الاحتضان بمصر.. من تجربة فردية إلى عمل مؤسسي

مؤسسة الاحتضان في مصر هي أول مؤسسة مصرية تقوم على دعم الأسر الحاضنة

يمنى دحروج - مؤسسة الاحتضان بمصر مأخوذ من صفحتها الرسمية
يمنى دحروج ازدادت قناعتها بأهمية الاحتضان كعمل اجتماعي يتطلب أكثر من الجهد الفردي والحماس الخاص (مواقع التواصل الاجتماعي)

"هدفنا الأساسي مجتمع من الأسر الكافلة الواعية، نطمح ألا يكون هناك أي طفل بأي دار رعاية، إيمانا منا بأن جميع الأطفال مكانهم البيوت"، هكذا عرفت مؤسسة الاحتضان في مصر لكفالة الأطفال، نفسها من خلال مجموعة خاصة أنشأتها بموقع فيسبوك وحظيت خلال شهور بمتابعة أكثر من 126 ألف شخص.

واحتفلت المؤسسة مؤخرا بإشهارها كأول مؤسسة مصرية تقوم على دعم الأسر الحاضنة، الأمر الذي يمثل نقلة نوعية في مسار دعم الاحتضان وانعكاسا لحجم رواج وانتشار هذا الخيار الاجتماعي حسب مراقبين، ويمهد الطريق لظهور كيانات أخرى تسعى للهدف ذاته.

والاحتضان، هو مصطلح يطلق على الكفالة المنزلية للأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، وكانت في السابق -حسب مختصين- مقتصرة على أعداد محدودة في المجتمع المصري، إلا أنه مؤخرا اتسع نطاق الممارسين لها، في ظل دعم مجتمعي ورسمي.

يمنى دحروج، مؤسِّسة هذا الكيان، تشكل حماسها للمشروع وسعيها لتنفيذه، عقب تجربتها الخاصة مع الاحتضان، التي خاضتها نهاية 2018، بعد قرابة نحو 10 أعوام من الزواج دون إنجاب، ومع خبراتها التي تشكلت خلال التجربة، ازدادت قناعتها بأهمية "الاحتضان" كعمل اجتماعي يتطلب أكثر من الجهد الفردي والحماس الخاص.

وفي مستهل عام 2019، أطلقت يمنى مبادرة تحث على الاحتضان وتعمل على دعم الأسر الحاضنة، ومع تزايد أعداد المهتمين والمتجاوبين مع المبادرة، قررت تدشين "مؤسسة الاحتضان في مصر"، ككيان رسمي، يتخصص في دعم الأسر الحاضنة، وتقديم المشورة للراغبين في سلوك هذا المسار.

التأسيس لم يكن أمرا هينا، حسب ما ذكرته يمنى دحروج في حديثها للجزيرة نت، فالإجراءات القانونية والأوراق المطلوبة لهذا الإشهار كانت صعبة، خاصة في ظل كونها أول مؤسسة تنشأ لهذا الغرض بمصر، ومن ثم كان السؤال المتكرر من قبل الجهات المسؤولة عن هدف المؤسسة خلال تلك الإجراءات "يعني إيه؟".

 

قناعة راسخة

إلا أن القناعة الراسخة بأهمية المؤسسة لدى يمنى، وتمسكها بالفكرة التي قامت لأجلها، مع قدر كاف من تفهم الجهات المختصة، أثمر في النهاية نجاح الأمر والإعلان عن انطلاق المؤسسة، حيث تم تقديم خطة مدتها 5 سنوات، توضح الأهداف المرجو تنفيذها والوسائل المتبعة لتحقيق تلك الأهداف.

وضمن نشاطات المؤسسة، تقديم ورش ودورات لتوعية الأسر المقبلة على الاحتضان، من خلال متخصصين، كما تعقد المؤسسة لقاءات جماعية بين أسر سبق لها الاحتضان وخوض التجربة، وأسر أخرى مقبلة على الأمر، ما يساعدها على الاستعداد النفسي وتشكيل الوعي اللازم.

وتؤكد يمنى أن خطوة تدشين المؤسسة كان لها أثر كبير في مسار دعم الاحتضان بمصر، حيث بات للأسر الحاضنة "بيت كبير" وساعد العمل المؤسسي على مساندة تلك الأسر، في ظل تعاون واسع مع العديد من الجهات المعنية.

لكن يمنى مع ما لديها من حماسة وقناعة بالأمر، تتخوف من الاندفاع غير المدروس والمفتقد للوعي خلف خيار الحضانة والكفالة، محذرة من تحويله إلى "موضة وترند"، ومشددة في  الوقت ذاته على ضرورة معرفة جانب المسؤولية والالتزام الواجب تجاه الأطفال المحتضنين.

