زواج القاصرات في العراق.. عندما تتحول الأحلام الوردية إلى كوابيس

أسرار الزواج التي يتغاضى عنها البعض (بيكسابي)
ناشطات اعتبرن أن زواج القاصرات يحرم الفتيات من العيش مرحلة الطفولة والمراهقة (مواقع التواصل)

"في جلسة عائلية.. كنا نتكلم ونضحك ونستمتع بأوقاتنا كعائلة، وفجأة تطرق أبي لموضوع الزواج من ابن عمي.. صمت الجميع وقتها، لا يعرفون ماذا يردون على الأب المصرّ على تزويج ابنته الوحيدة"، بهذه الكلمات تحدثت طيبة ماجد ذات الـ14 ربيعا عن تجربة زواجها المبكر.

أكدت طيبة في حديثها للجزيرة نت "لا أعرف شيئا عن الزواج سوى أن العروس ترتدي فستانا أبيض وتذهب إلى بيت زواجها".

وتضيف وعلامات الندم واضحة عليها: "أجبرت على الزواج رغما عني، وطوعا لرغبة أبي وأمي بالزواج من ابن عمي الذي يبلغ من العمر 16 عاما، لأني الوحيدة لعائلتي التي جميعها من الذكور".

وأشارت طيبة إلى أن "الزواج لم يدم سوى 7 أشهر، بسبب عدم الانسجام بيننا كزوجين، والمشاكل الكثيرة التي حصلت منذ الأسابيع الأولى وتطورت لتشمل الأسرتين والأهل، حيث حملت، وبعدها أجبرت على إجهاض طفلي قبل طلاقي بأيام معدودة".

دعاء غازي المصدر الجزيرة
دعاء غازي ترى أن الفتاة القاصرة غير ناضجة عقليا ولا جسديا (الجزيرة)

وعلى غرار طيبة، خاضت دعاء غازي (32 عاما) تجربة الزواج في عمر مبكر وهي لم تكمل 18 عاما من العمر، وتحدثت للجزيرة نت قائلة إنه "من عمر 12 إلى 19 سنة تعتبر الفتاة في عمر الأحلام، أو ما يمكن تسميته بالغياب عن الوعي، لأنها في هذه المرحلة تتبع أحلامها الوردية وتكون غير ناضجة عقليا وجسديا".

وتعتبر دعاء أن "الزواج عبارة عن فستان أبيض تتخلله فرحة صديقاتها، وخصوصا المجتمع الذي يجعل من فكرة الزواج شيئا جميلا كأنه إنجاز عظيم للبنت والشاب، خصوصا بعد غياب العقاب القانوني الذي من المفترض أن يحاسب أولياء الأمور، وأيضا تشجيع بعض رجال الدين عليه".

وأشارت إلى أن كثيرا من القاصرات "على الصعيد الجسدي يتعرضن لنزيف حاد أثناء الولادة، مما يؤدي إلى الوفاة، وبعضهن يتعرض لإجهاض مبكر نتيجة عدم اكتمال البنية الجسدية".

علي التميمي
علي التميمي أوضح شروط الزواج في القانون العراقي (الجزيرة)

الناحية القانونية

الخبير القانوني علي التميمي قال للجزيرة نت إن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 في الفقرة الأولى من المادة الثالثة، عرّف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا يراد منه إنشاء النسل والحياة المشتركة.

وتطرق التميمي أيضا إلى شروط الزواج في قانون الأحوال الشخصية في المادة السابعة، وهي تمام الأهلية والعقل، لكن هذهِ المادة أجازت الزواج لمن أكمل سن 15 عاما بشرط موافقة المحكمة وموافقة ولي الأمر أيضا، أما من كان دون 15 عاما فلا يمكن أن يُسجل في المحكمة.

وكشفت آخر إحصائية رسمية صادرة عن مجلس القضاء العراقي، عن أعداد حالات الطلاق في العراق خلال يناير/كانون الثاني الماضي المسجلة في محاكم جميع المحافظات العراقية -عدا إقليم كردستان- والتي بلغت 5143 حالة، بينما بلغ مجموع حالات التفريق بحكم قضائي 1443.

والزواج المبكر وزواج القاصرات من أهم الأسباب المؤدية إلى ارتفاع معدلات الطلاق في العراق، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي للمواطن العراقي، وهو ما تشير إليه سجلات المحاكم العراقية التي وثقت آلاف حالات الطلاق لأزواج تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاما.

الأكاديمية والناشطة نهلة نجاح
نهلة نجاح رأت أن زواج القاصرات منتشر في المناطق الريفية وتزايد مؤخرا في المدن ومنها بغداد (الجزيرة)

مشكلة اجتماعية

وتعليقا على ذلك، اعتبرت الأكاديمية والناشطة المدنية الدكتورة نهلة نجاح زواج القاصرات من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع وخاصة في المناطق الريفية، وقد تزايد في الآونة الأخيرة في المدن ومنها بغداد.

ونبهت إلى أن "للموضوع انعكاسات وأثارا سلبية لا تعد ولا تحصى، من أبرزها حرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والمراهقة، وفرض مسؤوليات كبيرة عليها وهي لا تعرف شيئا عن الحقوق والواجبات الأسرية، وتجبر الفتيات على الحرمان من التعليم وتضطرهن للحمل والإنجاب خضوعا للبيئة الاجتماعية المحيطة بهن".

وخلصت إلى القول "قد تتعرض الفتاة لمشاكل اجتماعية مع الزوج وأيضا مشاكل صحية بسبب الحمل والإنجاب الذي لا يتناسب مع عمرها ووعيها وهي لا تتجاوز 18 عاما، حيث إن زواج القاصرات يزداد في المجتمعات التي تسودها النزاعات والفقر والفوضى وعدم الاستقرار، وتذهب الفتيات ضحية لذلك، فيُحرمن من الكثير من حقوقهن ويتم إيهامهن بأن الزواج سيسعدهن ويجعل وضعهن أفضل، وهذا نادرا ما يحدث على أرض الواقع".

وأشارت نجاح إلى أن "الفتاة قد لا تجبَر على الزواج ولكن بتركها التعليم وجلوسها حبيسة المنزل تتحمل هنا العائلة عدم توعيتها، ويتم توجيهها بشكل مباشر إلى أن البديل الطبيعي عن التعليم هو الزواج، وبالتالي تصبح الطفلة عشوائية ومضطربة، وقد تدخل في علاقات عاطفية فقط من أجل الزواج الذي يصبح حلما يطاردها وتسعى لتحقيقه".

واستغربت الأكاديمية العراقية من توجّه بعض العائلات المتعلمة والميسورة ماديا إلى تزويج بناتها وأولادها القاصرين، مبررين ذلك بصعوبة الحياة وكبر المسؤوليات، متجاهلين حالات الطلاق التي قد تحدث لأولادهم مستقبلا ولا سيما أن المحاكم العراقية تشهد ارتفاع حالات الطلاق يوميا، وخاصة بين الفئات العمرية الصغيرة ممن يجهلون ما الأسرة وما البناء الاجتماعي لها.

وطالبت نجاح بوجود "برامج عن الإرشاد الأسري والزواجي على غرار الكثير من الدول الأخرى، ويمكن أن يقدَّم من مؤسسات حكومية أو منظمات مجتمع مدني، بهدف تخفيف حالات العنف الأسري والحد من الطلاق نتيجة لتوعية المقبلين على الزواج بحقوقهم وواجباتهم".

المصدر : الجزيرة