تأثيرات هواجس الجوار على وضع العراق

تأثيرات هواجس الحوار على وضع العراق



ياسر الزعاترة

 

– تصريحات الفيصل والردود الأميركية

– الأميركان يحتضنون مكرهين جماعة إيران

– رد الحكيم والشيعة

– الخطورة على السلم الأهلي

 

يخطئ المعنيون بالملف العراقي، وعلى رأسهم التحالف الحاكم في العراق، إذا مروا مرور الكرام على الاحتجاج السعودي على التدخل الإيراني في العراق، وبالضرورة على السياسات الأميركية التي وضعت العراق في جيب الإيرانيين، على الأقل في هذه المرحلة من مراحل الصراع.

 

ينسحب ذلك على إيران نفسها التي يجب أن تنظر بعين الاهتمام إلى المخاوف العربية عموماً، والخليجية على وجه الخصوص من نفوذها الواسع، بل مما يشبه تحكمها في الوضع العراقي، لاسيما وهي مخاوف من الصعب أن تدع أصحابها ضمن دائرة المتفرجين، بل يمكن أن تدفعهم نحو الكثير من الفعل الذي يمكن أن يضر بالمصالح الإيرانية، فيما لن يكون تأثيره إيجابياً على المصالح الشيعية في العراق، وربما في المحيط العربي برمته.

 

"
الحشد الصهيوني للحرب على العراق كان يستهدف محاصرة إيران التي تقترب حثيثا من امتلاك الأسلحة النووية، فضلاً عن أن واشنطن لا يمكن أن تتصور أن حربها على صدام حسين ستنتج لها نموذجاً إيرانياً أو امتداداً إقليمياً للقوة الإيرانية
"

تصريحات الفيصل والردود الأميركية

من الواضح أن الردود الأميركية الأولية العصبية على تصريحات سعود الفيصل لم تكن سوى نوع من الاحتجاج على جرأتها، وربما مفاجأتها، لكن الموقف بدا مختلفاً في الأيام التالية إذ حلت الاتصالات والتوضيحات مكان الانتقادات.

 

لعل من المفيد بداية القول إن ما أكده مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفد ويلش لصحيفة الحياة اللندنية حول عدم تواطؤ بلاده مع إيران، أو عدم سعيها إلى تسليمها العراق، هذا التأكيد يبدو صحيحاً إلى حد كبير، لكن ذلك لا ينفي صحة ما قاله وزير الخارجية السعودي من أن السياسات الأميركية- لم يقل القرار الأميركي- هي التي وضعت العراق في جيب إيران.

 

ذلك أنه من العبث تصور أن واشنطن يمكن أن تسعى إلى معادلة من هذا النوع، وهي التي كانت طهران محطتها التالية -ليس عسكرياً بالضرورة- بعد بغداد.

 

ويعلم الجميع أن جزءًا من الحشد الصهيوني لأغراض الحرب على العراق كان يستهدف محاصرة إيران التي تقترب حثيثاً من امتلاك الأسلحة النووية، فضلاً عن أن واشنطن لا يمكن أن تتصور أن حربها على صدام حسين ستنتج لها نموذجاً إيرانياً أو امتداداً إقليمياً للقوة الإيرانية، أو حتى عراقاً متحالفاً مع إيران في أقل تقدير.

 

ما جرى في واقع الحال هو أن واشنطن قد خدعت بمقولات المعارضة اللندنية حول العراق المشتاق إلى وقع أقدام جنودها المحررين، وليس من العسير القول إن بعض أركان تلك المعارضة وتبعاً لجهلهم بمعادلات التاريخ وتحولات الصحوة الإسلامية، ربما كانوا يجهلون بالفعل أن العراق سيفرز هذه المقاومة الباسلة.

 

والحال أننا كنا كتبنا وكتب سوانا مراراً حول المقاومة الحتمية القادمة بعد الحرب، وبذات الهوية المتوفرة حالياً، أي الإسلامية، تبعاً للمزاج الشعبي المضاد للولايات المتحدة الذي جاء ضمن صحوة إسلامية عارمة تسودها مصطلحات الجهاد والاستشهاد على نحو لم يعرف في أي فترة من فترات التاريخ.

