حرب 2006 على لبنان.. خلفية وأداء ونتائج

حرب 2006 على لبنان.. خلفية وأداء ونتائج



العميد الركن الدكتور أمين محمد حطيط

الخلفية والأهداف الإستراتيجية للحرب
العمليات العسكرية
نتائج الحرب

بعد شهر من إطلاق إسرائيل حربها على لبنان، يكون من المفيد أن نتوقف عند هذه الحرب الفريدة من نوعها في الظرف والوسيلة والنتائج، توقفاً نستعرض فيه ما حدد لها من أهداف وما آلت إليه من نتائج بعد هذه المدة التي تعتبر طويلة نسبيا إذا ما قورنت بحروب إسرائيل السابقة ضد العرب.

إنها الحرب ذات الأهداف البعيدة المدى والجذرية التأثير.. حرب أريد لها أن تكون المدخل إلى إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، أو الكبير، أو بالأصح الشرق الأوسط المستعمر أميركيا.

الخلفية والأهداف الإستراتيجية للحرب

"
تبين لأميركا أن لا أحد في الداخل يستطيع تنفيذ القرار 1559، فقررت تكليف إسرائيل بالمهمة وانتظرت الظرف المناسب للتنفيذ، واستغلت أميركا وإسرائيل عملية أسر الجنديين وأطلقتا عمليتهما المخططة
"

1- خلفية الحرب: بدأت إسرائيل عدوانها إثر عملية أسر جنديين من جيشها يوم 12 يوليو/تموز 2006، عدواناً كانت ترى فيه حاجة لها منذ العام 2000 (ثأراً لهزيمتها وإعادة اعتبار لجيشها)، وكانت حضرت له منذ ثبت عجز المحور الأميركي المتشعب الامتداد داخليا وعربيا ودوليا عن تنفيذ قرار نقل لبنان من محور الممانعة والرفض لمشروع أميركا إلى محور التبعية لها. لقد حاولت أميركا أن تستثمر احتلالها للعراق وتفرض على كل دول المنطقة الخضوع فاصطدمت بعقبات ثلاث:

– الأولى في إيران التي رفضت التخلي عن برنامجها النووي كما رفضت مد أميركا بالتسهيلات اللازمة لاستقرار احتلالها للعراق.

– الثانية في سوريا التي رفضت نزع سلاح حزب الله في لبنان، كما أنها لم تقدم لأميركا الخدمات الأمنية والعسكرية في الداخل العراقي لتجعل الاحتلال فيه أمرأ يسيراً، كما رفضت طرد ممثلي المقاومة الفلسطينية من أراضيها.

– الثالثة في حزب الله الذي هزم إسرائيل عام 2000 واستمر في بناء قدرة عسكرية فريدة من نوعها تقع بين القوة التقليدية النظامية (جيش) وغير النظامية، وصاغ هيكلية عسكرية ذات قدرات مناسبة لتشكيل تهديد جدي لإسرائيل يمكن الحزب من شل قدراتها إذا شاءت العمل بسياسة "الذراع الطويلة" القادرة على التأثير في كامل الشرق الأوسط لخدمة المصالح الأميركية الإسرائيلية المشتركة.

لقد قامت أميركا بالعمل منفردة أو مع تابعين أو حلفاء لها مباشرة، أو بشكل غير مباشر عبر الاستدراج واستصدار القرارات الدولية ضد هذا وذاك من عناصر الفريق الممانع. وكان الأهم في ذلك القرار 1559 الذي اختصر المسألة بتغيير النظام في لبنان وعزل سوريا وتجريد حزب الله من سلاحه، والأمر الأخير هو بيت القصيد.

