصول على قوة شرائية معادلة.

– خسائر الشركات غير الأميركية: هبوط سعر صرف الدولار يعني بالضرورة خسارة لهذه الشركات التي تضطر لرفع سعر صادراتها، ما يؤثر سلباً على مقدرتها التنافسية أو يؤدي إلى تقليص كلفة الإنتاج خاصة المتعلقة بالأجور، عندئذ ترتفع البطالة أو تزداد ساعات العمل الإضافية دون أجر.

– انخفاض النمو ويحدث في جميع البلدان التي ترتفع عملتها مقابل الدولار، فقد أجرت المؤسسات الأوروبية دراسة تبين أن ارتفاع اليورو إلى 1.30 دولاراً يقود إلى تراجع النمو في أوروبا بمعدل 0.6 نقطة. وإذا وصل سعر صرف اليورو إلى 1.40 دولاراً فإن معدل الانخفاض سيصل 1.6 نقطة.

وتتجلى خطورة هذا الوضع في أن النمو في منطقة اليورو منخفض لا يتجاوز معدله للسنوات الست المنصرمة 1.2%.


ما العمل؟
لابد من معالجة العجز المالي بالتخلي عن الوعود الانتخابية المتمثلة في تخفيض الضرائب، كما يتعين تقليص الإنفاق الحربي بسحب القوات الأميركية من الدول المحتلة واستغلال الأموال لمساعدة 5 ملايين أميركي يعيشون تحت خط الفقر و47 مليون أميركي يعانون من نقص العناية الصحية.

وفيما يخص العجز التجاري يجب تقليص الواردات ورفع الصادرات، ولكن يصعب التأثير على الواردات لا بسبب دفاع الولايات المتحدة عن الحرية الاقتصادية أو بسبب التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية التي تقوم على تحرير المبادلات الخارجية من جميع القيود، بل لأن الاقتصاد الأميركي يستهلك أكثر مما ينتج.

كما تؤثر الإجراءات الجمركية والكمية لتقليص الواردات سلباً على الشركاء التجاريين -خاصة الصين واليابان- وتخلق مشاكل مالية خطيرة لجميع الأطراف، فلا تجد إذن الولايات المتحدة بداً من زيادة صادراتها.

وبالنظر إلى تراجع الإنتاج الصناعي لا يمكن تحسين الصادرات إلا بخفض أسعارها عن طريق تبني قيمة تعادلية ضعيفة للدولار. ورغم تراجع هذه القيمة منذ ست سنوات متتالية لا يزال العجز التجاري مرتفعا.

لذلك سترتكز السياسة النقدية الأميركية المستقبلية على أحد الاحتمالين التاليين:

الاحتمال الأول- هبوط تدريجي ومستمر لسعر صرف الدولار يساعد على التخفيف من وطأة العجز التجاري، ويعوض الخسارة الناجمة عن فجوة الموجودات المالية، إذ اشترى الأجانب موجودات مالية أميركية بقيمة تفوق ما اشتراه الأميركيون من موجودات مالية أجنبية.

وهبوط سعر صرف الدولار بنسبة تتراوح بين 6 و7% سنوياً سيقود إلى إعادة التوازن بين هذه القيم وتلك، وهذا ما يحدث منذ عام 2002 وحتى الآن.

الاحتمال الثاني- يرتكز هذا الاحتمال على التحليل الموضوعي للاقتصاد الأميركي الذي يعاني من تفاقم العجز المالي والعجز التجاري ويسجل أسعار فائدة منخفضة ويتحمل فاتورة نفطية مرتفعة ويمول حروباً خارجية في عدة مناطق من العالم.

وهذه بالضبط نفس العوامل التي سادت مطلع السبعينيات وأفضت إلى تخلي الإدارة الأميركية عن نظام الصرف الذي وضعته اتفاقية صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى هبوط حاد لقيمة الدولار.

"
سواء هبطت قيمة الدولار تدريجياً بفعل العوامل الاقتصادية أو خفضت بقرار سياسي فإن تراجع هذه القيمة لا يشكل مشكلة للمسؤولين الأميركيين بل العكس تماما، لأنه حل لمشكلة العجز التجاري
"

وفق هذا الاحتمال سينخفض سعر صرف الدولار بنسبة لا تقل عن 30% وبصورة مفاجئة، وعندئذ وربما قبيل الإعلان عن هذا التخفيض سوف تلجأ البنوك المركزية في العالم إلى بيع موجوداتها من الدولار حفاظاً على قيمة احتياطياتها الرسمية.

وستهرب بصورة جماعية رؤوس الأموال من الولايات المتحدة، وستنخفض بشدة جميع الأسهم المحررة بالدولار وسيفلس عدد كبير من الشركات فتحدث الأزمة.

وسواء هبطت قيمة الدولار تدريجياً بفعل العوامل الاقتصادية أو خفضت بقرار سياسي فإن تراجع هذه القيمة لا يشكل مشكلة للمسؤولين الأميركيين بل العكس تماما، لأنه حل لمشكلة العجز التجاري.

أما إذا سبب هذا التراجع خللاً تجارياً بالنسبة للبلدان الأخرى كدول الاتحاد الأوروبي فهذا حسب وجهة النظر الأميركية ناجم عن رفض هذه البلدان القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية لمواكبة تطور الاقتصاد الأميركي والتأقلم مع تذبذب عملته.

ويشيد الأميركيون بنجاح اليابان، فعند مراجعة الجدول أعلاه يلاحظ عدم ارتفاع الين مقابل الدولار طيلة الفترة المذكورة على عكس اليورو والإسترليني، الأمر الذي ساهم في انتعاش الصادرات اليابانية إلى مختلف الدول بما فيها الولايات المتحدة.

والواقع أن ثمن هذه السياسة باهظ، إذ تضطر اليابان لشراء سندات الخزينة الأميركية لتمويل العجز المالي في الولايات المتحدة، ويشتري البنك المركزي الياباني كميات كبيرة من الدولارات للحيلولة دون رفع سعر صرف الين.

وقد أصبحت الاحتياطيات الرسمية اليابانية هائلة، إذ بلغت منتصف العام الحالي 914 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الاحتياطيات الرسمية لجميع الدول العربية.

ويعتقد اليابانيون أن انخفاض قيمة الدولار مقابل اليورو الذي يؤثر سلباً على هذه الاحتياطيات أقل خطورة من هبوط صادراتها إلى الولايات المتحدة، لأن هذا الهبوط يفضي بالضرورة إلى تزايد البطالة وإرباك الوضع الاجتماعي للبلد.

وينطبق هذا التحليل أيضاً على الصين التي بلغت احتياطياتها الرسمية 1333 مليار دولار، ما جعل هذين البلدين يمولان عجز الميزانية الأميركية مقابل السماح لهما بتصدير سلعهما للولايات المتحدة.

أمام هذه المشاكل بات من اللازم إعادة النظر في الأنظمة النقدية المتبعة في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ لم يعد الدولار يستحق صفة العملة الدولية التي يفترض فيها على الأقل نوع من الاستقرار.
__________________
باحث اقتصادي عراقي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.