زواج العرب من أجنبيات.. مآله انفصال وفراق أم تكامل واندماج؟

الزواج المختلط
الشاب العربي يهرب من التكاليف المادية -مثل المهر وحفل الزفاف- التي لا تعيرها الفتاة الأجنبية كثير اهتمام (غيتي)

لاريسا صليعي-بيروت

كثرت قصص ارتباط شباب لبنان بأجنبيات وبخاصة الروسيات منذ سنوات وحتى الآونة الأخيرة، والسبب الأول يرجع لجمالهن الفاتن، إضافة للهروب من واقع الفتاة العربية التي تشترط على المتقدم للزواج تكاليف مادية صعبة من مهر وحفل زفاف وغيرها من الأمور التي تراها الفتاة الأجنبية كماليات لا تعيرها كثير اهتمام.

الزواج المختلط بدايته علاقة عاطفية ودوافع اقتصادية أو هروب من الواقع، ونهايته خلاف وصراع وانفصال، وأحيانا تكامل واندماج. فالزواج يبنى على أسس متعددة منها الاحترام المتبادل والثقة والحوار، لكن أهمها التفاهم المتبادل.

والزواج من أجنبيات يفرض تحديات جديدة على الزوجين نظرا لوجود اختلاف في اللغة والدين والعادات والتقاليد. لكن هل يمكن لشخصين من بيئتين وحضارتين وبلدين مختلفين أن يتفاهما، وأن يتزوجا ويؤسسا عائلة واحدة، وهل هذه الزيجات ناجحة بكل المعايير أو هنالك تحديات تواجهها؟

كاترينا وسفيتلانا وغيرهما تحدثن عن تجربتهن في الزواج من لبنانيين، وحياتهن اليومية بحلوها ومرها، ومنهن من تمسكن بالعيش في لبنان، ومنهن من غادرن البلاد ولم يستطعن التأقلم مع المجتمع اللبناني.

‪الزواج من أجنبيات يفرض تحديات على الزوجين لاختلاف اللغة والدين والعادات والتقاليد‬ (غيتي)
‪الزواج من أجنبيات يفرض تحديات على الزوجين لاختلاف اللغة والدين والعادات والتقاليد‬ (غيتي)

كاترينا: زوجي لم يشعرني بالوحدة والغربة
القابلة القانونية (القابلة المتعلمة المؤهلة) كاترينا الشمالي الروسية الأصل تزوجت من المهندس خالد الشمالي ووافقت على الزواج به بعد قصة حب جمعتهما أثناء فترة دراسته وأنجبا ثلاثة أولاد. وكانت مدركة تماما أنها ذاهبة لحياة مختلفة كليا عن حياتها في بلادها بعاداتها وتقاليدها، وأنها ستنتقل للإقامة الدائمة في منطقة جبلية بعيدة كل البعد عن حياة المدن.

تقول كاترينا -وهي تتقن العربية تحدثا وكتابة- "أنا متزوجة منذ 1989، كان (زوجي) يدرس في الجامعة وأحببته ولم أتردد بقرار الزواج، فالشاب اللبناني بيتوتي (يحب البيت)، مهذب ويحب الحياة العائلية، وهي صفات غير موجودة في الشاب الروسي بشكل عام، وهذا ما يلفت نظرنا في اللبناني".

كما أحبها خالد -زوجها- لأنها قنوعة ولم تعترض في بداية زواجهما على السكن مع أهله، كما أنه شجعها على مزاولة عملها في المستشفى، وتضيف كاترينا "دعمني ولم يتركني أشعر بالوحدة والغربة".

السنة الأولى -برأي كاترينا- هي الأصعب على مختلف المستويات، من حيث إيجاد صداقات والتعود على المدينة والتأقلم مع العادات الجديدة، وتعلم اللغة العربية، لكنها مع الوقت لم تعد تشعر بالغربة، خصوصا أن عملها وعائلتها يأخذان وقتها كله، مؤكدة للجزيرة نت "لا أجد ما يعكر صفو حياتي في لبنان ولا أفكر أبدا في العودة إلى بلدي الأم".

‪كاترينا الشمالي (الأولى من اليسار): السنة الأولى هي الأصعب، وبعدها لم أعد أشعر بالغربة‬ (الجزيرة)
‪كاترينا الشمالي (الأولى من اليسار): السنة الأولى هي الأصعب، وبعدها لم أعد أشعر بالغربة‬ (الجزيرة)

سفيتلانا: بعد عودتنا للبنان بدأ يعاملني بقسوة
وتختلف قصة سفيتلانا شاهين، التي تزوجت طبيب أمراض نساء، لكنه تغير بعد عودته إلى لبنان وبدأ يعاملها بقسوة وعنف، ومنعها من العمل والخروج، وتحملت هذا الجحيم لعشر سنوات، بعدها أخذت قرار الرحيل مع أولادها دون علمه، ونجحت في محاولتها العودة لأوكرانيا وطلبت الطلاق من هناك، ولم تندم على قرارها الذي غيّر مجرى حياتها للأفضل، وأمّنت لولديها حياة كريمة.

تقول سفيتلانا "لم أتوقع أن علاقة حبنا ستزول بسرعة، وأن زوجي سينقلب رأسا على عقب، ويتحول لشخص آخر يمارس العنف والصراخ والضرب أمام أولادنا، وأعطيته فرصا عدة، لكن بعد فترة طويلة اتخذت القرار الصائب وهربت مع أولادي إلى أوكرانيا لأعيش بسلام وطمأنينة".

‪إيرينا الزين تشرح تجربتها: طلبت الطلاق بالرغم من الحب الذي جمعنا‬ (الجزيرة)
‪إيرينا الزين تشرح تجربتها: طلبت الطلاق بالرغم من الحب الذي جمعنا‬ (الجزيرة)

إيرينا طلبت الطلاق رغم الحب الذي جمعهما
إيرينا الزين الشابة على مشارف الأربعين لم تحسب يوما أنها ستحمل كنية الزين في لبنان وتعيش في بيروت، وتعاني تحديات السكن واللغة في آن معا. حاولت ترتيب حياتها من جديد وسط بيئة مختلفة عن الحياة التي عاشتها، لكنها لم تتأقلم مع العادات والتقاليد.

وازدادت معاناتها مع تغير تصرفات زوجها الذي لم يصبر عليها ولم ترغب بالجلوس في المنزل -ربة منزل- لكنه لم يسمح لها بممارسة عملها -طبيبة أشعة- وفرض عليها شروطا لم تتقبلها، ولم تمض سنتان حتى طلبت إيرينا الطلاق لتعود لموطنها رغم الحب الذي جمعهما.

وتشير إيرينا أنه لدى الفتيات الأجنبيات فكرة غير واقعية عن العالم العربي، ولكن عندما يجدن أنفسهن في البلدان العربية، يدركن أن الحياة الواقعية تختلف بالكامل عن الحكايات الشرقية.

فايز طه: الزواج المختلط يزيد ذكاء الأولاد
المهندس فايز طه متزوج من بولونية منذ 32 عاما، وقد تعلم في بولونيا، وتعرف إلى زوجته وأحبها، ثم عادا إلى لبنان ويعيشان فيها منذ ذلك الوقت.

يقول إنه لم يلق أي رد فعل سلبي تجاه ارتباطه بأجنبية، بل على العكس تقبل محيطه الاجتماعي وعائلته زواجَه. منوها بأن الرجل الصلب هو الذي يحد من تطفل الناس على حياته، ويستطيع بشخصيته فرض زوجته على الجميع.

ويقول للجزيرة نت، "العادات والتربية بين لبنان والخارج لا تختلفان إذا ما تمتع الشريكان بفكر حضاري بعيدا عن التعصب الديني. وفيما يتعلق بالأولاد، الزواج المختلط بين الأعراق والجنسيات يزيدهم ذكاء وغنى من الناحية الاجتماعية والثقافية والفكرية واللغوية".

علم النفس: إيجابيات وسلبيات الزواج المختلط
توضح المحللة والمعالجة النفسية ماغي الخطيب تأثير اختلاف الثقافات بين الزوجين، عارضةً للإيجابيات والسلبيات معا، من ناحية نفسية واجتماعية.

تقول "لعل الحالات الأكثر شيوعا في مجتمعاتنا العربية الآن هي زواج الشاب الشرقي من فتاة أجنبية وإقامتهما في بلد عربي. وهذا لا يمنع أيضا وجود شبان عرب في بلدان نسائهم الأجانب، أو وجود أزواج أجانب لسيدات عربيات في بلاد الشرق، أو سفر المرأة الشرقية للإقامة في بلد زوجها الأجنبي".

وتبقى بطبيعة الحال، قدرة التفاهم منوطة بتناسق الطباع ما بين الرجل والمرأة، وليس باختلاف البيئة فحسب، إذ أصبح اختلاف الحضارات واللغات والبلدان أمرا طبيعيا بين الناس الذين يسعون جاهدين للانفتاح والاطلاع على العادات والتقاليد والأعراف من خلال كبسة زر أو سفر أو مغامرة.

وعندما تكون ثقافة الوالدين مختلفة يعيش الأبناء في صراع نفسي كبير، لأن كلا من الوالدين يسعى لفرض ثقافته وعاداته وتقاليده على أبنائه، ومن هنا ينشأ خلاف أسري ثقافي بين الزوج والزوجة، وعادة يكون الأبناء هم الضحية.

لكنها تضيف "من جهة أخرى، هنالك الغنى المعرفي والانفتاح والثقافة التي يكتسبها الأولاد من أبوين من بلدين مختلفين مما لا يكاد يحصى -علميا وعمليا ولغويا وحضاريا وإنسانيا- إذ إن النضج الفكري والعاطفي والوعيّ الاجتماعي لكلا الطرفين من شأنه أن ينعكس طاقة إيجابية على العائلة كلها".

المصدر : الجزيرة