الزواج العرفي.. ملجأ الأرامل والمطلقات للحفاظ على المعاش بمصر

القانون في مصر يسقط أحقية المرأة التي كانت تتقاضى معاشا عن والدها أو زوجها إذا تزوجت بآخر
القانون المصري يسقط أحقية المرأة في معاش والدها أو زوجها المتوفى إذا اقترنت بآخر (مواقع التواصل)

أسقط بين يدي الرجل حين علم أن مطلقته تزوجت عرفيا رغم أنها مازالت تتقاضى نفقاتها كاملة منه، ولم يشعر بنفسه إلا وهو داخل مقر النيابة العامة مطالبا بإسقاط حضانتها لطفليه اللذين حرمته من رؤيتهما، وكذلك رد ما أخذته من أموال لا تستحقها من وجهة نظره.

والزواج العرفي، في هذه الحالة وأمثالها، هو زواج يحضره الشهود والولي، ولكنه لا يكتب في الوثيقة الرسمية التي يقوم بها المأذون أو من يقوم مقامه.

هذه الحالة ليست وحيدة، بل هناك حالات كثيرة تقوم فيها المطلقة أو الأرمل أو الابنة بالزواج عرفيا للحفاظ على نفقة أو معاش الزوج أو الأب، وحتى لا تحرم المطلقات من الحضانة، ويتم ذلك بمعرفة الأهل والمحيطين.

بل إن نائب رئيس حركة الدفاع عن أصحاب المعاشات أكد، في تصريحات صحفية، أن هذا الأمر وما شابهه، من الاستيلاء على أموال المعاشات دون وجه حق، منتشر بين كثير من المواطنين بالقرى والمحافظات.

من أجل المعاش

أم هالة تجاوزت الأربعين عاما، لديها 3 أولاد وبنتان، عرض عليها الزواجَ عبدُ الرؤوف -وهو ابن عمها الذي توفيت زوجته دون إنجاب- فأبدت ترحيبها، لكنها رفضت حين أخبرها أحد أقاربها أن الحكومة ستتوقف عن صرف معاش زوجها المتوفى حال زواجها مجددا.

ولذلك -حسب ما حكى جار لهم للجزيرة نت- فقد أقاموا حفلا بسيطا وأفهموا الجيران والأهل أنه زواج قانوني موثق، وعاشوا على هذه الحال متزوجين أمام الناس، لكنهم في الحقيقة لم يعقدوا عقدا واكتفوا بورقة عرفية كي تبقى المرأة في حالة المطلقة فيما يتعلق بالأوراق الرسمية كي تستمر في تقاضي معاش زوجها الأول المتوفى.

خياران كلاهما مر

"حين تقدم شاب للزواج مني وقعت بين خيارين كلاهما مر أولهما أن أتزوج للمرة الثانية، وأتخلى عن معاش والدي الذي أتقاضاه منذ طلاقي من زوجي الأول، وثانيهما أن أرفض عريسا لا أدري متى سيأتي غيره وربما لا يأتي".

هكذا بررت نادية، للجزيرة نت، زواجها بعقد عرفي لتحافظ على معاش والدها الذي تقول إنه مبلغ كبير تخشى خسارته، مضيفة أنه ليس منّة من الحكومة وإنما هو حق والدها الذي دفعه على سبيل التأمين الاجتماعي طوال مسيرته الوظيفية.

لكن المثير أن خلافا عائليا مع ابنة خالتها دفع الأخيرة للوشاية بها حيث أبلغت الجهات الرسمية لينتهي الأمر بانتقال أمرهما إلى النيابة التي تحقق معهما بتهمة الاستيلاء على أموال هيئة المعاشات دون وجه حق وإعطاء بيانات خاطئة.

لاريسا معصراني- فيما يخص العلاقة الزوجية فللبطالة تأثيرات مدمرة تتخطى حدوث الطلاق بحسب علم النفس- (بيكسلز)
هناك من يقوم باستبدال الزواج الرسمي بعرفي لتقديم أوراق الطلاق للجهات الرسمية ليكون له نصيب بمعاش الوالد المتوفى (بيكسلز)

طلاق وهمي

اختمرت في ذهن زوج ليلى فكرة يستطيعان من خلالها الحصول على معاش والدها المتوفي حديثا، بأن يقوم الزوج بتطليقها، واستبدال الزواج الرسمي بعرفي، ويقدمان أوراق الطلاق للجهات الرسمية كمطلقة تستحق صرف نصيب في معاش الوالد المتوفى.

أحد الموظفين في هيئة التأمينات الاجتماعية المسؤولة عن شؤون المعاشات يؤكد أن حالات كثيرة تم إبلاغ الهيئة بها، منها ما كُشف عن طريق الإبلاغ بسبب الخلافات أو النزاعات العائلية أو مع الجيران، ومنها ما يكشف بالصدفة.

فضيحة بالصدفة

وروى محمدي للجزيرة نت، مفضلا عدم ذكر اسمه الكامل، ما وصفه بأشهر قصة بين الموظفين بهيئة التأمينات كُشفت بالمصادفة حين أوقفت الهيئة صرف معاش رجل متوفى لابنته بعد أن تزوجت، فجاءت تشكو للإدارة فأفهمها الموظفون أنه طبقا للقانون لا يحق لها.

وهنا علا صوت المرأة معترضة بالقول "اشمعنى فلانة جارتي" ولما طلب منها الموظفون التوضيح أخبرتهم أن جارتها متزوجة منذ 5 سنوات وما زالت تصرف معاش والدها.

فتم إبلاغ الشرطة واكتشف أنها متزوجة عرفيا، وقُدمت للنيابة ودفعت كامل ما أخذته من أموال دون وجه حق، إضافة لغرامة مالية كبيرة، حسب كلام محمدي.

أسباب حقيقية وغريبة أقدم بسببها الناس على الطلاق، تعرف عليها
المعتدون على المال العام لا يطالهم أي إحساس بالذنب أو وخزة ضمير (غيتي)

لا شعور بالذنب

الأخصائي النفسي محمود رشوان يرجع كثرة هذه الحالات إلى شعور داخلي لمن يقومون بهذا التعدي على أموال التأمينات بأنهم يأخذون حقا دفعه آباؤهم أو أزواجهم طوال حياتهم الوظيفية، وهم أحق به من الحكومة.

ويشير إلى أن هؤلاء المعتدين على المال العام لا يطالهم أي إحساس بالذنب أو وخزة ضمير، حيث يحسبونها بأن الوالد أو الزوج عمل لعشرات السنوات كان يخصم خلالها مبالغ شهرية للتأمينات، وأنه لم يكمل سنوات قليلة بعد خروجه على المعاش حتى توفي، ولم يأخذ سوى نسبة ضئيلة مما دفعه.

لكن الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، يرى أن عدم توثيق الزواج لغرض الحصول على معاش الزوج تحايل على القانون، وذلك لأنها تأخذ مالا لا يحل أخذه، وغير قانوني.

وأضاف، في تصريحات صحفية، أن ذلك يعتبر عملا محرما، لأن قوانين الدولة أباحت صرف المعاش بضوابط معينة، ويعتبر هذا أكلًا لأموال الناس بالباطل، فالمال الذي تتقاضاه الزوجة ليس من حقها، على حد تعبيره.

بل إن هناك مشايخ كرئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور أحمد عمر هاشم، وأستاذ التفسير عبد المعطي بيومي، يرون أن الزواج العرفي حرام حتى لو كان مكتمل الأركان، فعدم التوثيق -حسب فتواهم- يعرض حقوق المرأة للضياع.

جمعة يجيز

على النقيض من هذه الآراء، يجيز مفتي الجمهورية السابق، الدكتور علي جمعة، الزواج العرفي بل ولا يرى حرمة في حصول المتزوجة عرفيا على معاش زوجها أو والدها المتوفي، معللا ذلك بأن العقد العرفي لا يوجب على الزوج الإنفاق على زوجته، ولها أن تحصل على المعاش.

وأضاف، خلال إجابته عن سؤال في برنامج تلفزيوني يقدمه، أن للمرأة حقا في التزوج عرفيا لتكون في حد العفاف بعيدا عن الفاحشة، وتحتفظ في نفس الوقت بالمعاش المقرر لها، وأن تلك ثغرة في القانون، ويمكن أن نستغل فوارقه لمصلحة المواطن، على حد تعبيره.

ومن الناحية القانونية، أكد بلال جبر، المحامي المتخصص في قضايا الأسرة، أن القانون يعاقب كل من حصل على أموال هيئة التأمينات بغير حق أو أعطى بيانات غير صحيحة، أو امتنع عن الإفصاح عن بيانات، بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه (الدولار نحو 16 جنيها) ولا تزيد على 50 ألف جنيه.

وأكد جبر للجزيرة نت أن القانون يسقط أحقية المرأة التي كانت تتقاضى معاشا عن والدها أو زوجها إذا تزوجت بآخر، ونفس الأمر ينطبق على الزوج المستحق لمعاش عن زوجته المتوفاة.

ويبلغ عدد المستفيدين من المعاشات أكثر من 10 ملايين و324 ألفا، طبقا لآخر تحديث للبيانات من قبل وزارة التضامن الاجتماعي.

وصرحت وزيرة التضامن الاجتماعي أن إجمالي ما سيتم صرفه لأصحاب المعاشات خلال العام المالي الجديد 2020/2021 بلغ للمرة الأولى 295 مليار جنيه.

المصدر : الجزيرة