الهولولكست الإسرائيلي الصامت ضد الديمغرافيا الفلسطينية
مواجهة إسرائيلية للديمغرافيا الفلسطينية والعربية
خيار الوطن البديل
تشتيت الديمغرافيا وتنمية الولاءات المختلفة
ضغوط من أجل الهجرة الطوعية
يتميز "قانون العدد" على صعيد الكتلة البشرية بفعالية وحيوية في حالة الصراعات التاريخية والممتدة، كحال الصراع العربي-الإسرائيلي، رغم محاولة البعض إضفاء الطابع السلبي عليه ووسمه بالعطالة.
إذ مازالت إسرائيل تتوجس خطر الديمغرافيا الفلسطينية على خياراتها ووجودها، وتبرز فاعلية "قانون العدد" ليس في معرفة إسرائيل حدود قوتها وقدرتها، والفارق بين المشروع والقدرة على تحقيقه فقط، وإنما أيضا في رسم الخيارات الإستراتيجية لإسرائيل.
وقد أكد رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت أن الدراسات التي قدمتها مراكز البحوث ورصد التوقعات المستقبلية كانت السبب الذي حفزه على اجتراح حلول عملية تأخذ في الاعتبار المعطيات الديمغرافية، ومما يمكن أن تحدثه من آثار سلبية على المشروع الصهيوني، حيث يجمع خبراء تلك البحوث على ضرورة رفع صيحات التحذير، لأن وجه الشرق الأوسط سيتغير حتما خلال الأربعين عاما المقبلة بفعل تنامي القوة الديمغرافية العربية.
حيث توقعت مراكز الرصد الإسرائيلية أن يزداد عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من (3.3) ملايين إلى(7.8) ملايين.
مواجهة إسرائيلية للديمغرافيا الفلسطينية والعربية
إسرائيل لا تقف مكتوفة اليدين أمام إملاءات قوة الديمغرافية الفلسطينية والعربية، بل تنشط على جميع المستويات القانونية والسياسية والعسكرية في ابتداع الحلول للتخلص من (الغمامة السكانية)الضاغطة على أنفاسها ووجودها. وتنطلق في ذلك من ثلاثة اعتبارات هي:
– طابعها العنصري.
– طابعها الاستيطاني الاجلائي.
– فشل رهانها بأن يلعب الشعب الفلسطيني دور الجسر الذي يوصل إسرائيل إلى قلب المنطقة العربية والإسلامية، وبالتالي سقوط مشروع شمعون بيريز المراهن على دمج إسرائيل في جسم المنطقة.
ومع تمكن إسرائيل من الاستيلاء على الجغرافيا الفلسطينية وتهويد القسم الأعظم منها بات الصراع يتمحور حول الديمغرافيا. ويبدو أن هذا الصراع بات قاب قوسين أو أدنى من الحسم، وفي هذا الصدد يقول مدير قسم الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس د.خليل التفكجي "إننا نعيش الآن الثواني الأخيرة من المعركة ونواجه حربا ديمغرافية طاحنة، فإما أن نخرج منها رابحين أو نخرج خاسرين".
" تتسلح إسرائيل بالعديد من الأدوات والخطط الإستراتيجية في خوض الحرب الديمغرافية، لعل أبرزها الترانسفير (الترحيل), وثمة آليات ومشاريع عدة تندفع نحو ترجمة الترانسفير واقعا من جديد يستكمل ما بدأ عام 1948 " |
وتتسلح إسرائيل بالعديد من الأدوات والخطط الإستراتيجية في خوض هذه الحرب، لعل أبرزها الترانسفير (الترحيل). وثمة آليات ومشاريع عدة تندفع نحو ترجمة الترانسفير واقعا من جديد، يستكمل ما بدأ عام 1948، ويطال ما بقي على الأرض الفلسطينية سواء المحتلة عام 1967 أو المحتلة عام 1948.
وآخر ما ابتكرته إسرائيل من آليات هو ما يطلق عليه د. عادل سمارة (الترانسفير التجريبي) كمقدمة للترانسفير المبدئي والشامل.
وملخصه: مشروع طرد جماعي لمن هم في الوطن ممن لديهم تأشيرة زيارة صالحة أو منتهية، وهناك قانون إسرائيلي جديد يقضي بعدم السماح لأي شخص سبق له أن خالف شروط الزيارة بالدخول إلى فلسطين مرة ثانية.
