كيف تؤثر درجتك الوظيفية على طريقتك في تربية أبنائك؟

5 عبارات مفيدة أخرى بدلا من قول "أنا آسف" إذا ارتكبت خطأ في وظيفتك
ضغوط العمل تمتد أحيانا إلى العلاقة بالأطفال وأساليب تربيتهم (بيكساباي)

ليلى علي

هل يمكن لطبيعة العمل الذي تقوم به الأمهات أن تؤثر على طريقة التربية التي يتبعنها مع أبنائهن؟ 

تظن كل أم أن لوظيفتها فائدة أو ضررا معينا يمس أطفالها بشكل أو بآخر، وتقول مروة اختصاصية تحاليل ولديها ثلاثة أطفال، إن وظيفتها في هذا المجال تجعلها في قلق دائم على صحة أبنائها، وهذا جعلها لا تتهاون في مسألة النظافة حتى أنها جعلت للنظافة روتينا لا بد من الالتزام به.

لكنها من جهة أخرى تعد أُما متساهلة، حيث لا تضغط على الأبناء في مسألة المذاكرة والحصول على التقديرات الممتازة، فهي تريدهم أن يستمتعوا بحياتهم أكثر.

وتوضح أن "جميع الآباء يضغطون على أبنائهم لأنهم يرغبون في حصولهم على وظيفة مستقرة في المستقبل كالطبيب والمهندس، ولكني من واقع خبرتي في العمل كطبيبة والضغط الذي تمت ممارسته عليّ أرى أن الأمر لا يستحق، فالأفضل أن يحدد الطفل مساره بنفسه مع بعض التوجيهات الضرورية". 

محددات السلوكيات الأبوية
هل لوظائفنا دور في تحديد سلوكياتنا كأمهات وآباء؟ يجيب عن هذا السؤال، العالم النفسي بجامعة بنسلفانيا، آدم غرانت، في مقال له على موقع "صالون"، فيقول إن حوالي ربع السلوكيات الأبوية هي وراثية ويمكن إرجاع نصفها تقريبا إلى البيئة التي ترعرع فيها في مرحلة الطفولة. ولكن هناك عامل ثالث مهم، لم ينتبه له العديد من الخبراء كما أنه غير مرئي من قبل الآباء، حيث يمكن لخبراتنا في العمل أن تحدد الكيفية التي نربي بها أطفالنا.

ربما لا توجد إجابات واضحة حتى الآن حول كيفية تأثير وظائف بعينها على السلوكيات الآبوية، ولكن لطبيعة العمل التي يقوم بها الآباء من حيث قدر المسؤولية والحرية والسلطة الممنوحة أو المسلوبة منهم أثناء تأديتهم لعملهم التأثير الأكبر على سلوكياتهم التربوية مع أبنائهم. 

قبل نصف قرن، كان العالمان الاجتماعيان ميلفين كون وكارمي سكولر، متشوقين لمعرفة كيف ستؤثر الأنواع المختلفة من الوظائف على الأشخاص نفسيا، فقاما بإجراء مقابلات مع آلاف الموظفين من كل مهنة رئيسية في الولايات المتحدة، كالمديرين والمحاسبين والميكانيكيين وعمال البناء والمدرسين ومندوبي المبيعات.

‪ربع السلوكيات الأبوية هي وراثية ويمكن إرجاع نصفها تقريبا إلى البيئة التي تربى فيها الأبوان‬ (مواقع التواصل)
‪ربع السلوكيات الأبوية هي وراثية ويمكن إرجاع نصفها تقريبا إلى البيئة التي تربى فيها الأبوان‬ (مواقع التواصل)

وجدت الدراسة أن الموظفين الذين أعطاهم مشرفوهم القليل من السيطرة والتحدي في وظائفهم كانوا أكثر ميلا إلى تأييد الآراء الاستبدادية. ويعتقد هؤلاء الرجال أن الرؤساء يجب أن يكونوا مهيمنين وأن المرؤوسين يجب أن يكونوا خاضعين، ويجب على المديرين أن يكونوا صارمين لكسب الاحترام، وأن يطيعهم الموظفون حتى عندما يختلفون معهم. وقد عبروا عن هذه الآراء في فلسفاتهم الأبوية. ومن المرجح أن الرجال الذين كانت وظائفهم مقيدة للحرية يعتقدون أن "أهم شيء لتعليم الأطفال هو الطاعة المطلقة لوالديهم".

وخلص كون وسكولر إلى أن "الوظيفة تؤثر على الإنسان أكثر مما يؤثر الإنسان على الوظيفة"، وكان هذا صحيحا أيضا بالنسبة للنساء اللاتي أعطاهن رؤساؤهن وظائف روتينية للغاية حيث كنّ أكثر عرضة لتوقع الطاعة الكاملة من أطفالهن، ويعتقدن أن الصرامة هي الطريقة الوحيدة لكسب الاحترام. ولم يكن الأمر في أميركا فقط، فقد ظهرت أنماط مماثلة في اليابان وبولندا.

‪مع القليل من الاستقلالية في العمل تشعر الأمهات بتراجع احترام الذات‬ (مواقع التواصل)
‪مع القليل من الاستقلالية في العمل تشعر الأمهات بتراجع احترام الذات‬ (مواقع التواصل)

الحرية في العمل
يقول المؤلف آدم غرانت، "عندما يفتقر الناس إلى السيطرة والحرية في العمل، ينخفض حافزهم وأداؤهم، ويكونون أكثر عرضة للإجهاد والإرهاق، ومن هنا تغزو القيود في العمل حياتنا الأسرية، مما يشوه القرارات التي نتخذها بشأن كيفية تربية الجيل القادم. وعندما يتم إحباط السيطرة في جزء من حياتنا، فإننا نعوض ذلك عن طريق الاستيلاء عليها في جزء آخر. ويمتد ذلك إلى علاقتنا مع أطفالنا".

وخلص غرانت إلى عدد من الملاحظات فيما يتعلق بتأثير الوظائف على السلوكيات الأبوية، وفقا للتالي: 

  • الأمهات والآباء الذين يفتقرون إلى العمل التحفيزي يمارسون الانضباط الأكثر قسوة على أطفالهم، ويعاقبونهم على سوء السلوك قبل منحهم فرصة للشرح أو التعليم، إذ يرون الأطفال ولكن لا يستمعون إليهم.

  • تخلق الأمهات الأقل تحكما وتوجيها ذاتيا في العمل بيئات أقل تحفيزا في المنزل، حيث تقل احتمالية احتضان أطفالهن والقراءة لهم وتشجيعهم على المشاركة في المحادثات.

  • الأمهات اللاتي يشعرن بالسيطرة في العمل هن أكثر عرضة للسيطرة على أطفالهن كذلك. 

  • مع القليل من الاستقلالية في العمل، تشعر الأمهات بتراجع احترام الذات والمزاج السيئ، مما يعني أن أطفالهن يحصلون على قدر أقل من القبول ومزيد من الرفض والعقاب.

  • تتوقع هؤلاء الأمهات مزيدا من التوافق مع أطفالهن بالرغم من قلة التوجيه الذاتي، مطالبات أطفالهن باتباع القواعد، وينتهي الأمر بأن يصبح أطفالهن أكثر عدوانية ويكسرون مزيدا من القواعد.

‪من الأفضل أن يحدد الطفل مساره بنفسه مع بعض التوجيهات الضرورية (غيتي)‬ من الأفضل أن يحدد الطفل مساره بنفسه مع بعض التوجيهات الضرورية (غيتي)
‪من الأفضل أن يحدد الطفل مساره بنفسه مع بعض التوجيهات الضرورية (غيتي)‬ من الأفضل أن يحدد الطفل مساره بنفسه مع بعض التوجيهات الضرورية (غيتي)

تابع كون وسكولر دراستهما مع العديد من المشاركين الأصليين في الدراسة بعد 10 سنوات، فوجدا أنه بالرغم من تمسك البعض بمعتقداتهم، فإن الكثيرين قد تغيروا، ومن خلال معرفة أنواع الوظائف التي كان يمارسها الآباء، تمكن العالِمان من التنبؤ بالطريقة التي تغير بها المشاركون في الدراسة.

وعندما كان يتم الإشراف على الموظفين عن كثب، أصبحوا أكثر استبدادية على مدى العشر سنوات. حدث ذلك للناس على جميع المستويات من حيث الدخل والتعليم والجنس والأعمار والخلفيات الدينية. وإذا أعطتهم وظائفهم الحرية أصبحوا أقل استبدادا في المنزل وأقل دكتاتورية مع أطفالهم.

ويخلص غرانت إلى أن الأشخاص عندما "يحرمون من السيطرة في العمل، يصبحون أكثر سيطرة في المنزل، لذا أعط الآباء خيارات حول ما يجب أن يفعلوا، أو كيف ومتى وأين يفعلون ذلك، ليصبحوا آباء أفضل".

ويقرر أن "خلق وظائف تسمح بالتوجيه الذاتي، للفكر والحكم المستقل، يمكن أن يجعل الناس أكثر دعما ومرونة في المنزل".

 
المصدر : مواقع إلكترونية