مهندسة مصرية تقتحم مجال ميكانيكا السيارات وتعّلم فتيات الصعيد
الصعيد المصري يعرفه معظم الناس من المسلسلات والدراما المصرية التي غالبا ما تظهر الصعيد كموطن لانعدام الفرص، لكن ربما كان له وجه آخر لم تسلّط عليه الأضواء، وغاب عن كثيرين ممن لم ينظروا قط إلى نصف الكوب الممتلئ.
من أسيوط في قلب صعيد مصر، خرجت رهام البارودي، فتاة شابة حصلت على الثانوية العامة بتفوق، لم يكن النجاح والتفوق هو الحظ الوحيد الذي نالته رهام، لكنها قبله حظيت بأسرة واعية وافقت على استكمالها تعليمها في كلية من أصعب المجالات، فقد اختارت رهام دراسة "هندسة التعدين والفلزات".
ذلك المجال كان حكرا على الرجال، إذ إن فرص العمل أغلبها في الصحراء مع شركات التعدين والتنقيب عن البترول والمعادن، لكن رهام التي تربّت على تحقيق المستحيل، لم تكن لتقبل أن تيأس، فعملت الفتاة العشرينية بعد تخرجها في أحد مراكز صيانة السيارات، مهندسة للمبيعات، ثم رويدا رويدا بدأت تكتشف شغفها بالميكانيكا، والتحقت بتدريب خاص في المركز نفسه لتعرف من الصفر كيفية اكتشاف أعطال السيارات وإصلاحها.
تقول رهام -للجزيرة نت- عن بدايات رحلتها مع حلمها الجديد "لم يكن نزولي إلى ورش الصيانة بالمركز أمرا يسيرا، فقد قوبل طلبي بالرفض في البداية"، وبعد إلحاح استمر شهورا وافق مديرها على نزولها للعمل في ورش الصيانة متدربة، ووسط عمال الصيانة واجهت رهام نظراتهم وتلميحاتهم المؤنبة لأن أنثى ستعمل في مجالهم الذي كان حكرا على الرجال. الصعوبات التي واجهتها رهام لم تكن فقط في مركز الصيانة، بل أيضا داخل أسرتها التي لم توافق بسهولة هذه المرة على اختلاطها المبالغ فيه بالرجال، خاصة في ظل المجتمع الصعيدي الذي لا يتقبل عمل المرأة بسهولة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتخصيب النخيل بالطائرات المسيرة.. مشروع رائد لمهندسة تونسية يتحدى عادات فلاحي التمور بتونس
مهندسة مصرية تبتكر ملابس خاصة لما بعد العمليات الجراحية
مهندسة أردنية تفوز بجائزة أفضل سيدة ريادة أعمال للعام 2020
بدأت رهام مرحلة جديدة من حياتها داخل مركز الصيانة، فتركت قطاع المبيعات، وبدأت عملها في استقبال السيارات واكتشاف أعطالها، ثم عملت مهندسة لقطع الغيار، ثم تغير اتجاه السفينة نحو الاستقرار والزواج. عام كامل تزوجت فيه الشابة الصعيدية، وأنجبت طفلها الوحيد، وبعد 45 يوما من الولادة يتعرض الزوج والابن لحادث سير، فتفقد رهام جلّ ما تمنته في حياتها، ولم يبق لها سوى العمل الذي عادت إليه؛ كأن القدر أعدّ خطة أخرى لابنة أسيوط.
وتابعت رهام "عدت إلى عملي من جديد، لكنني هذه المرة لم أكن كما كنت، فقد أصبحت أرملة صغيرة في السن، في مجتمع مغلق رفضني في البداية لكوني بنتا صغيرة، وبعد أن صرت امرأة ناضجة صار الرفض أقوى". تحكي رهام عن مرحلة التخبّط التي مرت بها بعد وفاة زوجها وطفلها، فتقول "كان العمل هو طريقي لمواجهة حالة الاكتئاب التي أصابتني، عملت في مجال أعمال التشطيبات والديكورات، ثم الموضة والتدوين، وفي 2019 عدت من جديد لورشة السيارات حيث وجدت نفسي الحقيقية".
من الصفر، عادت رهام لتنطلق من الورشة، نحو مشروع أكبر، لم يعد هدفها فقط هو التعلم والعمل، بل نقل خبرتها إلى فتيات أخريات، كي لا يجدن أنفسهن تحت رحمة أحد، لمجرد أنهن لسن على دراية كافية بالسيارات وأعطالها وقطع الغيار.
تقول رهام "بدأت نقل خبرتي في الميكانيكا من خلال فيديوهات قصيرة في البداية، ثم فكرت في تنفيذ ورش لتدريب البنات في الصعيد على مواجهة أعطال السيارات والتعامل معها، فضلا عن الراغبات في التعلم للوصول إلى امتهان العمل نفسه في مجال ميكانيكا السيارات".