صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9

صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9


علاء بيومي

– التحيزات الدفينة
– الجهل كمصدر للتحيز
– معتقدات وأزمات وخصائص ديمغرافية
– جماعات سياسية متحيزة
– مواقف النخب السياسية الأميركية
– المبادرات المسلمة والعربية لتحسين الصورة
– خاتمة

أحد أهم الأسئلة المطروحة في الذكرى السنوية الخامسة لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 هو كيف أثرت تلك الأحداث وتبعاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة على نظرة الأميركيين تجاه الإسلام والمسلمين؟

هذا إضافة إلى التساؤل حول طبيعة العوامل التي أسهمت في صياغة تلك النظرة خلال السنوات الخمس التي باتت تفصلنا عن الحدث التاريخي الهام؟


التحيزات الدفينة
قبل الشروع في الإجابة على السؤالين السابقين ينبغي أن نذكر أنفسنا بأن صورة الإسلام في أميركا هي نتاج لعوامل ثقافية وسياسية بعيدة الجذور.

فعلى المستوى الثقافي تبرز دراسات علم الاستشراق أن الإسلام والمسلمين -والعالم غير الغربي عموما- يعانون كثيرا من التشويه والإجحاف في عقلية المواطن الغربي والأميركي نتيجة لتحيزات دينية وفكرية وثقافية تاريخية دفينة.

"
هناك ارتباط واضح وقوي بين فترات الأزمات الدولية -خاصة المتعلقة بأحداث إرهابية- وتردي صورة الإسلام والمسلمين لدى الشعب الأميركي، إذ تؤدى تلك الأحداث إلى قفزة في التغطية الإعلامية السلبية للإسلام والمسلمين، كما تزيد بوضوح من دعاوى التمييز ضد مسلمي أميركا
"

وعلى المستوى السياسي عانت صورة العربي سياسيا لعقود نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، وعانت صورة المسلمين في أميركا سياسيا منذ وقوع الثورة الإسلامية بإيران أواخر السبعينيات على أقل تقدير.

فإذاك رأت أميركا في الثورة الإيرانية تهديدا لمصالحها الإستراتيجية بالمنطقة تحت شعار إسلامي، إضافة إلى ترشيح عدد متزايد من الأكاديميين والسياسيين الأميركيين الإسلام للعب دور العدو الدولي الجديد للولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

وهذه الترشيحات زادت وتيرتها خلال العقد الماضي، وأصبح ينظر إليها حاليا من قبل بعض السياسيين الأميركيين، على أنها نبوءات موفقة كان ينبغي الانتباه لها بدرجة أكبر.

عموما أحداث سبتمبر/ أيلول والسنوات الخمس الماضية أضافت للتحيزات السابقة الدفينة عددا من العوامل والمتغيرات التي تركت تأثيرا واضحا على صورة الإسلام والمسلمين بأميركا نلخصها في خمسة عوامل رئيسية.


الجهل كمصدر للتحيز
أولا: مختلف الاستطلاعات التي أجريت عن رأي الأميركيين تجاه الإسلام والمسلمين أوضحت أن ثلثي الأميركيين على الأقل يفتقرون إلى المعرفة الكافية بالإسلام والمسلمين، وأن الأميركيين الذين يعرفون الإسلام بدرجة كافية أو الذين يمتلكون أصدقاء ومعارف مسلمين أكثر إيجابية تجاه الإسلام والمسلمين.

أكثر من ذلك أثبتت الاستطلاعات أن ارتفاع مستوى المواطن الأميركي التعليمي يؤثر إيجابيا على نظرته للإسلام والمسلمين.

هذا يعني أن الجهل بصفة عامة والجهل بالإسلام بصفة خاصة يقودان إلى التحيز والعداء، إذ الجهل يترك المواطن الأميركي فريسة لتحيزات الإعلام ولأجندة الجماعات السياسية ذات المصالح الضيقة ولتقلبات الأحداث الدولية.


معتقدات وأزمات وخصائص ديمغرافية
ثانيا: تنتشر مشاعر سلبية عن الإسلام خلال الفترة الحالية في أوساط نسبة لا يستهان بها من الأميركيين تتراوح بين 20% و33% في الأوقات العادية، وترتفع إلى ما بين 25% و40% في أوقات الأزمات.

هذه المشاعر السلبية ترتبط بمعتقدات وخصائص ديمغرافية وظروف سياسية معينة، فعلى جانب المعتقدات ترتبط صورة الإسلام السلبية في عقلية المواطن الأميركي بأفكار نمطية معينة على رأسها الاعتقاد بأن الإسلام يحض على العنف وعلى اضطهاد المرأة وعلى كره أبناء الأديان الأخرى والحد من حقوقهم وحرياتهم.

وفيما يتعلق بالعوامل الديمغرافية تنتشر الرؤى السلبية عن الإسلام بدرجة أكبر في أوساط أبناء التيار اليميني المحافظ، خاصة كبار السن منهم.

ويتركز هؤلاء جغرافيا في ولايات الجنوب والوسط الأميركي وفي المناطق الزراعية والبعيدة عن المدن، في حين يميل أبناء التيار الليبرالي والشباب وسكان المدن إلى النظر بشكل أكثر إيجابية تجاه الإسلام.

وعلى جانب الظروف السياسية هناك ارتباط واضح وقوي بين فترات الأزمات الدولية -خاصة الأزمات المتعلقة بأحداث إرهابية- وتردي صورة الإسلام والمسلمين لدى الشعب الأميركي، حيث تؤدى تلك الأحداث إلى قفزة في التغطية الإعلامية السلبية للإسلام والمسلمين، كما تزيد بوضوح من دعاوي التمييز ضد مسلمي أميركا ومن قابلية الشعب الأميركي للموافقة على تحويل تلك الدعاوى لسياسات أمنية حقيقية.

وعلى الصعيد نفسه أثرت بعض سياسات الإدارة الأميركية تجاه العالم الإسلامي –كالحرب على العراق– على صورة الإسلام والمسلمين بأميركا، حيث أثبت استطلاعات مختلفة أن مؤيدي الحرب على العراق أكثر قابلية للنظر سلبيا تجاه الإسلام والمسلمين، وقد يرتبط هذا بالطبع بالدعاية السلبية التي تصاحب الحروب وما شابهها من السياسات.


"
صورة الإسلام في أميركا لا تتشكل في بيئة محايدة، لأن هناك دورا واضحا لبعض الجماعات الأميركية النشطة سياسيا وإعلاميا تروج لأجندات سياسية وفكرية متحيزة ضد الإسلام والمسلمين
"

جماعات سياسية متحيزة
ثالثا: صورة الإسلام في أميركا لا تتشكل في بيئة محايدة، فهناك دور واضح لبعض الجماعات الأميركية النشطة سياسيا وإعلاميا تروج لأجندات سياسية وفكرية متحيزة ضد الإسلام والمسلمين، وعلى رأس تلك الجماعات ثلاث فرق رئيسية.

الفرقة الأولى تضم المحافظين الجدد، وهي فئة يصعب تحديد موقفها من الإسلام والمسلمين لسبب أساسي وهو صعوبة تحديد من ينتمون إليها رغم الكتابات العديدة التي تعرفها.

وبصفة عامة يمكن تقسيم هذه الفئة من حيث موقفها من الإسلام والمسلمين إلى ثلاثة تيارات أساسية، أولها تيار عام يضم غالبية أبناء هذه الفئة ويتميز بالتركيز المبالغ فيه على العالم الإسلامي والاندفاع نحو استخدام القوة لتطبيق رؤاهم بخصوصه، ونحو النظر إلى بعض الجماعات المسلمة على أنها عدو أميركا الأساسي.

ويمكن القول إن نفوذ هذه الفئة وأفكارها أوجدا جوا من الشك والخوف غير المسبوق تجاه المسلمين، كما أنتجا سياسات ذات تبعات كارثية على صورة الإسلام وعلى رأسها حرب العراق.

الفئة الثانية -وهي أقلية ضمن تلك المجموعة- ساندت مساعي الإدارة الأميركية الحالية قصيرة العمر وضعيفة الموارد لدفع قوى الديمقراطية في العالم الإسلامي.

ويلاحظ أن هذه الفئة رفعت شعارات تطالب بمشاركة الجماعات الإسلامية في العملية السياسية في العالم الإسلامي، ما أوجد حالة حراك نسبي في الخطاب السائد بواشنطن تجاه ما هو إسلامي لفترة قصيرة.

وهذا لا يعني أن تلك الفئة أقل تحيزا ضد الإسلام والمسلمين، ولكن خطابها الديمقراطي امتلك أبعادا إيجابية يجب رصدها.

الفئة الثالثة تضم بعض الجماعات المتطرفة في مساندة إسرائيل وهي تربط المحافظين الجدد بقوى لوبي إسرائيل التقليدية، ويمكن الإشارة إلى منبر أبحاث الشرق الأوسط الذي يرأسه الباحث الأميركي المتشدد دانيال بايبس كنموذج لتلك الفئة، وهي فئة رافضة لفكرة نشر الديمقراطية، وتروج لأجندة شديدة التطرف مفادها ترويج أسوأ الأفكار النمطية عن المسلمين في شكل إنتاج يبدو أنه فكري أو بحثي رصين.

ومن تلك الأفكار اضطهاد المسلمين للمرأة وللأقليات الدينية، وحض الإسلام على العنف وكراهية الآخرين.

"
وسائل الإعلام اليمينية العلمانية مثل قناة فوكس نيوز والدينية مثل القنوات والإذاعات المسيحية تلعب دورا واضحا في ترويج الأفكار الناقدة للإسلام وللمسلمين
"

الفرقة الثانية من الجماعات السياسية المتحيزة ضد الإسلام والمسلمين هي جماعات لوبي إسرائيل، ويلاحظ أن بعض الاستطلاعات أثبتت بصفة عامة وجود ارتباط بين مساندة إسرائيل والقابلية للنظر سلبيا تجاه الإسلام والمسلمين.

هذا إضافة إلى نشاط اللوبي المذكور في أوقات الأزمات –كحرب لبنان الأخيرة– لقمع أي خطاب إيجابي عن الحقوق المسلمة العربية.

كما كشفت دراسات وتقارير متواترة عن جهات مختلفة أن لوبي إسرائيل ينشط بصفة مستمرة وراء الستار لتهميش وعزل مسلمي وعرب أميركا على المستوى السياسي والعام بالولايات المتحدة خوفا من أن يؤدي نفوذهم المتزايد تدريجيا إلى توعية الأميركيين بحقيقة ما يجري بالشرق الأوسط ومن ثم إضعاف التأييد الشعبي الأميركي المتآكل لإسرائيل.

الفرقة الرئيسية الثالثة هي الجماعات المسيحية المتدينة التي تشكل نسبة لا يستهان بها من أصوات الحزب الجمهوري تقدر أحيانا بحولي 40%.

وترتبط هذه الفئة بالتشويه الذي تتعرض له صورة الإسلام بأميركا على أكثر من مستوى، أولها أن أبناء اليمين الأميركي المحافظ أكثر قابلية للنظر سلبيا للإسلام كما أفادت مختلف الاستطلاعات، كما تشير تقارير مختلفة إلى أن بعض الأفكار والكتابات المنتشرة على نطاق واسع في أوساط اليمين الأميركي المتدين –مثل الكتابات التي تدور حول نبوءات آخر الزمان الإنجيلية– تحتوي على تصورات تضع غالبية المسلمين والعرب في معسكر أعداء المسيح والمسيحية.

ثانيا: شنت بعض قيادات اليمين الأميركي المتدين حملة على الإدارة الأميركية بسبب وصفها الإيجابي للإسلام كدين في أعقاب 11-9.

ثالثا: أقدمت بعض قيادات اليمين الأميركي المتدين واسعة النفوذ مثل بات روبرتسون وجيري فالويل وفرانكلين جرام على توجيه إساءات مباشرة وقوية للإسلام كدين على أهم وسائل الإعلام الأميركية.

رابعا: تلعب وسائل الإعلام اليمينية العلمانية مثل قناة فوكس نيوز والدينية مثل القنوات والإذاعات المسيحية دورا واضحا في ترويج الأفكار الناقدة للإسلام وللمسلمين.


مواقف النخب السياسية الأميركية
رابعا: تتميز مواقف النخب السياسية الأميركية تجاه ما يتعرض له المسلمون والعرب من تشويه وتمييز بالتضارب على أقل تعبير، فبينما حرصت أقلية بين النخب السياسية الليبرالية على نقد ظاهرة الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام والمسلمين) لم تقدم غالبية أعضاء النخبة السياسية الأميركية حلولا واضحة للتعامل مع تلك الظاهرة أو مع ما يتعرض له المسلمون من تمييز في الولايات المتحدة.

بل تسابقت غالبية تلك النخب إلى تسجيل أهداف سياسية، مستغلين مشاعر العداء للإسلام والمسلمين في المجتمع الأميركي كما حدث في مواقف عديدة مثل حادثة "موانئ دبي" وخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان.

أما فيما يتعلق بموقف الإدارة الأميركية نفسها فقد حرصت في أكثر من مناسبة على الفصل بين الإسلام ومعتقدات الإرهابيين، ولكنها في نفس الوقت استخدمت مصطلحات مثل "الإسلام الراديكالي" والإسلام الفاشي" في وصف معتقدات الإرهابيين.

وهذه المصطلحات غير محددة التعريف تربط بين الإسلام والإرهاب خاصة لدى المواطن الأميركي العادي الذي يفتقر للمعرفة الكافية وللقدرة على فهم المغزى المحدد لتلك المصطلحات.


"
في الوقت الذي أنفقت فيه أميركا مئات الملايين من الدولارات لكسب عقول وقلوب المسلمين والعرب في ظل خطط ذات أساس علمي قوي، لم يتمكن المسلمون والعرب في أميركا وخارجها حتى الآن من القيام بمبادرات موازية من حيث الحجم أو الهدف أو المدى أو التخطيط العلمي
"

المبادرات المسلمة والعربية لتحسين الصورة
خامسا: فيما يتعلق بموقف المسلمين والعرب في أميركا وخارجها تجاه ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه خلال السنوات الخمس الأخيرة، يلاحظ بوضوح غياب أي مبادرات كبرى تهدف إلى التعامل مع هذه الظاهرة من داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

ففي الوقت الذي أنفقت فيه أميركا مئات الملايين من الدولارات لإنشاء محطات تلفزيون وإذاعات ومطبوعات وبرامج مختلفة لكسب عقول وقلوب المسلمين والعرب في ظل خطط ذات أساس علمي قوي وتوجه سياسي ضعيف ومضطرب، لم يتمكن المسلمون والعرب في أميركا وخارجها حتى الآن من القيام بمبادرات موازية من حيث الحجم أو الهدف أو المدى أو التخطيط العلمي.

فمبادرات المسلمين والعرب الأميركيين محدودة بحكم محدودية إمكانياتهم، ومبادرات العالم الإسلامي متفرقة بحكم اختلاف جهات تنظيمها، ومحدودة أيضا.

فحتى الآن لم تطلق أي دولة عربية وإسلامية خطة عامة لتحسين صورة الإسلاميين والمسلمين في أميركا من خلال خطة علاقات عامة وسياسية تطبق على مدى زمني كاف.


خاتمة
الضغوط السلبية السابقة لم تمنع من ظهور مبشرات إيجابية كزيادة رغبة الأميركيين في التعرف على الإسلام والمسلمين، واعتراف غالبية الأميركيين (الثلثين) بعدم امتلاكهم معرفة كافية بالإسلام، واتساع رقعة التعاطف مع المسلمين والعرب في أوساط ليبرالية أميركية دينية وعلمانية مختلفة بما في ذلك جماعات حقوقية كبرى، وأخرى معنية بحقوق الأقليات وبنشر السلام.

وتشكل العوامل السابقة فرصا إيجابية حقيقية هامة يمكن حصادها لو تم ذلك من خلال جهد عملي منظم يتناسب في حجمه وإمكانياته مع هجمة التحدي التي تواجهها صورة الإسلام والمسلمين في أميركا حاليا.
__________________
كاتب مصري

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.