ولا شك أن إسرائيل نفسها تقوم بإنتاج مخالفة الشروط من خلال المماطلة في تجديد جواز سفر الفلسطيني أو الرفض لمنعه من العودة، على أساس أنه تأخر عن العودة في الفترة القانونية، وتبعا لذلك فقد حقه في الإقامة.
وقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين فقدوا حقهم في الإقامة بعد سفرهم للخارج لغرض الدراسة أو العمل حتى فترة (اتفاق أوسلو) 100 ألف فلسطيني.
إضافة إلى ذلك هناك "قانون المواطنة" الذي صادق عليه الكنيست في 31/7/2003، وهو قانون عنصري بامتياز، أصبح بموجبه حق لم شمل العائلات الفلسطينية ملغيا وغير قابل للتحقيق، وقد تضررت من هذا القانون بشكل مباشر (21) ألف عائلة عربية منها (5000)عائلة مقيمة في القدس الشرقية.
العام الحالي أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا قانونا تلغي بموجبه قانون "لم شمل العائلات" وبأثر رجعي ويشمل الجنسين. القانون المذكور شبيه بقانون حاول نظام التفرقة العنصري في جنوب أفريقيا سنه لكنه لم يقو على إصداره.
يترتب على هذا القانون تشريد (100) ألف فلسطيني، إذ حسب المصادر الإسرائيلية تم جمع شمل (98) ألف فلسطيني إلى الأراضي المحتلة عام 1948 منذ اتفاقيات أوسلو، وفقا لقانون جمع الشمل، وهو الذي رأت فيه إسرائيل تنفيذا فعليا لحق العودة.
" موشي أرينز: إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الأردن قد تشكل خطرا أكبر على الأردن مما هو على إسرائيل ويبدو أن العودة إلى "خيار الوطن البديل" صار قيد الأعداد، لكن تحت عنوان "إقامة الفدرالية الأردنية/ الفلسطينية" والعودة إلى خيار وحدة الضفتين " |
ومن الأدوات والمشاريع الفاعلة في الحرب الصهيونية على الديمغرافيا الفلسطينية يبرز خيار الوطن البديل، وقد عاد إلى الواجهة من خلال تصريح قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي في مارس/ آذار 2006 الجنرال يائير نافيه، ومن خلال أدراجه في البرامج الانتخابية ليست من الكتل الانتخابية الإسرائيلية في انتخابات الكنيست الـ17، بحيث تصبح "فلسطين هي إسرائيل، والأردن فلسطين، والعراق هو المملكة الهاشمية" وفقا لتعبير إستراتيجية "الفخ النظيف" التي وضعها أقطاب المحافظين الجدد، دليل عمل لحكومة نتنياهو عام 1996.
تجدر الإشارة إلى أن من جملة أهداف اجتياح لبنان صيف العام 1982، هدفين سريين، كما يقول الكاتب الإسرائيلي أوريث شوحط:
1- إقامة إدارة الحكم الذاتي.
2- إسقاط نظام الملك حسين لإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن.
وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي أرينز من جهته دعا للتوقف عن اللهاث وراء الدولة الفلسطينية والخلاص من شعار الدولتين لشعبين، وقال إن "إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الأردن قد تشكل خطرا أكبر على الأردن مما هو على إسرائيل"، ويبدو أن العودة إلى "خيار الوطن البديل " صار قيد الإعداد، لكن تحت عنوان "إقامة الفدرالية الأردنية/ الفلسطينية" والعودة إلى خيار وحدة الضفتين".
وقد شكل هذا المشروع عنوانا لورشة غير رسمية بدأت مطلع يونيو/ حزيران 2006 برعاية معهد "أميركان إنتربرايز" الذي يعتبر من أكثر مراكز الدراسات تأثيرا في السياسة الخارجية الأميركية. الغاية من الورشة هي استجلاء الآراء والمواقف قبل أن يتم تحويل هذا الطرح إلى قرار إستراتيجي.
شارك في أعمال الورشة وفد أردني ترأسه رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي، ومن الجانب الفلسطيني وزير الداخلية السابق نصر يوسف، بالإضافة إلى المستشرق الصهيوني المعروف برنارد لويس، إلى جانب عشرات الباحثين الأميركيين والأردنيين والفلسطينيين.
برنارد لويس شدد على ضرورة إعطاء (الضوء الأخضر) لفتح نقاش جدي حول "وحدة الضفتين"، ومما قاله "إن الحدود بين الدولتين (السلطة الفلسطينية والأردن ) لا تتمتع بأي شكل من أشكال العمق التاريخي، حيث إن الحدود بين المنطقتين لم تظهر إلا في العقود الأخيرة".
وتهجم لويس كعادته على الأردن وفلسطين قائلا إن الهويتين الأردنية والفلسطينية لم يكن لهما وجود قبل القرن العشرين، وبالتالي لا يرى مشكلة في ضم الضفتين في نظام حكم موحد بصرف النظر عن أشكال هذه الوحدة.
ومن الخيارات الإسرائيلية أيضا في مواجهة الديمغرافيا الفلسطينية يبرز خيار الصوملة وانفجار الحرب الأهلية الفلسطينية وبالتحديد في قطاع غزة. الملك الأردني عبد الله الثاني في حديثه مؤخرا إلى تلفزيون الـ B.C.S الأميركي أعلن أن هناك ثلاثة بلدان عربية ستحصل فيها حرب أهلية بينها الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تشتيت الديمغرافيا وتنمية الولاءات المختلفة
" من الخيارات الإسرائيلية تشتيت الديمغرافيا الفلسطينية إلى كتل منعزلة جغرافيا وتنمية الولاءات الجهوية والمناطقية والعشائرية، بحيث لا يكون أمام شعب متماسك ككتلة واحدة وإنما أمام كتل صغيرة " |
وإلى الخيارات والمشاريع الإسرائيلية في الحرب على الديمغرافيا الفلسطينية أيضا نضيف مخطط تشتيت هذه الديمغرافيا إلى كتل منعزلة جغرافيا وتنمية الولاءات الجهوية والمناطقية والعشائرية، بحيث لا يكون أمام شعب متماسك ككتلة واحدة وإنما أمام كتل صغيرة، وذلك من خلال ترجيحها لأحد الاحتمالات التالية:
1- دولة فلسطينية في قطاع غزة، وسيادة فلسطينية معومة أو حكم إداري ذاتي على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية.
2- فصل ما تبقى من أراضي الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهناك معلومات تفيد بأن ثمة قوى فاعلة على الأرض في الضفة الغربية، تبحث عن إمكانية القيام بانقلاب سياسي، يؤدي إلى فصل الضفة الغربية عن سلطة حكومة حماس.
وحجة هؤلاء الانقلابيين أن حماس تقود الشعب الفلسطيني إلى المجهول، الأمر الذي ستكون له عواقب خطيرة.
وفي ضوء الاجتماعات التي عقدتها هذه القوى فإن المفاجأة قد تحدث في أي لحظة تحت شعار الإنقاذ. وهناك عواصم عربية ودولية تدعم هذه الخطة، وسيرافق ذلك تشكيل حكومة مؤقتة.
3- العودة إلى أوضاع ما قبل الاحتلال عام 1967 بمعنى أن يعود قطاع غزة إلى الإدارة المصرية، وما تبقى من الضفة الغربية إلى الأردن. وقد كشفت مصادر إسرائيلية من داخل اليمين الإسرائيلي عن دعوة للإسراع بتنفيذ خطة شارون الخاصة بالضفة الغربية والداعية إلى إحكام السيطرة على 48% من مساحة الضفة والتخلي عن 52% تحت وصاية عربية أو تحت إدارة السلطة أيا كان شكلها حماس أم سلطة الرئيس محمود عباس.
" في سياق انتصار فكرة "نظام الغيتو" يقول شارون إنه "يجب أن نواجه العاصفة السياسية والعقائدية التي تهب على الشرق الأوسط كما نواجه عواصف الطبيعة، أي بإغلاق الأبواب والنوافذ والانفصال نهائيا -جغرافيا وذهنيا- عن الفلسطينيين " |
فضلا عما تقدم تقوم إسرائيل من خلال جدار الضم والتهويد والحواجز العسكرية بين البلدات الفلسطينية البالغ عددها 610 حواجز عسكرية بمحاصرة الشعب الفلسطيني، وبالتالي خلق الظروف الضاغطة عليه ليقوم بالهجرة الطوعية بحثا عن حياة أفضل.
وقد بلغ هذا الضغط ذروته بإعلان إسرائيل عن مصادرة منطقة غور الأردن التي تشكل 28% من مساحة الضفة الغربية وسلة غذائها، ووضع اليد على حوضي المياه الأساسيين، الحوض الشرقي والحوض الغربي.
وقد أفضى هذا الضغط إلى الآن إلى ترانسفير داخلي في الضفة الغربية. ونشير في هذا الصدد إلى أن عدد الفلسطينيين الذين كانوا خلف الجدار في بداية إنشائه في منطقة القدس كان 26 ألف شخص, أما الآن فقد أصبحوا 4000 شخص فقط علاوة على 120 ألف فلسطيني يقبعون خلف الجدار، وهناك 58 ألف فلسطيني هجروا البلدة القديمة في الخليل تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية، والحبل على الجرار.
وتندرج محاصرة الشعب الفلسطيني بجدار الفصل العنصري وداخل الكانتونات المغلقة بالحواجز العسكرية، وفي سياق انتصار فكرة (نظام الغيتو) تلك الفكرة التي عبر عنها أرييل شارون بقوله "يجب أن نواجه العاصفة السياسية والعقائدية التي تهب على الشرق الأوسط كما نواجه عواصف الطبيعة، أي بإغلاق الأبواب والنوافذ والانفصال نهائيا، جغرافيا وذهنيا عن الفلسطينيين".
بيد أن اللجوء إلى نظام "الغيتو" وحده لا يكفي للتقليل من الآثار السلبية للقوة الديمغرافية الفلسطينية في الحاضر والمستقبل، في ظل وجود فلسطينيي 1948 في قلب إسرائيل، حيث يشكلون الهاجس الإستراتيجي الأكبر على اعتبار أن القلاع تسقط من الداخل.
لا نقول ذلك من باب المبالغة، أبدا، وإنما في سياق تأكيد الحقائق. الكاتب الإسرائيلي في صحيفة (هآرتس) إسرائيل هارئيل عكس هذه الحقائق في مقال له حمل عنوان "15 أيار.. يوم لتوسيع الشرخ" جاء فيه "أي نتيجة يتوقعها العرب من الشعارات التي تنادي بتطبيق حق العودة ليافا وحيفا وعكا!"، ليضيف "إذا كانت هذه هويتهم وهم خمس الدولة فماذا سيكون الحال عندما يصبحون ربعا أو ثلثا أو ربما أكثر؟، كيف تستطيع الأغلبية اليهودية في الدولة القومية اليهودية أن تستوعب أقلية مهمة في داخلها في الوقت الذي تبنت فيه هذه الأقلية لنفسها يوما خاصا في السنة تطرح فيه علامة استفهام على حق الأغلبية في الدولة؟".
" هارئيل: العهد الذي كان فيه العرب يكتفون بالمساواة قد أصبح وراءنا، فهم صاروا يطالبون بالحكم الذاتي الثقافي، والآن بالحكم الذاتي الجغرافي الذي هو حكم ذاتي سياسي ولا حاجة للكثير من الخيال من أجل توقع المطلب التالي " |
ويرى هارئيل أن العهد الذي كان فيه العرب يكتفون بالمساواة قد أصبح وراءنا، فهم صاروا يطالبون بالحكم الذاتي الثقافي، والآن بالحكم الذاتي الجغرافي، الذي هو حكم ذاتي سياسي ولا حاجه للكثير من الخيال من أجل توقع المطلب التالي.
لأجل هذا تسعى إسرائيل إلى تهجير فلسطينيي 1948 بوسائل شتى. وأبرز الداعين إلى هذا الخيار أفيغدور ليبرمان، الوزير في حكومة أولمرت الذي يؤيد إعادة مناطق رودس -وادي عارة-المثلث الصغير إلى الكيان الفلسطيني.
ويحظى هذا الطرح بتأييد واسع من جمهور المستوطنين، حيث تشير استطلاعات الرأي أن 62% من جمهور المستوطنين يعتقدون بضرورة أن تعمل الحكومة على تشجيع العرب على الهجرة.
الأدب الصهيوني اجترح تعبير الهولوكست الصامت إلى جانب الهولوكست النازي، أليس ما يجري من حرب ضد الديمغرافية الفلسطينية وفق الآليات والمشاريع المذكورة ضربا من مجزرة صامتة، تتضافر مع المجازر الدموية في إبادة الشعب الفلسطيني يعرض عنها العالم، وتستدعي يقظة الضمير الإنساني لإنقاذ هذا الشعب من خطر الإبادة؟
ــــــــــــــــ
كاتب سوري
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.