الأزمة العراقية – الأميركية والمواقف الدولية


undefined

بقلم: الدكتور الحسان بو قنطار *


-أولا: دول الجوار.. الخيارات الصعبة
ثانيا: الدول الدائمة العضوية وألمانيا

تتزايد المؤشرات التي توحي أن الولايات المتحدة مصرة على شن الحرب على العراق.. فالاستعدادات العسكرية قائمة على قدم وساق، بحيث بات هناك اعتقاد سائد أن الأمر يتعلق بمسألة وقت أكثر مما يرتبط بالقرار نفسه. وفي الوقت الذي تستمر فيه الإدارة الأميركية في البحث عن الذرائع لتوجيه ضربة ضد بغداد بتزكية ومباركة عالمية، تنتاب العالم حالة من القلق من جراء الانعكاسات المحتملة لمثل هذه المواجهة سواء منها الاقتصادية أو الجيو سياسية.

فالعالم يطرح تساؤلات حول مدى التدخل العسكري الأميركي في حالة تحققه، ومراميه الحقيقية أي غير المعلنة، وكذلك ماهي الانعكاسات المحتملة سواء على الجوار المباشر للعراق، أو على التوازنات الكبرى في المنطقة التي تشهد بحكم تشكلها تمايزات متنوعة ومصالح متضاربة ومصادر مختلفة للاضطراب والصراع.

وفي الواقع، فإن استعراض وتحليل سلوك بعض الدول المعنية يجعلنا أمام ثلاث فئات تتفاوت في إدراكها وتأثرها بتداعيات المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة والعراق:


  • undefinedفهناك أولا الدول المرتبطة بعلاقات الجوار مع العراق، وهي المتمثلة في الدول الخليجية العربية وإيران وتركيا .
    وهذه المجموعة تتميز في كونها -إذا استثنينا إيران- مؤهلة أن تقدم الأرضية اللوجيستية لضربة أميركية محتملة، من خلال إيوائها لقواعد أو أراض لا ريب في استعمالها من طرف القوات الأميركية.
  • وهناك المجموعة الثانية التي تتأثر حتما بتداعيات هذا النزاع وترتبط بشكل مباشر بصراع لا يقل أهمية، وهو ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي يتسم بالغطرسة الصهيونية في إهدار الحقوق الفلسطينية وتطلعها لضربة ضد العراق تزيد من اختلال التوازن لصالحها.
  • وأخيرا المجموعة الثالثة، وتضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، والتي استمرت في مقاربة الملف العراقي من زاوية متميزة عن الطرح الأميركي. وهي أساسا تطرح تساؤلات حول مستقبل مصالحها بالخصوص في حالة إقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة شاملة للعراق، وكذلك مستقبل موقعها في النظام الدولي برمته في ظل الغطرسة الأميركية الهادفة الى الاستئثار بتدبير الأزمات العالمية .

أولا: دول الجوار.. الخيارات الصعبة


يبدو واضحا أن تأثير الدول العربية الخليجية في تفادي ضربة عسكرية يبقى جد محدود. بل أكثر من ذلك قد لا يمكن لها منع استعمال أراضيها من طرف القوات الأميركية طالما أنها أبرمت معاهدات فتحت بموجبها الباب أمام الوجود الأميركي

ضمن هذه المجموعة التي تتضمن دول الجوار القريب الذي يتفاعل بشكل مباشر مع تداعيات المنطقة، يمكن أن نسجل أن كل هذه الدول تنتمي بشكل واسع للمنظومة الإسلامية. وتتفق جميعا في ضرورة العمل على حل هذه الأزمة بالطرق السلمية، أي إعطاء الأولوية لمجلس الأمن لوضع شروط التعامل معها. لكنها تختلف بشكل واضح في نقط متعددة، بل أكثر من ذلك في طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

  • الدول العربية الخليجية

منذ انذلاع أزمة الخليج الثانية، فقد باتت كل الدول الخليجية تؤوي قواعد أميركية. وليس مستبعدا أن تكون منطلقا للهجوم على العراق. ويشكل هذا الأمر حرجا كبيرا لها، لكنها تدرك جيدا في ظل الوضعية القلقة أنه لا يمكن لها الاستغناء عن الوجود الأميركي في المنطقة لضمان أمنها. فهناك مخاطر متعددة في هذا المحيط القلق بفعل موقعه الإستراتيجي، تغذيها الولايات المتحدة لتأبيد حضورها المادي في هذا الفضاء. لكن هذا القاسم المشترك لا ينفي وجود تمايزات بين الأطراف الخليجية في تدبير هذه المشكلة.

1- الكويت
فالكويت التي عانت من الغزو العراقي لها لا تطرح نقاشا كبيرا حول السماح للولايات المتحدة باستعمال أراضيها لشن الحرب على العراق.. وبصفة عامة يقوم الموقف الكويتي على العناصر التالية:



  • واضح أن الموقف الكويتي مازال محكوما بمخلفات الاجتياح الكويتي للبلاد في أغسطس 1990، وهو بذلك قد ينظر بعين الارتياح إلى كل عملية تستهدف إسقاط النظام الذي ساهم في غزوه

    أولا

    : إن الوجود العسكري الأميركي والبريطاني هو نتاج لمعاهدة أبرمت بين هذا القطر وتلك الدول، ومن بينها تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن لحماية أراضيها. فهي تندرج ضمن أعمال سيادتها التي تسمح لها بالدفاع عن استقلال وحرمة أراضيها ضد أي خطر خارجي.
  • ثانيا: إن الكويت ملتزمة بأي قرار يصدر عن مجلس الأمن في إطار الفصل السابع. فهي التي تم تحريرها بفضل قرارات مجلس الأمن ولا يمكن لها أن تتنكر لها إذا كانت تزكي الهجوم على العراق.
  • ثالثا: إن الجيش الكويتي لن يشارك بشكل مباشر في قوات التحالف للحرب ضد العراق في حالة وقوع مواجهة عسكرية. لكن الكويت لا يمكن لها أن تمتنع عن تقديم تسهيلات ومساعدات للقوات الأميركية في حربها المحتملة ضد العراق، لأن "الولايات المتحدة سبق أن أرسلت أبناءها وقواتها إلى الكويت مواجهين خطر الموت من أجل تحرير البلاد من الغزو والاحتلال العراقي" [تصريح لمسؤول كويتي منشور في جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2002 ص 1 و37 ] .

واضح أن الموقف الكويتي ما يزال محكوما بمخلفات الاجتياح العراقي للبلاد في أغسطس/ آب 1990. وهو بذلك قد ينظر بعين الارتياح إلى كل عملية تستهدف إسقاط النظام الذي ساهم في غزوه.


يبقى الموقف السعودي صعبا، فهامش المناورة يظل ضيقا، فمن الناحية الاقتصادية قد تقبل الرياض على الرفع من إنتاجها البترولي درءا لكل ارتفاع في الأسعار قد يزيد من مصاعب الاقتصاد العالمي، ويحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك

2- السعودية
ربما تميزا عن هذا الموقف الكويتي، تحاول المملكة العربية السعودية تمرير خطاب أكثر استقلالية عن أميركا. وحسب تصريحات مسؤوليها فإنها ترفض استخدام القواعد العسكرية الموجودة فوق ترابها لضرب العراق، حتى ولو صدر قرار من مجلس الأمن بذلك. ويتعلق الأمر أساسا باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية في العمليات العسكرية ضد العراق. وهو الأمر الذي ردده بعض المسؤولين الأميركيين.

إن هذا الموقف السعودي المتحفظ يستند إلى مبررات موضوعية، من بينها أن العلاقات السعودية الأميركية قد تدهورت منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. حيث تنامت الانتقادات الموجهة للسعودية، والتي تحاول أن تعتبرها مفرخة للإرهاب وهي تستند في ذلك إلى وجود 14 سعوديا من بين الـ 19 المشتبه في قيامهم بتفجيرات 11 سبتمبر 2001. بل ذهبت إلى حد توريط بعض الأمراء السعوديين في تمويل العمليات الإرهابية. و قد وصل بعض المحللين القريبين من الإدارة الأميركية -كما هو الأمر بالنسبة لصاحب التقرير الشهير مورورا- إلى الدعوة إلى اعتبار السعودية بمثابة عدو.

وإذا كانت دوائر القرار الأميركية لم تذهب إلى حد تبني مثل هذه الأطروحات والتحليلات، فإن دعوتها إلى إدخال إصلاحات سياسية على النظام -كما هو الأمر بالنسبة لمبادرة كولن باول الأخيرة- لا تجد ارتياحا كبيرا في السعودية. ومن هذا المنطلق ربما يعتقد المسؤولون السعوديون أن كل مباركة للسياسة القوية للولايات المتحدة قد تصطدم بالسخط الشعبي الذي ينتقد سياسة الكيل بالمكيالين والتكالب على المسلمين، بل ربما يدرك هؤلاء أن هذه الحرب المحتملة بمثابة مواجهة بين المسيحيين والمسلمين.

لكن الموقف السعودي يبقى صعبا، فهامش المناورة يظل ضيقا. فمن الناحية الاقتصادية قد تقبل السعودية على الرفع من إنتاجها البترولي درءا لكل ارتفاع في الأسعار قد يزيد من مصاعب الاقتصاد العالمي، ويحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك. وعلينا أن نتذكر أن السعودية قد أقدمت على ذلك في خضم الحرب في أفغانستان .

أما من الناحية العسكرية، فيطرح السؤال حول معرفة حدود مراقبة السعوديين للتحركات الأميركية ضمن القواعد الموجودة. وقد يكون من الصعب على السعودية في حالة اندلاع المواجهات ألا تسمح بتمكين الأميركيين ببعض التسهيلات اللوجستيكية لتنفيذ عملياتهم ضد العراق. ومن الناحية السياسية تدرك القيادة السعودية أنه لا يمكن لها أن تعارض كثيرا الإرادة الأميركية، لأنه في حالة تحقيق الولايات المتحدة لانتصار وبالتالي احتلالها للعراق، فإنها قد تزيد من ضغوطها على السلطات السعودية للقيام بإجراءات قد تكون لا شعبية، لمحاربة ما تسميه الولايات المتحدة الشبكات الإرهابية التي تعتبر السعودية أنها قامت بمحاربتها من خلال تجميد عدد من الحسابات البنكية، وكذلك استنطاق عدد من المشكوك في انتمائهم لمثل تلك الشبكات.

