تتر الحجازية.. أميرة مملوكية أنشأت وقفا للتعليم فتحول إلى سجن

تحولت مدرسة الحجازية لسجن يعاقب فيه معارضو السلطان فرج بن برقوق (الجزيرة)

في زمن كانت فيه النساء يتصارعن حول العروش ويقررن شؤون الحكم من وراء حجاب؛ كانت هي في عالم آخر، لا تحلم بكرسي إمارة ولا لقب زوجة الأمير، وكل ما كانت ترجوه هو أن يبقى اسمها خالدا، ويسير على ألسنة العامة حتى نهاية الزمان، وكان لها ما أرادت، فبقي اسم "تتر الحجازية" مخلدا فوق مدرستها التي بنتها للفقراء، لإيمانها العميق بأن العلم هو طريق الخلود لها ولمن أسهمت في تعليمهم من المصريين.

"الست الجليلة الكبرى خوند تتر الحجازية"، هكذا جاء ذكرها في كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي، وهي ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وزوجة الأمير بكتمر الحجازي وبه عرفت. وكانت خوند أقرب بنات الناصر بن قلاوون إلى قلبه، فاقتطع لها قصرا يجاور قصره، وبَنت هي مسجدا وقبة ومدرسة بجوار القصر.

وأنشأت خوند المدرسة الحجازية، ونظمت بها درسا لفقهاء الشافعية، وكان مقرِّره شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني، ودرسا آخر رتبته الحجازية للطريقة المالكية، وجعلت لها منبرا يُخطب فيه الجمعة، وإماما مواظبا يصلي بالناس الصلوات الخمس.

يقول المقريزي عن تتر ومدرستها "كانت السيدة تُعنى بالعلم، فجعلت بالمدرسة خزانة للكتب، وأنشأت بجوارها قبة لتدفن تحتها، ورتبت بشباك هذه القبة قرّاء يتلون القرآن ليل نهار، وأنشأت بها منارا عاليا ليؤذن عليه".

كانت تتر الحجازية تُعنى بالعلم، فجعلت بالمدرسة خزانة للكتب، وأنشأت بجوارها قبة لتدفن تحتها (الجزيرة)

نظام الوجبات المدرسية

يحكي المقريزي عن تتر وما أعدته لوفاتها قبل حياتها، فيقول "فهي السيدة التي أدخلت نظام الوجبات اليومية لطلاب مدرستها من الفقراء والأيتام، فجعلت للأيتام مكتبا للسبيل بجوار المدرسة، ورتبت لهم مؤدب يعلمهم القرآن الكريم، والقراءة والكتابة، وقدمت لهم في كل يوم 5 أرغفة نظيفة، ومبلغا من المال، ويصرف لهم كسوة صيف وأخرى للشتاء، وجعلت على هذه الجهات عدة أوقاف جليلة، يصرف منها لأرباب الوظائف المعاليم السنية".

مجموعة معمارية متكاملة بنتها الحجازية وتركتها للمصريين، بأوقاف بقيت تواصل ما أجرته بنت قلاوون من رواتب شهرية وأخرى سنوية وذبائح في رمضان وأضاحي بالعيد، ومأكل يومي للأيتام بمدينة الجمالية.

ويروي المقريزي في كتابه عن حب الجليلة الذي غمر قلوب الناس والعارفين بها، فيقول "قبة تتر الحجازية التي دفنت تحتها، كان غير مسموح لأحد بالاقتراب منها".

تحولات عدة مرت بمدرسة الحجازية، فبعد أن كان لا يليها إلا الأمراء والكبراء، صارت للخدم والعوام، ثم قرر جمال الدين يوسف البحاسي أن يحول مدرسة الحجازية لسجن يعاقب فيه معارضو السلطان فرج بن برقوق والخارجين عليه، فزالت تلك الأبهة التي بنتها الجليلة، وزال الناموس الذي سنّته لسنوات طويلة بعد وفاتها، وتحولت الحجازية من دار للعلم والمعرفة إلى سجن للتعذيب والتنكيل، ورغم أنها لم تعد أبدا سيرتها الأولى إلا أنها تبقى كما قال عنها المقريزي من "أبهج مدارس القاهرة".

انتهى المطاف بمدرسة الحجازية في القرن الـ21 إلى أن تحولت لمأوى لباعة المخدرات (الجزيرة)

البهجة التي ذكرها المقريزي عن المدرسة الحجازية في كتابه "المواعظ والاعتبار"؛ كان للبعض رأي آخر فيها، فالمدرسة الحجازية -التي بدأت بتدريس المذاهب الشافعية والمالكية ثم تحول طلابها من الأمراء إلى الخدم ثم أضحى بنيانها سجنا ومعتقلا- انتهى بها المطاف في القرن الـ21 إلى مأوى لباعة المخدرات، وامتدت أمامها أكوام من القمامة، لا تفلح معها محاولات مفتشي الآثار في حماية أثر السيدة الجليلة تتر التي أرادت يوما أن يبقى اسمها خالدا.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية