قيود أسرية ومصاعب تقنية.. لهذا يشكل التعليم الإلكتروني تحديا كبيرا للأستاذة الجامعية بالعراق

ضغوط تواجه الأستاذة الجامعية بالعراق جراء وجود أفراد العائلة وتزايد الأعباء المنزلية نتيجة الحظر وتقلص مساحة التفكير والعمل البحثي

اكاديمية تواجه مصاعب ووجود طفلها بجانبها
بعض المدرسات يواجهن مصاعب بسبب وجود أطفالهن بجانبهن أثناء إلقاء المحاضرة عبر الإنترنت (الجزيرة)

"مساحة بيتنا صغيرة وعند إعطاء المحاضرة يستمع أفراد الأسرة لها، وفي إحدى المرات دخل أخي ووجدني في محاضرة تفاعلية تنفيذا للتعليمات الوزارية وفورا اعتدى بالضرب المبرح علي، هكذا تحدثت الأستاذة الجامعية نور أحمد (اسم مستعار) للجزيرة نت.

وتضيف نور أنها اضطرت لتغيير موعد المحاضرة في الأيام التي لا يوجد فيها شقيقها داخل البيت أو أن تنتقل من مكان لآخر وتشرح بصوت خافت، مما جعلها في مواقف محرجة أمام زملائها المدرسين والطلبة، مشيرة إلى أنها فكرت مرارا في ترك العمل ولكن لا تستطيع وتجد نفسها عاجزة عن حل ما تواجهه من مشكلات.

رغدة رعد
رغدة رعد ترى أن التعليم الإلكتروني ساهم في تنمر الطلبة على المدرسات وغياب هيبتهن (الجزيرة)

مشاكل عائلية

وتواجه رغدة رعد مسؤولة التعليم الإلكتروني في إحدى الجامعات الأكاديمية المشكلة ذاتها وتقول "واجهتني قيود أسرية كالضوضاء والأطفال إضافة إلى مجتمعنا الذي لديه أعراف وعادات تحد من الاتصال الفيديوي مع الطلبة، ثم هناك مشكلات خاصة بالحياة العائلية كوني أم أطفال لا يفهمون في حال طلبت منهم الإصغاء أثناء المحاضرات والاجتماعات الإلكترونية ولا أستطيع إسكاتهم وبالتالي أتعرض لإحراج".

وتتحدث الباحثة في مركز دراسات المرأة في جامعة بغداد الدكتورة أسماء جميل عن الضغوطات التي تواجه الأكاديميات جراء وجود أفراد العائلة وتزايد الأعباء المنزلية نتيجة الحظر والذي قلص مساحة التفكير والعمل البحثي والإنهاك نفسيا وجسديا، فضلا عن الضغوط الناتجة عن الرعاية غير مدفوعة الأجر لكبار السن والأطفال بعد توقف المدارس ودور الحضانة التي كانت ترفع عن كاهل المرأة العاملة بعض الأعباء، حسب قولها.

ضغط العمل وقلة الأجور

وتؤكد الأكاديمية نور على "ازدياد ضغط العمل مع التعليم الإلكتروني لحداثة تجربته في العراق وحدوث استنزاف للطاقات نتيجة عدم تحديد وقت للعمل مع تعدد المهام دون مراعاة للأوضاع الشخصية للنساء، فضلا عن إسناد أغلب لجان عمل تعليم الإلكتروني إلى النساء وعدم تخصيص أجور على العمل الإضافي بل تعمدت بعض الكليات الأهلية تخفيض الرواتب بحجة عدم وجود التدريسيين في الكلية".

وتشير إلى أن المهام تضاعفت عليهن، وأجبرن على المحاضرات التفاعلية من المنزل لأن الكلية لم توفر البنى التحتية ولا الإنترنت في الجامعة ليشكل ذلك نقطة لبداية تقييد الحرية .

كاديمية تعطي محاضرة من المنزل - أكاديمية تواجه مصاعب مع طفلها بجانبها
مدرسات يشتكين من تداخل الحياة الأسرية مع الوقت المخصص للعمل (الجزيرة)

فقدان الخصوصية

وتشير أسماء جميل إلى أن "أخطر ما أنتجه التعليم الإلكتروني أنه أذاب الحدود بين المجال العام والمجال الخاص، وأصبحت حياة الأكاديمية في المجال الخاص وحياتها الأسرية مخترقة ومتداخلة فلم تعد هناك حدود بين وقت العمل والوقت المخصص للعائلة، وتمتد تأثيرات ذلك على الزوج والأبناء" وتؤكد أن العمل من المنزل عبر المنصات الإلكترونية وقت مستقطع من الوقت الذي تقضيه الأكاديمية مع العائلة.

وتوضح رغدة رعد أنها فقدت الكثير من خصوصيتها كأستاذة جامعية وفقدت وقتها الخاص بالمنزل "وساهم التعليم الإلكتروني في تنمر الطلبة على المدرسات وغياب هيبة الأستاذ الجامعي بعد إلغاء الحواجز مع الطلبة" وتضيف "واجهت مشكلات مع طلبتي لأن الاتصال التفاعلي غير منظم مع تعدد قرارات وزارة التعليم العالي، مع صعوبة إيصال المادة العلمية والعملية كونها تختلف عن أجواء القاعات الدراسية، وأصبح الطلبة يستغلون الظروف لصالحهم بعيداً عن احترام الأستاذة".

وتشير إلى أنها لا تستطيع التحدث مع الطلبة بشكل رسمي وحدَها لأنهم مراهقون ومتهورون ويستعملون أسلوب التأويل والتهويل وتصوير شاشة المحادثات ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي للتنمر والإساءة للأكاديميات كطريقة لاستضعافهن ولا يعملون ذلك مع الأكاديميين الرجال، مما أحدث فجوة بين الطالب والأستاذة الجامعية بسبب سهولة التعليق وازدياد مساحة حرية التعبير المخصصة للطالب وبلا رادع".

وتبين الأستاذة الجامعية نور أن "ظروف الجائحة فرضت التعليم الإلكتروني وتجاهلت الوزارة أن هناك ثوابت مجتمعية تفرض على النساء منها الأعراف والتقاليد التي تقيدهن من الاختلاط والتحدث من المنزل مع الآخرين كمكالمات فيديوية وغيرها، ولا تتفهم عائلتي ذلك".

اكاديمية تعطي المحاضرة من المنزل
أستاذة جامعية تعطي المحاضرة من المنزل (الجزيرة)

تحديات تقنية

وتشير الدكتورة أسماء إلى أن الجائحة وتدابير التباعد الاجتماعي فرضت على المؤسسات التعليمية الاعتماد على التكنولوجيا رغم أنها لا تمتلك الأدوات التي تضمن تمكن الباحثات الجامعيات من التقنية، مما أشعرهن بالعجز نتيجة مواجهة صعوبات في قيادة الأنشطة إلكترونيا.

ومن جهة أخرى -تتابع الدكتورة أسماء- فقدت الأنشطة العلمية أهميتها عندما تحولت إلى المنصات الإلكترونية "فليس من السهل مخاطبة جمهور لا نستطيع أن نراه وردود فعله وإصغاءه" ولم تعد أفكارها ودراساتها كما كانت سابقاً.

العمار يشدد على ضرورة مراعاة وزارة التعليم لظروف وخصوصية النساء عند تكليفهن بالتعليم الإلكتروني (الجزيرة)

الأوامر والضغوط

ويبين الباحث الاجتماعي الدكتور ثائر العمار أن الضغوط التي تتعرض لها الأستاذة الجامعية كبيرة كونها أما أو زوجة ولديها التزامات وواجبات انعكست على مجمل حياتها مع زيادة الأوامر والتعليمات وتعقد شروط العملية التعليمية والمبالغة فيها، إذ تحولت البيوت لقاعات دراسية، لدرجة أصبحت التعليمات في صالح الطالب مع تراجع الصلاحيات العلمية للأستاذ وتعرضه للتنمر.

كما أن متطلبات وزارة التعليم -يضيف العمار- لا تتناسب مع الخدمات المقدمة للأستاذ كتهيئة قاعة دراسية في المنزل لإلقاء المحاضرة في وقت انعدام الخدمات الأساسية للمواطن في العراق، ولا يوجد خيارات للأساتذة غير تنفيذ أوامر الوزارة، مع ضرورة توفير مستلزمات إجراء المحاضرات في الجامعات وتوفير خدمات مجانية في حالة رغبة الأستاذ/الأستاذة تقديم المحاضرات من الكلية في حال تعذر إعطائها من المنزل مراعاة لظروف وخصوصية النساء.

المصدر : الجزيرة