بصفة عامة يبدو واضحا أن تأثير الدول العربية الخليجية في تفادي ضربة عسكرية يبقى جد محدود. بل أكثر من ذلك قد لا يمكن لها منع استعمال أراضيها من طرف القوات الأميركية، طالما أنها أبرمت معاهدات فتحت بموجبها الباب أمام الوجود الأميركي. وقد كان وزير خارجية قطر واضحا في هذا الإطار، عندما صرح على هامش القمة الخليجية الأخيرة الدورة الـ 23 التي انعقدت بالدوحة يومي 21 و22 ديسمبر الماضي، فأكد أن كافة الدول الخليجية قد سبق لها إبرام معاهدات عسكرية مع الولايات المتحدة [أنظر نص الندوة في جريدة الأنباء الكويتية بتاريخ 23 ديسمبر 2002]. ومن ثم فإن تأكيد القمة الخليجية الأخيرة على ضرورة احترام وحدة واستقلال العراق لا يخرج عن المواقف المكررة للمنتظم الدولي بما فيها الولايات المتحدة التي تمارس ممارسة أخرى.

  • إيران وتركيا

تعتبر تركيا من الدول التي تعول عليها الولايات المتحدة كثيرا لشن هجوم على العراق. وهي تمثل أحد الحلفاء الإستراتيجيين داخل حلف الناتو. وفي محاولة لضمان مساهمتها في خططها الحربية، سعت الولايات المتحدة لدى الدول الأوروبية لقبول تركيا عضوا داخل الاتحاد. لكن هذا المسعى لم يكتب له التوفيق، وربما كان هذا الضغط من العوامل التي جعلت الأوروبيين يؤخرون التفكير في فتح مفاوضات مع تركيا قد لا تدخل هذه الأخيرة إلا بعد عشر سنوات.


لمحاولة التخفيف من حدة الضغوط الأميركية يحاول الأتراك تبني سياسة انتظارية تسعى إلى انتظار تقرير مفتشي الأسلحة لمعرفة موقف مجلس الأمن

المخاوف التركية
وإذا كانت الولايات المتحدة تملك قواعد عسكرية في تركيا، فإن هذه الأخيرة لا تشاطر كلية التصور الأميركي لتدبير النزاع مع العراق. وتتلخص مخاوف تركيا في شيئين أساسيين:

  • أولا: الانعكاسات المحتملة على اقتصاد تركيا. فهي كانت من الدول التي تضررت كثيرا من الحظر الشامل المضروب على العراق، حيث كانت هذه الأخيرة بمثابة حليفها الاقتصادي الرئيسي قبل نشوب أزمة الخليج. ويعتبر الأتراك أنه على خلاف الوعود التي قدمت إليهم، فإنهم لم يتلقوا فعليا إلا جزءا يسيرا. وفي هذا السياق تسعى تركيا إلى التفاوض للحصول على مساعدات مالية، تدعم برنامجها القاضي بإنعاش الاقتصاد بعد النكسة التي تعرض لها.
  • ثانيا: المسألة الكردية، فتركيا تتخوف من أن التدخل الأميركي قد يؤدي إلى تقسيم العراق، أو قد يخلق حالة من الفوضى قد تعطي الفرصة لأكراد العراق بتكوين دولة في الشمال. وهو ما قد يشجع أكراد تركيا على تعزيز مطالبهم، أو العمل على تسريب أكراد مقاتلين من حزب العمال الكردستاني إلى البلاد للقيام بعمليات قد ترجع البلاد إلى وضعها ما قبل اعتقال الزعيم أوجلان والحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وتقلق المسألة الكردية تركيا، خاصة أنها تحاول من خلال الإصلاحات الديمقراطية إيجاد تسوية لهذه المسألة في إطار الوحدة التركية. وعلاوة على ذلك قد تعمل تركيا على نشر عدد من قواتها إلى جانب قوات التحالف شمالي العراق، منعا لتدفق اللاجئين ومنع حدوث كل ما من شأنه أن يضر بمصالحها.

ولمحاولة التخفيف من حدة الضغوط الأميركية يحاول الأتراك تبني سياسة انتظارية تسعى إلى انتظار تقرير مفتشي الأسلحة لمعرفة موقف مجلس الأمن. وبالتالي تحديد الموقف النهائي، والذي لا يمكن له إلا أن يأخذ بعين الإعتبار مدى إصرار الولايات المتحدة على المضي في تنفيذ سياستها العدوانية ضد العراق. وبحكم علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، فإن ما هو أساسي بالنسبة لتركيا هو محاولة التخفيف من الانعكاسات، وربما الحصول على امتيازات في حالة قيام مواجهة مسلحة.