وخلال الفترة الماضية، تضمنت تعديلات تشريعية تسهيلات للراغبين في كفالة الأيتام ومجهولي النسب، حيث تم تخفيض سن الزوجين المسموح لهما بالكفالة إلى 21 عاما بدلا من 25، وإلغاء شرط الحصول على مؤهل دراسي مع منح الأسرة البديلة الولاية التعليمية على الطفل.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن هذه التعديلات إضافة إلى المبادرات المجتمعية، أدت إلى زيادة عدد الأسر البديلة، فيما تأمل وزارة التضامن الاجتماعي في القضاء على الحاجة لدور الأيتام بحلول عام 2025، حسب تصريحات إعلامية لعضو لجنة الأسر البديلة في وزارة التضامن الاجتماعي ريم أمين.

حضور رسمي

الدعم الرسمي كان حاضرا كذلك من خلال مشاركة وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، خلال الأيام الماضية، في افتتاح مقر مؤسسة "يلا كفالة"، والتي قالت إنها تستهدف تشجيع المجتمع المصري على كفالة الأطفال في المنزل، حيث تعهدت الوزيرة بتسهيل كافة الإجراءات لها ولكافة المؤسسات الساعية لتسهيل آليات الكفالة للأسر الحاضنة.

وحسبما كشفت عنه وزارة التضامن الاجتماعي مؤخرا، فإنها استقبلت خلال العام الأخير أكبر عدد طلبات كفالة تم تقديمه في عام واحد بتاريخها، مشيرة إلى أنها تدرس حاليا 2700 طلب كفالة، أغلبهم من فتيات لم يسبق لهن الزواج، كما أعلنت الوزارة عن وجود 11 ألفا و900 طفل مكفول حاليا في مصر، بينما يوجد 123 طفلا مكفولا خارج مصر.

مريم الشرقاوي، أخصائية الدعم النفسي، ومعالجة لصدمات الأطفال المراهقين النفسية، تقول إن الكفالة ليست أمرا جديدا في المجتمع، لكنها ارتبطت بالكفالة المادية سابقا، ومن ثم فالاحتضان هو التغيير المجتمعي الذي بدأ ينظر للكفالة على أنها عمل عظيم يستحق الفخر والدعم.

وتؤكد الشرقاوي في حديثها للجزيرة نت أن أهمية الاحتضان تنطلق من أهمية الحفاظ على أطفال دور الرعاية الذين هم جزء من شباب الغد، فتركهم دون احتضان يعني خروجهم إلى الشارع في عمر الـ18، وربما تتلقفهم النفوس الضعيفة.

وتشير أخصائية الدعم النفسي في هذا السياق إلى ما تعانيه دور الرعاية، من افتقاد لأدنى مستويات الأمان النفسي للطفل، حيث يعيش نظاما صارما يتعلم فيه التخلي قبل الحب، وربما ينتقل من دار إلى أخرى في جميع مراحل حياته، ليخرج في النهاية متفقدا لأهم عناصر التكوين وهي "الأمان والثقة".

يمنى دحروج - مؤسسة الاحتضان بمصر مأخوذ من صفحتها الرسمية
مؤسسة الاحتضان في مصر كيان رسمي يتخصص في دعم الأسر الحاضنة (مواقع التواصل الاجتماعي)

نقلة نوعية

وتعتبر الشرقاوي تحول الاحتضان من عمل فردي، يقوم على جهد وسعي شخصي إلى عمل مؤسسي منظم، خطوة مهمة ومؤثرة على مسار عمل الاحتضان، حيث يساعد في نشر الفكرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني، ويوفر مساحة مهمة لتوعية الأسر الحاضنة والمقبلة على الاحتضان.

كما تؤكد المتحدثة أن الأسر الحاضنة تحتاج إلى دعم مستمر على مدار المراحل العمرية للطفل، وهو أحد مسارات عمل المؤسسات ذات الصلة، وتسهم في تسهيل تواصل الأسر الحاضنة مع الجهات الحكومية، عبر توحيد المطالب وتوفير جهة ذات حيثية لتنوب عن كل أسرة أمام تلك الجهات.

وتتوافق الشرقاوي مع من يرون إنشاء مؤسسات لدعم الاحتضان هو "نقلة نوعية" في مسار دعم هذا العمل، كون ذلك مسارا مؤثرا لتنظيم وتجميع جهود الداعمين للأمر من كل التخصصات، لافتة إلى أن المبادرات التي ظهرت مؤخرا في هذا السياق شجعت على إنتاج عمل درامي يسلط الضوء على الاحتضان في المجتمع.

وتبدي الشرقاوي تفاؤلها لمستقبل الاحتضان بمصر، حيث ترى أن هناك توسعا مستمرا في الدائرة المهتمة، إلا أنها ترى في الوقت ذاته وجود حاجة ملحة لدعم أكبر من رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني، والعمل على تكوين قاعدة بيانات لكل أطفال دور الرعاية حتى يسهل ذلك على الأسر الراغبة في الاحتضان الوصول إلى مبتغاهم.

المصدر : الجزيرة