تسريب بوليتيكو يجدد حرب أميركا الثقافية حول قضية الإجهاض

تقول أغلبية 59% من البالغين في الولايات المتحدة إن الإجهاض يجب أن يكون قانونيا في جميع الحالات أو معظمها، في حين يعتقد 39% أن الإجهاض يجب أن يكون غير قانوني في جميع الحالات أو معظمها.

كثير من الفقهاء القانونيين المحافظين يرون أن نصوص الدستور الأميركي لا تعكس أيا من حق الحياة أو حق الاختيار فيما يخص الإجهاض (تعبيرية-غيتي)

واشنطن – دفع تسريب حصلت عليه صحيفة بوليتيكو لمسودة مبدئية مسربة حول قضية الإجهاض، إلى تجديد حرب أميركا الثقافية حول أحد أهم القضايا المجتمعية التي تظهر عُمق الانقسام المجتمعي الأميركي حول هذه القضية الحساسة.

كتب الوثيقة القاضي المحافظ صامويل آليتو في العاشر من فبراير/ شباط الماضي وجاءت في 98 صفحة، وأهم ما تضمنته الوثيقة قول القاضي أليتو إنه "يجب إلغاء حكم قضية "رو ضد وايد"، (القانون الذي ضمن حق الإجهاض على مدى 50 عاما).

وفي الوقت الذي رحبت فيه القوى الدينية والمحافظة وأغلب الجمهوريين بفحوى التسريب، رفض الليبراليون والقوى اليسارية، وأغلب الديمقراطيين، ما تضمنته الوثيقة، واعتبروها مقدمة لتشريعات دراكونية (نسبة إلى مشرع إغريقي يدعى دراكو، ويعنى أن تتفرد الحكومة بتحديد القانون المنظم لهذه العملية) تجرم حق الإجهاض.

بايدن يدخل على الخط

دفع تسريب بوليتيكو بكبار السياسيين الأميركيين للتعبير من جديد عن مواقفهم حول الإجهاض، ورؤيتهم لفحوى التسريب.

 

وأصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بيانا صباح الاثنين الماضي جاء فيه أنه إذا "ألغت المحكمة قرار قضية رو، وضيقت على ممارسة حق الإجهاض، فسوف يقع على عاتق المسؤولين المنتخبين في أمتنا على جميع مستويات الحكومة حماية حق المرأة في الاختيار. وسيقع على عاتق الناخبين انتخاب مسؤولين مؤيدين للاختيار في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".

وأضاف "على المستوى الفدرالي، سنحتاج إلى المزيد من أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين للاختيار وأغلبية مؤيدة لحق الاختيار في مجلس النواب لاعتماد تشريع يقنن حق الإجهاض، الذي سأعمل على تمريره والتوقيع عليه ليصبح قانونا".

وقال بايدن "أعتقد أن حق المرأة في الاختيار أمر أساسي، قانون رو هو قانون موجود منذ ما يقرب من 50 عاما، الرغبة في الإنصاف واستقرارنا القانوني يتطلبان عدم إلغائه".

وعلى النقيض من موقف بايدن، غرد السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ، مهاجما وقع التسريب، واعتبره اختراقا وتدخلا في استقلال عمل المحكمة الدستورية العليا.

وغرد السيناتور ماكونيل يقول "إن الخرق المذهل الذي وقع الليلة الماضية يعد هجوما على استقلال المحكمة العليا. ووفقا لكل المؤشرات، كان هذا تصعيدا آخر في حملة اليسار الراديكالي المستمرة للتنمر بالقضاة الفدراليين وترهيبهم واستبدال حكم الغوغاء بسيادة القانون".

حرب ثقافية قديمة متجددة

يمثل الإجهاض قضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وتقسم الأميركيين بشكل حاد على أسس حزبية وأيديولوجية ودينية.

وبعد ما يقرب من 5 عقود من تناوله في المحكمة العليا الأميركية، لا يزال قرار المحكمة المتعلق بالإجهاض يُقسم الأميركيين بين معارضين ومؤيدين حول القضية التي لم تتوقف عند المحاكم، بل امتدت إلى صناديق الاقتراع والمجالس التشريعية للولايات المختلفة.

وفرضت عدة ولايات، أو أقرت، قيودا جديدة على الإجهاض عام 2021، بهدف إعطاء المحكمة العليا فرصة لإلغاء قرارها المتخذ عام 1973.

ووافقت المحكمة العليا في مايو/أيار الماضي على مراجعة قانون ولاية مسيسيبي الذي يهدف إلى جعل معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل غير قانونية، وستكون هذه القضية أول مراجعة لقانون الإجهاض في المحكمة منذ فترة طويلة.

واليوم، تقول أغلبية 59% من البالغين في الولايات المتحدة إن الإجهاض يجب أن يكون قانونيا في جميع الحالات أو معظمها، في حين يعتقد 39% أن الإجهاض يجب أن يكون غير قانوني في جميع الحالات أو معظمها.

ولم تتغير هذه الآراء نسبيا في السنوات القليلة الماضية. ووجد آخر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، في الفترة من 5 إلى 11 أبريل/نيسان الماضي، خلافات عميقة حول الإجهاض على أساس الانتماء الحزبي، وهو أوسع بكثير مما كان عليه قبل عقدين من الزمان.

من ناحية أخرى، أثرت التغيرات في تشكيل المحكمة العليا خلال عهد ترامب -خاصة تعيين 3 قضاة محافظين وهو ما رفع عدد القضاة المحافظين إلى 6 قضاة مقابل 3 ليبراليين- في تغيير مزاجها تجاه قضية الإجهاض. ويبدي القضاة المحافظون رغبة في إلغاء التشريعات السابقة، والتشدد في عمليات الإجهاض، وتشجيع النساء على عرض أطفالهن للتبني بدل "التخلص منهم قبل ميلادهم".

القضاة المحافظون في أميركا يبدون رغبة في إلغاء التشريعات السابقة، والتشدد في عمليات الإجهاض، وتشجيع النساء على عرض أطفالهن للتبني بدل "التخلص منهم قبل ميلادهم" (غيتي)

كيف وصلنا لهذه المرحلة؟

حظرت محكمتان فدراليتان القانون الذي أقرته ولاية مسيسبي، مما سمح بوصوله إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة.

ويسمح القانون بالإجهاض بعد 15 أسبوعا، مع استثناء حالات الطوارئ الطبية، أو في حالة التشوه الشديد للجنين. لكنه لا يعطي استثناء لحالات الاغتصاب أو سفاح القربى.

وإذا أجرى الأطباء عمليات إجهاض خارج حدود القانون، فإنه ينص على تعليق أو إلغاء تراخيصهم الطبية، مع إمكانية تعرضهم لعقوبات وغرامات إضافية.

وجاءت موافقة المحكمة على النظر في القانون بعد أن رفضت أيضا حظر قانون الإجهاض في تكساس، الذي يمنع الإجهاض بعد نحو 6 أسابيع من الحمل، من دون إعطاء أي استثناءات للاغتصاب وسفاح القربى أيضا.

ويرى كثير من الفقهاء القانونيين المحافظين أن نصوص الدستور الأميركي لا تعكس أيا من حق الحياة أو حق الاختيار فيما يخص الإجهاض. وعليه، لا يتوجب على المحكمة العليا اختيار جانب واحد على حساب الآخر في أكثر القضايا الخلافية جدلا في الحياة الاجتماعية الأميركية.

وبعد عقود شهدت كثيرا من الإخفاقات للتيار المحافظ الداعي لوضع قيود على حق الإجهاض، بدأت تتبلور معالم تغيير بهذا الاتجاه في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية.

وتمكنت ولايات جنوبية محافظة، مثل تكساس ومسيسيبي، من تمرير تشريعات محددة ومعقدة لعمليات الإجهاض داخل حدودها.

الإجهاض.. معركة سياسية

عارضت إدارة الرئيس جو بايدن قرار ولاية مسيسيبي، وأكدت المحامية العامة إليزابيث بريلوغار الممثلة لإدارة الرئيس بايدن أمام المحكمة العليا أهمية الابتعاد عن المساس بقانون "رو ضد وايد"، الذي ضمن حق الإجهاض على مدى 50 عاما.

في حين اعتبر المدعي العام الممثل لولاية مسيسيبي، سكوت ستيوارت، أن قوانين الإجهاض "تتربص ببلادنا" وأنها "سممت القانون".

وخارج أبواب المحكمة، وقف مئات المتظاهرين بين مؤيدين لإلغاء الإجهاض ومعارضين لحظره. وطبقا لاستطلاع أجرته شبكة "فوكس" (Fox) الإخبارية على 1002 شخص بين 12 إلى 15 سبتمبر/أيلول الماضي، اعتبر 29% من الأميركيين أن الإجهاض يُعد عملا قانونيا في كل الحالات.

واعتبره 20% عملا قانونيا في أغلب الأحيان. وعلى النقيض اعتبره 11% عملا غير قانوني في كل الحالات، وقال 38% إنه عمل غير قانوني في أغلب الأحيان.

ماذا بعد؟

ولا تزال القرارات التي ينوي أغلبية قضاة المحكمة التسعة اتخاذها غير واضحة، سواء ترك حق الإجهاض لتقرره سلطات كل ولاية على حدة، أو السماح بالحظر الفدرالي للإجهاض بعد عدد أسابيع محدد من دون إبطال قانون "رو ضد وايد".

وجدير بالذكر أن الأغلبية البسيطة -5 أصوات- تكفي لتمرير أي قانون جديد. ويتوقع أن يصل النقاش حول قرار المحكمة الجديد أوائل الصيف القادم، عندما تنعقد المحكمة لإعلان القرار الحاسم.

المصدر : الجزيرة