تنظر إيران بالكثير من الريبة لإمكانية تدخل عسكري أميركي في المنطقة، فهي إذا كانت تبارك كل محاولة للإطاحة بنظام صدام حسين الذي تعتبره مسؤولا عن الحرب بين الدولتين والتي خلفت ما يناهز المليون قتيل وكذلك شخصا انتهازيا لا يحترم أي ميثاق، فإنها على شاكلة تركيا تتخوف من المسألة الكردية

إيران.. والعدُوان
يختلف الوضع مع إيران. فمنذ وصول الرئيس محمد خاتمي، بدا وكأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تسير نحو التحسن. فموضوعيا شروط اللقاء بينهما موجودة في هذا الملف، لكون العراق يعتبر عدوا مشتركا لهما. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فالعلاقات مع أميركا تدخل ضمن دائرة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين. بل إن هامش هؤلاء في تدبيرها يبدو ضعيفا. فالمحاولات التقاربية التي أبداها الإصلاحيون سرعان ما تم إجهاضها.

وإذا كانت إيران قد لينت موقفها خلال حرب أفغانستان، حيث عمدت بفعل عدائها لنظام طالبان إلى مطاردة أنصار القاعدة الفارين إلى ترابها، فإن العلاقات الأميركية الإيرانية لم تتحسن بفعل اختلاف وجهات النظر، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومساندة إيران لحركات لبنانية تعتبرها أميركا إرهابية. وقد ساءت العلاقات عندما صنف الرئيس الأميركي جورج بوش إيران ضمن دول محور الشر، رافضا بذلك التمييز بين الإصلاحيين والمحافظين، ومطالبا إيران بمواءمة سياستها للقبول بالمخططات الأميركية والإسرائيلية في الملفات الحساسة. ومن ثم فقد توسعت دائرة الاختلاف بين الدولتين في إدراك قضايا المنطقة، كما هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ومن ثم فإن إيران تنظر بالكثير من الريبة لإمكانية تدخل عسكري أميركي في المنطقة. فهي إذا كانت تبارك كل محاولة للإطاحة بنظام صدام حسين الذي تعتبره مسؤولا عن الحرب بين الدولتين والتي خلفت ما يناهز المليون قتيل، وكذلك شخصا انتهازيا لا يحترم أي ميثاق [أنظر تصريح نائب رئيس مجلس البرلمان الإيراني نشرته صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 6 ديسمبر 2002]، فإنها على شاكلة تركيا تتخوف من المسألة الكردية، والتي قد تتأجج بفعل المساندة الأميركية إلى جانب الأغلبية الشيعية التي لا يعرف أي أحد مصيرها في حالة قيام حرب في العراق وانهيار النظام الحالي. لكن أكثر من ذلك هناك من يعتبر أن إيران هي الحلقة المقبلة في مسلسل إعادة تشكيل العالم الذي تقوده الولايات المتحدة. فاحتلال أميركا للعراق يعني زيادة الطوق على النظام الإيراني الذي لا تخفي الإدارة الأميركية رغبتها في سقوطه. ومن ثم فإن السؤال الأساسي فيما يتعلق بإيران هو معرفة ما إذا كانت حرب محتملة بإمكانها أن تغير التوازنات الداخلية، وتعطي دعما لجناح على حساب جناح آخر، أم أنها ستذهب أبعد من ذلك إلى حد تشكيل خطر فعلي على النظام الإيراني برمته.

  • الأردن وسوريا ومصر


يتخوف الأردن أكثر من الانعكاسات المحتملة على اقتصاده الذي يرتبط كثيرا بالمبادلات مع العراق، والذي بدأ يسترجع نوعا من عافيته -كما تدل على ذلك الأرقام- بعد المصاعب التي واجهها من جراء أزمة الخليج الثانية، والحظر الشامل المضروب على العراق

ثلاث دول عربية تظل معنية بشكل واضح بتداعيات كل حرب محتملة بين الولايات المتحدة والعراق. و هي الأردن وسوريا ومصر. وهي في نفس الوقت معنية بالصراع الدائر في الشرق الأوسط نتيجة سياسة الغطرسة التي تمارسها حكومة شارون بنوع من غض الطرف الأميركي. بصفة إجمالية ترفض هذه الدول الثلاث مساندة المخططات الأميركية في المنطقة.

1- الأردن
ويتخوف الأردن أكثر من الانعكاسات المحتملة على اقتصاده الذي يرتبط كثيرا بالمبادلات مع العراق، والذي بدأ يسترجع نوعا من عافيته -كما تدل على ذلك الأرقام- بعد المصاعب التي واجهها من جراء أزمة الخليج الثانية، والحظر الشامل المضروب على العراق. لكن بصفة عامة، فإن الولايات المتحدة تدرك جيدا دقة الموقف الأردني. ويمكن القول إنه بالنسبة لهذا البلد العربي المجاور للعراق، فإن الأمر قد يقتصر على كيفية تدبير الانعكاسات الإنسانية لمواجهة محتملة، لا سيما إذا طالت وخلفت خسائر مادية وبشرية قد يصعب التحكم فيها.

2- سوريا
بالرغم مما يبدو من توتر ظاهري في العلاقات السورية الأميركية، فإن هناك مؤشرات واضحة على وجود نوع من التواصل يرتكز على حماية مصالح الطرفين. صحيح أن الخارجية الأميركية ما زالت تدرج سوريا ضمن الدول الإرهابية. لكن في الواقع فإن سوريا بتقاليدها البرغماتية تسعى إلى عدم إقرار القطيعة مع الإدارة الأميركية، وحتى في صراعها مع إسرائيل فقد حرصت دائما على ألا تتحول أراضيها إلى منطلق للقيام بعمليات ضد الدولة العبرية.


تسعى السياسة السورية إلى نوع من التوازن، ففي الوقت الذي تحاول تذليل الحواجز مع أميركا، فهي ترفض سياسة الانحياز التي تمارسها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل وضد الشرعية الدولية، كما ترفض سياسة الكيل بالمكيالين الهادفة إلى شن العدوان على العراق

وهناك تعاون سوري واضح لمحاربة شبكات الإرهاب ومنها القاعدة. وهو أمر يساير التصور الأميركي والأممي، من خلال إعطاء فعالية لمحتوى القرارات التي أصدرها مجلس الأمن كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر 2001 . في نفس السياق فقد صوتت سوريا لصالح القرار الأممي 1441، وهو الأمر الذي اعتبر مؤشرا واضحا على تفضيل سوريا الانخراط في الاتجاه القاضي بمنع المواجهة، أكثر من الإصرار على موقف يعطي الأولوية للاعتبارات القومية بدون فعالية.

وتسعى السياسة السورية إلى نوع من التوازن. ففي الوقت الذي تحاول تذليل الحواجز مع أميركا، فهي ترفض سياسة الانحياز التي تمارسها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل وضد الشرعية الدولية. كما ترفض سياسة الكيل بالمكيالين الهادفة إلى شن العدوان على العراق، رغم التزامه بالقرار 1441 الذي صوتت سوريا لصالحه. لكن بالمقابل فإنها عملت كذلك على إنماء علاقاتها مع بغداد، وكذلك تقوية أواصرها مع المعارضة العراقية التي تملك مكاتب في العاصمة السورية.

وبصفة عامة لا يمكن لسوريا إلا التشبث بموقف يدعو إلى تسوية هذه الأزمة بطرق سلمية، قد تساهم في مزيد من إضعاف الرئيس العراقي. لكنها تتخوف في نفس الوقت من الانعكاسات السلبية على اقتصادها، في حالة وقوع مواجهة قد تدوم لمدة أطول. علاوة على ذلك فإنها تتخوف من الاختلالات الإستراتيجية التي قد تكون في صالح إسرائيل.. وأخيرا وكما هو الأمر بالنسبة لإيران وتركيا، فإن احتمال قيام دولة كردية في العراق قد يفضي إلى خلق لا استقرار بفعل الوجود الكردي في الدول الثلاث.


ما بين الضغوط الأميركية وردود الفعل الجماهيرية، يبقى السِؤال مطروحا حول نوعية الموقف المصري ودرجة مشاركته في حالة اندلاع المواجهة المحتملة بين الطرفين

3- مصر
أخيرا فإن مصر أكبر دولة عربية محتضنة للجامعة العربية ومستفيدة من المعونات الأميركية، إذا كانت قد ساندت التحالف الأميركي لتحرير الكويت من الاجتياح العراقي، فإنها تجد اليوم نفسها على شاكلة الدول الأخرى في موقف يفرض عليها الكثير من الحذر للتفاعل مع الأحداث. بصفة إجمالية، فهي ترفض المقاربة الأميركية الرامية لاستعمال القوة ضد العراق.. وترفض بالتالي استعمال الأراضي العربية لممارسة أي عدوان أجنبي. يتعزز موقفها بكون هذا الأخير التزم بمقررات الأمم المتحدة الرامية إلى تجريده من أسلحة الدمار الشامل، وفتح أبوابه للتفتيش، بل لم يعد يتحدث عن تهديد أمن جيرانه. وفضلا عن ذلك فإن قيام حرب قد يفقد مصر ما بين 6 و8 مليارات دولار، بسبب انعكاسها على السياحة والصادرات وعائدات قناة السويس. مما قد يزيد من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية.


undefinedلكن مصر في حالة قيام عدوان أميركي، فإنها ستهتم أكثر بتدبير ردود الفعل الداخلية وتأطيرها بشكل معقول، لا سيما أن السخط على الممارسات الأميركية باد وواضح في العالم العربي والإسلامي بفعل السياسة الأميركية المنحازة لإسرائيل، والتي لا تتردد في إيجاد المبررات لها لقمع المقاومة الفلسطينية. ومن ثم فإن عمليات انتقامية ضد المصالح الأميركية ليست مستبعدة. لكن ما بين الضغوط الأميركية وردود الفعل الجماهيرية، يبقى السِؤال مطروحا حول نوعية الموقف المصري ودرجة مشاركته في حالة اندلاع المواجهة المحتملة بين الطرفين؟

سواء تعلق الأمر بدول المجموعة الأولى أو الثانية، وبالرغم من تباين مواقفها بفعل درجة انخراطها في الإستراتيجية الأميركية، فإنها تدرك جيدا أن هامش تأثيرها لمنع الحرب يبقى محدودا. فالسؤال الذي يقلقها بصيغ متنوعة هو معرفة تأثير مواجهة محتملة على التوازنات الإستراتيجية في هذه المنطقة، ومن سيكون المستفيد الحقيقي من تداعياتها. وهي بذلك تنتظر ماذا ستسفر عنه المحاولات التي تقوم بها الدول الدائمة داخل مجلس الأمن، والتي تسعى إلى إعطاء الطرق الدبلوماسية كافة الفرص من أجل تجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر حرب لا تخدم مصالحها.

ثالثا: الدول الدائمة العضوية وألمانيا

1- فرنسا
توجد فرنسا في مقدمة الدول المتميزة عن السياسة الأميركية إزاء العراق. وبصفة إجمالية فهي تستمد موقفها من سياستها العربية التي دافع عنها الراحل شارل ديغول بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في يونيو 67. وهي تنخرط ضمن سياسة الاستقلال الوطني في مواجهة الهيمنة الأميركية. ودون الرجوع إلى كافة المراحل التي قطعتها هذه السياسة، والتي يمكن التعمق فيها من خلال الرجوع إلى كتابنا "السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الوطن العربي منذ 1967" (الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1987)، يمكن القول إن السياسة الفرنسية تنخرط اليوم ضمن تصور شامل للعلاقات الدولية، يرمي إلى إعطاء الأولوية للميكانيزمات السلمية من أجل دفع الدول إلى الالتزام بالشرعية الدولية. وهي بالتالي تعتبر أن الميكانيكية الحربية لا يمكن اللجوء إليها إلا في آخر المطاف كشر لا بد منه، إذا تبين بوضوح أن الطرق الدبلوماسية قد تم استنفادها.


توجد فرنسا في مقدمة الدول المتميزة عن السياسة الأميركية إزاء العراق، وبصفة إجمالية فهي تستمد موقفها من سياستها العربية التي دافع عنها الراحل شارل ديغول بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في يونيو 67

وفي حالة العراق تشعر فرنسا بالانزعاج لهذا الإصرار الأميركي على العدوان على العراق. وهي ترفض بذلك استئثار الولايات المتحدة بإدارة أزمة تعتبر من اختصاص الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن. وقد اعتبر الرئيس الفرنسي خلال ندوة صحفية مشتركة مع المستشار الألماني أن كل حرب ضد العراق ينبغي أن يقررها مجلس الأمن. ففرنسا كقوة كبرى -وإن كانت غير عظمى- ليست في العمق ضد عمل عسكري ضد نظام صدام حسين، لكنها متشبثة بشيئين، هما أولا ضرورة أن يقوم توافق بين مختلف المكونات المهتمة بمراقبة نزع السلاح العراقي: هيئة المفتشين بقيادة هانز بليكس والوكالة الدولية للطاقة الذرية وأخيرا مجلس الأمن، على ضوء هذه التقارير التي ينبغي أن تتضمن حججا دامغة على مخالفة العراق لمقتضيات القرار 1441. ثانيا إن مشاركة فرنسا أو عدم مشاركتها المادية في عمل عسكري تبقى مرتبطة بقرار مجلس الأمن.

وفي الواقع فإن الموقف الفرنسي يتغذى من عدة اعتبارات، منها ما يرتبط بضعف المبررات الأميركية لضرب العراق. فقد بدا التناقض واضحا على الموقف الأميركي. فتارة يتحدث عن ضرورة تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل قد تسلمها لجماعات إرهابية تهدد الأمن الأميركي، وتارة يتحدث عن ضرورة إنهاء حكم نظام غير ديمقراطي. ثانيا وعلى خلاف حالات أخرى كما هو الأمر في كوسوفو، التي كان الهدف منها هو المحافظة على الاستقرار، فإن هناك تخوفات واضحة من أن التدخل الأميركي سيؤدي إلى زعزعة هذا الاستقرار، وبالتالي يدخل المنطقة في زوبعة الاضطراب [أنظر مثلا موقف بعض المحللين الفرنسيين النافذين في جريدة لوموند بتاريخ أول يناير 2003 ].

وإذا كان الموقف الفرنسي يبقى متشبثا في العمق بضرورة استبعاد الحل العسكري، فهو يدرك أن مصالحه قد تصبح مهددة في حالة تفرد الولايات المتحدة بشن الحرب والإفلاح في تحقيق أهدافها. ومن ثم فإن لعبة شد الحبل ستظل مستمرة. ولا شك في أن موضوع تقرير لجنة التفتيش وتطور الموقف الأميركي قد يلين في هذا الاتجاه أو ذاك من موقف فرنسا التي تترأس مجلس الأمن، والتي قد تسعى بمساندة ألمانيا والدول الدائمة العضوية إلى استصدار قرار جديد قد يعطي شرعية للحرب ضد العراق، وبالتالي قد ينقذ ماء الوجه لفرنسا التي تدرك أن السياسة الأميركية المتغطرسة والماضية قدما لا تترك أمامها هامشا كبيرا لتنفيذ خياراتها الدبلوماسية والسلمية.

2– روسيا
تدرك روسيا جيدا أنها فقدت منذ انهيار المعسكر الاشتراكي الكثير من مقومات القوة التي كانت تملكها، والتي كانت تجعلها أساس التوازن القائم على القطبية الثنائية. فهي غدت قوة عادية تتخبط في كثير من مشاكل الانتقال نحو نظام السوق. ومنذ وصول الرئيس بوتين تدعم التفاهم الأميركي الروسي. فهذه الأخيرة محتاجة بشكل كبير للغرب، لإنجاح الإصلاحات التي تريد القيام بها لتتحول إلى قوة اقتصادية ومدنية. وقد ساعد الموقف المساند لأميركا إبان هجومات 11 سبتمبر على تدعيم العلاقات الأميركية الروسية. وقد لعبت روسيا دورا إيجابيا في التحرك الأميركي إزاء أفغانستان، وبالضبط ضد نظام طالبان. وتحتاج روسيا إلى تواطؤ الولايات المتحدة لمواجهة الحركات الاستقلالية، وفي مقدمتها الشيشان.


تتخوف روسيا من مستقبل مصالحها النفطية والضمانات المقدمة إليها في حالة سقوط نظام صدام حسين ووصول المعارضة التي قد لا تنظر بعين الارتياح إلى الدور الروسي في الدفاع عن النظام السابق

وفي هذا السياق لم تصدر عن الولايات المتحدة والدول الغربية احتجاجات تذكر، ضد الأسلوب الذي استعمله بوتين لتصفية الكوماندوز الذي قاد العملية ضد أوبرا موسكو في نهاية أكتوبر الماضي، رغم فظاعة التدخل واستعماله لمواد كيميائية أفضت إلى مقتل العديد من الرهائن. لكن هذا التقارب مع الإدارة الأميركية لا ينفي بعض التمايزات في معالجة هذا الملف. فروسيا تريد أن تؤبد ببعض مظاهر التأثير في القرار الدولي. وقد لا يتسنى لها ذلك إلا إذا ظل مجلس الأمن قابضا بناصية الأمور. فكل استفراد أميركي يعني مزيدا من التهميش للدب الروسي المتعب بالمشكلات الداخلية المتنوعة.

على صعيد آخر، فقد ارتبطت روسيا اقتصاديا بالعراق. وهناك مصالح روسية مهمة في القطاع النفطي. وقد مارست ضغوطا على النظام العراقي عندما أقدم على تجريد إحدى شركاتها من رخصة الاستغلال، بسبب علاقات مسؤوليها مع المعارضة العراقية. ومن ثم فإن روسيا تتخوف من مستقبل هذه المصالح والضمانات المقدمة إليها في حالة سقوط نظام صدام حسين، ووصول المعارضة التي قد لا تنظر بعين الارتياح إلى الدور الروسي في الدفاع عن النظام السابق. لذلك فإن روسيا قد تدافع عن ضرورة الرجوع إلى مجلس الأمن للحسم في مدى تعامل العراق مع لجان التفتيش. وفي نفس الوقت قد لا تعرقل لجوء أميركا إلى القوة بدون مشاركة فعلية لها، ضمانا لمستقبلها في المنطقة ولو بجزء يسير، إذا اقتنعت بأن أميركا مصممة على شن حرب على العراق.

4- الصين
تتموقع الصين ضمن خانة هذه الدول الداعية إلى تركيز الشرعية الدولية، وترسيخ موقع مجلس الأمن في تدبير الأزمات التي هي من اختصاصه. لكن ينبغي الإقرار أن هذه الدولة التي تملك الكثير من مقومات القوة الافتراضية ما يزال صوتها خافتا وغير مؤثر بما فيه الكفاية. وقد يعود ذلك إلى انكباب الصين على تدبير مشكلات تحولها التدريجي من النظام الشيوعي إلى نظام ليبرالي خاص. وبفعل خاصياتها فإنها تتحرك بسرعات متباينة. فإذا كانت اقتصاديا تحقق معدلات للنمو مرتفعة وطفرات ملحوظة، أهلتها في خضم تداعيات أحداث 11 سبتمبر إلى الانضمام للمنظمة العالمية للتجارة بمباركة أميركية، فإنها ما زالت لم تصل إلى مستوى من التنمية التكنولوجية تمنحها الاستقلال عن الغرب. فما زال الاقتصاد الصيني يشغل 50% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي، وما زالت نسبة مساهمة التكنولوجيات الرائدة ضعيفة إذا قورنت بالقوى الاقتصادية الغربية.

