مأزق التعليم العالي في الوطن العربي

مأزق التعليم العالي في الوطن العربي



وائل مصطفى أبو الحسن

جامعات لها مكانة
الجامعات العربية غائبة
معايير علمية

في العام 2005م نشر معهد التعليم العالي في جامعة جياو جونغ شنغهاي الصينيّة (Institute of Higher Education, Shanghai Jiao Tong University) تقريرا تقييميا مفصلا حول مكانة ورتب أفضل خمسمائة جامعة في العالم، فكان أن احتلت الجامعات الأميركية الترتيب الأول على ذلك السلم، تلتها في ذلك الجامعات البريطانية، فاليابانية، فالألمانية، فالكندية، فالفرنسية، إلى آخر القائمة، حيث كانت الرتبة رقم 36 من نصيب البرتغال التي استطاعت أن تسجل لنفسها رقما على ذلك السلم.

"
حصدت الجامعات الأميركية ما عدده 168 جامعة من أصل خمسمائة جاءت على رأسها هارفرد، تلتها في ذلك الجامعات البريطانية (40 جامعة) فاليابانية (34 جامعة) فالألمانية (40 جامعة) ثم كندا (23 جامعة) ثم فرنسا (21 جامعة)
"

جامعات لها مكانة
وكان أن حصدت الجامعات الأميركية ما عدده 168 جامعة من أصل خمسمائة جاءت على رأسها هارفارد (Harvard University)، تلتها في ذلك الجامعات البريطانية 40 جامعة، فاليابانية 34 جامعة، فالألمانية 40 جامعة، ثم كندا 23 جامعة، ثم فرنسا 21 جامعة، فالسويد 11جامعة، ثم سويسرا 8 جامعات، فهولندا 12جامعة، فأستراليا 14جامعة، وهكذا انتهى الأمر إلى البرتغال بجامعة واحدة. (أنظر الجدول (أ)
وفيه بيان مكانة تلك الجامعات العالمية، ورتب تلك الدول التي تنتمي إليها تبعا لتصنيف أفضل خمسمائة جامعة.

الجامعات العربية غائبة
وعندما أخذنا نبحث عن موقع لمؤسسات التعليم العالي في عالمنا العربيّ وأسماء تلك البلدان التي تنتمي إليها تلك المؤسسات، لعل وعسى أن يكون منها ما يحتل مكانة تشرفنا كعرب، حتى ولو كانت الأخيرة أو قبل الأخيرة في الظهور.

إلا أننا لم نجد ما كنا بصدد البحث عنه، أي أن أيا من جامعاتنا العربية ومعاهدنا ومراكزنا العلمية والتعليمية لم تحتل أي رتبة من بين تلك الرتب الخمسمائة، وكأننا ننتمي إلى عالم تعليمي آخر غير عالمنا هذا، وكأن الأمر بالنسبة للباحث بمثابة الصدمة، فالشعور بخيبة الأمل.

كنا نتمنى خيرا للجامعات العربية حيثما كانت، في بلاد وادي النيل، في بلاد المغرب العربي، في بلاد الشام، في شبه الجزيرة العربية، في بلاد الرافدين، ولكن هيهات هيهات، فلم تنفعنا الأماني.

ما وجدناه هو غياب حقيقي لأي من تلك المؤسسات العلميّة من المحيط غربا إلى الخليج شرقا، ومن زاغروس وديار بكر والإسكندرونة شمالا إلى جزر القمر وحيث وجدنا جنوبا.

هنا سرعان ما اتهمت أنفسنا الصين الشعبية ومعهدها المتخصص في شؤون التعليم العالي، وكان الاتهام بأن هنالك تحيزا ما أو مؤامرة من نوع ما هدفها الحط من قدر العرب ومؤسساتهم العلمية والتعليمية.

ولكن سرعان ما تبخرت حمى الاتهام من أعماق صدورنا بعد أن عرفنا بأن المعهد المشار إليه لم يرصد لجامعات بلاده ومعاهدها ومراكزها العلمية التي يبلغ تعدادها الآلاف إلا 18 جامعة فقط.

وجاء تصدر الجامعة الوطنية في تايوان على رأس القائمة، وكان التحيز أن تأتي بكين أو شنغهاي على رأس القائمة لكونهما في الصين الشعبية لا الجامعة الوطنية في تايوان.

لقد اعترف المقيّمون لبلدهم بست جامعات، ومثلها لتايوان، وست أخرى لهونغ كونغ فقط، فكيف أن يكونوا متحيزين وهذه النتيجة؟ هذا علما بأن تايوان كما هو معلوم سياسيا بمثابة عدو كما ترى الصين الشعبية والقائمون على سياساتها ومؤسساتها الرسمية.

وعندما شككنا في سلامة المعايير المتبعة في إجراء مثل هذا التقييم الحرج الذي يمس بسمعة الشعوب والأمم ومؤسساتها العلمية والتعليمية، وجدنا بأنها معايير صارمة تليق بأن تكون ذات قيمة معيارية لترتيب جامعات الدول وتحديد مكانتها عالميا، إذ كانت المؤشرات المعتمدة ذات صلة مباشرة بجودة ونوعية مخرجات التعليم العالي.

"
نحن العرب على ما يبدو في غفلة عما يدور حولنا، أو في سبات عميق، إذ أن ما تضخه مؤسساتنا سنويا من مئات آلاف الخريجين في مختلف العلوم والميادين لم يشفع لنا في أن نكون ضمن قائمة الخمسمائة
"

تلا ذلك نوعية وجودة الهيئة التدريسية والنخب العلمية العاملة في الجامعات، وأهم مخرجاتهم البحثية المنشورة في المجلات العلمية العالمية المحكمة، خاصة ما يتعلق منها بالعلوم الطبية، والطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والفنون، والعلوم الإنسانية، إضافة إلى حجم المؤسسة التعليمية، وما يتعلق بها من إنجازات أكاديمية.

نحن العرب على ما يبدو لي إما في غفلة عما يدور حولنا، أو أننا في سبات عميق، إذ أن ما تضخه مؤسساتنا سنويا من مئات آلاف الخريجين في مختلف العلوم والميادين لم يشفع لنا في أن نكون ضمن قائمة الخمسمائة.

هذا في الوقت الذي حصلت فيه إسرائيل وجامعاتها على سبعة مواقع بارزة ضمن القائمة المشار إليها، فجاءت واحدة منها ضمن المائة الأولى بأن احتلت الجامعة العبرية الرتبة رقم 90، وهي نفس الجامعة التي احتلت المرتبة الثانية بعد جامعة طوكيو على قائمة أفضل مائة في آسيا، وذلك تبعا لتقييم وترتيب مجموعة "لابوراتوريو دي إنترنت" الأسبانية.

نعم.. هذا هو حال صروحنا التعليمية، فمنذ أن بدأت عملية تقييم وترتيب الجامعات على مختلف السلالم الرتبية ابتداء من سلم العشر، فالخمسين، فالمائة إلى الخمسمائة، لم تأخذنا الغيرة ولو قليلا، ولم يتمعّر وجهنا، ولم نقم بما هو مطلوب لتغيير وتحسين ذلك الواقع المشين بحق جامعاتنا.

وهذا ما كشفت عنه أيضا نتائج العديد من تقارير هذه العملية التقييمية على مدار السنوات السابقة 2004/2003 وما قبلهما.

ملاحظة: يمكن الرجوع الى تلك التقارير المنشورة على شبكة الإنترنت العالمية وتدارس ما جاء فيها بهذا الخصوص http://ed.sjtu.edu.cn/rank/2005/ARWU2005TOP500list.htm

وما أن أطل علينا العام 2006م حتى جاءت مجموعة "لابوراتوريو دي إنترنت" المتخصصة والتي مقرها مدريد لتفاجئنا هي الأخرى بنتائج ترتيب أفضل ثلاثة آلاف جامعة في العالم، وأهم الدول التي ظهرت فيها، فكانت النتائج أيضا مذهلة ومخيبة للآمال.

وعند النظر في مكانة أول ألف من بين تلك الجامعات وجد بأن المئات منها كان من نصيب الجامعات الأميركية (455 جامعة من أصل 1000)، جاءت جامعة كاليفورنيا/بيركلي (University of California Berkeley) على رأس القائمة، تلاها في ذلك عدد من الجامعات الكندية (42 جامعة)، فالألمانية (68 جامعة)، فالبريطانية (79 جامعة)، فالأسترالية (32 جامعة)، فالسويدية (15 جامعة)، فالهولندية (13 جامعة)، فالسويسرية (10 جامعات)، فاليابانية (24 جامعة)، فالنرويجية (7 جامعات) إلى آخر القائمة.

وكان الترتيب الأخير من نصيب إحدى الجامعات الأيسلندية، حيث استطاعت أيسلندا أن تجد لنفسها مكانة بين الدول وكان بأن احتلت الرتبة 48 على قائمة رتب الدول.

ملاحظة: يمكن الرجوع إلى تلك التقارير المنشورة على شبكة الانترنت العالمية وتدارس ما جاء فيها بهذا الخصوص http://www.webometrics.info/index.html

نعم -هذه هي حقيقة الأمر- مع غياب ملحوظ للجامعات والمعاهد والمراكز العلمية العربية ودولها، والجدول (ب) أدناه يوضح لنا حقيقة الأمر. انظر الجدول (ب) وفيه بيان وتبيان مكانة تلك الجامعات العالمية، ورتب تلك الدول التي تنتمي إليها، حسب تصنيف أفضل 1000 جامعة.

"
ما لم تعمل شعوبنا وحكوماتنا بجد وصدق وأمانة وتتحمل مسؤولية تغيير هذا الوضع المأساوي، فسيبقى حال صروحنا العلمية وواقع التعليم العالي فيها مخجلا
"

معايير علمية
وعند تدارس تلك المعايير المستخدمة في التقييم المشار إليه كما سار عليها المقيمون، وجد أنها معايير تكشف لمن يتفحصها جيدا عن مدى استحقاق تلك الجامعات المرتبة ودولها لما احتلته من مكانة، حيث كان على رأسها معيار مواكبة العصر ووسائله من خلال إعمال واستعمال تقنيات المعلوماتية في الأداء الأكاديمي، والإنتاجية العلمية العالية، وغنى الملفات العلمية والبحثية خاصة على مدار عشر سنوات الماضية.

هذا إضافة إلى تلك الإنجازات المرصودة في قواعد البيانات العلمية العالمية، وما تتمتع به المؤسسة التعليمية من موقع رياديّ ذي بعد تأثيري.

ترى إلى متى سنبقى نحن العرب نسخر من باقي الشعوب والأمم، ومن إنجازاتهم العلمية والتعليمة وهذا هو حالنا العلمي والتعليمي الذي يندى له كل جبين. إلى متى سنبقى في نهجنا كالنعامة ندس الرأس في التراب كي لا يرانا من هو لنا بالمرصاد؟ إلى متى سنبقى أسرى سراب ووهم، وأمة تضحك من جهلها الأمم؟

على أية حال هذا هو الوضع العلميّ والتعليمي لدينا اليوم، وكأنه لا سائل ولا مسؤول، لأن غياب الشفافية وكثرة الفساد -وقد فضحنا تقرير منظمة الشفافية العالمية مؤخرا- وكثرة شيوع مظاهر المحسوبية والعصبية والحزبية والفصائلية والطائفية والفئوية، وتوغل وتدخل ممنهجيها وممارسيها في قضايا العلم والتعليم، قد أفسد علينا صدارتنا ومكانتنا العلميّة والتعليمية بين أهل الأرض.

فبعد أن كنا سادة وقادة في مختلف ضروب العلم وميادينه، وبشهادة مؤرخي العلم والحضارة، أمثال: بريفولت، وجورج سارتون، وغوستاف لوبون، وول ديورانت، وأرنولد توينبي، وسغريد هونكه وغيرهم، أصبحنا في مؤخرة الركب، نلهث تارة وراء من هم شرقا وتارة أخرى وراء من هم غربا.

وأخيرا، ما لم تعمل شعوبنا وحكوماتنا بجد وصدق وأمانة وتتحمل مسؤولية تغيير هذا الوضع المأساوي، فسيبقى حال صروحنا العلمية وواقع التعليم العالي فيها مخجلا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
__________________
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.