القمة الطارئة.. وإنقاذ الموقف الأميركي تجاه العراق
–القمة الطارئة.. وتعميق الاختلاف
–القمة الدورية.. الخلاف قبل البدء
–العرب والتخلص من صدام
–إعادة العراق إلى الصف العربي
مع بداية الغزو العراقي للكويت اختلفت الدول العربية حول كيفية معالجة ما اقترفه العراق من اعتداء على جارته الكويت، ولم يكن انسحاب العراق من الكويت على وقع قصف التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة آن ذاك ليزيل الاختلاف بين الدول العربية في الكيفية التي يجب أن يتم التعامل بها مع العراق الابن الضال.
” كان لا بد لواشنطن أن تحطم أسوار العزلة الدولية بالحصول على مباركة ذوي القربى، وهو ما قد يفسر تلك الدعوة الطارئة ” |
ومنذ ذلك الوقت تراوح الموقف العربي من القضية العراقية ما بين الإشادة بالتقدم الذي يحرزه العراق بتطبيق القرارات الدولية وبحث سبل إعادة الابن الضال إلى الصف العربي وكان العنوان الأبرز لتلك السنوات هو انتظار ما سيسفر عنه المستقبل في شان القضية العراقية.
غير أن عواصف واشنطن التي هبت على المنطقة ألزمت العرب على المستوى الرسمي بوجوب اتخاذ موفق محدد بشان القضية العراقية، ووجدت الدول العربية نفسها في مأزق التعامل مع مشكلة الابن الضال التي أدارت لها ظهرها لأكثر من عقد.
القمة الطارئة.. وتعميق الاختلاف
تعني الدعوة إلى عقد قمة طارئة أن أزمة طارئة حدثت وفرضت نفسها على الواقع السياسي للمنطقة وأنه لا بد أن تتداعي الأطراف ذات الصلة المباشرة إلى تدارس تلك الأزمة، وذلك خلاف ما هو يحصل الآن مع العراق، فالأزمة العراقية في تصاعد منذ شهر نوفمبر/ تشرين أول أي منذ ما يقارب الأربعة أشهر، انشغل العرب خلالها في تبرير مواقفهم من التهديدات الأميركية والتحذير من مغبة التهور الأميركي فيما أصداء التهديدات الأميركية شغلت العالم بأسره، ودفعت وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للقمة الأوروبية إلى الدعوة لعقد قمة عربية.. الأمر الذي جعل الدعوة المصرية لعقد مثل هذه القمة محل تساؤل، فالجامعة العربية هي الجهة التي يجوز لها توجيه الدعوة إلى قمة كهذه، كما أن القيادة المصرية كانت تتصدى بشكل قوي لأي دعوة لقمة طارئة أو حتى تقديم موعد القمة الدورية.
” ترى مصر أن "العراق بلد شاسع جدا.. وأن عدد المفتشين الدوليين لن يكون كافيا، ويجب أن يكون العراقيون هم من يعلنون: لدينا هذه التجهيزات وهي موجودة في هذا المكان" وذلك حسب تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة لو فيغاروا الفرنسية ” |
جاءت الدعوة المصرية للقمة في وقت شهدت فيه العلاقة بين واشنطن وأوروبا خلافا حادا حول كيفية التعامل مع القضية العراق، ووجد سادة البيت الأبيض أنفسهم في شبه عزلة دولية، كان أبرز وظاهرها التصفيق الحاد الذي قوبل به خطاب وزير الخارجية الفرنسي دومونيك دوفيلبان في مجلس الأمن على عكس خطاب وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي حوصر باعتراضات الدول الأعضاء بالمجلس.
لذا كان لا بد لواشنطن أن تحطم أسوار العزلة تلك بالحصول على مباركة ذوي القربى، وهو ما قد يفسر تلك الدعوة الطارئة، فالعرب يدركون أنهم لا يستطيعون منع أميركا من الهجوم على العراق وكما يقول وزير الخارجية المصري أحمد ماهر فإن واشنطن إذا " قررت الذهاب إلى الحرب فسيكون من الصعب منعها من ذلك"، إضافة إلى أن الدول العربية تدرك أن عدم الاقتراب من الموقف الأميركي سيعرضها لأزمة في علاقتها بواشنطن المتوترة أصلا، وهو ما قد يشير إلى أن القمة الطارئة هدفت لوضع الكرة بالملعب العراقي ودعوته للتعاون بشكل كامل مع فرق التفتيش وأن العراق هو من سيتحمل عواقب عدم تعاونه ذلك وبذلك تلقى مسؤولية ما قد يحدث على كاهل العراق. كما أملت الحكومات العربية أن تقنع شعوبها بأنها بذلت قصارى جهدها لتفادي نشوب حرب أميركية على العراق.
” الدول العربية ستحضر القمة دون وجود قواسم مشتركة بينها حول كيفية التعامل مع القضية العراقية ولا توجد لديها مبادرة محددة وواضحة لحل تلك الأزمة تكون منطلقا لتفعيل العمل العربي المشترك ” |
إلا أن ما شهده مؤتمر وزراء الخارجية العرب أوضح أنه من الصعوبة بمكان الخروج بمثل هذا الموقف، كما عمق الخلاف بين الدول العربية حيث انقسمت إلى معسكرين معسكر تقوده مصر والسعودية ومعسكر آخر تقوده سوريا، فمصر والسعودية ودول الخليج الأخرى أرادت أن تكون الرسالة موجهة إلى العراق وتطالب الرئيس العراقي صدام حسين بالتعاون مع مفتشي الأسلحة، فيما كانت تريد سوريا أن يتم توجيه مثل تلك الرسالة إلى واشنطن لتظهر المعارضة العربية لشن حرب على العراق وللسياسات الأميركية المتبعة في المنطقة والمنحازة لإسرائيل.
ولم يسفر مؤتمر الوزراء العرب عن أي شيء سوى صدور بيان أثار جدلا وخلافا بين الدول العربية أكثر مما وحد موقفها تجاه القضية العراقية، إذ نص البيان على الامتناع عن تقديم أي نوع من التسهيلات للقوات الأميركية بالرغم من صعوبة التزام بعض الدول العربية بذلك.
القمة الدورية.. الخلاف قبل البدء
كان اقتراب موعد انعقاد القمة الدورية أحد أسباب عدم حماس بعض الدول العربية لعقد قمة طارئة لبحث القضية العراقية، إلا أن تلك القمة لا يبدو أنها ستقدم الكثير على طريق نزع فتيل الأزمة أو إظهار موقف موحد من الموقف الأميركي ضد العراق.
” حاول السعوديون إقناع صدام بالتخلي عن الحكم والتوجه إلى أي دولة يختار حتى لو كانت السعودية ذاتها وفقا لما تقوله محطة ايه بي سي نيوز الأميركية ” |
فالقمة تشهد خلافات قبل انعقادها إذ من غير المتوقع أن لا تمتد الخلافات التي حدثت في مؤتمر وزراء الخارجية العرب لتصل إلى القمة الدورية وتلقي بظلالها على أعمال تلك القمة، فمصر التي دعمت الموقف الخليجي في اجتماع وزراء الخارجية العرب ترى أن "العراق بلد شاسع جدا.. وأن عدد المفتشين الدوليين لن يكون كافيا، ويجب أن يكون العراقيون هم من يعلنون: لدينا هذه التجهيزات وهي موجودة في هذا المكان" وذلك حسب تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة لو فيغاروا الفرنسية، وهو الموقف ذاته الذي كان محور الخلاف في اجتماع الوزراء العرب.
كما أن خلافا جديدا ظهر على السطح بعد الطلب العراقي بتأجيل موعد انعقاد القمة لتعقد في نفس اليوم الذي سيقدم فيه رئيس فرق التفتيش هانز بليكس تقريره إلى مجلس الأمن وهو ما يشير إلى تخوف العراق من أن لا تصدر عن القمة قرارات تدعم الموقف العراقي في مواجه أميركا الأمر الذي سيشجع الإدارة الأميركية على اتخاذ قرار الحرب بعد تقديم تقرير لجان التفتيش مهما تضمن التقرير الذي لا يعتقد أنه سيكون ايجابيا، خصوصا بعد رفض الرئيس العراقي تدمير صواريخ الصمود2 التي طالب بليكس بتدميرها. وقد دعمت عدد من الدول العربية الاقتراح العراقي..
فيما مصر التي تخلت لها البحرين عن مكان عقد الاجتماع تصر على ضرورة عدم تأخير عقد القمة أكثر من ذلك لحساسية الوضع في المنطقة وضرورة بحث القضية العراقية، وهي مصممة على عقد القمة بمن حضر كما تشير مصادر عربية.
حتى لو تم تجاوز تلك الخلافات فإن من الصعوبة بمكان التغاضي عن الوجود الأميركي في دول الخليج العربي والتي ستكون منطلقا للقوات الأميركية في عدوانها على العراق، فكيف ستواجه الدول الخليجية ذلك الموقف؟ إذ ستكون مشتته بين رغبتها تجنيب الشعب العراقي والمنطقة الحرب وبين اتفاقات تم تكبيلها بها بعد أن أصابها الذعر من تهور صدام.
بالنظر إلى تاريخ القمم العربية والقرارات الصادرة عنها يمكن القول إن القمة العربية لن تخرج بموقف حازم يشعر الإدارة الأميركية أن الدول العربية لن تسمح لها بشن عدوان على دولة عربية، وأن الموقف العربي بات داعما للموقف الأوروبي، فالدول العربية ستحضر القمة دون وجود قواسم مشتركة بينها حول كيفية التعامل مع القضية العراقية ولا توجد لديها مبادرة محددة وواضحة لحل تلك الأزمة تكون منطلقا لتفعيل العمل العربي المشترك أيا كانت نتائج القمة العربية التي لا يتوقع أن تزيد على بيان يدعو العراق للتعاون مع فرق التفتيش ويعارض شن أي حرب على بلد عربي، ولكن هل يريد النظام السياسي العربي تفادي الحرب وعدم إفساح المجال لأميركا لتهدد أمن أي دولة عربية أم أنهم لا يمانعون من أن يتوجه الجيش الأميركي للعراق لتنهي قضية طالما أرقت مضاجعهم؟.
العرب والتخلص من صدام
” اقترح ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز على الولايات المتحدة سرا أن تقوم السعودية بقيادة تحالف من الدول الإسلامية للسيطرة على العراق بعد إسقاط صدام لحين تشكيل قيادة عراقية جديدة على أن تلعب تركيا دورا قياديا في هذا التحالف ” |
لا تنكر معظم الدول العربية أنها تفضل التخلص من صدام حسين، حسبما يرى عبد الله بشارة الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي من أن "الجميع بالخليج سيكون مرتاحا لتغيير النظام في العراق إلا أن أحدا لن يؤكد ذلك علنا"، فهي لا تريد أن يفسر موقفها هذا على أنها خضعت للضغوط الأميركية وخالفت ثوابتها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.
إلا أن الدول العربية تدرك أن رياح التغيير التي تهب من واشنطن تجاه بغداد قد تهب على عواصم عربية أخرى خصوصا مع تزايد الحديث في واشنطن عن وجوب تغير أنماط الحكم في المنطقة العربية وإقامة ناظم سياسي واقتصادي جديد يقلل الخطر الذي تشعر بعه واشنطن في المنطقة العربية، لذا فان محاولات عربية لمنع الحرب وإيجاد سبل بديلة عنها أبرزها التحركات السعودية التي هدفت إلى تجنب الحرب هدفت بالوقت ذاته إلى مسايرة المطالب الأميركية بتغيير نظام صدام حسين، فقد نشرت مجلة التايمز الأميركية قبل شهر أن وزير الخارجية السعودي حاول التوصل مع أعضاء مجلس الأمن إلى صيغة قرار للعفو عن قادة عسكريين عراقيين يكون الهدف منه إحداث تمرد في صفوف الجيش العراقي لينقلب على صدام حسين. كما حاول السعوديون إقناع صدام بالتخلي عن الحكم والتوجه إلى أي دولة يختار حتى لو كانت السعودية ذاتها وفقا لما تقوله محطة ايه بي سي نيوز الأميركية.
غير أن تلك المساعي لم تسفر عن شيء يذكر وأصبح لزاما على العرب القبول بالتوجه الأميركي مع محاولة تخفيف آثاره، لذا فإن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز اقترح على الولايات المتحدة سرا أن تقوم السعودية بقيادة تحالف من الدول الإسلامية للسيطرة على العراق بعد إسقاط صدام حسين لحين تشكيل قيادة عراقية جديدة على أن تلعب تركيا دورا قياديا في هذا التحالف، في محاولة منه إلى التخفيف من تبعات هذا الأمر الذي سيؤثر على المنطقة نتيجة تنحى صدام
وسواء صحت تلك الأنباء أو لم تصح فإنها تبقى مؤشرا حقيقيا على رغبة الدول العربية في تجب الحرب أو التقليل من آثارها ورغبتها في التخلص من صدام حسين في ذات الوقت.
إعادة العراق إلى الصف العربي
كان بإمكان الدول العربية تجنب ما هو حاصل الآن، وإعادة العراق إلى الصف العربي، وذلك باعتمادها عدة خطوات أبرزها:
- خرق الحصار المفروض على العراق منذ ثلاثة عشر عاما، فعراق العام 90 لم يعد هو عراق العام 2003 وهو ما سيجعل العرب يحصلون على ضمانات حقيقة من صدام حسين بعدم تهديد أمن الكويت مرة أخرى.
- عقد القمة العربية في بغداد، للتأكيد على الوقوف مع العراق في مواجهة أميركا.
- تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي لم تطبق منذ التوقيع عليها، وإرسال أعداد رمزية من الجيوش العربية إلى كل من بغداد والكويت.
عدم السماح للولايات المتحدة بزيادة عدد قواتها في منطقة الخليج.”
يجب على النظم السياسية العربية أن تتخلى عن سياسة ردود الفعل والاستكانة التي تنتهجها حتى يكون لها الدور الأساسي في صياغة المنطقة على أسس جديدة وإلا سيطرت القوى الخارجية الكبرى على المنطقة
”- بدلا من طرح خيار مغادرة صدام للسلطة طوعا، كان من الأجدى أن تسعى الدول العربية لرعاية مصالحة وطنية في العراق، بين الحكومة العراقية والمعارضة العراقية.
لا يمكن التعويل كثيرا على اتخاذ النظام السياسي العربي خطوات كهذه، لذا فانه لا يبدو أن العرب سيكون لهم دور في تحديد ما ستقوم به الولايات المتحدة تجاه العراق أو ما ستؤول إليه الأمور في عراق ما بعد الحرب.
ولكن يجب على النظم السياسية العربية أن تتخلى عن سياسة ردود الفعل والاستكانة التي تنتهجها حتى يكون لها الدور الأساسي في صياغة المنطقة على أسس جديدة وإلا سيطرت القوى الخارجية الكبرى على المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.