إيران: الطاقة النووية والتحديات الجسيمة


undefined
*بقلم/ يوسف عزيزي

إيران في محور الشر
– بوادر الأزمة
– مواقف متباينة
– الخيارات الإيرانية

عندما دشن الشاه السابق محمد رضا البهلوي مشروعه الطموح للطاقة النووية في أواسط السبعينات من القرن المنصرم لم يكن يعلم أن ثورة شعبية ستطيح به في أواخر ذلك العقد.

فقد كان الشاه يفكر في إرساء ما كان يصفها بـ"الحضارة الإيرانية الكبرى" التي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسية. لكن بقيام الثورة الإسلامية عام 1979 وظهور رجال الدين على رأسها تغير الأمر أساسا. فقد انسحب الألمان الذين تعهدوا للشاه ببناء أول منشأة نووية إيرانية في مدينة بوشهر (جنوب) وأصبحت إيران الثورة حائرة تبحث عن بلد ما يكمل لها ما بدأه الخبراء الألمان.

وبما أن الثورة الإسلامية ناصبت الغرب العداء وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لم تقبل أي دولة غربية أن تقوم بإكمال المشروع النووي الإيراني، إلا الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يرى في إيران فريسة جاهزة وحليفا جديدا يمكن أن يضيفه إلى حلفائه في العالم الثالث. لكن النبوءة السوفياتية لم تتحقق بل انهارت الإمبراطورية الحمراء في نهاية الثمانينات.

واستمرت روسيا –وريثة الاتحاد السوفياتي– بتعثر في تعاونها النووي مع إيران. كما أن مشروع ما يسمى "الحضارة الإيرانية الكبرى" انتهى ليخلفه مشروع الحضارة الإسلامية الكبرى الذي يحمل في طياته المشروع الأول أيضا.

فقد بذل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني -المعروف باتجاهاته القومية- في عهده جهودا حثيثة لإكمال المشروع النووي الإيراني ولا يزال من المتحمسين لهذا المشروع والمدافعين عنه.

إيران في محور الشر


أميركا لا تثق أبدا بإيران وتعتبرها عدوا لدودا لها ومعارضا لحضورها العسكري في أرض الرافدين

وكانت الولايات المتحدة الأميركية وخلال الأعوام المنصرمة تركز في نقدها للنظام الإيراني على معارضته لعملية السلام الفلسطيني–الإسرائيلي وما تصفه بدعمه للإرهاب وخاصة المنظمات الإسلامية الراديكالية وانتهاك حقوق الإنسان في الداخل غير أنها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 أخذت تؤكد ما تصفه بالجهود الإيرانية للحصول على الأسلحة النووية وإيوائها لعناصر من القاعدة وإمكانية وقوع هذه الأسلحة بيد منظمات راديكالية أو استخدامها من قبل إيران لضرب أهداف إسرائيلية خاصة بعدما تمكنت من اختبار الصاروخ شهاب/3.

ولاشك أن لإسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن دورا هاما في تأجيج القضية بل وتهويلها بسبب امتعاض الكيان الصهيوني مما يصفه بالدعم الإيراني للمنظمات الإسلامية الراديكالية في فلسطين. كما أن الولايات المتحدة ليست مرتاحة للدور الإيراني في العراق والتأثير المعنوي للثورة الإسلامية على الشيعة والمسلمين بشكل عام وترى فيه نوعا من التحدي لسلطتها في هذا البلد التي احتلته في أبريل/ نيسان الماضي. فأميركا لا تثق أبدا بإيران في هذا المجال وتتخوف كثيرا من المؤسسات والشخصيات المتشددة في السلطة الإيرانية التي تعتبرها عدوا لدودا لها ومعارضا لحضورها العسكري في أرض الرافدين.

فقد تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من إبطال مفعول أحد أقطاب محور الشر وهو عراق صدام حسين بإسقاطه وإنشاء سلطة حليفة لها بدل العدو السابق.

وخلافا لعراق صدام حسين وإيران رجال الدين، تملك كوريا الشمالية الشيوعية ترسانة نووية لا بأس بها. ولإملاء شروطها على الولايات المتحدة الأميركية انسحبت من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ولا تمكن مقارنة إيران بالعراق ولا بكوريا الشمالية غير أننا يمكن أن نصنفها بين الاثنين في مجال الطاقة النووية، كما أن الحكومة الإيرانية رغم جهود المتشددين لم تنو الانسحاب من المعاهدة المذكورة.


قرار وكالة الطاقة النووية يلزم إيران بالوقف الفوري والكامل لكافة نشاطاتها النووية والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية دون قيد أو شرط

بوادر الأزمة
أصدر مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الجمعة الماضي 12/9/2003 قرارا يلزم إيران بالوقف الفوري الكامل لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب مادة اليورانيوم والتوقيع على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية دون قيد أو شرط.

وقد سبق هذا القرار محاولات عدة قامت بها الوكالة الدولية بعد أن حصلت على معلومات من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن إيران تمتلك -علاوة على منشأة بوشهر النووية التقليدية- منشأتين أخريين في مدينتي أراك ونطانز (وسط إيران) وهي تقوم بعملية تخصيب اليورانيوم في منشأة نطانز.

وبعد الضجة التي أثيرت حول هذه القضية في العام الماضي، زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي إيران في شهر فبراير/ شباط المنصرم لهذا الغرض. وتلت ذلك زيارات خبراء آخرين في الوكالة الدولية لإيران. لكن الأهم من كل ذلك هو الزيارة التي قام بها مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية والسياسية خافيير سولانا إلى طهران حيث أعلن للصحفيين بحضور وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أن إيران ستسمع "أخبارا سيئة" إذا لم توقع على البروتوكول الإضافي.

وقد انكشف الآن وعقب مرور شهرين على ذلك الكلام أن الأخبار السيئة هي القرار الذي صدر يوم الجمعة 12/9/2003 والذي أجمعت الأوساط الإيرانية على أنه إنذار حاد وتحد سافر للنظام الإسلامي في إيران.

ويبدو أن النظام الإسلامي في إيران يواجه أزمة حادة في علاقاته مع الوكالة الدولية لم يواجه مثلها في حياته المستمرة منذ ربع قرن، إذ لا مجال للمناورة كما كان في الأزمات السابقة ولا مفر له من أن يتخذ موقفا صريحا في هذا المجال: القبول أو الرفض للشروط المطروحة من قبل مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.


ترى المعارضة الإيرانية في القضية النووية والاتهامات الخاصة بالإرهاب وقمع القوى الإصلاحية أزمات مصيرية أمام النظام الإسلامي في إيران

مواقف متباينة
فقد أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية غلام رضا آغا زاده في الاجتماع السابع والأربعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا يوم الاثنين الماضي 15/9/2003 أن إيران ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية وأنها أخذت تبت في موضوع القرار الصادر ضدها وستعد ردا مناسبا له. كما كرر الرئيس الإيراني محمد خاتمي في اليوم نفسه ما قاله سابقا من أن بلاده ستستمر في جهودها للحصول على التكنولوجيا النووية لكن لأغراض سلمية فقط.

ومن جهة أخرى ساعد إنذار مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ارتفاع وتيرة الخلافات بين الأجنحة السياسية المتصارعة في إيران حيث نشاهد هناك تباينا واضحا في الرأي بين التيارين المتنافسين.

فتدعي الأوساط المحافظة في السلطة الإيرانية أن أميركا وإسرائيل وبسبب عدائهما للجمهورية الإسلامية قامتا بضغوط مختلفة على الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمصادقة على المهلة المقررة وهي ستة أسابيع كي ترد إيران خلالها بالنفي أو الإيجاب على قرار الوكالة الدولية.

ويمكننا القول بأن المحافظين هم مع التشدد وعدم إبرام البروتوكول الإضافي لأنهم يرون فيه عملية مذلة لإيران تفتح المجال للمفتشين الدوليين ليصولوا ويجولوا في أي نقطة في البلاد بحجة التفتيش عن اليورانيوم المخصب. كما يرون في ذلك تكرارا لما وقع في العراق حيث من الممكن أن يؤدي في النهاية إلى إسقاط النظام الإسلامي في إيران.

وقد طالبت شخصيات متشددة كمدير صحيفة كيهان وممثل مرشد الثورة فيها حسين شريعتمداري بانسحاب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية بل وطرد سفراء الدول الثلاث التي قدمت مشروع القرار الخاص بإيران في اجتماع مجلس الحكام يوم الجمعة المنصرم 12/9/2003.

لكن وفي التيار المحافظ نفسه هناك شخصيات معتدلة كوزير خارجية إيران السابق والمستشار السياسي لمرشد الثورة علي أكبر ولايتي والمساعد الدولي لرئيس السلطة القضائية محمد جواد لاريجاني، تدعو إلى حل وسط وهو إبرام البروتوكول لكن بشرط رفع الحظر عن التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في إيران.

والإصلاحيون ورغم انتقادهم لقرار مجلس الحكام يرون أن هناك أسبابا داخلية للإجماع الدولي ضد إيران. إذ وافقت كافة دول الاتحاد الأوروبي وكذلك روسيا على القرار المدعوم أميركيا وإسرائيليا. فهم –أي الإصلاحيون- يتهمون المحافظين بأنهم وبمحاولاتهم للقضاء على العملية الإصلاحية وقمع الصحفيين والسياسيين وانتهاك حقوق الإنسان ساعدوا على التنسيق والانسجام الغربي ضد إيران.

وتطالب معظم الشخصيات والأحزاب الإصلاحية بإبرام البروتوكول الإضافي وفقا لطلب مجلس الحكام بينما هناك شخصيات كالرئيس خاتمي ووزير خارجيته كمال خرازي تشارك المعتدلين من التيار المحافظ رأيهم في هذا المجال. لكن إنذار مجلس الحكام واضح لا لبس فيه: قبول القرار الصادر يوم الجمعة دون قيد أو شرط.

ويعتقد الإصلاحيون أن ردم الهوة بين الشعب والسلطة ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الدولية والداخلية، فيما تدعو الصحف المحافظة وخاصة المتشددة منها إلى الوقوف في وجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة التي تعتقد أنها تقف وراء قرارها الأخير ضد إيران.

وترى المعارضة الإيرانية في القضية النووية والاتهامات الخاصة بالإرهاب وقمع القوى الإصلاحية والمعارضة في الداخل أزمات مصيرية أمام النظام الإسلامي في إيران يمكن أن تؤدي إلى أن يتجرع "كأس السم" كما حدث عام 1988 عندما قبل الزعيم الإيراني الراحل أية الله الخميني وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات. وكأس السم هنا بالطبع هو قبول الحكومة الإيرانية البروتوكول الإضافي.


قرار مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية صريح وواضح ولم يبق أمام إيران إلا خيارين: إما رفضه أو القبول به

الخيارات الإيرانية
وقد شهد الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى أبعادا مختلفة خلال الأعوام الخمس والعشرين من عمر الثورة الإسلامية كان آخرها الإنذار الموجه من قبل مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة النووية.

وللمقارنة بين الدولتين المتصارعتين على الساحة الدولية ينبغي أن نركز على عدة عوامل منها داخلية وأخرى دولية لنرى ما هي الخيارات القائمة أمام المسؤولين في النظام الإيراني لمواجهة الأزمة الراهنة.

صحيح أن أميركا تواجه مقاومة في العراق وأفغانستان وأن إسرائيل لم تتمكن من القضاء على المقاومة الإسلامية في فلسطين غير أن الولايات المتحدة الأميركية تتحرك على الصعيد الدولي و لا أحد يستطيع أن يعارض سياساتها الدولية. كما أنها شبه منسجمة في إدارتها بالرغم من كل ما يقال عن الخلافات بين الصقور والحمائم.

غير أن السلطة الإسلامية في إيران تعاني من الانقسام بين التيارات الحاكمة وفقا لما تحدثنا عنه آنفا وكذلك تشعر بالحصار الأميركي المعادي لها. أضف إلى ذلك سوء تدبير المتشددين وعملياتهم القمعية ضد الحركة الإصلاحية والذي ساعد على انتشار التذمر والاستياء بين فئات واسعة من الشعب الإيراني، حيث أخذ البعض يتمنى هجوما أميركيا على بلاده.

وكما ذكرنا آنفا فإن قرار مجلس الحكام صريح وواضح ولم يبق أمام إيران إلا خيارين: إما رفضه وإما القبول به. ولم يقبل الحكام بأي شروط تطرحها بعض الشخصيات والأجنحة الإيرانية للقبول بالقرار.

وفي مثل هذه الأوضاع تحاول الحكومة الإيرانية التمهل في الرد على قرار مجلس الحكام كما أعلن المسؤولون ذلك. لكن هذا التمهل والبت في الموضوع ليس موضوعا فنيا بل للوصول إلى رأي واحد ينتج من النقاشات والسجالات التي تتم خلف الكواليس بين التيارين المشاركين في السلطة أي المحافظين والإصلاحيين حيث يعتقد المراقبون أن الجمهورية الإسلامية ستقبل في النهاية على الخيار الثاني أي القبول بالقرار، لأن المسؤولين سيصلون إلى نتيجة مفادها الاختيار بين السيئ والأسوأ وبالتأكيد أن السيئ هو القبول والأسوأ هو رفض قرار مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ــــــــــــــــــ
* كاتب إيراني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.