كيف تُعلّم طفلك كتابة القصص وكيف تشجعه وتعزز أفكاره؟

6-الناصر الكتابة هي مواجهة مع الذات والتعبير عن الذات ومن ثم بلورة رؤيتنا للحياة- (بيكسلز)
لتمكين الطفل من كتابة قصة علينا أن نبدأ بقراءة القصص المنوعة له وفقا لعمره واهتماماته (بيكسلز)

عمان – يحرص المربّون على تعليم الطفل مهارات كتابة القصة، لما لها من أهمية تربوية؛ فهي أسلوب نافع لتعليمه تنظيم أفكاره وإدراجها على الورق بتسلسل، وبذات الوقت تعد كتابة القصة تحديا للطفل، كما هي للكبار، سواء باختيار الفكرة أو شخوصها أو نوعها أو غيرها من عناصر القصة.

فكيف نمكّن الطفل من كتابة قصة؟ وما أهميتها في تنمية مهاراته اللغوية والحياتية؟ وما دور الأهل والهيئات التدريسية في تحقيق ذلك؟ وغيرها من التساؤلات التي عرضتها "الجزيرة نت" على استشاريين تربويين للإفادة بآرائهم وخبراتهم.

للاستخدام الداخلي - التربوية الدكتورة أمل بورشك - (الجزيرة)
الدكتورة أمل بورشك: كتابة القصة تتطلب موهبة وجهدا إضافيا، لذا لا يجوز الضغط على الطفل أكثر من اللازم (الجزيرة)

كيف نمكّن الطفل من كتابة قصة؟

تقول الاستشارية التربوية الأسرية الدكتورة أمل بورشك، "لتمكين الطفل من كتابة قصة، نبدأ بقراءة القصص المنوعة له وفقا لعمره واهتماماته، ونتحدث عن كاتب القصة بأنه من نظّم هذه الأفكار وحوّلها إلى قصة، ونبدأ بتعليمه كيف يعبّر عن أفكاره ويرتبها ليكوّن منها قصة".

وتضيف، "لا نضغط على الطفل ولا نتوقف عند أخطائه، نتركه يسترسل ويكتب سطرا بعد سطر، وبعد أن ينهي نتعامل معه بحب وحنان، ونحوّل النقاش إلى لعبة الكتابة المرنة، فنقوم بتدقيق القصة، ونتطرق إلى ما لم يكتبه بطريقة سليمة، ونستكشف الأخطاء الإملائية ونتعمق بتراكيب الجمل، والكلمات المناسبة فيها وأدوات العطف والجر".

وتحذر بورشك من الاستهزاء أو الضحك مما يكتبه الطفل؛ فلا يجوز أن نخسر ثقته في الأم -أو المعلمة- فهي العكاز الذي يسنده للدخول إلى عالم الكتابة، ويمكن أن يكتب رحلة عايشها أو عن أصدقائه في المدرسة أو يتخيل فراشة تحدثه أو طائرة يتحكم بها.

وتبين الاستشارية التربوية، أن دخول عالم الكتابة ليس سهلا حتى على الكبار؛ فما يكتبه سيتعرض للنقد، فلا بد من أن نركز على تقوية الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس والاعتماد على ملكته اللغوية من المفردات وصحة كتابته للكلمات وقدرته على التعبير عن نفسه.

ماذا لو لم يرغب الطفل بالكتابة؟

بورشك تقول إن الطفل قد لا يرغب بالكتابة في بعض الأحيان، "لأن كتابة القصة تتطلب موهبة ودراسة وجهدا إضافيا يثقل ذهن الطفل، فلا يجوز الضغط عليه أكثر من اللازم، وإذا وجدته لا يستجيب فليترك لفترة لاحقة، لأن الأطفال ينمون بسرعة ويتغيرون، فمشاهدة أفلام معهم تتناول قصص حياة كتاب وما مروا به من تجارب، يغرس التحدي فيهم، لتحقيق مستوى الكتابة المناسب لعمرهم، وقد يحفزهم ليصبحوا "كتّابا" يوما ما".

وتنصح بورشك بالابتعاد عن التصنع المبالغ فيه، فجميل أن يعبر الطفل عن حياته بطريقته الخاصة، وكتابة قصته ورسم وتلوين جزء منها يحببه ويزيد من رغبته في الكتابة.

فقط للاستخدام الداخلي المستشارة التربوية بشرى عربيات/ الأردن المصدر: مواقع التواصل
بشرى عربيات: للمعلمين والمربين دور كبير في تنمية مهارات الكتابة لدى الطلبة في مراحل مبكرة (مواقع التواصل)

دور المعلمين وأولياء الأمور

ومن جهتها تقول المستشارة التربوية بشرى عربيات، "لا شك أن الأجيال المعاصرة تعاني ضعفا واضحا في اللغة العربية، هذا الضعف يعود إلى ابتعاد الطلبة منذ نعومة أظفارهم عن القراءة والكتابة على حدٍ سواء".

وتوضح، "لذلك فإن للمعلمين والمربين دورا كبيرا في تنمية مهارات الكتابة لدى الطلبة في مراحل مبكرة، بمعنى أن يبدأ الطفل بكتابة قصة قصيرة تصف حدثا مؤثرا في الطفل، أو حتى من نسج الخيال. الأطفال يمتلكون خيالا واسعا كما نعلم جميعا، ومن هنا أرى أن على المعلمين وأولياء الأمور دورا كبيرا في تنمية مهارة الكتابة لدى الأطفال من خلال البدء بقصة قصيرة، وقراءتها معهم والاهتمام بما يكتب، وعدم التقليل من أهمية كل ما يكتبه الطفل".

أيضا يمكن تشجيع الطلبة على قراءة ما يكتبون من قصص عبر الإذاعة المدرسية، وعبر الأنشطة المدرسية، الأمر الذي يدفع بموهبة الطلبة إلى مزيد من الإبداع والتميز، وفق المستشارة عربيات.

4-بورشك لتمكين الطفل من كتابة قصة نبدأ بقراءة القصص المنوعة وفقا لعمره واهتماماته- (بيكسلز)
من المهم أن تكون لدى الطفل فكرة عن نوع قصته قبل البدء في كتابتها (بيكسلز)

تنمية المهارات اللغوية

وتبيّن عربيات، أن تعليم الطفل كتابة القصص يعمل على تنمية المهارات اللغوية، من قراءة ومراعاة قواعد اللغة العربية، ناهيك عن زيادة الثقة بالنفس وتوسيع مدارك الطفل، ليتمكن في المستقبل من التعبير عن رأيه بثقة من جهة، وبمراعاة تحري الصدق في الرأي الذي يصدر عنه من جهة أخرى.

وتضيف، أن "عدم الاهتمام باللغة العربية في كثير من المدارس، نتج عنه جيل فاقد الثقة بنفسه، جيل مذبذب، بسبب مزيج من الثقافات واللغات التي يدفعه الأهل والمدرسة إلى تعلمها، مع الأسف الشديد، لذلك يجب علينا جميعا دق ناقوس الخطر ومراعاة مواهب الطلبة ورعايتها رعاية حثيثة من خلال تشجيعهم على التعبير والكتابة".

ربيعة الناصر: نشاط الكتابة لا يجب التعامل معه كنشاط منفصل عن القص والحوار وسائر الأنشطة الفكرية والفنية (مواقع التواصل)

الكتابة مواجهة مع الذات

وتنوه خبيرة مكتبات الأطفال ربيعة الناصر، أن نشاط الكتابة سواء كان كتابة قصة أو رسالة أو وصف رحلة أو حالة وجدانية، لا يجب التعامل معه كنشاط منفصل عن القص والحوار وسائر الأنشطة الفكرية والفنية، وإلا سيصبح كالواجبات المدرسية التي باتت تبعث نفورا ليس على الطفل واليافع فحسب، بل على الأسرة أيضا، وتغدو مدعاة للنفور أيضا من الكتابة بشكل عام، إلا في حالة واحدة إن اعتبرنا الكتابة وحتى الخط شكلا من أشكال الفنون.

وتضيف، كلما اغتنى البصر والفكر بالقراءة (القصص المصورة والروايات) والمتعة البصرية (مسرح وسينما) والرسم الحر والتذوق الموسيقى، اغتنت ذائقة الطفل واليافع الحسية والأدبية، بالإضافة إلى إثراء الخيال ومهارات التفكير النقدي والتأمل بكل ما يحيطه من حدث أو أشخاص، عدا عن أن الكتابة بالدرجة الأولى، وكما هو متعارف عليه لدى من مارسوا الكتابة بعد حياة غنية طافت على ثقافات محلية وعالمية، هي مواجهة مع الذات والتعبير عن الذات. ومن ثم بلورة رؤيتنا للحياة.

وتذكّر الناصر، بمقولة الروائي العالمي فيكتور هوغو "لا أفهم كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياته بدون أن يكتب"، طبعا ليس المقصود أننا كلنا يجب أن نكون أدباء، لكن للتأكيد على مقولة الكتابة مواجهة مع الذات، ونحن كبار وصغار بأمسّ الحاجة لاكتساب هذه المهارة الممتعة.

هل ورش تعليم كتابة القصة مفيدة؟

وتقول الناصر، "شخصيا لست معنية بتعليم الأطفال شروط كتابة القصة، نشاط الكتابة -أو مهارة الكتابة- المفترض أن يكون تحصيلا حاصلا لمختلف صنوف المعرفة التي يتوجب علينا -سواء كنا أهلا أو معلمين- تحفيز الطفل واليافع على اكتسابها والتي يُتوقع أن يتعرض لها بشكل دوري ومستمر".

وتكمل، لذا لست مع عقد ورشة مخصصة لـ"تعليم" كتابة القصة، كما لست مع تعليم الرسم؛ مثلما نعلمهما للكبار، لأننا بذلك نؤطر خياله وذهنه، لكنه سيدرك شروط كتابة القصة، كلما سمع وقرأ قصصا أكثر، وكلما رسم بحرية أو شاهد فيلما سينمائيا أو عرضا مسرحيا لا يستصغر عقله، كما هو حال معظم ما يعد للطفل.

فمهمة الأدب والفنون الأولى أن نفهم معنى الحياة وليست فقط لمن يريد أن يصبح كاتبا أو رساما، إذ يحتاجها صاحب الميول الأدبية كما أن صاحب الميول العلمية بحاجة لها، إنها ضرورة لأنستنا. وفق الناصر.

وتتابع، لذا "أرى أن علينا بالبداية امتاع الطفل وإشباعه بكل ما يعزز من قيمة الإنسان والعلاقات الإنسانية بقصص تحاكي ما يواجهه في الحياة اليومية، وتبعث فيه الرغبة على اكتشاف المزيد، والسماح للطفل واليافع بإدلاء رأيه حتى وإن كان صادما، لندعه يرسمه ويكتبه ويواجه نفسه أولا".

وتشرح ذلك، يكفي أن نسأل الأطفال بعد سماعهم للقصة: من يعرف شخصا حدث معه ما يشبه الذي حدث بالقصة؟ أو هل مررت بتجربة تشبه ما حصل بالقصة؟ وسنجد حينها أن الوقت المخصص لن يكفي لسماع كل تلك القصص، عندها نهتف هيا ليكتب كل منا قصته، وإن اتسع الوقت لنستمع لقصص بعضنا البعض، لا يمكن تخيل كم المتعة التي سيشعر الجميع بها.

نصائح حول كيفية بدء كتابة قصة

تعد كتابة القصص طريقة ممتعة ومبتكرة للأطفال، لتنمية مهاراتهم في القواعد والتهجئة واللغة بشكل عام، ولكن غالبا ما يكون اكتشاف كيفية بدء كتابة القصة هو الجزء الأصعب. ومع ذلك، لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو. وفق ما نشر موقع "توينكل" (Twinkl). وفيما يلي مجموعة من النصائح حول كيفية بدء كتابة قصة:

فهم الهدف من القصة

قبل القفز إلى الكتابة، قد يكون من المفيد للأطفال فهم الغرض من القصص في المقام الأول. لماذا هي مكتوبة؟ لماذا يقرؤها الناس؟ ما الذي يريد القارئ تجربته في أثناء قراءة القصة؟ بشكل عام، فمثلا، يتم كتابة القصص الخيالية للترفيه. يجب أن يضع الأطفال ذلك في الاعتبار عند بدء قصصهم الخاصة.

pexels-photo-6140211
يجب الاهتمام بما يكتب الطفل وقراءته معه وعدم التقليل من أهمية كل ما يكتبه (بيكسلز)

اختيار نوع القصة

الخيال والغموض والإثارة والأسطورة والمغامرة والرعب وغيرها، هناك العديد من الأنواع للاختيار، عندما يتعلق الأمر بكتابة قصة، ومن المهم أن تكون لدى الطفل فكرة عن نوع قصته قبل البدء في كتابتها، ويمكن أن يؤدي تحديد النوع الأدبي ببساطة إلى الكشف عن مجموعة كاملة من الأفكار الإبداعية.

لكل نوع استعاراته الخاصة والأشياء التي نربطها تلقائيا بهذا النوع من النص، فيمكن للأطفال رسم أفكارهم من هنا واستخدامها كنقطة بداية، إذا قرروا كتابة قصة خيالية، على سبيل المثال، فيمكنهم تدوين كل الأشياء التي يفكرون بها عندما يتعلق الأمر بهذا النوع: التنانين، القلاع، الأمراء، الأميرات والساحرات، والقائمة تطول. وبالفعل، هناك الكثير من الأفكار لاستكشافها، وعند هذه النقطة، يجب أن تكون أذهان الكتّاب الناشئين مليئة بالأفكار المحتملة لكتابة القصة.

تحديد شخصيات القصة

تمد معرفة الشخصيات في القصة، وكيف تبدو، وأدوارهم، وما إلى ذلك، إلى الأطفال يدَ العون عندما يتعلق الأمر ببدء القصة وإنهائها؛ فيمكن أن تبدأ قصة التلميذ من خلال حوار الشخصية، هذا يعني أنه يمكن للقارئ القفز مباشرة إلى الحدث والتعرف على الشخصيات على الفور، ومعظم القصص لها شخصية رئيسية (بطل الرواية- الرجل الطيب)، وخصم (الرجل السيئ) ومجموعة من الشخصيات الداعمة على كلا الجانبين، أما للقصص القصيرة، فقد يكون هناك شخصيات أقل.

تصميم شخصية القصة

يجب على الأطفال تصميم شخصيتهم الرئيسية، ويجب أن يجيبوا عن أسئلة مثل: كيف يبدون؟ كم عمرهم؟ كيف يتحركون ويتحدثون؟ كيف شعروا في بداية القصة؟ كيف تبدو شخصيتهم؟ ماذا يريدون؟ ما الذي يمنعهم من الحصول على ما يريدون؟ وغيرها.

5-عربيات ممكن تشجيع الطلبة على قراءة ما يكتبون من قصص عبر الإذاعة المدرسية وعبر الأنشطة المدرسية- (بيكسلز)
يمكن تشجيع الطلبة على قراءة ما يكتبون من قصص عبر الإذاعة والأنشطة المدرسية (بيكسلز)

إعداد القصة

إعداد القصة لا يقل أهمية عن الشخصيات، إنه المكان الذي ستحدث فيه كل الإجراءات، سواء كان منزلا مسكونا أو غابة سحرية أو مجرات شاسعة من الفضاء الخارجي، يجب أن يكون الإعداد ثابتا في أذهان التلاميذ قبل أن يضعوا القلم على الورق، ويعد وصف مكان القصة طريقة كلاسيكية لبدء الكتابة ولسبب وجيه يساعد القارئ على البدء في بناء صورة لعالم القصة في أذهانهم. مثل: تخيل الأوراق الخضراء الفاتنة المتلألئة بالندى، والفراشات الزرقاء النابضة بالحياة ترفرف بجانب دفء الشمس.

ماذا سيحدث في القصة؟

بمجرد أن يقرر الطفل كيفية وضع قصته، حان الوقت لبدء الحبكة، ولا داعي للانتظار، يمكن أن يبدأ الإجراء مبكرا مثل الجملة الأولى، وواحدة من أكثر الطرق تأثيرا لبدء قصة هي القفز مباشرة إلى الحدث، ولا داعي لإضاعة وقت القارئ بتفاصيل غير ذات صلة، وهذا لا يتعارض مع النقطة السابقة حول وصف الإعداد أولا في بعض النواحي، مثلا: وصف المكان في أثناء بدء الحدث هو طريقة رائعة لجذب القارئ إلى عالم القصة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية