الحجم الحقيقي لعائدات النفط وكيف ينبغي استثمارها

ارتفعت أسعار النفط، معبرا عنها بمتوسط سعر سلة أوبك (ORB)، من 28 دولارا عام 2003 الى 36 عام 2004، وإلى نحو 49 خلال العام المنتهى بنهاية سبتمبر/ أيلول 2005. وقد اقترن ذلك الارتفاع بدورة اقتصادية عالمية صاعدة منذ منتصف 2003 دفعت الطلب العالمى على النفط إلى مستويات غير مسبوقة، فقد ازداد خلال عامى 2003 و2004 بنحو 4.5 مليون برميل ولم تكن القدرة الإنتاجية الاحتياطية للنفط (Spare productive capacity SPC) مهيأة لمواجهتها، كما تزامنت مع عوامل جيوسياسية عنيفة، فقفزت أسعاره فيما يشبه الصدمة إلى أكثر من مثلي ما كانت عليه عام 2003.
" يرجع انهيار أسعار النفط إلى ما تمارسه الدول الصناعية الغربية من ضغوط للإبقاء على تلك الأسعار عند مستوى متدن، وهو ما انعكس على الدول المصدرة والتي صارت ملزمة بالبحث عن موارد نفطية جديدة " |
انهيار أسعار النفط
كانت أسعار النفط قد انهارت في عام 1986 من 28 دولارا إلى 13 دولارا ثم استقرت حول 18 دولارا على مدى الفترة 1986-2000 وهو ما يعادل نحو 5 خمسة بدولارات 1973 الذي صححت فيه الأسعار إلى 12 دولارا.
ويرجع السبب الرئيسي في انهيار تلك الأسعار، معبرا عنها بقيمتها الحقيقية استنادا إلى سنة الأساس وهى 1973، إلى ما تمارسه الدول الصناعية الغربية من ضغوط للإبقاء على تلك الأسعار عند مستوى متدن.
وقد انعكست تلك التقلبات على الدول المصدرة للنفط التي صارت ملزمة منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي بالاستثمار في البحث عن موارد نفطية جديدة لتحل محل ما ينضب منها خدمة للمستهلك.
وكانت الموارد المالية لتلك الدول قد أخذت في النضوب لأسباب يأتي في مقدمتها تآكل القيمة الحقيقية لأسعار النفط، فلم تستطع تعويض ما ينضب من احتياطياتها، بل وعجزت عن تنمية ما لديها من احتياطيات بحيث يمكن وضعها على خريطة الإنتاج الفعلي، وبذلك تقلصت الطاقة الإنتاجية الاحتياطية إلى مستويات حرجة واقتصر وجودها على عدد محدود من الدول أهمها السعودية.
كذلك انعكست تلك التقلبات، والتي نتجت أساسا من الإبقاء على أسعار حقيقية متدنية لفترة جاوزت 14 عاما، على الدول المستوردة للنفط، ومنها كمثال الولايات المتحدة التي انخفضت فاتورة وارداتها النفطية "بعد استبعاد أثر التغير في كمية الواردات" من نحو 66 مليار دولار عام 1997 إلى نحو 42 مليار في 1998 "لتكسب نحو 24 مليار دولار نتيجة لانخفاض السعر، وهو ما يمثل خسارة للدول المصدرة للنفط بنحو 120 مليار دولار".
ومع عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل كبوة 1998 عادت فاتورة الواردات الأمريكية لترتفع إلى 59 مليار في 1999 ثم تقفز إلى 103 في 2000 لتنخفض إلى 91 في 2001 وإلى 97 في 2002، ثم ترتفع أخيرا إلى 114 مليار في 2003 وإلى 157 مليار في 2004.
تلك، لا شك، ظاهرة غير صحية لكل من الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط، ولعل الأفضل أن يترك لقوى السوق، دون ضغط من جانب الدول الصناعية الغربية، لكي تتولى رفع الأسعار تدريجيا تجنبا للصدمات، وهو ما عالجناه في دراستنا "أسعار النفط.. إلى أين تتجه".
" محاولة تضخيم عائدات أوبك قد توحي بأنها مطالبة بخفض أسعارها، مع أن تلك الأسعار قد تدنت في صورتها الحقيقية إلى أقل من خمسة دولارات منذ 1986 وحتى عام 2000 " |
تضخيم عائدات أوبك
تحاول بعض الهيئات البحثية تضخيم عائدات أوبك وتصويرها بصورة الدول التي تغتني على حساب الدول المستوردة للنفط، وهو ما نراه مجانبا للصواب.
الدولة | 1980 | 1998 | 2004 | 2005 |
الجزائر | 26.1 | 6.4 | 22.7 | 29.8 |
إندونيسيا | 30.1 | 3.5 | 0.6 | 0.4 – |
إيران | 26.6 | 11.9 | 32.2 | 41.0 |
العراق | 54.8 | 7.6 | 18.2 | 19.3 |
الكويت | 38.0 | 9.1 | 27.4 | 36.9 |
ليبيا | 45.1 | 6.7 | 18.2 | 23.9 |
نيجيريا | 48.4 | 9.9 | 29.8 | 37.7 |
قطر | 10.9 | 3.9 | 13.5 | 17.0 |
السعودية | 211.7 | 39.7 | 115.6 | 150.1 |
الإمارات | 38.2 | 10.9 | 30.2 | 39.0 |
فنزويلا | 36.8 | 13.5 | 29.8 | 35.5 |
الإجمالى | 566.6 | 123.2 | 338.3 | 429.8 |
غير أن الصورة تختلف تماما إذا استخدمنا دولارات ثابتة القيمة عند مستواها في عام 1973 الذي صححت خلاله الأسعار من 3 دولارات للبرميل إلى 11.65 دولارا، وإذا أدخلنا في الاعتبار اختلاف حجم الصادرات النفطية، وهو ما أغفلته دراسة EIA.
ففي عامي 1983 و1984 لم تتجاوز صادرات أوبك السنوية 14 مليون برميل يوميا (ب/ي)، بينما ارتفعت تلك الصادرات في عام 2004 إلى نحو 25 مليون (ب/ى).
" |
بحسبة بسيطة يتضح أن ما حققته أوبك من عائدات عام 2004 مقابل تصدير 25 مليون (ب/ي) لم يتجاوز بدولارات ثابتة القيمة عند مستوى 1973 نحو 77 مليار دولار، وهى نفس القيمة التي حققتها أوبك بنفس الدولارات الثابتة مقابل تصدير 14 مليون ب/ى في كل من عامي 1983 و1984.
" أهم خطوة في استثمار عائدات النفط تقوم على الاعتراف بأنه لم يعد ثمة مجال للنظرة القطرية الضيقة في مجال التنمية، وأن المفتاح الوحيد للخروج من المأزق العربي هو التكامل في مجال الاستثمار الإنتاجي الحقيقي " |
إن أول وأهم خطوة في هذا المجال تقوم على الاعتراف بأنه لم يعد ثمة مجال للنظرة القطرية الضيقة في مجال التنمية، وان المفتاح الوحيد للخروج من المأزق العربي هو "التكامل في مجال الاستثمار الانتاجى الحقيقي"، ولنضرب على ذلك أمثلة ناجحة وأخرى يمكن أن تدرس وتتحقق بنجاح:
ـــــــــــ
كاتب مصري
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.