كيف تتعاملين مع سلوك الغش لدى طفلك؟

الغش هو عندما يضلل الطفل أو يخدع أو يتصرف بطريقة غير نزيهة عن قصد

تفوق الطفل أمر ليس له أي أهمية إن نشأ على الغش فالأطفال يمارسون ما يعيشون وليس ما يملى عليهم (غيتي)

بيروت- لا شك أن السلوك السيئ عند الأطفال يثير قلق الأهل بشكل كبير، ويدفعهم للبحث عن أسبابه وطرق التعامل معه. ومنه "الغش"، الذي يمكن أن يحدث في المدرسة أو في المنزل أو أثناء ممارسة أي نشاط بدني أو فكري.

بعض الأهل قد لا يرونه مصدر قلق، إذا لم يروا أذاه ملموسًا، خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل. ولكن حين يبدأ الأطفال يغشون لأنهم يشعرون بالضغط من أجل الفوز أو النجاح، أو إذا أصبح الغش نمطًا مع تقدمهم في العمر، فلا بد ساعتئذ من دق ناقوس الخطر، واتخاذ إجراءات للتدخل.

قد يغش الطفل ليكون من المتفوقين لتصبح المعلمة راضية عنه وعن علاماته (غيتي)

هذا ما فعله كريم ليرضي معلمته

وهذا ما حدث مع كريم عندما شعر بأن الأمور ستحصل من دون ملاحظة أحد. وضع طالب الصف الثاني (7 سنوات)، قائمة الكلمات المطلوبة للإملاء أسفل مكتبه، وكان ينظر إليها أثناء الاختبار، فقط للتأكد من أنه كتب كل الكلمات بشكلٍ صحيح. لاحظت معلمته ذلك. تقول والدته ياسمين.ن: "أخبرته المعلمة بأنها تشعر بخيبة أمل حقيقية منه. أعتقد أنه فعل ذلك للحصول على رضاها، لأنه إذا كتب الكلمات بشكل صحيح، ستكون فخورة به".

وتضيف ياسمين "أراد كريم تقليد أقرانه في الصف وأن يكون من المتفوقين لتكون المعلمة راضية عنه وعن علاماته".

وتوضح ياسمين أيضاً أنه هنا يقع الخطأ على المعلمة التي ركزت على أهمية العلامات أكثر من الكفاءة والتشجيع لكل طفل بأداء المهمة بأمانة وصدق، فهي لم تضغط يوما على ابنها ليحصل على علامات مرتفعة في الامتحانات، إنما أرادت أن يكون مجتهدا، وأنه يمكن أن يتوقع الفشل في مادة ما، لذلك قامت بتوعيته بأن الغش سلوك غير مرغوب فيه وعواقبه وخيمة، ولم تضغط عليه بالدراسة، وأن يستحوذ على إعجاب المعلمة من دون تقليد زميله بتعبه ومثابرته وجهده.

اعتماده على الغش في الامتحانات كان سبب طرد عماد من المدرسة (بيكسلز)

عماد لا يشعر بالذنب ويعتمد على الغش في المدرسة

يتبع عماد (10 سنوات) سلوك الغش لأسباب مختلفة. تقول والدته منى.ط "كان محبا للتنافس كثيرا حين كان صغيرا. عندما نلعب لعبة ما يحاول تغيير القواعد لصالحه، وينزعج إذا صححتها له. وينزعج كثيرًا حين يخسر فريقه في كرة القدم، ويصر على أن سبب خسارتهم هو أن الكرة نفسها لم تكن جيدة، على سبيل المثال".

وتضيف "حاول والده معاقبته عدة مرات لكن لم يجد نفعا، وصار الغش جزءا من سلوكه، والآن هو يتعالج لدى طبيب نفسي لأنه أسلوبه بات غير مقبول في المدرسة، وتم طرده عدة مرات بسبب اعتماده على الغش في الامتحانات ولم يشعر بالذنب لارتكابه هذا العمل المشين".

الدكتورة ألكسندرا الشحيمي: على الأهل تدريب الأبناء على تقبل الخسارة (الجزيرة)

ما الأسباب التي تؤدي للغش؟

تقول الدكتورة ألكسندرا الشحيمي استشارية علم النفس السلوكي للأطفال والمراهقين إن "الغش بين الحين والآخر عادة ما يكون غير ضار، ولم يعد مصدر قلق كبير في السنوات الأولى عندما لا يزال الأطفال يتعلمون الصواب من الخطأ. ولكن إذا قام الأطفال بالغش لأنهم يشعرون بالضغط من أجل الفوز، أو إذا أصبح الغش نمطًا مع تقدمهم في العمر، فقد يحتاجون إلى بعض المساعدة".

وكشفت الدكتورة الشحيمي أن الغش هو عندما يضلل الطفل أو يخدع أو يتصرف بطريقة غير نزيهة عن قصد، موضحة أنه من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى الغش عند الطفل:

  • قد يكون لدى بعض الأطفال توقعات عالية من أنفسهم، أو قد يشعرون بأن الآخرين (الأهل أو المدرسين) يتوقعون منهم الكثير، لذا يلجؤون للغش لتلبية هذه التوقعات.
  • قد يرغب بعض الأطفال الفوز في مسابقة لأنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع خيبة الأمل من الخسارة. لذلك قد يمارسون الغش ويحاولون أن يربحوا مهما كلف الأمر.
  • قد يغش الأطفال عندما يخوضون مهمة صعبة للغاية، ويخجلون من طلب المساعدة أو الاعتراف بالضعف.
قيمي السبب الذي يدفع صغيرك للغش فربما كان الخوف من الفشل أو منك أو من معلمه (غيتي)

ما أهم النصائح للتعامل مع الغش لدى الأطفال؟

تنصح الدكتورة ألكسندرا الشحيمي باعتماد هذه النصائح للتعامل مع الغش عند الطفل:

  • اسألوا طفلكم عن سبب شعوره بالحاجة إلى الغش، على سبيل المثال، إذا قام طفلك بالغش لأنه أراد أن يرضيكم، فهذا يمنحكم الفرصة لتعليمه أن الفوز أقل أهمية من بذل قصارى جهده.
  • امدحوا جهد طفلكم: من المهم أن تعلموا طفلكم أن ما يتعلمه ومدى صعوبة المحاولة أهم من الحصول على أعلى الدرجات. أي من الضروري أن تمدحوا جهوده التي بذلها وتعبه دائماً، مما يعزز من ثقته بنفسه ويقلل من حاجته إلى الغش.
  • كونوا قدوة جيدة له: على سبيل المثال، إذا كنتم تلعبون سوياً أو تمارسون الرياضة كعائلة وخسرتم، يجب أن تكون ردة فعلكم طبيعية وأن تتقبلوا الأمر برحابة صدر. الطفل يقلّدكم ويتعلّم منكم كثيراً.
  • تجنبوا نعت طفلكم بكلمة "غشاش": قد يؤدي هذا إلى مزيد من الغش. أي إذا كان طفلكم يعتقد أنه غشاش فقد يستمر في الغش.
  • تقبل الخسارة والربح: تدريب الأبناء على تقبل الخسارة، وكيف يتعاملون معها لتدفعهم للأمام بدلًا من أن تقضي على طموحهم، إنهم يحتاجون لفهم أنه لا يوجد رابح طوال الوقت، فالحياة مزيج من الربح والخسارة.
المستشارة التربوية برناديت الصايغ: راقبي تصرفاتك وتصرفات زوجك فالكذب نوع من الغش (الجزيرة)

كيف تساعد الأمهات أطفالهن للابتعاد عن الغش؟

أما المستشارة التربوية برناديت الصايغ فتقدم بعض الحلول لكل الأمهات الحائرات مع أطفالهن بسبب ظاهرة الغش في الامتحانات في المدرسة، بهدف إعادة النظر في سلوك الغش لدى الأطفال، وهي:

  • قيمي السبب الذي يدفع صغيرك للغش، فإن كان الخوف من الفشل أو منك أو من معلمه فمن المهم أن تدركي أن تفوقه أمر ليس له أي أهمية إن نشأ طفلك على الغش.
  • خففي وهدئي من خوفه وأخبريه أن التفوق أمر مهم، لكن الالتزام بالمبادئ وإرضاء الرب أهم بكثير فهو التفوق في الحياة. أخبريه أن الاجتهاد هو الأصل وهو السبيل لأي تفوق وليس العكس.
  • راقبي تصرفاته دون أن تدققي دومًا بطريقة سلبية، وإنما احكي له قصصًا عن الاجتهاد والأمانة.
  • راقبي تصرفاتك وتصرفات زوجك، فالكذب سلوك مماثل للغش ونوع منه ولا تكوني وأبيه قدوة سيئة له.
  • احرصي على عدم إظهار الغضب والثورة عند حصوله على درجة غير كاملة أو ضعيفة، خاصة بعد أن تكوني تفاهمت معه أن الأهم هو الأمانة، لأنك بذلك تناقضين نفسك وتخبرينه من حيث لا تدرين أن الغش هو السبيل لرضاك.
  • قدمي له مكافأة إن أخبرك أنه حصل على درجة غير كبيرة، لكنه لم يغش وإن تفوق وتأكدت أيضًا أنه لم يعد يفعل ذلك، فلتكن مكافأتك وهديتك أكبر وأقيم.
  • علميه الثقة بالنفس وبقدرته على التفوق دون الحاجة لغيره.
  • لا تسمحي له بمساعدة من أحد إن كان متفوقًا، فالمساعدة هي ما تقدم قبل الامتحان أو في المذاكرة أو في إعانة الزميل بالشرح أو بالكراسة المكتوب فيها الدرس أو المحاضرة، لكنها ليست بنقل الواجب ولا بالغش في الامتحان.
  • علميه كيف يكون قويًا واثقًا من نفسه وأنه إن أخبره أحد أنه أناني وغير متعاون كيف يرد عليهم ويفرق بين التعاون والغش.
علمي طفلك الثقة بالنفس وبقدرته على التفوق دون الحاجة للغش (بيكسلز)

ما دور الأسرة في تعزيز سلوك الغش عند الأطفال؟

تؤكد الصايغ أنه عندما يشعر الطفل أن الامتحان يقيمه كشخصٍ ولا يقيم معارفه ومهاراته في موضوع ما، وعندما يضغط الوالدان عليه من أجل التفوق، فإنه سيعمد إلى الغش هربًا من اللوم الأُسري الذي سيقع عليه في حال فشله.

وفي كل الحالات تعتبر الأسرة ركنًا أساسيًا في تعزيز سلوك الغش عند أطفالها أو الحد منه ومنعه. لأن الأسرة، بحسب الصايغ، التي تربّي طفلها على القيم الحميدة والتمسك بها، ويكون الوالدان فيها قدوة يقتدى بها للخير، يراعيان الأمانة دون ممارسة دور الرقيب المحاسب على من سواهما، لن يضطر أطفالها إلى الغش، فإن الأطفال يمارسون ما يعيشون وليس ما يملى عليهم، بحسب قول الصايغ.

المصدر : الجزيرة