– الخلفية التاريخية للوحدة النقدية الأوروبية
– شروط نجاح تدويل اليورو
يعتبر الإعلان في 01/01/1999 عن قيام عهد العملة الأوروبية الموحدة الـ (يـورو) -في ربوع إحدى عشرة دولة- تعبيرا عن اكتمال المسار الاندماجي الأوروبي. هذا المسار تمثل السوق الأوروبية المشتركة مرحلته الأولى والاتحاد الأوروبي مرحلته الثانية والسوق الموحدة مرحلته الثالثة والاتحاد الاقتصادي والنقدي مرحلته الرابعة والأخيرة.
وقد جاء اكتمال هذا المسار نتيجة جهود مضنية بذلها القادة الأوروبيون ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية. فلقد انتهت الحرب العالمية الثانية بهيمنة أميركية وخطر سوفياتي محتمل رأى الأوروبيون أنه من اللازم تحقيق استقلالية تجاه النفوذ الأميركي وحماية بلدانهم اتجاه الخطر الروسي.
الخلفية التاريخية للوحدة النقدية الأوروبية
انطلاقا من هذا الوضع تم إنشاء المجلس الأوروبي 1949 وهو يلعب دورا تشاوريا لكن ليس له في الحقيقة تأثير يذكر. وفي سنة 1952 تم إنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ
(S.E.C.A) ثم اتفاقية روما 1957 والتي تعتبر توسيعا للمجموعة السابقة لتصبح المجموعة الاقتصادية الأوروبية
(C.E.E). ثم سوق مشتركة 1968.
بعد تكوين هذه السوق تم تكليف رئيس وزراء لكسومبرغ فيرنر (Werner) في نوفمبر 1970 مع مجموعة من الخبراء بوضع خطة من أجل تحقيق الوحدة النقدية الأوروبية بصورة تدريجية وتمت المصادقة على هـذه الخطة 1971. إلا أن هذه الخطة فشلت بفعل عوامل داخلية. إلا أن الفكرة تم إحياؤها من خلال نظام نقدي أوروبي عام 1979 يهدف إلى وضع آلية لسعر الصرف يساهم في إقامة منطقة للاستقرار النقدي في أوروبا.
وقد تسارع هذا المسار ابتداء من 1989 بعد اعتماد مخطط ديلور (أو تقرير لجنة ديلور) من أجل وحدة اقتصادية ونقدية أوروبية. عقب المصادقة على هذا المخطط تم إلغاء القيود على حركة رؤوس الأموال 1990 وتم تأسيس المعهد النقدي الأوروبي في يناير 1994. ثم تناولت القمة الأوروبية المنعقدة في سنة 1997 بالعاصمة الهولندية أمستردام المسائل التنظيمية المتعلقة بقيام الاتحاد الاقتصادي والنقدي بداية من 01/01/1999 وبالفعل تم الإعلان أخيرا عن إصدار عملة موحدة في هذا التاريخ ومن المتوقع في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل 2002 بدء التعامل بالأوراق والقطع النقدية لليورو في جميع النشاطات التجارية وفي الأشهر الستة الآتية يتم سحب الأوراق والقطع المعدنية لمختلف الدول ويبقى اليورو هو العملة المتداولة بين إحدى عشرة دولة أوروبية. لكن السؤال المطروح: ما شروط نجاح تدويل الـ (يورو) حتى يتسنى له منافسة الدولار الأميركي؟.
شروط نجاح تدويل اليورو
تتلخص شروط نجاح تدويل اليورو في الشروط التالية:
” لكي يكون اليورو عملة دولية تنافس الدولار الأميركي وتقوم بوظائف العملة الدولية على أحسن وجه فإن ذلك يتوقف على أمرين: مدى فاعلية وجودة السياسات النقدية والمالية والضريبية والاقتصادية بصفة عامة المتبعة في بلاد اليورو ككل من جهة وبتحديث السوق المالية الأوروبية الموحدة بدرجة كافية حتى تتوفر فيها آليات استثمارية متنوعة ومتطورة تنافس ما هو متاح حاليا في الأسواق المالية الأميركية والبريطانية واليابانية من جهة أخرى ” |
الشرط الأول- تأمين وظائف العملة الدولية نوعا وكلفة:
ويعني ذلك مدى قدرة العملة الأوروبية الموحدة على الاستجابة للتحدي المتمثل في تأمين الوظائف المطلوبة منها كعملة دولية نوعا وكلفة. إن الوظائف التقليدية المطلوبة من أي عملة معروفة: العملة كوحدة حساب، وسيلة دفع ووسيلة ادخار أو احتياط. إلا أن هذه الوظائف تبدو أكثر تعقيدا على المستوى الدولي.
وبكلمة واحدة إن اليورو لكي يكون عملة دولية تنافس الدولار الأميركي وتقوم بوظائف العملة الدولية على أحسن وجه فإن ذلك يتوقف على أمرين: مدى فاعلية وجودة السياسات النقدية والمالية والضريبية والاقتصادية بصفة عامة المتبعة في بلاد اليورو ككل من جهة وبتحديث السوق المالية الأوروبية الموحدة بدرجة كافية حتى تتوفر فيها آليات استثمارية متنوعة ومتطورة تنافس ما هو متاح حاليا في الأسواق المالية الأميركية والبريطانية واليابانية من جهة أخرى.
الشـرط الثاني- تسيير اقتصادي فاعل في منطقة اليورو:
ويتم ذلك على المديين القصير والمتوسط طبقا لمعايير التفاوت المنصوص عليها في ميثاق الاستقرار والنمو ضمن معاهدة ماسترخت، هذه الأخيرة نصت على خمسة معايير للتقارب، يعتبر احترامها ضروريا من أجل الانضمام إلى الوحدة النقدية:
” بلغ متوسط الناتج المحلي الخام في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي تشكل أهم ثلاث دول في منطقة اليورو 2% في 1997 مقارنة بـ 3.6% في الولايات المتحدة الأميركية. كما بلغ متوسط البطالة في الأقطار الثلاثة 11.5% في ذات السنة مقابل 4.2% في الولايات المتحدة ” |
الشرط الثالث- سياسات النمو الاقتصادي في دول الاتحاد النقدي الأوروبي:
فالسياسات الاقتصادية المتبعة تؤثر بشكل مباشر على وتيرة النمو الاقتصادي في الاقتصاديات الوطنية لمختلف دول الاتحاد المعنية. فالعملة الموحدة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت وتيرة النمو الاقتصادي في المنطقة مرتفعة من أجل تقليص البطالة الكثيفة ومن أجل تقليص الفوارق التنموية بين دول الاتحاد الإحدى عشرة المشتركة في العملة الموحدة، فالبطالة بين صفوف الشباب والحرمان الاجتماعي بلغا مبلغا غير محتمل اجتماعيا وسياسيا.
فلقد بلغ متوسط الناتج المحلي الخام في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي تشكل أهم ثلاث دول من دول الاتحاد الاقتصادي والنقـدي، 2% تقريبا في أعقاب 1997 مقارنة بـ 3.6% في الولايات المتحدة الأميركية. كما بلغ متوسط البطالة في ربوع الأقطار الثلاثة تلك 11.5% في ذات السنة مقابل 4.2% في الولايات المتحدة.
الشرط الرابع- استعداد البنك المركزي الأوروبي للقيام بمهامه:
يتمثل هذا الشرط في مدى استعداد البنك المركزي الأوروبي
-الموكل إليه إدارة السياسة النقدية الأوروبية الجماعية الموحدة، والسهر على الالتزام بضوابط (ميثاق الاستقرار والنمو) – لتكييف سياسته في مجال تحديد أسعار الفائدة وتضخم الأسعار بقصد مواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية الناتجة عن تعرض أي قطر من أقطار الاتحاد الاقتصادي والنقدي إلى أزمات محتملة، مالية أو اجتماعية أو غيرها.
الشرط الخامس- اقناع بريطانيا بالانضمام للاتحاد:
يتمثل الانضمام السريع للمملكة المتحدة إلى العملة الأوروبية الموحدة عاملا أساسيا في نجاح تدويل هذه العملة فبقاء هذه القوة الاقتصادية والنقدية لمدة غير محددة خارج الاتحاد النقدي من شـأنـه أن يشكك في مصداقية اليورو على المستوى العالمي كما من شأنه أن يؤثر على استقرار هذه العملة. فالمملكة المتحدة تمثل سوقها النقدية والمالية مكانة مرموقة على المستوى العالمي لا يمكن إهمالها.
الشرط السادس- الاستعداد الأميركي للتعاون مع منطقة اليورو:
من المهم في هذا السياق وجود استعداد لدى الولايات المتحدة الأميركية للتعاون الاقتصادي والنقدي مع بلاد اليورو وبخاصة في ميدان استقرار أسعار الصرف بين الدولار والعملة الأوروبية الموحدة. فمن بين مشاريع التعاون الأوروبي الأميركي المتداول حاليا إنشاء ما يسمى بـ (سوق تجارية جديدة) أي منطقة تبادل حر بين الاتحاد الاقتصادي النقدي من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية بحلول عام 2012. إن إحداث مثل هذا الإطار من شأنه أن يؤدي إلى تعاون نقدي بين الطرفين يساعد بلا شك على تحقيق استقرار أفضل في سعر الصرف بين اليورو والدولار.
الشرط السابع- المحافظة على مكانة الـ (يورو) مقابل العملات المنافسة:
يتمثل هذا الشرط في مدى قدرة الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي على الجمع بين الحفاظ على مكانة اليورو مقابل العملات الدولية المنافسة وانفتاح الاتحاد على دول أوروبا الوسطى والشرقية. لذا يكون السؤال المطروح ما مدى استعداد الأعضاء الجدد للالتزام بميثاق الاستقرار والنمو؟
الشرط الثامن- نجاح اليورو يتعلق بمعدل صرفه بالمقارنة مع الدولار:
شرط آخر من شروط نجاح اليورو يتعلق بمعدل صرفه بالمقارنة مع الدولار ففي ظل العولمة الاقتصادية فإننا نلاحظ أن رفع قيمة العملة يحدث آثارا سلبية. فرفع قيمة العملة كان سببا في النيل من مكانة اقتصاديات الدول الأوروبية المشاركة في الوحدة النقدية في السنوات الأخيرة, فمن المطلوب من اليورو أن يوازن بين خصائص عملة قوية ومستقرة من جهة ملبيا بذلك حاجات المستثمرين والمدخرين وأن لا يؤثر ارتفاعه أيضا على وتائر النمو في دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي من جهة ثانية.
فإذا ما حاولنا تتبع معدل صرف اليورو بالمقارنة مع الدولار فإننا نلاحظ أن قيمة اليورو ارتفعت حتى وصلت إلى 1.18 دولار في يناير 1999 إلا أن معدل صرفه تراجع في الأشهر التالية، ففي وسط نفس السنة تراجع معدل صرفه حتى راوح بين 1.06 و 1.07 في سنة 1999 اتسمت على مستوى أسواق الصرف بأزمة الريال البرازيلي وتراجع العملة الأوروبية الموحدة بنسبة 15% مقابل الدولار. أما سنة 2000 فقد اتسمت هي الأخرى على مستوى أسواق الصرف باستقرار نسبي لكن اليورو وعلى الرغم من انتعاش النشاط الاقتصادي في أوروبا استمر في تراجعه إذ فقد 8% من قيمته، في الوقت الذي بقيت فيه العملات الأوروبية الأخرى مستقرة على العموم. لذا فإن على اليورو الموازنة بين متطلبات النمو من جهة والحفاظ على مكانته كعملة دولية قوية ومستقرة.
” الدول الأوروبية الإحدى عشرة المنضمة للوحدة النقدية بقيت أعضاء في صندوق النقد الدولي وكل دولة من هذه الدول احتفظت بنصيبها. فبعد 1999 بلغ مجموع الأنصاب المتراكمة 23 % من مجموع الأنصبة وبنصيب أكبر من نصيب الولايات المتحدة الأميركية البالغ 17 %. وسيزيد النصيب الكلي للاتحاد أيضا زيادة ملموسة إذا انضمت المملكة المتحدة إذ سيبلغ 30 % ” |
الشرط التاسع- النجاح في التعامل مع صندوق النقد الدولي:
يتمثل هذا الشرط في مدى استعداد صندوق النقد الدولي لاحتواء ومعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالعملة الأوروبية الموحدة. فمن المعروف أن الدول الإحدى عشرة المنضمة للوحدة النقدية بقيت أعضاء في صندوق النقد الدولي: كل دولة من هذه الدول احتفظت بنصيبها. فبعد 1999 بلغ مجموع الأنصاب (Quotes-Parts) المتراكمة 23 % من مجموع الأنصبة وبنصيب أكبر من نصيب الولايات المتحدة الأميركية البالغ 17 %. وسيزيد النصيب الكلي للاتحاد أيضا زيادة ملموسة إذا انضمت المملكة المتحدة إذ سيبلغ 30 %. لكن على الرغم من هذا النصيب الإجمالي الكبير فإن السؤال المطروح هو ما مدى استعداد الدول الصناعية الكبرى والمؤسسات النقدية والمالية الدولية للتدخل في أوقات الأزمات لإنقاذ اليورو؟.
ونخلص مما سبق إلى أن نجاح تدويل اليورو ووصوله إلى مكانة تجعله منافسا حقيقيا للدولار لن تتسنى إلا بتحقيق الشروط السابقة وإن كانت في الحقيقة تختلف في أهميتها. وعلى العموم فإن إدارة أو حكما سديدا على مستوى السياسة النقدية والمالية والضريبية والاقتصادية من قبل بلدان العملة الأوروبية الموحدة من جهة وتحديث السوق المالية الأوروبية من جهة هما شرطان لا غنى عنهما لتوفير الخدمات المطلوبة من طرف المستثمرين والمدخرين كي يتسنى لليورو منافسة الدولار الأميركي وبالتالي أن يكون عملة دولية قوية ومستقرة.
______________________
باحث في مختبر إدارة الأعمال بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف- تونس