هل توجد طريقة علمية لتعليم الأطفال ضبط النفس؟

يُظهر جميع الأطفال زيادة في ضبط النفس مع تقدمهم في السن وتطور قشرة الفص الجبهي.

إلقاء المحاضرات أو الصراخ لن يؤدي إلى جعل دماغ طفلك ينمو بشكل أسرع (بيكسلز)

هل يقودك طفلك إلى الجنون لأنه يتحرك داخل المنزل مثل الثور الهائج ويتجاهلك عندما تطلب منه أن يهدأ وعندما يحين وقت التوقف عن اللعب أو الانتهاء من الواجبات؟ هل تشعر بأنه خارج عن السيطرة وأنه في حاجة ماسة إلى تعلم ضبط النفس؟

أهمية ضبط النفس

وفقا لما جاء في موقع "بارنتنغ ساينس" (Parentingscience)، فقد عُرّف ضبط النفس بطرق عدة، مثل قوة الإرادة، والانضباط الذاتي، أو الضمير، ولكن الأهم أن ضبط النفس يتعلق بالقدرة على تنظيم النفس.

يفتقر الأطفال الصغار إلى ضبط النفس مقارنة بالأطفال الأكبر سنا، ولكن هناك كثيرا من الاختلافات الفردية أيضا، فبعض الأطفال يعانون من صعوبة حقيقية في تنظيم أنفسهم.

يميل الأطفال الصغار الذين يعانون من ضعف مهارات التنظيم الذاتي إلى إحراز تقدم أكاديمي أقل، ومن المرجح أن يتعرضوا للقلق والاكتئاب ومشاكل السلوك العدواني.

أما على المدى البعيد فيكون الأطفال الذين يعانون من ضعف ضبط النفس أكثر عرضة لخطر النتائج الصحية السيئة، مثل السمنة وتعاطي المخدرات، ويقل احتمال أن يصبحوا أثرياء.

على الآباء معرفة أن الأطفال الذين يعانون من ضعف ضبط النفس لديهم تحيزات دماغية ساخنة (مواقع التواصل الاجتماعي)

من أين يأتي ضبط النفس؟

لفهم ضبط النفس لدى أطفالنا، نحتاج إلى البدء بفهم من أين يأتي ضبط النفس في أدمغتنا. تقول دانييل إم ديك في مقالها على موقع "سيكولوجي توداي" (Psychologytoday)، إن السبب الذي يجعل بعض الأطفال أقل من غيرهم في ضبط النفس يرجع إلى الجينات التي وُلدوا بها. هذا التسلسل الذي ورثوه المكون من 3 مليارات زوج أساسي يحتوي على آلاف الجينات التي تؤثر في طريقة توصيل أدمغة أطفالنا.

وهذا ما يجعل كل طفل من أطفالنا فريدا من نوعه منذ بداية الحياة. فبعض العقول ببساطة أكثر استعدادا للانتباه إلى ما هو موجود الآن وليست جيدة في التفكير في العواقب التي تأتي في المستقبل.

يرتبط ضبط النفس بمجالين رئيسين في الدماغ.

  • الأول هو الجهاز الحوفي، ويسمى الدماغ "الحار"، ويقع في عمق الدماغ وهو الجزء الأساسي البدائي في أدمغتنا، وهو عاطفي، انعكاسي وغير واع، ومضبوط على الاستجابة السريعة "انطلق".

يعمل هذا الجزء بكامل طاقته عند الولادة، وهذا هو السبب في أن الأطفال يسارعون إلى البكاء عند الجوع أو الألم، وهذا أيضا سبب ضعف قدرة الأطفال الصغار على ضبط النفس، إنهم مثل المحركات الصغيرة من دون فرامل.

  • وتأتي المكابح المستخدمة في ضبط النفس من منطقة دماغية ثانية أكثر تعقيدا، هي قشرة الفص الجبهي. تتطور قشرة الفص الجبهي على نحو أبطأ ولا تكتمل تماما حتى منتصف العشرينيات من العمر. يشارك هذا الجزء "البارد" من الدماغ في اتخاذ قرارات أكثر تعقيدا.

وترتبط قدرة أطفالنا الطبيعية على التنظيم الذاتي بمدى نشاط أدمغتهم "الساخنة" مقارنة بأدمغتهم "الباردة".

ويُظهر جميع الأطفال زيادة في ضبط النفس مع تقدمهم في السن وتطور قشرة الفص الجبهي، لكن مدى تطور ضبط النفس لدى الأطفال هو نتاج أسلاك دماغهم الفريدة.

الأطفال الصغار يفتقرون إلى ضبط النفس مقارنة بالأطفال الأكبر سنا (بيكسلز)

الآباء المحبطون

على الآباء معرفة أن الأطفال الذين يعانون من ضعف ضبط النفس لديهم تحيزات دماغية ساخنة، أي إن عقولهم تركز أكثر على "هنا" و"الآن". هذا يعني أنهم عندما يفشلون في الحضور عند طلب ذلك منهم أو التوقف عن الجري عندما تسألهم ذلك فإنهم لا يحاولون أن يتحدوك أو يتجاهلوك، بل أدمغتهم الساخنة تميل إلى التركيز على الحاضر، وأدمغتهم الباردة ليست بارعة في التفكير في العواقب التي سيتعرضون لها لاحقا.

جزء من سبب إحباط الآباء هو اعتقادهم بأن أطفالهم يفهمون وقادرون على التصرف بشكل جيد، ولكنهم يختارون عدم القيام بذلك وهذا غير صحيح.

الحقيقة أن كون طفلك يعرف القاعدة جيدا لا يعني أن دماغه قادر على متابعة ذلك، فأدمغتهم الساخنة تعمل بكامل طاقتها، لكن أدمغتهم الباردة أمامها طريق طويل لتقطعه، وهذا يجعل من الصعب التحكم في الموقف الحالي.

إتقان السلوك يستغرق وقتا تلقائيا وحتى عندما يبني طفلك آلية ضبط النفس سيظل يتعثر من وقت إلى آخر (بيكسلز)

إستراتيجية تعليم ضبط النفس

طريقة واحدة للتغلب على هذه الفجوة هي "When-then plans " (خطة متى-حينذاك)، وتعمل هذه الخطة ببساطة "عندما يحدث س وعليك أن تفعل ص"، تساعد هذه الخطة في القضاء على الحاجة إلى العقل البارد لتوجيه أطفالنا إلى مسار عمل أفضل من خلال القضاء على الحاجة إلى التفكير تماما. "عندما ينطلق المنبه، سأنهض من السري"، "عندما تطلب مني أمي أن أرتدي حذائي، سأرتدي حذائي".

أنت تقوم هنا بتوصيل الموقف الذي ينتج عنه مشاكل في التحكم لدى الأطفال من خلال استجابة مخططة سابقا، وفي كل مرة عندما يحدث ذلك سوف يستجيب طفلك بذلك. هم ليسوا في حاجة هنا إلى التفكير ولا يسمح بأي قرارات في الوقت الحالي، فعندما يحدث "س" سأفعل "ص". وبمرور الوقت، تصبح عادة ولا تتطلب تحكما مجهدا بعد الآن.

وللبدء باستخدام هذا النوع من الخطط، تحتاج إلى التدرب مع طفلك. اجعلهم يتظاهرون بأنهم موجودون في وضع "متى" ومارسوا الاستجابة الفورية، ثم كافئ وكرر. إنك تحاول أن تجعل السلوك آليا، وتفعل ذلك بممارسته مرارا وتكرارا. وكلما تمرن طفلك كان ذلك أفضل.

يستغرق إتقان السلوك وقتا تلقائيا، وحتى عندما يبني طفلك آلية ضبط النفس فسيظل يتعثر من وقت إلى آخر. هنا خذ نفسا عميقا وذكّر نفسك بأن أدمغتهم ما زالت تحت الإنشاء.

ومع الأسف، لن يؤدي إلقاء المحاضرات أو الصراخ أو معاقبتهم على فشلهم في التصرف بطرق تفوق طاقتهم إلى جعل أدمغتهم تنمو بشكل أسرع، بل ستجعلهم يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم.

استمر في دفع طفلك نحو تطوير ضبط النفس، حتى عندما يدفعونك إلى أقصى حدود الجنون.

المصدر : مواقع إلكترونية