 

"
تصريحات وزير الخارجية السعودي لم تأت إلا بعد أن تبدت معالم التفتيت في مسودة الدستور، فيما يعلم القاصي والداني أن تفتيت العراق لا يمكن أن يبقى يتيماً في المنطقة لو تم بالفعل، لأن فيروسات تقسيم كثيرة ما زالت تتوفر في المنطقة
"

الأميركان يحتضنون مكرهين جماعة إيران

هكذا وجد الأميركان أنفسهم بين مطرقة المقاومة وسندان القوى المنسجمة مع إيران، وليست المتحالفة معها، إذا شئنا دقة التعبير، ولو لم تذهب في اتجاه هذه القوى لما كان بوسعها إنتاج حكومة أو تشكيل جيش أو قوات أمن، ولكان نزيفها اليومي أكبر بكثير مما هو عليه الآن.

 

خلاصة القول أن أميركا كانت إزاء خيار المضطر في دعمها أو تحالفها مع القوى الشيعية، فيما وجدت هذه الأخيرة في ما يجري فرصة تاريخية لاسترداد الحقوق المسلوبة، وتسديد الحسابات التاريخية التي جرى النفخ فيها على نحو حوّل العرب السنة إلى جحافل من البرابرة الذين ولغوا في دماء الآخرين وسرقوا حقوقهم طوال قرون.

 

ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن تصريحات وزير الخارجية السعودي لم تأت إلا بعد أن تبدت معالم التفتيت في مسودة الدستور، فيما يعلم القاصي والداني أن تفتيت العراق لا يمكن أن يبقى يتيماً في المنطقة لو تم بالفعل، والسبب هو أن فيروسات تقسيم كثيرة ما زالت تتوفر في المنطقة، وهي التي تجلس على بركان من المظالم التي تتعرض إليها الأقليات، على الأقل من وجهة نظرها.

 

وليس سراً أن الأقليات الشيعية في الخليج قد بدأت ترفع صوتها مطالبة بإعادة النظر في مظالمها التاريخية ولسان حالها يقول، إن عالم ما قبل احتلال العراق يختلف عما بعده، لاسيما بعد أن تشكلت للأصوليين الشيعة دولتهم، وصار بوسع الآخرين أن يرفعوا رؤوسهم مطالبين باستعادة حقوقهم أيضاً.

 

يحدث ذلك في البحرين التي يبدو أن شيعتها قد شعروا بالغبن الذي تعرضوا له في سياق شروط المصالحة التي توصلوا إليها قبل سنوات قليلة، كما يحدث في الكويت، والأهم في السعودية التي خرج موقع إلكتروني لبعض شيعتها يطالب بحكم ذاتي في الأحساء.

 

"
مشروع التفتيت الذي هو حلم صهيوني لن يستثني إيران النووية داعمة حزب الله في لبنان، ودول الخليج لن تقف مكتوفة الأيدي وستبادر إلى تشجيع الانفصاليين الإيرانيين إذا شجعت هذه الأخيرة روحاً انفصالية للأنظمة في الخليج
"

رد الحكيم والشيعة

ضمن هذا السياق لا يبدو أن رد السيد عبد العزيز الحكيم ومن بعده وزير الداخلية بيان باقر جبر على تصريحات الفيصل كان موفقاً حين مال إلى لغة التهديد أكثر من الطمأنة، فقد ذكر دول الجوار العربي بوقفتها مع صدام ضد الشعب العراقي، محذراً من أن "الشعب العراقي سوف يشخّص من قتلوه ومن الذين وقفوا إلى جانبه، وسوف يتخذ موقفاً في الوقت المناسب من كل دولة من دول الجوار ومن كل دول العالم التي وقفت إلى جانبه، أو وقفت ضده".

 

أما جبر فقد ذكّر السعودية بأربعة ملايين شيعي ومليون إسماعيلي يعيشون كمواطنين من الدرجة الثالثة في السعودية.

 

في هذه الأثناء وعلى إثر اجتياح مناطق العرب السنة في تلعفر كان الزرقاوي يخرج برسالته الشهيرة حول استهداف عموم الشيعة، والتي عاد وألحقها برسالة تستثني التيار الصدري والخالصي والبغدادي، وهو ما أحرج التيار الصدري تحديداً.

 

فاستعاد الصدر لغته المذهبية على نحو واضح، وذلك عبر رسالة أولى إلى السيد السيستاني تطلب رأي المرجعية في وسائل الرد على استهداف "أتباع آل البيت"، ثم تصريح آخر يطالب العرب السنة بالتبرؤ من الزرقاوي، في حين ذهب آخرون إلى لغة تهديد مذهبية كما فعل الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيد السيستاني حين حذر من نفاد صبر الشيعة وما يمكن أن يترتب عليه من دماء.

 

هكذا يتأكد أن ما يجري بالغ الخطورة، ليس على العراق وحده، وإنما على دول المنطقة.

 

فمن زاوية هناك الخطر الذي يتهدد الدول ووحدتها واستقرارها، الأمر الذي ينسحب على إيران التي لا يمكن إلا أن نشك في موافقتها على مشروع تقسيم العراق نظراً لمعاناتها من فيروسات تقسيم مشابهة، وربما أكثر خطورة.

 

ومثال ذلك عرب الأهواز الذين تكثر فيهم النزعات الانفصالية على رغم أنهم شيعة اثني عشرية، مع العلم أن معظم ثروات إيران من النفط والغاز تأتي من مناطقهم فيما يعيشون حالة تهميش أسوأ بكثير من تلك التي عاشها شيعة الجنوب العراقي أيام صدام حسين.

 

ثم هناك الأكراد وهناك السنة الذين يعيشون مظالم كثيرة ولهم حركاتهم المناهضة للنظام، وإن كانت مقموعة على نحو استثنائي، وهي في العموم فيروسات لا تتطلب الكثير حتى تنهض من نومها.

 

ولن يتخيل أحد أن مشروع التفتيت الذي هو حلم صهيوني سيستثني إيران النووية وداعمة حزب الله في لبنان، أو أن دول الخليج ستقف مكتوفة الأيدي ولن تبادر إلى تشجيع الانفصاليين الإيرانيين إذا شجعت هذه الأخيرة روحاً انفصالية أو حتى عدائية شيعية للأنظمة في الخليج.

 

وهناك تركيا بالطبع التي طالما حذرت من مغبة الانفصال الكردي، مع العلم بأن موافقة الأكراد على مسودة الدستور الفيدرالي ربما انطوت على نوايا دفع الشيعة نحو الانفصال، الأمر الذي يجعل للانفصال الكردي بعدها أكثر من مبرر، لاسيما إذا انشغلت إيران بمشاكلها تبعاً لذلك.

 

"
على عقلاء السنة والشيعة أن يتدخلوا لإطفاء الحريق قبل أن يمتد ليشمل المنطقة، ولن يتم ذلك في ظل تحالف الشيعة مع الاحتلال، بينما العرب السنة يقاومونه ويضرب كلا الطرفين بعضهما بعضا
"

الخطورة على السلم الأهلي

تكمن الخطورة الأكبر والأهم فيما يجري في أن مشروع التقسيم، تقسيم العراق ودول المنطقة عموماً، وزعزعة استقرارها، سيكون الملاذ للصهاينة بعد فشل مشروع جعل احتلال العراق محطة نحو إعادة تشكيل المنطقة.

 

وهنا لن يكسب أحد سوى الدولة العبرية التي ستحيط بها حالة من الفوضى تدفع جميع الفرقاء إلى طلب ودها ودعمها بوصفها الدولة الوحيدة المستقرة والقادرة على تأديب أعدائها في أي زمان ومكان.

 

من هنا تبدو الصورة بالغة التعقيد، فمن جهة كان لا بد من الشعور بالارتياح لملامح فشل المشروع الأميركي في العراق ووقوعه بين مطرقة المقاومة وسندان القوى الشيعية، مع أن موقف هذه الأخيرة يظل مدعاة للشك بسبب ما تملكه من قابلية للتحالف مع الاحتلال.

 

لكن، ومن جهة أخرى، فإن مخاوف التقسيم والحرب الأهلية التي يمتد لهيبها في سائر المنطقة تبدو مثيرة للقلق، في حين يبدو المشهد الحالي الذي يقف على حافة الحرب الأهلية غير مريح بل سيئ هو الآخر.

 

فالقتل يجري في المعسكرين، وإن كان في أحدهما من يقتل ويعلن أنه يقتل، كما هو الحال مع الزرقاوي، في حين يفعل الطرف الآخر ما هو أسوأ من دون أن يعلن ذلك، ويكفي شاهداً على ذلك أن تتضمن رسالة التحالف الكردي لإبراهيم الجعفري فقرة تطالب بـ"وضع حد، من خلال إجراءات رادعة، للجرائم الكيفية التي تتم بحق العرب السنة"، مع إضافة تقول "وهذا لا يعني عدم مكافحة الإرهاب بحزم".

 

ولكن هل ثمة رابط بين الوجود الإيراني الأمني والسياسي والديني وبين مشروع التفتيت أو المخاطر التي يتعرض لها العرب السنة كما فهم البعض من الخطاب السعودي؟

 

لو أخذنا مشروع التفتيت لقلنا إن من المشكوك فيه أن تكون طهران داعمة لمشروع تقسيم العراق، نظراً لما أشرنا إليه من قبل بشأن فيروسات التفتيت المتوفرة بقوة عندها، لكن الوجود المشار إليه هو شكل من أشكال الضمانة الإيرانية لعدم انقلاب الحلفاء عليها.

 

فحين يقول الجعفري في واشنطن حسب ما نقلت صحيفة الحياة قبل شهور إن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة ستبقى متينة حتى لو قامت هذه الأخيرة بعمل عسكري ضد طهران، فإن من الطبيعي أن تحتاط إيران لتحولات المستقبل وتعمل على ضمان وجودها في العراق بيدها لا بيد الحلفاء.

 

ذلك أن عبد العزيز الحكيم ليس حسن نصر الله، وليس من المستبعد أن يدير ظهره لطهران إذا اقتضت المصلحة ذلك، وكلام ديفد ويلش واضح في هذا السياق، إذ ذهب إلى أن "الشيعة العراقيين هم عرب، وشيعة إيران فرس .. وقلب الشيعة موجود في النجف وليس في قم، وسيقاوم الشيعة العرب هذا الاختراق الفارسي".

 

لو كانت طهران واثقة من وفاء حلفائها لما قامت بكل تلك الاختراقات في الساحة العراقية، وهي معروفة لذوي الشأن، وتتمدد على الشأن السياسي والأمني والديني والاجتماعي، وتتجاوز كل التنظيمات ذات الصلة السابقة بها وبمؤسساتها الأمنية والسياسية.

 

لكنها لا تبدو واثقة بأحد، وهي تستخدم نفوذها في تهديد الأميركان والبريطانيين، حيث تنذرهم بأن جنودهم رهائن بيدها، وهم كذلك بالفعل، وحتى لو رفض المجلس الأعلى، ومعه حزب الدعوة أي استهداف إيراني للقوات المتعددة الجنسية، فإن بوسع إيران أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها أو حتى من خلال قوى شيعية أخرى، وحتى قوىً سنية إذا لزم الأمر.

 

من هنا يمكن القول إن الخطر الحقيقي هو ابتداءً في بقاء احتمال أن تنجح الحكومة الطائفية في بسط نفوذها ومن ثم منح الأميركان قواعد عسكرية وضمانات لمصالحها ومصالح الدولة العبرية في المنطقة، وصولاً إلى تهديد دول المنطقة بالتفتيت المباشر أو غير المباشر.

 

أما الخطر الآخر فيتمثل في بقاء الوضع القائم، حيث يستهدف العرب السنة، فيما يجري النفخ في اللعبة الطائفية في العراق وخارجه وصولاً إلى البقاء على حافة الحرب الأهلية إلى جانب زعزعة استقرار المنطقة كرد على تدخلات دول الجوار لصالح استمرار المقاومة، بما فيها تلك الإشكالية التي تضرب في المدنيين، فضلاً عن تلك التي تستهدف الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها.

 

"
الحل هو إخراج الاحتلال والتوصل إلى صيغة عادلة للوضع الداخلي ضمن عراق موحد منتم لأمته العربية والإسلامية
"

ما يجب أن يعلمه الجعفري والحكيم هو أن هذه اللعبة أكثر من خطيرة، وقد سبق أن هدد الأول بأن حرباً كهذه طائفية ستشمل جميع المنطقة، وهو قول صحيح، لكن الخاسر الأكبر فيه سيكون الشيعة باستفزازهم للخطاب السني المتشدد في حقهم، وهم الذين يشكلون أقلية في العالم الإسلامي.

 

غير أن الثابت هو أن الخسارة ستشمل الجميع، فيما سيربح الصهاينة الذين سيحققون أحلام التفتيت وأقلها زعزعة الاستقرار في المنطقة لزمن يطول، مما يعوضهم عن نجاح مشروع الاحتلال كما كان مخططاً له.

 

في هذه الأجواء على عقلاء السنة والشيعة أن يتدخلوا لإطفاء الحريق قبل أن يمتد ليشمل المنطقة، ولن يتم ذلك في ظل تحالف الشيعة مع الاحتلال، فيما العرب السنة يقاومونه ويضرب كلا الطرفين بعضهما بعضا.

 

أما الحل فهو إخراج الاحتلال والتوصل إلى صيغة عادلة للوضع الداخلي ضمن عراق موحد منتم لأمته العربية والإسلامية.

__________________

كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان