ما الذي تريده إسرائيل؟

ما الذي تريده إسرائيل؟



المنطلقات وموازين القوى
البعد الجغرافي الإقليمي
البعد النووي
المكانة والدور
التحالف وخلق العدو المشترك

تنطلق إسرائيل في إستراتيجيتها تجاه الدول العربية سواء تلك الموقعة معها اتفاقيات سلام أو غير الموقعة، من منطلق الحرب والصراع وموازين القوى. ولهذا الصراع أبعاد عديدة متداخلة ومتنافسة فيما بينها على تبوأ مكان الصدارة.

وأهم هذه الأبعاد التي توليها إسرائيل أهمية قصوى هو البعد الجغرافي الإقليمي والبعد النووي وبعدا الدور والمكانة.

المنطلقات وموازين القوى
وتسعى إسرائيل إلى تحقيق مصالحها وفرض رؤيتها على الدول العربية والشعب الفلسطيني في جميع أبعاد الصراع. وهي تستند في إدارتها للصراع على عوامل قوة تؤثر في ترجيح ميزان القوى لصالحها.

وأهم عوامل القوة هذه:
أولاً: أن وضعها الاقتصادي متطور ومتقدم يصل معدل دخل الفرد السنوي فيه إلى 20 ألف دولار، وهو يمكنها من تخصيص ميزانية مرتفعة للأمن.

ثانياً: تفوقها على الدول العربية مجتمعة في الأسلحة التقليدية، الأمر الذي يمكنها دومًا من أن تكون على أهبة الاستعداد لشن حرب أو استعمال القوة العسكرية ضد أي دولة أو طرف عربي، من أجل الحفاظ على تفوقها وهيمنتها العسكرية.

ثالثا: احتكارها السلاح النووي في المنطقة، وقدرتها على القيام بالضربة النووية الثانية. وتسعى إسرائيل إلى الاستمرار في الحفاظ على احتكارها السلاح النووي أطول فترة ممكنة.

رابعا: امتلاكها إرادة سياسية موحدة تساهم المؤسسة الأمنية في بلورتها وفي حشد المجتمع الإسرائيلي عبر عملية "الديمقراطية الإسرائيلية" القائمة على "مقدسات" ومسلمات إيديولوجية وسياسية وأمنية، تتمحور حول يهودية الدولة وقدسية الجيش والأمن.

خامسا: تمتعها بعلاقات راقية للغاية مع الولايات المتحدة الأميركية، تحصل إسرائيل بموجبها على دعم أميركي هام وحيوي وواسع في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بهدف الحفاظ على تفوق إسرائيل, وخاصة العسكري على جميع الدول العربية.

البعد الجغرافي الإقليمي

"
إسرائيل تعتبر اجتماع أنابوليس معركة سياسية من أجل إحداث تآكل في الموقف الفلسطيني تجاه القضايا الجوهرية من ناحية, ومن أجل تطبيع علاقاتها مع الدول العربية وخاصة مع السعودية وبقية دول الخليج من ناحية أخرى
"

يشكل العامل الديمغرافي ووجود الحركة الوطنية الفلسطينية بعجرها وبجرها العامل الأساس المؤثر على الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام ومصير المناطق الفلسطينية المحتلة بشكل خاص.

بلورت إسرائيل في العقد الماضي إستراتيجية تجاه المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967، تسعى من خلالها إلى ضم أكثر ما يمكن ضمه من أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة والانسحاب من المناطق المكتظة بالسكان وإقامة دولة فلسطينية فيها تكون تحت النفوذ المكثف الإسرائيلي ومخترقة بأسافين الكتل الاستيطانية ومحاطة بجدار الفصل والقواعد العسكرية الإسرائيلية تتحكم إسرائيل في بواباتها الداخلية والخارجية.

ولب المعركة الإسرائيلية في هذا السياق يتمحور حول المساحة الجغرافية التي يمكنها ضمها إلى إسرائيل من الضفة الفلسطينية المحتلة. ومن أجل تحقيق هدفها هذا سعت وتسعى إسرائيل إلى تعزيز وتوسيع وزيادة الاستيطان في الضفة الفلسطينية من ناحية، وإلى إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية وشقها وإنهاكها ومن ثم احتوائها وتخفيض تطلعاتها لإحداث تآكل في الموقف الفلسطيني المطالب بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران1967 وبتفكيك الاستيطان وبحل قضية اللاجئين وفق قرارات هيئة الأمم المتحدة من ناحية أخرى.

 وتعتبر إسرائيل اجتماع أنابوليس معركة سياسية من أجل إحداث تآكل في الموقف الفلسطيني تجاه القضايا الجوهرية من ناحية, ومن أجل تطبيع علاقاتها مع الدول العربية وخاصة مع السعودية وبقية دول الخليج من ناحية أخرى.

وفي ما يخص البعد الجغرافي السوري، أي مصير الجولان السوري المحتل، تهدف إسرائيل إلى إضعاف سوريا الدولة والنظام لإحداث تآكل في الموقف السوري المطالب بانسحاب إسرائيل من الجولان المحتل إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 واستبداله بالمطالبة بانسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية بين سوريا وفلسطين.

وهذا يعني فيما يعنيه أن تتنازل سوريا عن استعادة جزء من بحيرة طبرية. وتسعى إسرائيل كذلك إلى الحصول على تعهد سوري بعدم إجراء تغيير في وضع مصادر المياه التي تنبع من سوريا وتصب في بحيرة طبرية.

وفي سعيها لإضعاف سوريا تبذل إسرائيل مع الولايات المتحدة جهوداً لحصار سوريا وإنهاء نفوذها في لبنان واستبداله بالنفوذ الإسرائيلي وكذلك فتح قنوات جس نبض واتصال مع بعض أطياف المعارضة السورية من أجل التقصي والتحقق من شروطها للسلام مع إسرائيل من ناحية وابتزاز الحكم السوري من ناحية أخرى.

وفي كل الأحوال اجتهدت إسرائيل في استعادة الردع تجاه سوريا خاصة بعد أن اهتز كثيراً في حرب لبنان الثانية.

البعد النووي

"
منذ امتلاكها السلاح النووي دأبت إسرائيل على احتكاره فبات احتكارها السلاح النووي جزءاً هاماً من نظرية أمنها كي تبقى إسرائيل القوة الإقليمية الأولى المهيمنة على المنطقة
"

يذكر دافيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل الأول وواضع حجر الأساس لنظرية أمنها، في مذكراته "يوميات الحرب"، أنه اهتم أثناء حرب 1948 بتجنيد علماء ذرة يهود من العالم وبتهجيرهم إلى إسرائيل.

فقد كان بن غوريون في سباق مع الزمن من أجل الوصول إلى السلاح النووي قبل العرب. أدرك بن غوريون هو ومن خلفه في قيادة إسرائيل أن السلاح النووي أدخل الإنسانية جمعاء في مرحلة جديدة، حيث يمنح مالكه قوة هائلة للغاية.

وبرر بن غوريون سعي إسرائيل للحصول على السلاح النووي بأنه جاء للحفاظ على وجودها، الذي لم يكن مهدداً على أي حال. ولكن ما أن امتلكت إسرائيل السلاح النووي حتى استخدمت حيازته سلاحا سياسيا أكثر من كونه سلاحاً عسكريا إستراتيجياً أو تكتيكياً، من أجل كسر إرادة الدول العربية في مواجهتها وفرض الحلول الإسرائيلية عليها.

ومنذ امتلاكها السلاح النووي دأبت إسرائيل على احتكاره فبات احتكارها السلاح النووي جزءاً هاماً من نظرية أمنها كي تبقى إسرائيل القوة الإقليمية الأولى المهيمنة على المنطقة.

ولم يقتصر هذا الاحتكار على منع الدول العربية من الوصول إلى السلاح النووي واستعمال القوة العسكرية لتحقيق ذلك وإنما امتد أيضا إلى إيران.

وتعتبر إسرائيل أن أهم وأخطر تحدٍّ يواجهها في الوقت الحاضر هو منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي، لأنها تعتقد أن امتلاك إيران للسلاح النووي سينهي احتكار إسرائيل له ويحفز الدول العربية للسعي بجدية لامتلاكه، وسيغير ميزان القوى في المنطقة بصورة جذرية لغير صالح إسرائيل.

لذلك باتت إسرائيل "الموتور" المحرك لجميع الجهود الدولية من أجل فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على إيران تمهيدا لتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت العقوبات الاقتصادية في وقف المشروع النووي الإيراني.

المكانة والدور

"
حزب الله يشكل العقبة الأساس التي تسعى إسرائيل إلى إزالتها من أجل بسط نفوذها على لبنان سواء عبر اتفاقية سلام رسمية معه أو عبر "تفاهمها" مع زعامات طوائفه ضد "الفزاعة" السورية
"

لا تنظر إسرائيل إلى نفسها باعتبارها دولة عادية مثل باقي الدول في المنطقة, بل تعتبر نفسها الدولة الإقليمية المهيمنة على المنطقة وتسعى إلى أن تستمر في احتكار هذه المكانة.

لقد أخرجت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية مصر من المواجهة والصراع مع إسرائيل، وأضعفت مكانتها وعززت في الوقت نفسه من قوة إسرائيل في الصراع مع دول المشرق العربي وخاصة دول الهلال الخصيب.

وقد اعتبرت إسرائيل بعد توقيعها اتفاقية وادي العربة أن الأردن أصبح منطقة تحت النفوذ المكثف الإسرائيلي. وتسعى إسرائيل لأن يصبح الهلال الخصيب برمته منطقة نفوذ إسرائيلية مجزأة ومنقسمة ومتناحرة فيما بينها.

بعد سقوط العراق بقيت عقبتان تعرقلان بسط النفوذ الإسرائيلي على بلاد الشام، أو سوريا الطبيعية هما النظام في سوريا وحزب الله في لبنان.

ويشكل حزب الله العقبة الأساس التي تسعى إسرائيل إلى إزالتها من أجل بسط نفوذها على لبنان سواء عبر اتفاقية سلام رسمية معه أو عبر"تفاهمها" مع زعامات طوائفه ضد "الفزاعة" السورية.

لذلك طالبت دوماً إسرائيل بنزع سلاح حزب الله ليس لأنه يشكل خطراً على إسرائيل وإنما لأنه يشكل العائق الأساس أمام بسط النفوذ الإسرائيلي على لبنان.

وبعد أن فشلت إسرائيل في نزع سلاح حزب الله في حربها الثانية على لبنان تسعى وتعمل وتأمل أن تتفجر حرب أهلية في لبنان ليتحول حزب الله من حركة مقاومة إلى مليشيات يسهل حلها.

وعلاوة على البعد الجغرافي في صراعها مع سوريا، يمثل أمام إسرائيل عدة مسائل هامة قبل حسم موقفها من مسألة استعدادها للانسحاب من الجولان مقابل توقيع اتفاقية سلام مع سوريا، أبرزها: إلى أي درجة يمكن أن تشكل هذه الاتفاقية مفتاحاً لتعزيز مكانة ونفوذ إسرائيل في سوريا الطبيعية؟

وإلى أي درجة يمكن تفكيك التحالف السوري الإيراني؟ وهل يمكن نقل سوريا من المعسكر المتحالف مع إيران إلى المعسكر المناهض لها مقابل حصولها على الجولان في إطار اتفاقية سلام مع إسرائيل؟

التحالف وخلق العدو المشترك
تعتبر إسرائيل أنها تواجه تحديّا هامّا عليها أن تجد له حلاًّ, فرغم مكانتها وهيبتها واحتكارها السلاح النووي في المنطقة وتفوقها في الأسلحة التقليدية وقوتها الاقتصادية فإنها فشلت حتى الآن في تحويل كل ذلك إلى أرباح اقتصادية، خاصة أن صفقات بعشرات ومئات المليارات تعقد في دول الخليج، في السنوات الأخيرة رغم أنفها بدون أن تنال منها "حصتها".

والتحدي الذي بات يمثل أمامها هو كيف يمكنها أن تزيل جميع العوائق السياسية كي تصل إلى الأسواق العربية وخاصة الخليجية؟ وتعتقد إسرائيل أن لديها ما تقدمه إلى الدول الخليجية مثل الصناعات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات والخدمات المتعلقة بعمل المخابرات وشركات الحراسة والاستشارات الأمنية وبعض أسلحة القمع علاوة على الماس والذهب.

"
أقصر الطرق للوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل هو التفاهم والتحالف مع النخب العربية الحاكمة على أرضية المصالح المشتركة بين إسرائيل وتلك النخب ضد "العدو" المشترك إيران
"

وأقصر الطرق للوصول إلى الهدف المنشود هو التفاهم والتحالف مع النخب العربية الحاكمة على أرضية المصالح المشتركة بين إسرائيل وتلك النخب ضد "العدو" المشترك.

وقد طرحت إسرائيل منذ فترة أن "العدو" المشترك بينها وبين النخب العربية الحاكمة يتمثل في "الإرهاب" و"الإسلام السياسي المتطرف" ، بيد أن ذلك لم يقنع أحدا.

وتطرح إسرائيل الآن علناً أن "العدو" المشترك الأخطر يتمثل في إيران، وما انفكت تبشر بهذه الفكرة من أجل حشد الدول العربية ضد إيران ولتسويغ تقبل التحالف مع إسرائيل وإحلال إيران عدوا جديدا مكان إسرائيل.

وخلاصة القول أن إسرائيل تعتقد أن بإمكانها فرض هيمنتها وبسط نفوذها على الدول العربية وتحقيق أهدافها بفضل احتكارها السلاح النووي وتفوقها في الأسلحة التقليدية وحصولها على أحدث الأسلحة وتطويرها لبعضها من خلال التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة ومواكبتها لأحدث التطورات العلمية عبر مجمع صناعاتها العسكرية واستفادتها منها في المجالات المدنية واقتصادها المتطور من ناحية.

وكذلك بفضل ضعف الدول العربية وانتهاء التضامن العربي واضمحلال العمل العربي المشترك وتعاظم الانقسام بين الدول العربية واستفحال الصراعات الداخلية في العديد من الدول العربية، وتخلي الدول العربية عن مواجهة إسرائيل وقبولها الهيمنة الإسرائيلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.