دوافع التدخل الأميركي بين الهند وباكستان

بقلم: عبد الله العمادي*

الاشتباكات العسكرية بين الهند وباكستان لم تتوقف منذ أمد بعيد، بل تزداد وتيرتها بين حين وآخر، والثبات على الموقف والرأي بين الطرفين يزداد تماسكا وعنفا أيضا، وبالشكل الذي يوحي بأن التهدئة قد تأخذ وقتا ليس بالقليل إلى أن تأخذ دورها في المسألة ويتم تفعيلها بالصورة المطلوبة.

ثلاثة حروب صعبة وقعت بين الطرفين أو الخصمين اللدودين في الأعوام 1947 و1965 و1971.. وإضافة إلى تلك الحروب دخل الخصمان في سباق سريع من سباقات التسلح، كانت من أبرز نتائجها تلك الانفجارات التجريبية النووية التي بدأتها الهند قبل ثلاثة أعوام انطلاقا من شعور هندي كان سائدا حينها بأن التجربة لا مفر منها، وخصوصا أنها محاطة بالصواريخ النووية، في إشارة إلى باكستان والصين، وكنوع من الدفاع عن النفس وفي ظل عدم وجود أي خيار آخر لها في الوقت الذي تواصل فيه الصين تطوير وتحديث ترسانتها العسكرية التي منها النووية، إضافة إلى قيامها بدعم جارتها وخصمها اللدود باكستان بتزويدها بصواريخ من طراز "إم 2" التي يمكن استخدامها في إطلاق قنابل نووية.

ومن جهة أخرى، لا تخفي إسلام آباد قلقها العميق إزاء ذلك التسارع الهندي في مجال التسلح، وليس أي تسلح، بل النووي على وجه الخصوص، بل ترى باكستان أن زيادة موازنة وزارة الدفاع الهندية كان دليلا على نيات خطيرة في الإستراتيجية العسكرية الهندية تجاه جيرانها.


الهند ستتمكن من تحقيق نصر كاسح وسريع على باكستان في أي حرب برية، ونظرا لضعف باكستان في هذا المجال فإن لجوءها إلى استخدام أسلحتها النووية أمر وارد

في التصعيد الأخير رأت الولايات المتحدة أن عليها كقوة كبرى التدخل نظرا لمصالحها الكبيرة في الدولتين أولا، ومن ثم لأسباب أخرى قد لا تكون مرئية أو واضحة للكثيرين.

تجنب النموذج الأفغاني
يعتقد كثير من المراقبين للقضية بأن من الأسباب المهمة وغير المنظورة والتي دفعت الولايات المتحدة دفعا إلى التدخل السريع لوضع حد لهذه الأزمة ولو بشكل مؤقت هو الخشية من تكرار السيناريو الأفغاني من جديد في كشمير، وخصوصا أن كل المقومات متوافرة تقريبا.. وأعني بالسيناريو الأفغاني هو ما كان في بدايات الحرب مع الاتحاد السوفياتي، وتنبه العالم الإسلامي إلى ما يحدث في أفغانستان، ووقوف الأغلبية مع المقاتلين الأفغان، واندفاع الآلاف من الشباب العربي إلى الأراضي الأفغانية للدفاع عنها ضد الغزو الشيوعي، حتى إذا ما وقعت الإمبراطورية السوفياتية وتفككت انتبهت الولايات المتحدة وعدة قوى أخرى في العالم إلى أن سعيهم جميعا إلى التخلص من الخطر الشيوعي قد أدى إلى ظهور رموز قيادية مؤثرة استطاعت أن تحرض الكثيرين على معاداة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة.. فأدى ذلك بالغرب والأميركان أيضا إلى تغيير الإستراتيجيات والخطط لمواجهة ما أسموه الخطر الإسلامي أو ما تعارف العالم عليه في السنوات الأخيرة بالأصولية الإسلامية.

هذا الأمر هو الذي جعل الولايات المتحدة تتسارع إلى التدخل في النزاع الباكستاني الهندي على كشمير خشية أن تتحول كشمير إلى أفغانستان أخرى يتوافد العرب إليها على وجه الخصوص، وبشكل أكثر خصوصية أسامة بن لادن الذي جعلت الولايات المتحدة منه أخطر المعارضين لها في العالم.. ولعل الخشية من خروج بن لادن من أفغانستان وتوجهه إلى كشمير لتكون قاعدة جديدة له من الأسباب الرئيسية التي دفعت الإدارة الأميركية إلى الإسراع بالتدخل قبل فوات الأوان.

وقد أعطت الولايات المتحدة بعض الضمانات لباكستان أثناء تولي نواز شريف رئاسة الوزراء والتي من أهمها الإسراع بحل مشكلتها مع الهند بشأن إقليم كشمير، ومساعدة إسلام آباد على مواجهة ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها باكستان، وذلك مقابل تعاون الحكومة الباكستانية مع الإدارة الأميركية في الحيلولة دون تحويل إقليم كشمير إلى أفغانستان أخرى، وعدم التصعيد مع الهند حوله بالتهديد باستخدام السلاح النووي.

ولعل شريف كان قد حسبها من جميع النواحي فوجد أن عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع الهند إضافة إلى إعادة الولايات المتحدة مساعداتها الاقتصادية مرة أخرى، هي أفضل من مواصلة القتال من أجل الإقليم ولو لحين من الدهر، وهو ما يسير عليه برويز مشرف أيضاً الآن، وإن كان هذا ما اعتبره وما زال يعتبره الكشميريون قاصمة ظهر لهم. حيث إنهم يعانون من تخلي باكستان عن القضية الكشميرية وموافقتها على المطالب الهندية، وبالتالي ضياع سنوات التضحية التي عانى فيها الشعب الكشميري.


الرفض الهندي للموافقة على إجراء استفتاء في كشمير إنما يعود لتخوف الهند الكامن من انطلاق الروح الانفصالية لدى كثير من الأعراق الموجودة بها، مثل رغبة ولايات آسام والبنجاب والتاميل في الانفصال عن الهند، وغيرها من التفرعات والأعراق المتعددة في هذه القارة الكبيرة

الخوف من السلاح النووي
ولعل من الأسباب المهمة التي جعلت الولايات المتحدة تتدخل أيضا في القضية الكشميرية هو خشيتها من أن يتصاعد النزاع ليصل إلى حد استخدام السلاح النووي الذي يعني حينها بأن كارثة كبيرة ستصيب العديد من الدول المجاورة الفقيرة ذات الكثافة السكانية الهائلة، إضافة إلى شيوع جو من عدم الاستقرار في المنطقة قد تتسع رقعته ليشمل الصين أيضا وهي دولة نووية، ولعل الخشية من استخدام السلاح النووي تأتي من الطرف الباكستاني على وجه التحديد باعتبار تفوق الهند عليها عسكريا.. فالهند صاحبة الجيش الأكبر، وسكانها يقتربون من مليار نسمة، وأي حرب برية تقع بين البلدين فإن النتيجة ستكون فيها محسومة لصالح الهند مهما يطول الأمد.

وفي تقدير المحللين العسكريين فإن الهند ستتمكن من تحقيق نصر كاسح وسريع على باكستان في أي حرب برية.. ونظرا لضعف باكستان في هذا المجال فإن لجوءها إلى استخدام أسلحتها النووية أمر وارد تفاديا لهزيمة أخرى أمام الهند.. ومن هذا المنطلق تخشى الولايات المتحدة من تعميق الصراع بين الدولتين، وتسعى إلى احتوائه بأي صورة تضمن عدم تفعيل الأسلحة النووية في حسم الصراع..

ولكن كما يقول محلل هندي للشؤون العسكرية فإنه لا أحد في الهند يرغب بوقوع حرب شاملة مع باكستان، مثلما الأمر كذلك في باكستان، ويرجع القرار الأول والأخير في مثل هذه الظروف إلى العسكريين، وهم معروفون بأنهم لا يرتكبون أخطاء في الحسابات.. على أن من المهم ذكره في هذا السياق هو التعنت والتشدد الهندي تجاه أزمة الإقليم، ورفضها التام لأي فكرة تقوم على منح الإقليم الاستقلال حسب القرارات الدولية السابقة والصادرة من هيئة الأمم المتحدة، وذلك بإجراء استفتاء عام في الإقليم ليقرر الشعب الكشميري مصيره بنفسه إما بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان أو الاستقلال.


إن الهند باستمرار احتلالها لولاية جامو وكشمير إنما تدفع فاتورة باهظة الثمن، ليس على مستوى الخسائر المادية والبشرية فحسب، بل يتعدى الأمر ليصل إلى معنويات الجيش

والرفض الهندي لتلك القرارات أو الإقدام على اتخاذ قرار منح الإقليم الاستقلال أو الموافقة على إجراء الاستفتاء إنما يعود لتخوف الهند الكامن من انطلاق الروح الانفصالية لدى كثير من الأعراق الموجودة بها مثل رغبة ولايات آسام والبنجاب والتاميل في الانفصال عن الهند وغيرها من التفرعات والأعراق المتعددة في هذه القارة الكبيرة.

ورغم خسائر الهند من التوتر الدائم الحاصل على حدودها مع باكستان وسقوط الكثير من القتلى في المواجهات مع المقاتلين الكشميريين أو في المواجهات مع باكستان، فإنها كلها لا تساوي مجرد التفكير في التخلي عن الإقليم ومنحه الاستقلال خشية تطلع الآخرين -كما أسلفنا- في الحصول على الحق نفسه أيضا.

إن الهند باستمرار احتلالها لولاية جامو وكشمير إنما تدفع فاتورة باهظة الثمن، ليس على مستوى الخسائر المادية والبشرية فحسب، بل يتعدى الأمر ليصل إلى معنويات الجيش.. حيث أكدت مجلة "تايمز" الأميركية في عدد سابق لها عبر تقرير لمراسلها في كشمير أن عددا من الجنود الهندوس المنتشرين في الولاية أصيبوا بالإدمان على المخدرات والمسكنات بسبب المشاكل النفسية التي يعانون منها والانهيار الكبير في معنوياتهم.. وبالإضافة إلى ذلك تخسر الهند مليارات من الدولارات بسبب وجودها في كشمير. ففي تقرير لوزارة الداخلية الهندية إلى البرلمان الهندي تبين أن خسائر الهند العسكرية في السنوات الماضية بسبب كشمير قد بلغت حوالي خمس مليارات دولار.

ولقد عملت تصريحات رئيس أركان الجيش الهندي قبل بدء المناوشات والقصف المدفعي الحاصل الآن على إثارة القيادة الباكستانية إذ صرح قائلا بأن احتمالية قيام حرب رابعة بين الهند وباكستان لا تزال قائمة إذا لم تتوقف باكستان عن دعم المقاومة الكشميرية، معتبرا أن مثل هذه الحرب ستكون تقليدية ومحدودة ليتفادى إثارة المجتمع الدولي من مخاطر وقوع حرب نووية في جنوب آسيا!!

رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي صرح مؤخرا بأن حل قضية كشمير ليس بالأمر العسير، قاصدا بذلك -وحسب مصادر مطلعة على ما يدور في مكتبه- أن أكثر ما يمكن أن يوافق عليه فاجبايي هو تقسيم كشمير بين الهند وباكستان واعتبار خط الهدنة الحالي حدودا دولية، في حين يؤكد بعض المتشددين تجاه القضية بأن الحكومة الهندية مستعدة لفتح حوار مع الكشميريين بشرط أن يكون ذلك ضمن الدستور الهندي، والذي يفهمه الكشميريون بأنه مطلوب منهم أولا ضرورة الاعتراف بأن كشمير وأهلها جزء لا يتجزأ من الهند، وهو ما يفسر قول فاجبايي بأن حل القضية ليس بالأمر العسير، وهو ما تم مناقشته في اجتماع وزيري خارجية البلدين في كولومبو. الذي فهمه الباكستانيون أيضا بأن الهند تطلب منهم -حتى يتم حل القضية- الاعتراف بشرعية احتلال الهند لثلثي ولاية جامو وكشمير، وهو ما تم رفضه من جانب الباكستانيين والكشميريين على حد سواء.


وصل عدد القوات الهندية في كشمير إلى حوالي 800 ألف جندي، بما يعادل جنديا واحدا لكل ثمانية مواطنين كشميريين، وهو ما يمثل أكبر تركيز عسكري في العالم كله

إن قرارات الأمم المتحدة التي صدرت في أغسطس/آب من عام 1948 أكدت على أن للشعب الكشميري الحق في أن يختار بين البقاء مع الهند أو الانضمام إلى باكستان عن طريق استفتاء شعبي تشرف عليه الأمم المتحدة. ونصت قرارات الأمم المتحدة على انسحاب الجيشين الباكستاني والهندي من كشمير بقصد إفساح المجال أمام لجنة من الأمم المتحدة للإشراف على الاستفتاء الذي كان من المقرر إجراؤه لتحديد مستقبل الولاية وتقرير مصيرها. غير أنه عشية صدور القرار كان في الولاية أكثر من 30 ألفا من الجيش الهندي وآلاف أخرى من الجيش الباكستاني، الأمر الذي أدى إلى عدم إجراء الاستفتاء وبقاء الوضع على ما هو عليه حتى اليوم، بل وصل عدد القوات الهندية إلى حوالي 800 ألف جندي، بما يعادل جنديا واحدا لكل ثمانية مواطنين كشميريين، وهو ما يمثل أكبر تركيز عسكري في العالم كله.

وتصر الهند إلى اليوم على عدم سحب قواتها من الولاية، وتطالب باكستان أن تسحب قواتها وهو ما ترفضه الأخيرة، والتي تطلب أن يكون انسحاب القوات من الطرفين وفي وقت متزامن بحيث يتم تفعيل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالاستفتاء الشعبي بين الكشميريين.. وهذه الحالة بقيت منذ عام 1948 إلى اليوم دون حل.

على أن الخوف بعد 50 عاما يظل قائما بشأن وقوع نزاع أكبر بين الهند وباكستان وخصوصا أنهما الآن من الدول النووية، الأمر الذي يتخوف منه المجتمع الدولي المشغول بقضايا عديدة في مناطق مختلفة من العالم. ولكن بشكل عام يمكن اعتبار أزمة كشمير بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي لحظة محدثة خسائر غير عادية وفي مساحات شاسعة من الأرض ما لم تتدخل جهة ثالثة -سواء كانت هيئة دولية أو دولة صديقة- في نزع فتيل الانفجار في الوقت المناسب، وهذا ما يبدو أن الولايات المتحدة بصدده.

_______________
*كاتب وصحفي قطري

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.