كيف تغيرت آراء قاسم أمين في 5 سنوات بين كتابي "المصريون" و"تحرير المرأة"؟

قاسم أمين. المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي.
قاسم أمين حاول تفكيك الوضع الاجتماعي للمرأة المصرية وإعادة حقوقها الطبيعية في اختيار الزوج والعمل والتعليم (مواقع التواصل)

القاهرة – قبل نحو قرن وعقدين من الزمان نشر الكاتب والمفكر المصري قاسم أمين كتابه الشهير "تحرير المرأة" ليثير جدلا واسعا في زمن كان أستاذاه الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني يثيران جدلا مشابها بأفكارهما الإصلاحية، والتي لا تزال محل جدل حتى اليوم في المجتمعات العربية والمسلمة.

يصف البعض أمين بزعيم الحركة النسائية المصرية، فقد عُرف بدفاعه عن الحرية الاجتماعية والدعوة لتحقيق العدالة، وكان ممن أسسوا الجامعة المصرية، كما دعا لتحرير اللغة العربية من التكلف.

نشأة قاسم أمين

ولد قاسم أمين في الأول من ديسمبر/كانون الأول 1863 في الإسكندرية من أب تركي وأم مصرية صعيدية، وانتقلت الأسرة إلى القاهرة لتقيم في حي الحلمية، ليتلقى أمين تعليمه في المدارس التي تجمع أبناء الطبقة الأرستقراطية.

تخرج في كلية الحقوق عام 1881 وعمل بالمحاماة فترة قصيرة، قبل أن يسافر إلى فرنسا للدراسة في جامعة مونبلييه في بعثة دراسية، لتجمعه صداقة مع الإمام محمد عبده في فرنسا ويعمل مترجما خاصا له، وكان من أبرز المؤيدين لمنهجه ودعوته للإصلاح في القرن الـ19.

خلال السنوات الأربع التي قضاها في فرنسا اطلع أمين على الثقافة الغربية، كما أغرته الحرية السياسية التي يتمتع بها أبناء الثورة الفرنسية، مما كان لها أثره لاحقا على أفكاره وآرائه.

كتاب المصريون، تأليف: قاسم أمين. المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي.
"كتاب المصريون" دافع فيه قاسم أمين عن العادات الاجتماعية في المجتمع المصري وهاجم تحرر المرأة الأوروبية (مواقع التواصل)

"المصريون" وقاسم أمين

ألّف أمين كتاب "المصريون" باللغة الفرنسية عام 1894 ردا على الدوق الفرنسي داركور وكتابه "مصر والمصريون"، حيث استفزته آراؤه عن المصريين وانتقاده له وللدين الإسلامي، وكتب عن العادات الاجتماعية في المجتمع المصري مدافعا عن حرية تعدد الزوجات، وهاجم تحرر المرأة الأوروبية، وفقا لعضو اتحاد المؤرخين العرب في جريدة الأهرام إبراهيم عناني.

ووفقا لما نشرته الأهرام نقلا عن عناني، فإن الأميرة نازلي فاضل قد استاءت من أفكار أمين، وطلبت من الشيخ محمد عبده أن يبلغه غضبها، ليعيد قاسم النظر في أفكاره والتقاليد السائدة عن حجاب المرأة، ليقدم أفكاره بشكل مختلف وجديد ومثير للجدل بعد سنوات في كتابه "تحرير المرأة".

كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" تناول قضايا شائكة مثل الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق (مواقع التواصل)

قاسم أمين وكتاب "تحرير المرأة"

في عام 1899 نشر أمين كتابه "تحرير المرأة" بدعم كبير من الإمام محمد عبده والمفكر أحمد لطفي السيد، حيث تناول قضايا شائكة، مثل الحجاب في الإسلام، وتعدد الزوجات والطلاق، والعزلة بين المرأة والرجل وأنها ليست من الشريعة، ودعا إلى تحرير المرأة لتخرج للحياة.

وختم أمين كتابه بأن ما يريد إدخاله من الإصلاح في حالة المرأة يختص بالعادات وطرق المعاملة والتربية، وأيضا يتعلق "بدعوة أهل النظر في الشريعة الإسلامية والعارفين بأحكامها إلى مراعاة حاجات الأمة وضروراتها في ما يختص بالنساء، وألا يقفوا عند تطبيق الأحكام عند قول إمام واحد، إنما من كان اجتهاده موافقا لمصلحة عصره".

أثار الكتاب انتقادات واسعة، وتسابق كبار المفكرين للرد على أفكار وآراء أمين، ومن أهمهم الزعيم الوطني مصطفي كامل الذي ربط أفكار أمين بالاستعمار الإنجليزي، كما انتقده أيضا الاقتصادي طلعت حرب.

ورد أمين على من انتقده بكتاب "المرأة الجديدة" عام 1901، مدللا على أفكاره في "تحرير المرأة" بأقوال مفكري الغرب.

كتاب قاسم امين "المرأة الجديدة"
كتاب قاسم أمين "المرأة الجديدة" جاء ردا على من انتقد أفكاره في كتاب "تحرير المرأة" (مواقع التواصل)

قاسم أمين وحقوق المرأة

تناول برنامج "خارج النص" -من إنتاج الجزيرة- كتاب "تحرير المرأة"، وقال البرنامج إن الكتاب حاول تفكيك وإعادة الحقوق للمرأة، ونقد تعدد الزوجات والزواج المبكر، واعتبر التخلي عن الحجاب التقليدي أحد مفاتيح حل الأزمة، كما حاول تفكيك الوضع الاجتماعي للمرأة المصرية وإعادة حقوقها الطبيعية في اختيار الزوج والعمل والتعليم والاختلاط الكامل في المجتمع.

وأشار أستاذ الأدب والنقد في جامعة عين شمس حسام عقل -خلال لقائه في برنامج "خارج النص"- إلى أن أمين تشغله القضية النسائية بشكل عام، وليس فقط قضية زي المرأة، كما شغلته قضية الحرية، وربط بين الحرية العامة وحرية المرأة.

وأوضحت الكاتبة الصحفية فاتن يوسف -خلال البرنامج- أن أمين تناول المبالغة في التحجب وليس التحجب نفسه، وأنه قدّم نوعا من المقاربة بين عدم الحشمة المبالغ فيها في المجتمع الأوروبي والاحتشام المبالغ فيه في المجتمعات المسلمة.

وأضافت أن المحاذير التي تحدث عنها أمين في كتابه لا نزال نعاني منها في مجتمعاتنا العربية، مثل حجاب المرأة وعملها ودراستها.

قاسم أمين وثورة يوليو/تموز

بدوره، يرى الكاتب والمفكر محمد الجوادي أن ثورة يوليو/تموز 1952 جعلت قاسم أمين يحظى بصورة فريدة في الأدبيات السياسية المصرية، لأن عصر الشمولية الذي ارتبط بنظام جمال عبد الناصر "كان لا بد أن يقدم الحرية في صورة أخرى غير الحرية السياسية".

وأضاف الجوادي "هكذا كان الحديث المفضل عن حرية المرأة عند أدبيات ثورة يوليو لا يرتبط بأدوارها السياسية، وإنما يحبسها في قضية فرعية كقضية الحجاب، مع تصوير هذه القضية على أنها هي وهي فقط الحرية، وهكذا تم استدعاء قاسم أمين إلى مجتمع الميثاق الذي قدمه الرئيس عبد الناصر كصيغة ثانية لدستوره الفردي بعد فلسفة الثورة".

ويضيف الكاتب -في مقال بموقع الجزيرة مباشر– أن قاسم كان ابن عصره، حيث كان يعبر عن جوانب الحيرة الفكرية التي يقع فيها المتميزون من أبناء مصر وقتها، والذين فكروا في تحرير بلادهم من التخلف أولا.

حديث الثورة - 3/8/2013 - محمد الجوادي
محمد الجوادي: كان الحديث المفضل عن حرية المرأة عند أدبيات ثورة يوليو/تموز 1952 لا يرتبط بأدوارها السياسية وإنما يحبسها في قضية فرعية كالحجاب (الجزيرة)

هل تتناقض أفكار قاسم أمين؟

بدوره، يرى الكاتب والسفير السيد أمين شلبي أن شخصية أمين كانت نتاجا لتأثره بخير ما في بيئته المصرية وخصائصها الاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى البيئة الفرنسية التي عاش فيها 4 أعوام، وأنه حاول أن يوفق بشكل خلاق وموضوعي بين البيئتين، كما أنه كان مسلما قوي الإيمان، مثقفا قوي الثقافة، مصري الوجدان، أوروبي التفكير.

ويرى شلبي -في مقال بجريدة الأهرام– أن الأفكار التي نادى بها أمين في كتابه "المصريون" تغيرت كثيرا في كتابه الأشهر "تحرير المرأة"، فقد دافع عن الحجاب بمفهومه الواسع قاصدا احتجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجال في الكتاب الأول، فيما في الكتاب الثاني يعارض الحجاب ويعدد مساوئه للمرأة وصحتها الجسدية والنفسية والأدبية والعقلية.

ويرجع شلبي التعارض والتناقض بين الكتابين حول قضايا المرأة والمجتمع الشرقي ومقارنته بالمجتمع الغربي إلى تطور أمين الفكري، حيث كتب "المصريون" بدافع الحمية الوطنية والدينية في مواجهة الدوق الفرنسي الناقد لوطنه، وكانت السنوات الخمس التالية حتى نشره "تحرير المرأة" هي مرحلة النضج والنظر لقضايا بلده بعيدا عن العاطفة والغيرة الوطنية.

رحيل قاسم أمين

في 23 أبريل/نيسان 1908 رحل أمين عن عالمنا عن عمر يناهز 42 عاما، لتشهد مصر بعد ذلك بنحو عقد من الزمن خروج النساء يشاركن بقوة إلى جوار الرجال في ثورة 1919 ضد المستعمر الإنجليزي.

المصدر : الجزيرة