5- ألمانيا


تميز المستشار الألماني شرودر حتى الساعة بالدفاع عن موقف يرفض دق طبول الحرب والعنف ضد العراق

لقد سعت فرنسا حتى الساعة إلى إسماع صوتها المتميز بالاتكاء على الحليف الألماني، في ظل عجز أوروبي واضح على بلورة موقف منسجم بسبب التعارضات الكبيرة مع الجناح المساند للحرب، والذي تقوده بريطانيا الحليف الدائم لأميركا مهما كانت سلوكياتها الدولية. وقد تميز المستشار الألماني شرودر حتى الساعة بالدفاع عن موقف يرفض دق طبول الحرب والعنف ضد العراق. وهو موقف متميز في السياسة الألمانية، لا يمكن فهمه إلا من خلال ربطه إلى حد ما بالنفوذ الذي يمارسه الحليف الحكومي، المتمثل في حركة الخضر التي يعتبر من بين قيادييها النافذين وزير الخارجية يوشكا فيشر. وتقليديا ولأسباب مبدئية إنسانية وبيئية يرفض هؤلاء اللجوء إلى القوة في تدبير المشكلات العالمية.

وبسبب هذا الموقف المنتقد للسلوك الأميركي، فقد شهدت العلاقات الأميركية الألمانية فتورا واضحا. بيد أن إعادة انتخاب شرودر كمستشار لألمانيا وانتخابها لعضوية مجلس الأمن بصفة غير دائمة لمدة سنتين، يطرح تساؤلات حول مدى تشبثها بالموقف الذي دافعت عنه حتى الساعة. فهناك مؤشرات تشير إلى نوع من التحول في الموقف الألماني، كما دلت على ذلك التصريحات الأخيرة للمستشار الألماني. لكن من الواضح أن تحديد الموقف النهائي لألمانيا يتطلب انتظار عرض تقرير هانز بليكس لتحديد مدى تشبثها بموقفها المناهض للحرب، أو اتجاهها نحو موقف أكثر ملاءمة للتصور الأميركي.


تتموقع الصين ضمن خانة هذه الدول الداعية إلى تركيز الشرعية الدولية وترسيخ موقع مجلس الأمن في تدبير الأزمات التي هي من اختصاصه

لكن أكثر من ذلك فإن عملية الانتقال مازالت متأخرة على المستوى السياسي، حيث إن أوضاع حقوق الإنسان تظل من القضايا التي يحاول من خلالها الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- استغلالها لانتقاد المسؤولين الصينيين، وعرقلة بعض العقود بين الطرفين. ومازالت مشاعر العداء بينهما حاضرة بفعل مخلفات الحرب الباردة، واختلاف وجهات النظر حول الكثير من القضايا العالمية. ولذلك يعتبر بعض المحللين الأميركيين أنه لا يمكن مساعدة الصين على الانتقال إلا بارتباط إيجابي وفاعل معها، باعتبارها تمثل سوقا مهمة للمصالح الأميركية. وبالتالي التعامل بنوع من اللين مع بعض الممارسات المناهضة للديمقراطية بمفهومها الغربي.

لقد حاولت الصين موازنة النفوذ الأميركي من خلال الدخول في شراكة إستراتيجية مع روسيا. لكن حتى الساعة يبدو أن هذا المشروع لم يخرج عن دائرة الخطاب، ولم تتوفر له الإمكانيات الضرورية لتحقيق مشاريع ملموسة. فقد ظلت الروابط الاقتصادية بينهما متواضعة، كما ظلت الدولتان معتمدتين على رؤوس الأموال والتقنيات القادمة من الغرب. وبفعل ذلك، فإن الدور الصيني قد لا يخرج عن حدود الضغط داخل مجلس الأمن، لثني الولايات المتحدة عن شن هجوم متفرد بعيد عن الضوء الأخضر لمجلس الأمن. وكل السؤال هو معرفة مدى قدرتها على تحقيق ذلك.

وصفوة القول لا يمكن للمرء وهو يستعرض مختلف هذه المواقف، إلا أن يقف على حقيقة محدودية تأثير مختلف هذه الدول والقوى في استبعاد شبح حرب مقلقة وحبلى بالتساؤلات، حول انعكاساتها الواقعية على المنطقة. فمن المؤكد أنه لا أحد في الظرف الراهن، يمكن أن يتنبأ بشكل سليم بالعواقب المحتملة على هذا الجزء من العالم. فقد تكون عميقة وقد تكون محدودة الأثر، إذا نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها بسرعة كبيرة. إن النتيجة الأساسية التي يمكن الخروج منها، هي أن الأحادية القطبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة حاليا بفعل مراكمتها لمصادر القوة تجعلها في موقع الاختيار، وليس التقيد بما يريده الآخرون. ففي غياب منافس يوازن النفوذ الأميركي، فإن السؤال المطروح هو نوعية الاختيار الذي تبناه المقرر الأميركي. فإذا كان قد قرر اختيار الحرب، فلا شيء قد يمنعه من ذلك. ولن تبقى المسألة محصورة إلا باختيار التوقيت وكيفية إدارة العمليات. لكن قد يستمر هناك احتمال ضعيف بوقوع تغيرات غير متوقعة، قد تضعف من احتمال المواجهة المسلحة في المنطقة. فعلينا أن ننتظر ونرقب تطورات الأوضاع، آملين في انتصار حل سياسي لصالح شعوب المنطقة.

_______________
*أكاديمي ومحلل سياسي مغربي

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان