ابتسام خالد.. قصة أم وشاعرة فلسطينية في مواجهة المرض والاحتلال

الفلسطينية ابتسام خالد تحمل قضية الأسرى في ساحات الاعتصام وفي كتاباتها الأدبية (الجزيرة)

غزة- تستخدم ابتسام خالد وصف "جمل المحامل" كثيرا في حديثها عن المرأة الفلسطينية، فهي -في رأيها- الأكثر دفعا "لضريبة" العيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، فكانت الشهيدة والجريحة والأسيرة منذ البدايات الأولى لمسيرة النضال الوطني، وعانت "آلام الفقد"، وكانت على قدر المسؤولية في غياب الرجل.

كما تصف ابتسام المرأة بأنها "قلب القضية الوطنية"، وتقول -للجزيرة نت- لا تكاد تجد امرأة فلسطينية إلا وكان للاحتلال أثر على حياتها، غير أنها تبقى صامدة شامخة كشجر الزيتون بما تمتلك من "مخزون صبر وإرادة".

سلاح التعليم

وابتسام نفسها نموذج لهذه المرأة، وبعدما كانت حياتها تسير بشكل طبيعي، كفتاة تزوجت صغيرة في عمر 14 عاما في ثمانينيات القرن الماضي، حدث ما جعلها تحلق خارج حدود منزلها الصغير في مخيم للاجئين في مدينة رفح (جنوبي قطاع غزة).

وترى ابتسام في اعتقال الاحتلال نجلها البكر "عمار" عام 2003 بعد إصابته بعيارين ناريين وكان حينذاك طفلا في 17 من عمره "نقطة تحول" في حياتها، وتقول "صدمة اعتقال عمار والحكم عليه بالسجن 15 عامًا دفعتني إلى ما أنا عليه اليوم".

ومنذ ذلك الحين، وحتى بعد تحرر نجلها عام 2015 بعد قضائه 12 عامًا في السجن، أصبحت ابتسام "وجهًا مألوفًا" في ساحات الاعتصام والتضامن مع الأسرى.

 

ولما وجدت ابتسام أن التعليم يساعدها أكثر في إيصال رسالتها، لم تتردد في العودة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع استمر نحو 23 عاما، وتقول "في 37 من عمري تقدمت لامتحان المستوى للصف الثالث الإعدادي، وكنت الناجحة الوحيدة على مستوى جنوب قطاع غزة عام 2011".

وبعد اجتيازها سنة دراسات الثانوية، وحصولها على "شهادة التوجيهي"، التحقت ابتسام بالجامعة تخصص "إدارة تكنولوجية"، غير أن مرض أصغر أبنائها محمود بالسرطان اضطرها إلى تأجيل الدراسة والتفرغ له.

ألم وأمل

تقول ابتسام -التي أنجبت 11 ابنا وابنة- إن "عجلة" حياتها توقفت تماما عاما كاملا تفرغت فيه لمرافقة محمود للعلاج في مستشفى إسرائيلي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، إلى أن التحق بـ3 آخرين من أخوته فقدوا حياتهم بسبب هذا "المرض اللعين".

كان محمود بحاجة إلى عملية "زراعة نخاع"، ولم تتوافق الفحوص الطبية لكافة أفراد الأسرة معه، وبعد مماطلة نحو شهرين وبجهود مضنية وتدخل مؤسسات حقوقية؛ وافقت سلطات الاحتلال على إحضار شقيقه عمار من السجن كخيار أخير، وتبرع لشقيقه بالنخاع غير أن العملية فشلت ومات محمود.

وبقدر الحزن على فراق محمود، نال الألم من ابتسام لعدم تمكنها من رؤية عمار -الذي فصل بينهما جدار داخل المستشفى- وكانت آنذاك ممنوعة من زيارته داخل السجن منذ 6 أعوام.

هذه التجربة جعلت ابتسام تزداد إيمانا بقضية الأسرى، وتتفرغ للنضال من أجلهم، وتعريف العالم بمعاناتهم داخل السجون، وكانت أولى خطواتها الأدبية والشعرية، فضلا عن مشاركات عديدة في مؤتمرات وفعاليات داخلية وخارجية نصرة للأسرى.

الاحتلال الإسرائيلي يحرم ابتسام من رؤية والدتها السبعينية منذ 20 عاما (الجزيرة)

نضال على جبهة الأدب

اقتربت ابتسام أكثر من ذوي الأسرى، وتعمقت في تفاصيل معاناتهم، وأنجزت أول دراسة تناولت الآثار النفسية والاجتماعية لسياسة الإبعاد التي مارستها إسرائيل بحق عدد من محرري صفقة "وفاء الأحرار" -المعروفة إعلاميا "بصفقة شاليط"- وكذلك من يعرفون بمبعدي كنيسة المهد من بيت لحم إلى غزة.

وتقول ابتسام إن "الإبعاد يعادل الموت"، وإسرائيل تريد بهذه السياسة كسر إرادة الأسير وأهله، بخلعه من بيئته، غير أنها تبدي فخرا بالكثير من النماذج التي وصفتها "بالمشرفة" لمبعدين أفشلوا أهداف سياسة الإبعاد، ونجحوا في مواصلة مسيرة حياتهم الشخصية وحتى النضالية.

 

وبعدما وجدت ابتسام دعما وتشجيعا من متابعين لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، لما تكتبه من نصوص أدبية وشعرية، نشرت أول إصدار شعري بعنوان "عنك أتحدث" العام الماضي، يقع في 183 صفحة من القطع المتوسط، وتناولت فيه قسوة الحياة في غزة بسبب الاحتلال والحصار، وكانت المرأة في القلب من هذه المعاناة.

 

 

وقبل أيام قليلة نشرت الإصدار الشعري الثاني بعنوان "ديوك خرساء"، ويقع في 100 صفحة من القطع المتوسط، وقسمته إلى 3 عناوين: "وطن مثقوب الشراع"، و"الوقت المعطّل"، و"رسائل الروح".

وتقول ابتسام إن كتابها "ديوك خرساء" سيعرض في معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال الشهر الجاري، وتناولت فيه بنصوص شعرية قضايا وطنية، وهموما يعاني منها الفلسطيني تحت الاحتلال، ومنها الحدود والمسافات، التي هي صنيعة إسرائيلية لخلق "الفرقة والتشتت".

 

 

وابتسام نفسها -التي تنحدر من أسرة لاجئة تقيم في رام الله بالضفة الغربية منذ هجرة يافا إبان النكبة عام 1948- تعاني من هذه الحدود التي تمنعها من رؤية والدتها السبعينية المريضة، منذ أكثر من 20 عاما.

 

ورفضت سلطات الاحتلال مرارا منح ابتسام تصاريح مرور عبر معبر بيت حانون (إيريز) لزيارة أسرتها في رام الله، وتقول بكثير من الحزن والألم إنها تعاني من العزلة لغيابها منذ سنوات طويلة عن مناسبات أسرتها السعيدة والحزينة.

المصدر : الجزيرة