في الأردن.. كيف غيّرت مبادرة خيرية مستقبل فتاة قروية تعاني الصمم؟

أنهت دراستها الثانوية بصعوبة وبمساعدة من معلماتها بسبب إصابتها بإعاقة سمعية ونطقية رافقتها منذ صغرها، لم تتمكن من استكمال دراستها الجامعية فتركت التعليم وجلست حبيسة البيت بلا دراسة، وذلك لعدم وجود مؤسسة تعليمية قريبة من بيتها لذوي الاحتياجات الخاصة، وبلا عمل في قريتها النائية التي تعيش بها.

وعلى هذا المنوال عاشت الفتاة نداء سلطان الصمادي في قريتها النائية "الخشيبة" بمحافظة جرش، وتقع شمال الأردن وتبعد عن العاصمة عمّان حوالي 48 كيلومترا، حتى جاء مشروع خيري بعنوان "صندوق مدد" ليقدم لها التدريب والتشغيل، فحققت ذاتها وأصبحت كوافيرة نسائية تملك صالونها ومعداتها الخاصة بها، ولها زبائنها الدائمون.

"صندوق مدد" ممول من الاتحاد الأوروبي من خلال الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية، وبتنفيذ الائتلاف الذي تقوده المبادرة النسوية الأورومتوسطي "إي إف آي" (EFI).

همة عالية

"حظيت نداء ٢٤ عاما برعاية واهتمام خاص من والديها بين إخوتها الثمانية" تقول والدتها أم أنس الصمادي للجزيرة نت، ورغم محاولاتهم لعلاجها من الحالة المرضية التي تلازمها، إلّا أن جهود الأطباء لم تفلح معهم، حتى توصلوا لتركيب سماعة خارجية تساعدها على سماع معلماتها وقضاء حاجاتها.

وتعلمت خلال دراستها بالرمال وشغل الصنارة (الكروشيه) وحصلت على دورة تدريبية في مجال التجميل وقص الشعر للنساء بمركز للتدريب المهني، وكانت منتجاتها تلاقي استحسانا كبيرا من أهلها ومعلماتها وزميلاتها في المدرسة، مما شجعها على المتابعة، وكانت تسوق منتجاتها للأقارب والمعلمات.

ولا تعتبر نداء نفسها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل من ذوي الهمم العالية، الذين يؤمنون أنهم قادرون على التعايش مع المجتمع والعيش مع أفراده بصورة طبيعية دون أن ينقصهم شيء.

تحرص والدة ندائ على مرافقتها في الصالون ودعمها بعملها. الجزيرة محافظة جرش شمال الاردن منطقة الخشيبة_
والدة نداء تحرص على مرافقتها في الصالون ودعمها (الجزيرة)

مهارات متعددة

كانت نداء ترغب بالالتحاق بالجامعة -تضيف والدتها-، لكن ظروف العائلة الاقتصادية لم تسمح لها بذلك، فقررت العمل من البيت بمنتجاتها الخاصة وزيادة تسويقها من خلال "جمعية كنز الأرض الخيرية" في القرية التي تعيش فيها، وخلال عملها بالجمعية وجهها العاملون هناك للحصول على دورات متقدمة بالتجميل والعمل بهذا المجال، خاصة وأن المنطقة التي يسكنون فيها تفتقر لصالون تجميل نسائي.

اتجهت الفتاة -كما تقول والدتها- لأخذ دورات تدريبية مع مشروع "تعزيز الوصول إلى الحماية والمشاركة والخدمات للنساء اللاجئات والمجتمعات المضيفة في الأردن". وتضيف أم نداء: ولم يسبق لنا أن سمعنا عن مشروع دولي دخل قريتنا (الخشيبة) للعمل فيها ودعمها من قبل، مما أدى إلى فضول كبير لتجربة جديدة، وشاركت نداء في التدريب لأنها تنقصها الخبرة والمعرفة وتريد تطوير عملها وتسويقه بالصورة الصحيحة.

صقل شخصيتها

خلال التدريب في دورتها الأولى حول "مهارات حياتية" تطورت شخصية نداء، وأصبحت تمتلك معرفة بالتعامل مع الناس والتسويق وإدارة المشاريع الصغيرة وغيرها من المعارف الضرورية لتحسين وضعها الاقتصادي، وزيادة الطلب على منتجاتها، وبعدما حققت نجاحا بالدورة الأولى، انتقلت للتدريب المهني في مجال التجميل.

وتوجهت نداء لمركز تطوير الأعمال في العاصمة للحصول على دورة متقدمة في فن التجميل، -تقول والدتها-، وبعد إنهاء الدورة وتمكن نداء من التدريب الجيد والمتمكن، أنشأ لها المركز صالونا للسيدات بما تحتاجه من أدوات ومعدات لازمة، والتكفل بكامل أعمال الصيانة للبدء بفتح مشروعها الخاص، وباشرت العمل بالمشروع منذ شهرين تقريبا.

نداء في الصالون الجديدي. الجزيرة محافظة جرش شمال الاردن منطقة الخشيبة_
نداء تطمح إلى إيجاد فرص عمل لفتيات قريتها الفقيرة (الجزيرة)

هدف مستقبلي
غير الصالون مسار حياتها، وبات لها هدف مستقبلي تسعى لتحقيقه من خلال الصالون، وتسعى لتطوير عملها بإدخال خدمات جديدة من تنظيف بشرة وتجهيز العرائس وتسويق منتجات التجميل للنساء من خلال الصالون، وستقوم مستقبلا بفتح فرص عمل للفتيات في قريتها الفقيرة بحيث تعمل على تحسين ظروفهن المعيشية، خاصة من الفتيات اللواتي شاركن معها في دورة التجميل.

تدريب وتشغيل ورعاية

ويعتبر مركز تطوير الأعمال "بي دي سي" (BDC) من المؤسسات الرائدة في مجال التنمية والتدريب كونه يستهدف احتياجات السوق -كما يقول المدير التنفيذي نايف استيتية للجزيرة نت- وتطوير الإستراتيجيات والبرامج الخاصة بتنمية الأفراد والمجتمعات بطرق مبتكرة، تقوم على عدة مرتكزات أهمها مساعدة المؤسسات لتعزيز قدراتها التنافسية، وتزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق ذلك.

ويعمل هذا المركز بالشراكة مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، لتنمية الاقتصاد الوطني وتمكين المجتمعات، ويهدف لتحفيز الطاقات لدى الشباب وتزويدهم بالسلوكيات الريادية اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية في المنطقة.

المصدر : الجزيرة