لكن تبين لأميركا أن أحدا في الداخل لا يستطيع تنفيذ القرار، فقررت تكليف إسرائيل بالمهمة وانتظرت الظرف المناسب للتنفيذ. واستغلت أميركا وإسرائيل عملية أسر الجنديين على الخط الأزرق في جنوب لبنان من قبل المقاومة بغية تحرير أسرى لبنان بالمبادلة، وأطلقتا عمليتهما المخططة. وأعلنت إسرائيل مباشرة أن أهداف العملية هي:

2- أهداف الحرب: ونميز فيها بين:

أ- الأهداف المعلنة المباشرة:

– تدمير حزب الله ونزع سلاحه، بما يسهل عملية انتقال لبنان كليا إلى القبضة الأميركية. وتحرير يد إسرائيل بعد تخليصها من تهديد صواريخ.

– تحرير الأسرى الجنود الإسرائيليين، بعد رفض أي عملية تبادل مع حزب الله.

– تطبيق القرار 1559 بما فيه من نشر الدولة سيطرتها على الجنوب، ونشر الجيش على الحدود في صيغة تجعل منه حرساً للحدود مع إسرائيل.

ب- الأهداف المضمرة أو الحقيقية للحرب هي:

– استعادة قدرة الردع الإسرائيلية بعدما تآكلت منذ العام 2000.

– توفير الظرف المناسب لأميركا للانطلاق إلى الشرق الأوسط الجديد عبر:

  •  تطويع الإرادة السورية للقرار الأميركي عن طريق وضع لبنان برمته في موقع الرفض لها، ثم "المحاصرة لها" بعد اجتثاث الفريق اللبناني الوحيد الذي يجاهر بتحالفه معها.
  • قطع الأطراف الإيرانية الخارجية وإبعاد السيف الذي قد تسله إيران على إسرائيل انطلاقاً من لبنان، وفرض واقع يمكن من التمدد إلى الوضع الإيراني لنقل رسالة واضحة للجميع "انتهى عهد الممانعة للقرار الأميركي في الشرق الأوسط" وعليكم الانصياع ليس في الملف النووي فحسب بل في كل شأن أو أمر يعني إيران داخلياً أو خارجيا، إذا كان من شأنه أن يؤثر على القرار الأميركي في أي وجه.

وهنا نذكر أن إعادة صياغة الشرق الأوسط على أنقاض معاهدة سايكس بيكو تعني أميركيا:

"
من أهداف الحرب المضمرة الإمساك بالقرار والسيطرة على دول الشرق الأوسط التي كانت خارج بيت الطاعة والتبعية الأميركية، ثم إقامة الأنظمة السياسية الخاضعة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان
"

– الإمساك بالقرار والسيطرة في دول الشرق الأوسط التي كانت خارج بيت الطاعة والتبعية الأميركية، ثم إقامة الأنظمة السياسية الخاضعة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان.

– تقسيم الدول الشرق أوسطية الكبرى إلى دول طائفية أو عرقية صغيرة لا تملك مقومات الدولة القادرة على حماية ذاتها أو الاستمرار من غير دعم خارجي معين خاصة في المجال الأمني.

– أما عسكريا فيكون على الحكومات الجديدة أن لا تفكر في إنشاء جيوش القتال، إذ إن أميركا وإسرائيل هما وحدهما اللتان لهما الحق في ذلك، أما الآخرون فليس لهم أكثر من جيش/شرطة لقمع الشعب ومنع أي حركة رفض للسياسة الأميركية في الداخل.

3- الخطة العسكرية الميدانية للعدوان على لبنان:

من استقراء ما نفذ من الخطة ومن متابعة مجريات الأمور في الشهر الأول منها، نستطيع أن نقول بأن الخطة الإسرائيلية الأساسية قامت على ما يلي:

أ- في مرحلة أولى مرحلة القصف التدميري، وتكون عبر:

– تدمير شبكة المواصلات اللبنانية من الجنوب وإليه وإقفال كل المنافذ التي تصل لبنان بالخارج (برا وبحرا وجوا) لهدف أساسي هو قطع أي نوع من الإمداد لحزب الله كهدف مباشر، والتضييق على المواطنين لحملهم على الانتفاضة ضد المقاومة كهدف غير مباشر.

– اغتيال قادة حزب الله في منازلهم بتدميرها عليهم، ثم الانقضاض على مراكز القيادة والاتصال لشل الحركة وتفكيك التنظيم عبر الفتك بقيادته وخلق الفوضى والتشتت في التنظيم.

– تدمير البنية اللوجستية للمقاومة وكل ما يعتقد بأنه مخزن أو مستودع أو قاعدة اتصال للمقاومة.

– إحداث المجازر والتضييق على السكان لحملهم على التحلل من المقاومة أو الضغط عليها، ما يؤدي إما إلى "موتها" عبر تجفيف المياه عن السمكة (المقاومة) أو خنق السمكة بضغط المحيط عليها.

– إنهاء المرحلة بوضع تكون فيه المقاومة مقطعة الأوصال، مشلولة الفعالية، متناثرة الأشلاء.

ب- في مرحلة ثانية "اجتثاث المقاومة" بالإجهاز على أشلائها، وذلك بأن:

– تقوم القوات البرية بعملية اجتياح سريعة سهلة وغير مكلفة تكون غايتها "تنظيف مراكز المقاومة" وتجريد من تبقى من مقاتليها من سلاحه -إن أبقي عليهم أحياء- وسوقهم بعد ذلك إلى "المحاكمة العادلة" بالمنطق الأميركي، واستعادة تجربة "معتقل أنصار" في الحد الأدنى أو غوانتانامو على الأرجح لأن هذه المرحلة ضرورية ولازمة بكل تأكيد بمنطق ورؤية إسرائيل وأميركا للتخلص من "المقاومة الإسلامية" وجوداً وفعالية ثم فكراً ونمواً أو إعادة بناء، لأن لبنان من غير ذلك لا يمكن أن ينتقل كلياً إلى القبضة الأميركية الإسرائيلية من غير الحاجة إلى قوات عسكرية دائمة فيه، والاجتياح البري ضرورة حتمية في الخطة لأن إسرائيل وأميركا تعلمان أن الطيران والمدفعية لا تمسك أرضا ولا تحقق نصراً ناجزا، على أن يكون الاجتياح في الحد الأدنى إلى نهر الزهراني مع احتمال تطويره إلى نهر الأولي أو أبعد وفقاً للنتائج المتحققة والثمن المدفوع.

– استكمال تدمير بنية حزب الله لاجتثاثه كلياً في الصيغة المدنية المؤسساتية، على نمط "اجتثاث البعث" التابع لصدام حسين في العراق (طبعاً مع الفارق الجذري في الشبه بينهما أو حتى المقارنة) للقول للشعوب بعد ذلك: لا تفكروا في مقاومة مشروعنا، فكما كانت حرب أكتوبر/تشرين 1973 آخر الحروب النظامية مع إسرائيل، تكون حرب 2006 ضد حزب الله آخر الحروب غير التقليدية التي تواجهها إسرائيل وأميركا في الشرق الأوسط، على أن يصار بعد ذلك إلى تعميم ثقافة منع تكوين المقاومة الشعبية ثم حظر تزويدها بالسلاح أو تدريبها في أي مكان آخر للتخلص نهائياً من هذا الخطر.

العمليات العسكرية

"
ظهر أن المقاومة لم تكن غافلة عن النوايا الإسرائيلية فاتخذت من التدابير ما جنب بنيتها وأسلحتها وقيادتها أي ضرر من الفتك الإسرائيلي التدميري، ما أحدث الصدمة لدى إسرائيل
"

4- الخطة الأساسية:
 بدأت إسرائيل تنفيذ الخطة عملياً، ويبدو أنها حددت مهلة من أسبوع إلى عشرة أيام لتنفيذ كل مرحلة مع قابلية التمديد أسبوعا لكل منهما، بما يؤمن انتهاء العملية برمتها في حدود 31 يوليو/تموز تاريخ التجديد لقوى الأمم المتحدة في الجنوب، فيصدر القرار آنذاك وفقاً لواقع جديد تكون أميركا قد حضرت كل شيء فيه. وانطلق التنفيذ فجاءت النتائج كما يلي:

أ- في المرحلة الأولى:
– دمرت إسرائيل كل ما تستطيع تدميره وفقاً لخطتها، واستهدفت كل ما كان معداً من قبلها عبر ما يسمى "بنك الأهداف" وعددها 420 هدفاً تقع في توصيف الأهداف المدنية ذات الصلة بالبنية التحتية اللبنانية، إضافة إلى منازل عدد كبير من المسؤولين في المقاومة الإسلامية ومقرات القيادة، ووسائط الاتصال وهوائيات الإرسال. وكان نصيب الطرقات والجسور كبيراً في عملية التدمير من الجنوب إلى الشمال، وتسبب القصف التدميري بارتكاب المجازر بحق المدنيين بتحطيم البيوت على رؤوس ساكنيها وجلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، (أحصي عدد القتلى بعد 6 أيام من العدوان فتبين أنه 300 منهم 132 طفلاً دون الثامنة من العمر، ووصل العدد بعد شهر إلى 1126 قتيلا).

– ظهر أن المقاومة لم تكن غافلة عن النوايا الإسرائيلية، فاتخذت من التدابير ما جنب بنيتها وأسلحتها وقيادتها أي ضرر من "الفتك الإسرائيلي التدميري"، ما أحدث الصدمة لدى إسرائيل إذ تبين لقيادتها أن أعمال القصف لم تحقق شيئا جوهرياً من أهداف الخطة، حيث استمرت على جهوزيتها القتالية والقيادية والبنوية، وتأكد ذلك عندما انتقلت المقاومة في اليوم التالي لاستعادة المبادرة بعد استيعاب العدوان، وبدأت تطبيق سياسة "الردع الدفاعي" باستهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ، ما مكنها من أن تلحق بإسرائيل خسائر مادية وبشرية لم تلحق بها منذ أن اغتصبت فلسطين عام 1948، خاصة بعدما وصل القصف إلى حيفا، وامتلكت زمام المبادرة في الميدان.

– تقويم عام للمرحلة الأولى:

  • فشل إسرائيلي في تحقيق أهداف الخطة في المرحلة الأولى.
  • ظهور قدرات عسكرية هامة لدى المقاومة فاجأت إسرائيل على أكثر من صعيد ميداني عملي أو استخباراتي أو أمني، والأخطر الرد الصاروخي على العمق الإسرائيلي وبشكل دقيق.
  • أما على الصعيد العسكري الإستراتيجي فإن فشل سلاح الجو في تحقيق الأهداف المحددة يمكن أن يؤشر إلى عدم جواز اعتماد نظرية "الحسم الجوي للأهداف المركزية" على غرار ما بدأ الترويج له بعد حرب 1967 يوم أخرج سلاح الجو المصري من المعركة، وتسبب في هزيمة الجيش المصري في الحرب كلها.

ب- في المرحلة الثانية: 
1- رغم أن إسرائيل تأكدت من أن المرحلة الأولى لم تحقق أهدافها خاصة مع ظهور فعالية القوة النارية والمستوى المعنوي للمقاومة، فقد دفعت إلى المتابعة بعدما وجدت نفسها في مأزق شديد يفرض عليها الخيار بين:

– التوقف عن القتال ما يعني انهيار المشروع وتكون الكارثة السياسية على أميركا وكل أتباعها.

– المتابعة بالانتقال إلى المرحلة الثانية متجاوزة إخفاقها في المرحلة الأولى، ما يستلزم إضافة هدف جديد إليها يتمثل في إعادة الاعتبار إلى جيشها بعد الإخفاقات الجوهرية والخسائر التي تكبدتها في المرحلة الأولى منذ أسر الجنود، إلى تدمير الدبابات من نوع ميركافا (من أفضل المدرعات في العالم)، إلى تدمير البارجة ساعر (ذات القدرات المميزة عسكرياً في النار والمراقبة والحماية)، إلى الإخفاق الاستعلامي وما يلحق به. وقد ألزمت بالمتابعة بقرار أميركي وضغط من بعض العسكريين في الداخل.

– أما التنفيذ الفعلي للمرحلة الثانية فقد كان محكوماً بحذر إسرائيلي عسكري شديد، إذ إنها تيقنت في المرحلة الأولى من مدى عجزها عن معرفة حقيقة وطبيعة الخصم، لذلك كان لا بد لها من عملية كشف أو سبر الغور أو جس نبض المقاومة لمعرفة قدراتها الحقيقية في الميدان وفي قتال المواجهة، وللوقوف على حجم الثمن الذي عليها أن تدفعه في معرض تنفيذ المرحلة الثانية تلك.

فقررت أن تكون المرحلة مسبوقة بعملية "استطلاع بالقوة" كما هو معتبر في العرف العسكري. وقد اختارت العمل في القطاع الأوسط من الجبهة لأنه المحور الأفضل لها عسكرياً وسياسيا (فالقطاع الشرقي يجعلها في تماس مع سوريا، وهي لا تريد ذلك في تلك المرحلة من مراحل الحرب، والقطاع الغربي يعطي مزايا أكبر لعمل المقاومة) لذلك كان اختيار مكان الاجتياح البري هو العمل في القطاع الأوسط وكانت منطقة مارون الراس-عيترون- بنت جبيل هي المنطقة التي وقع عليها الاختيار لتنفيذ المهمة, ودفعت بقوة مدرعة بحجم كتيبة لإجراء عملية الاستطلاع والتوغل باتجاه بنت جبيل، وكانت تتوخى من ذلك هدفاً مباشراً هو كما ذكرنا، وهدفا غير مباشر هو تقديم إنجاز عسكري سريع عبر احتلال هذه المدينة التي تعتبر العاصمة التاريخية لجبل عامل وذات قيمة عقائدية وفكرية في الجنوب وعند المسلمين الشيعة.

2- النتائج الأولية للمرحلة الثانية:
– مواجهة عكسية ضارية أبداها رجال المقاومة أوقعت الخسائر الجسيمة في القوى المتسللة إلى الحد الذي فرض على القوة المتسللة أربعة أيام من القتال للتمكن من التقدم 1300م داخل الأرض اللبنانية وبجبهة كيلومتر واحد، وتكبدت 7 قتلى و20 جريحا ودمر لها 5 دبابات ميركافا، مقابل 3 شهداء للمقاومة. وكانت صفعة بالغة الخطورة وجّهت لإسرائيل ما جعلها في حال الصدمة.

"
انتهاج المقاومة أسلوب قتال يعتمد على المواجهة المباشرة والتصدي للقوات المتسللة، وهو يختلف عن أساليب حرب العصابات القائمة على تجنب المواجهة المباشرة
"

– اعتماد رجال المقاومة أسلوب قتال يعتمد على المواجهة المباشرة والتصدي للقوات المتسللة، وهو يختلف عن كل التقنيات وأساليب قتال العصابات القائمة على مبدأ "تجنب المواجهة المباشرة" (الفر في التقدم، والكر في السكون والتراجع). هذا الأسلوب حمل العدو على القول بأننا لا نحارب مليشيا بل لواء من القوات الخاصة-قوات النخبة من الجيش الإيراني، وذلك ليخفف من حجم الهزيمة التي لطخت وجهه في مارون الراس.

– عدم تأثير دخول العدو إلى مارون الراس على أداء المقاومة وتحركها وفعالية المواجهة والرد والقصف، إذ ثبتت المقاومة على ما كانت عليه عسكريا ومعنوياً من غير أي تبدل.

– وبالخلاصة خرجت إسرائيل من عملية جس النبض بمحصلة مفادها أن تنفيذ المرحلة الثانية كاملاً يعني أن عليها دفع ثمن ليس بالقليل، ما أدى إلى رفع الأمر إلى السلطة السياسية لتتخذ القرار وتكون المسؤولة عنه، إذ إن الجيش لم يكن بمقدوره تحمل المسؤولية في هذا الشأن.

5- القرار الصعب: الخطة الثانية "حرب إعادة الاعتبار".

بنتيجة معركة مارون الراس تغير الموقف تماماً وأصبحت الحرب أو الاستمرار فيها حاجة إسرائيلية خطيرة وجذرية تتمثل في إنقاذ صورة الجيش الإسرائيلي. وانقلبت المعركة إلى معركة حياة أو موت كما يقول شمعون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومعركة مصير مشروع بكامله في الشرق الأوسط بالنسبة لأميركا.

وهنا تلاقت المصلحتان الإسرائيلية والأميركية واتخذ القرار بالمتابعة، وأجهضت أميركا كل الفرص لوقف إطلاق النار وشجعت إسرائيل على المتابعة واعدة بالدعم العلني في كل شيء.. وكان القرار الصعب: المتابعة للتعويض.

فتقرر استئناف العمل على المحور ذاته رغم الخسارة، ما أدى إلى ملحمة بنت جبيل حيث كان للمقاومة تكتيك آخر انتهى اعتماده إلى خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف الإسرائيليين، ما حملهم على تغيير محور العمل وانتقلوا إلى عيتا الشعب، ولم يكن حظهم هناك أفضل بل كانت الخسائر أشد وأدهى، فغيروا محور العمل ثانية وانتقلوا إلى محور الطيبة مرورا بالعديسة وكان الإخفاق حليفهم. هنا رأوا الحاجة إلى عمل استعراضي يخفي الإخفاقات الشديدة التي حدثت فاعتمدوا العمل خلف الخطوط بإنزال في بعلبك بقصد خطف قيادي من حزب الله، وأخفقت العملية أيضا عندما تبين أن من خطفتهم القوة الإسرائيلية مواطنون لا علاقة لهم بالحزب ولا عهد لهم باستعمال سلاحه. وعندما تكررت عملية الإنزال في صور كانت النتيجة واحدة: الإخفاق.

لقد احتار الجيش الإسرائيلي في اعتماد أي مدخل ميداني يحقق عبره الإنجاز العسكري الذي يمكنه أن يقول إنه انتصر في الحرب ولو جزئياً، ولكن تبين له أن الأمر بات في حكم المستحيل بعد 18 يوماً من بدء الحرب، خاصة بعدما بدأ يتلمس الإستراتيجية العسكرية الفريدة من نوعها لحزب الله في القتال والتي تقوم على العناصر التالية:

– الأرض المحضرة جيداً للقتال: عبر بناء الخنادق والأنفاق تحت الأرض التي تمكن من الحركة والاختفاء بعيداً عن مراقبة العدو وناره.

– حسن اختيار السلاح في المواجهة بما يلائم الهدف ويحقق النتائج التدميرية أو الشلل له.

– المستوى الرفيع للمقاتل مهنيا ومعنوياً، إذ إنه مقاتل يخرق المعقول في المواجهة والثبات.

– منظمة الأمن والاستعلام التي يملكها الحزب والتي تمكنه من الوصول إلى ما يريد أن يعرفه عن العدو، ويحول دون اختراق العدو أمنيا له.

– القدرات الصاروخية الهائلة التي تهدد العمق الإسرائيلي إلى 70 كلم على الأقل.

– اعتماد نمط القتال المتحرك المرن الذي ينطلق بداية من مبدأ "لكل نقطة مقاتلوها"، ما يفشل سياسة تقطيع الأوصال.

– اعتماد مبدأ الحركة الدائمة وعدم إخلاء الميدان ما يحول دون تحول الاختراق إلى احتلال، وفرض مفهوم إنشاء مناطق اشتباك بدل الأرض المحتلة.

"
تنوعت أساليب القتال أو نمط العمل التكتيكي الميداني, بمعنى أن  
المقاومة نوعت نمطها القتالي بحيث لم يستطع العدو أن يتنبأ به في أي نقطة من مناطق المواجهة وكان يفاجأ دائما ويتكبد الخسائر في خط تصاعدي
"

– تنوع أساليب القتال أو نمط العمل التكتيكي الميداني:
من السد الواقف والضرب على الذنب، إلى الوعاء الحاضن ثم المدمر، إلى الكمائن البسيطة أو المركبة والمتعددة، إلى الاستدراج إلى مناطق التقتيل، إلى الغارات المركبة أو البسيطة، إلى الأفخاخ البسيطة أو ذات القوة التدميرية الهائلة.

بمعنى أن المقاومة نوعت نمطها القتالي بحيث لم يستطع العدو أن يتنبأ به في أي نقطة من مناطق المواجهة، وكان يفاجأ دائما ويتكبد الخسائر في خط تصاعدي.

– الحرب النفسية، والإعلام العاقل، والصدقية في تقديم المعلومة.

– القيادة الواعية والحكيمة والثابتة على الأهداف والصادقة في المواقف.

بعد 18 يوما على الحرب استخلصت أميركا وإسرائيل النتيجة التالية: الهزيمة العسكرية واقعة لا محالة بإسرائيل ولاينقذها إلا الحل السياسي، لذلك انطلقت كوندوليزا رايس في البحث عن الحل، وكان التغيير في الخطة.

6- الخطة الثالثة "النار في خدمة الدبلوماسية":

قامت هذه الخطة على أساسين:
– ارتكاب المجازر للضغط على لبنان ليقبل بأي حل يفرض عليه.
– المشاغلة الميدانية مع التهديد المستمر باجتياح بري واسع.

وقد عملت إسرائيل لمدة أسبوع على هذه الخطة، وتوصلت خلالها إلى وضع مشروع قرار فرنسي أميركي يعطيها كل ما كانت تريد كما لو أنها انتصرت في الحرب. وبعد جدل سياسي تدخلت فيه الدول العربية عدل المشروع إلى حد القبول به لبنانياً وأعطى إسرائيل الكثير من الطلبات، لكنه أخفق في وضع الآلية لتنفيذ المطلب الأساسي وهو نزع سلاح حزب الله، ما يعني أنه الإخفاق السياسي الفعلي الذي يلحق بالهزيمة العسكرية.

"
الهزيمة العسكرية لم تحجب بالقرار الدولي، ولكن كان الأمر الأخطر: الجيش الإسرائيلي هزم هزيمة فعلية تامة في حربه، فقد هاجم ليحقق أهدافا أعلنها وعجز عن تحقيقها في الميدان 
"

ولا يغير من هذا الواقع تلك التعابير الفضفاضة التي تعطي إسرائيل ما طلبت خارج هذا الأمر، ما يعني أن الهزيمة العسكرية لم تحجب بالقرار الدولي، ولكن كان الأمر الأخطر: الجيش الإسرائيلي هزم هزيمة فعلية تامة في حربه، فقد هاجم ليحقق أهدافا أعلنها وعجز عن تحقيقها في الميدان.

إذن كانت الهزيمة نتاج حصاده.. ونحن نعلم أن المهزوم يعاقب داخل دولته، هزم الجيش وفقد هيبته، وفقد قوة الردع التي كانت وسيلته لإرعاب المنطقة. والقرار الدولي لا يعوض شيئاً في مجال الهيبة أولا وإنقاذ المسؤولين ثانياً.. هنا كانت المعضلة الجديدة، كيف تكون سبل النجاة؟ وكان قرار إسرائيلي جديد يصدر بعد قرار مجلس الأمن، توسيع العمليات الحربية البرية في الجنوب.

