جعلهن أكثر عرضة للعنف المنزلي.. كورونا قد يعيد النساء جيلا كاملا للوراء

الكمامة الفضفاضة قد تتسبب في تسرب الرذاذ وتقلل من مستوى الحماية
في الولايات المتحدة فقط تركت أكثر من مليوني امرأة العمل خلال العام الماضي لتوفير الرعاية للأطفال (بيكسلز)

في بداية انتشاره، كان المحللون يخشون أن يمثل وباء كورونا كارثة على النساء، فالضغط الناجم عن عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا من شأنه أن يؤدي إلى خسائر غير متناسبة بين الجنسين، مما يُجبر المزيد من النساء على مغادرة العمل، فضلا عن أنه ربما يجعلهن أكثر عرضة للعنف المنزلي.

وقال الكاتب إيشان ثارور في تقريره الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (washingtonpost) الأميركية إن كل هذه المخاوف صحيحة، لكن الضرر الاجتماعي الذي أحدثه ما سمّاه "جائحة الظل" قد يستمر أثره لعقود مقبلة.

مؤشر التفاوت

وأكد هذه النتيجة القاسية التقرير السنوي عن الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر هذا الأسبوع عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يرصد مؤشر "التفاوت بين الجنسين" في 156 دولة، استنادًا إلى التقييمات في كل بلد التي تشمل 4 ميادين، وهي:

  1.  مشاركة المرأة في الحياة السياسية
  2.  الفرص الاقتصادية
  3. الصحة
  4. التعليم

وتوقعت المنظمة سابقًا أن تحقيق المساواة بين الجنسين كان على بعد قرن من الزمان، لكن تأثير الوباء أضاف الآن ما يقرب من 36 عامًا إلى حساباتها، أي مدى جيل آخر.

سعدية زهيدي: الرجال والنساء بأميركا سيحصلون على أجر متساو بعد 6 عقود وفقا للاتجاهات الحالية (الفرنسية)

إدارة التعافي بعد الوباء

وذكر الكاتب أن سعدية زهيدي، المديرة الإدارية للمنتدى الاقتصادي العالمي، كتبت في مقدمة التقرير "لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى وضع حواجز جديدة أمام بناء اقتصادات ومجتمعات شاملة ومزدهرة. وتسببت الفجوة الموجودة مسبقًا بين الجنسين في تضخيم الأزمة بشكل غير متكافئ بين الرجال والنساء، حتى عندما كانت النساء في الخطوط الأمامية لإدارة الأزمة كعاملات أساسيات".

وأضافت زهيدي أنها تأمل "أن يكون هذا التقرير بمثابة دعوة للقادة لجعل التكافؤ بين الجنسين هدفا محوريا لسياساتنا وممارساتنا لإدارة التعافي بعد الوباء، لصالح اقتصاداتنا ومجتمعاتنا".

وتعتبر بعض الحلول في البلدان المتقدمة مألوفة، وهي تشمل الاستثمار الكبير للحكومة والقطاع الخاص في الرعاية، فضلا عن الجهود المبذولة لتحقيق المساواة في إجازة رعاية الأبناء لكل من الرجال والنساء في القوى العاملة.

وتشير البيانات إلى أن بعض القطاعات الأكثر تضررا من عمليات الإغلاق نتيجة الوباء كانت المجالات التي يُرجح أن تعمل فيها النساء، بما في ذلك السياحة والتجزئة، فضلا عن الوظائف في القطاعات غير الرسمية في البلدان النامية.

وكتبت زهيدي، "إلى جانب الضغوط الإضافية لتوفير الرعاية في المنزل، أوقفت الأزمة التقدم نحو التكافؤ بين الجنسين في العديد من الاقتصادات والصناعات". وفي الولايات المتحدة فقط، تركت أكثر من مليوني امرأة العمل خلال العام الماضي.

ووفقا لبحث أجراه موقع "لينكد إن" (Linked in) للتواصل المهني والاجتماعي، تراجعت معدلات توظيف النساء، خاصة في المناصب القيادية، بعد المكاسب التي تحققت في الأعوام الأخيرة. وتستمر مظاهر عدم المساواة على نطاق واسع، حيث يتوقع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن الرجال والنساء في الولايات المتحدة سيحصلون على أجر متساو بعد 6 عقود من الآن، وذلك وفقا للاتجاهات الحالية.

المرأة الأم تشعر بالاكتمال بوجد أطفال- بكسل
استطلاعات للبنك الدولي: 21% من النساء اللاتي كن يعملن قبل انتشار الوباء أصبحن عاطلات (بكسلز)

وأشار الكاتب إلى أن المرأة تظل ممثلة تمثيلا ناقصا بشكل كبير في القطاعات التي تضم صناعات رائدة في المستقبل بالعالم المتقدم. ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، تشكل النساء 32% من القوى العاملة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، و20% في الهندسة، و14% في الحوسبة السحابية.

وأقرّ الكاتب بأن الأوضاع تبدو مقلقة في مناطق أخرى من العالم. وفقا للتقرير، تبعد جنوب آسيا حوالي قرنين من الزمان عن تحقيق التكافؤ بين الجنسين، مقابل أكثر من 165 عاما في بلدان شرق آسيا.

وحسب استطلاعات منفصلة أجراها البنك الدولي، كانت النساء في أميركا اللاتينية أكثر عرضة لفقدان وظائفهن في بداية الأزمة بنسبة 44%. ويبدو أن 21% من النساء اللاتي كن يعملن قبل انتشار الوباء أصبحن عاطلات عن العمل الآن.

وخلص البنك الدولي إلى أن الفجوة المستمرة بين الجنسين في القوة العاملة قد تكلف بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي الجماعي للفرد في المنطقة على مدى العقود الثلاثة المقبلة.

مصدر الصورة (بيكساباي) شرح الصورة: الموظفة تواجه أعباء العمل وأعباء المنزل
أكبر فجوة بين الجنسين، وفقا لمؤشر المنتدى الاقتصادي العالم، هي التمكين السياسي (بيكسابي)

ما الأبعد من المخاوف الاقتصادية؟

ويقول الكاتب إن تأثير الوباء يمتد إلى ما هو أبعد من المخاوف الاقتصادية. وفي الواقع، وجد بحث جديد أجرته مجلة "ذا لانسيت" البريطانية أن صحة الأم تراجعت في جميع أنحاء العالم على مدار الوباء، بما في ذلك "زيادة وفيات الأمهات وولادة جنين ميت والحمل خارج الرحم واكتئاب الأمهات".

وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن "بيانات من 12 دراسة أظهرت أن فرص ولادة جنين ميت زادت بنسبة 28%. وزادت مخاطر وفاة النساء أثناء الحمل أو أثناء الولادة بأكثر من الثلث في بلدين هما المكسيك والهند".

وبينما تتزايد المخاوف الصحية، فإن أكبر فجوة بين الجنسين، وفقا لمؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي، هي في مجال "التمكين السياسي"، حيث تستأثر النساء بحوالي 26% فقط من نحو 35 ألفا و500 مقعد برلماني، وتمثل 22.6% فقط من أكثر من 3 آلاف و400 وزير معترف بهم في بيانات المنظمة.

تعامل النساء مع الوباء أكثر فعالية

وأظهر مقال رأي تم توقيعه مؤخرا من قبل العشرات من السفيرات المعيّنات في الأمم المتحدة أن "البلدان التي تقودها النساء تتعامل مع الوباء بشكل أكثر فعالية من العديد من البلدان الأخرى. كما أن عمليات السلام واتفاقيات السلام التي يتم التوسط فيها بمشاركة نشطة من النساء، تكون أكثر ديمومة وشمولية. وعندما تتمتع النساء بفرص متساوية في القوى العاملة، يمكن للاقتصادات أن تحرر تريليونات الدولارات".

المصدر : واشنطن بوست