موقف شارون من مشاركة حماس في الانتخابات
والحال أن الدوائر الإسرائيلية لم تخف في ذلك الوقت ارتياحها لقرار حماس، وبالطبع على أمل أن يؤدي ذلك إلى سيناريو معروف يحولها إلى حركة سياسية تنبذ العنف المسلح، مع بقاء فتح هي الحركة المسيطرة على الساحة الفلسطينية، وفي العموم فإن السيناريو برمته كان يعتمد على أن الوضع الفلسطيني والعربي قد غدا جاهزا لاستقبال التطورات الجديدة في المنطقة بعد احتلال العراق.
" شارون لم يتحدث عن مشاركة حماس في الانتخابات في قطاع غزة، وإنما حصر الحديث بشأن الضفة الغربية، وهو أمر لا يعتمد فقط على قدرته على التحكم بانتخابات الضفة مقابل عجزه عن ذلك في غزة، إذ إن بوسعه إعلان موقف صارم من المسألة برمتها يضع مصير التفاوض في كفة وإجراء الانتخابات في كفة " |
ما الذي طرأ إذن حتى يعلن شارون رفضه لمشاركة حماس في الانتخابات، ومن ثم عزمه على تعطيلها في حال الإصرار على تلك المشاركة من دون أن تتخلى الحركة عن سلاحها، بل وربما ميثاقها الداعي إلى شطب الدولة العبرية من الوجود.
ما ينبغي التذكير به ابتداء هو أن شارون لم يتحدث عن مشاركة حماس في الانتخابات في قطاع غزة، وإنما حصر الحديث في شأن الضفة الغربية، وهو أمر لا يعتمد فقط على قدرته على التحكم بانتخابات الضفة مقابل عجزه عن ذلك في غزة، إذ إن بوسعه إعلان موقف صارم من المسألة برمتها يضع مصير التفاوض في كفة وإجراء الانتخابات في كفة.
في البداية وافقت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على ما قاله شارون، لكنها عادت وعدلت قليلا في موقفها، غير أن رفضا واضحا لم يتوفر، بل إن موقف الرباعية الدولية أيضا قد انطوى على تأييد ما لشارون بالحديث عن الفصائل المسلحة التي ينبغي أن تترك السلاح كي تتأهل للمشاركة في العملية السياسية.
" المطلوب أميركيا هو نماذج إسلامية متعاونة مع الاحتلال يمكن دعمها أو السكوت عليها في أقل تقدير، كما هو الحال في العراق وأفغانستان " |
ففي العراق لم تكن ثمة مشكلة في مشاركة قوى راديكالية على شاكلة حزب الدعوة بقيادة رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري، أو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، في الانتخابات رغم أن لكل منهما مليشيا مسلحة. كما لم تكن ثمة مشكلة في مشاركة أمراء الحرب وقادة المليشيات في أفغانستان، وكثير منها ما زال يحمل السلاح، في الانتخابات الأخيرة، والسبب أن هؤلاء جميعا قد وافقوا على بقاء الاحتلال، ولو كان لهم موقف مغاير لما كانت مشاركتهم مقبولة، وأقله ميسرة، الأمر الذي ينطبق على حماس التي تريد المشاركة في الانتخابات فيما هي تحمل السلاح.
" الخلاصة بالنسبة لشارون هي أن استمرار حماس في خطاب المقاومة والتحريض لا بد سيفسد عليه مشاريعه، لا سيما وأن فتح ستضطر من أجل كسب الجماهير إلى تبني خطاب مشابه " |
كل ذلك لن يغير في حقيقة أن التعطيل لن يمس العملية الانتخابية برمتها، إذ إن إجراءها بشكل من الأشكال يظل ممكنا بل مطلوبا. صحيح أن حماس قد تخسر الكثير من الأصوات بفعل التضييق على مرشحيها، وربما ناخبيها أيضا، لكن ذلك لن يقلل أيضا من نسبة الأصوات التي ستحصل عليها، وهي أصوات ستمنحها المرتبة الثانية في كل الأحوال، لا سيما إذا ردت على احتمالات التضييق في الضفة بحملة واسعة في غزة التي تتمتع فيها بجماهيرية تفوق من دون شك جماهيرية حركة فتح، الأمر الذي يبدو مختلفا في الضفة التي تتساوى فيها الحركتان، فضلا عن الأبعاد العشائرية التي تمنح فتح كحزب للسلطة فرصة تجيير هذا البعد لصالحها بشكل من الأشكال.
من جانب آخر قد يؤدي الاستهداف الذي تتعرض له حركة حماس من قبل شارون إلى تصعيد رغبة الشارع الفلسطيني في الانتصار لها من دون أن يعني ذلك أن بوسعها الحصول على الغالبية.
" إذ تأكدت فتح من فوز حماس بأغلبية أصوات الضفة وغزة فستلجأ إلى التزوير الذي سيجرى التسامح معه من قبل الأميركان، وفي العموم فإنه حتى السيناريو الجزائري لن يكون مستبعدا " |
إن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في الضفة وغزة لا بد سيمنح حماس ما لا يقل عن نصف أصوات الشارع، لكن ذلك لن يحدث، ففتح لن تسمح بفوز من هذا النوع، وإذا تأكدت أن حماس ستسعى بالفعل للحصول على الغالبية، الأمر الذي لا يبدو مرجحا تبعا لقناعة قيادة حماس بلا جدوى ذلك من الناحية العملية في ظل المعطيات المحلية والعربية والدولية، وقبل ذلك معطيات العلاقة مع الاحتلال، إذ تأكدت فتح من ذلك فستلجأ إلى التزوير الذي سيجري التسامح معه من قبل الأميركان، وفي العموم فإنه حتى السيناريو الجزائري لن يكون مستبعدا لو أخذت حماس الغالبية.
الأرجح أن ما تريده حماس في الوقت الراهن هو فوز كبير لا يصل الغالبية، لكنه جيد بحيث يسمح لها بالتأثير في التوجهات والقرار، مع أن التأثير لن يكون سهلا بالضرورة، إذ سيكون بوسع فتح، وكما هو الحال في العالم العربي أن تفعل ما تشاء وتترك أعضاء حماس في المجلس يقولون ما يشاؤون، لكن مسار التحالف مع قوى ورموز وطنية أخرى قد يكون أكثر ضمانا للتأثير في كل الأحوال.
في هذا السياق يبدو مناسبا نقل هذا الرأي للمحلل الإسرائيلي المعروف "ألوف بن" في صحيفة هآرتس، وهو رأي له أهميته تبعا لاطلاع الرجل على واقع وتفاصيل الحياة السياسية الإسرائيلية. يقول بن "منذ أن بدأت الأحاديث حول فك الارتباط بذل شارون مساعيه لترسيخ مكانة غزة المختلفة عن الضفة في مواجهة المحاولات الفلسطينية للإبقاء على العلاقة على العلاقة بين المكانين".
" مشروع شارون للحل الانتقالي البعيد المدى قد بقي على حاله، وهو ذاته مشروع الدولة المؤقتة في غزة التي ترتبط مع كانتونات الضفة ضمن مسار الجدار، مع الأمل بأن يؤدي ذلك إلى ترانسفير طوعي نحو الأردن " |
خلاصة الموقف هي أن مشروع شارون للحل الانتقالي البعيد المدى قد بقي على حاله، وهو ذاته مشروع الدولة المؤقتة في غزة التي ترتبط مع كانتونات الضفة ضمن مسار الجدار، مع الأمل بأن يؤدي ذلك إلى ترانسفير طوعي نحو الأردن.
ولأن شارون لا يملك ما يقدمه للفلسطينيين، فيما عليه إلا أن ينفذ وعوده بشأن الجزء الثاني من مشروعه، فإن أفق التسوية يبقى مسدودا، ما يتطلب التأكيد أن المسألة الأساسية في الساحة الفلسطينية ليست الديمقراطية والانتخابات، بل الاحتلال والواقع البائس الذي يفرضه على الفلسطينيين، وإذا كانت المرحلة الحالية قد فرضت التهدئة فإن فشل المشروع الأميركي في العراق قد يبشر بمرحلة مقاومة أخرى يتحقق من خلالها دحر آخر للاحتلال عن أجزاء جديدة من الأرض الفلسطينية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.