7- الخطة الرابعة "الحرب لإنقاذ رؤوس المسؤولين":

تعتبر هذه الخطة الأسوأ في تاريخ الحروب والأقل أخلاقية فيها، إذ إن الحكومة الإسرائيلية التي قبلت قرار مجلس الأمن وقف الأعمال العسكرية استمهلت أميركا يومين أو ثلاثة لتتابع هذه الأعمال علها تستطيع أن تحقق شيئاً على الأرض. كانت تقول إنها ستصل إلى الليطاني مهما كان الثمن لأن في هذا الأمر إنقاذا للمسؤولين السياسيين والعسكريين الذين هزموا في الحرب.

وانطلق الهجوم البري من غير حساب للخسائر، وكانت النتيجة الموجعة لإسرائيل: خسائر في يومين تعادل خسائر الحرب كلها، حيث اعترفت بـ50 قتيلا و140 جريحا وتدمير 40 دبابة ميركافا بالإضافة إلى خسائر أخرى، وخلال الحرب كانت قد اعترفت بـ47 قتيلا و180 جريحا و30 دبابة.. إنها لكارثة على الجيش الإسرائيلي، كارثة دفعت أحد المعلقين العسكريين للقول إنه أصبح كالجيوش العربية يهزم في الميدان ولم يعد الجيش الذي لا يقهر.

لقد أثبتت حرب حفظ الرؤوس كم أن الإنسان الإسرائيلي المسؤول غير مسؤول عن أرواح جنوده إذا كان الأمر يتعلق بمنصبه.

نتائج الحرب
8- في الخلاصة نقول إن إسرائيل خسرت حربها التي شنت عبرها العدوان على لبنان:

– خسرت في الخطة الرئيسية فلم يحرر الأسرى ولم ينزع سلاح حزب الله ولم يستعد الجيش هيبته أو قدرته الرادعة.

– خسرت في "النار في خدمة السياسة" إذ إن مشروعها أولي لم يمر كما كانت تريد، ولم يكن ذلك إلا بسبب أميركا مالكة القرار في مجلس الأمن.

"
كانت هزيمتها في خطة الإنقاذ تفوق الخيال، هزيمة سيكون لها الأثر الزلزالي على إسرائيل في قيادتها السياسية والعسكرية والشعبية، وستمتد تداعياتها إلى صاحبة القرار في الحرب.. أميركا
"

– وخسرت في المرحلة الثالثة وكانت هزيمتها في خطة الإنقاذ تفوق الخيال، هزيمة سيكون لها الأثر الزلزالي على إسرائيل أولا في قيادتها السياسية والعسكرية والشعبية، ولن تتوقف الهزيمة في تداعياتها على إسرائيل، بل إنها ستتمدد إلى صاحبة القرار في الحرب أميركا.

– أما الخسائر المعنوية والمادية التي يقترب الإخفاق في بعض مواضعها من حد الفضيحة فإن مجال تعدادها يضيق هنا التفصيل فيه ونكتفي بذكر:

– افتضاح وهن الدبابة ميركافا وتأثير ذلك على سوق التصدير.

– افتضاح وهن البنية الدفاعية في العمق الإسرائيلي.

– افتضاح عجز منظومة الاستطلاع والاستخبارات الميدانية والعسكرية.

– كشف وهن البارجة ساعر.

– كشف الضعف في البنية التنظيمية للجيش وضعف القيادة السياسية.

– افتضاح العجز الميداني لألوية النخبة (غولاني-نحال).

وبالمقابل أثبتت المقاومة الإسلامية قدرات هائلة في الميدان بعدما بلورت نمطاً جديداً من القتال يختلف عن القتال التقليدي وعن القتال غير التقليدي. وكان نمطه المستند إلى القدرات الصاروخية الهائلة نمطاً ثالثاً تصح تسميته بنمط المقاومة الإسلامية المختلف عن قتال الجيوش وعن قتال العصابات.
_______________
قائد كلية القيادة والأركان بالجيش اللبناني سابقا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.