تخلف الفتيات عن التعليم في الهند.. الواقع يتغير

البنات فى احدى مدارس مجموعة شاهين التعليمية.
تعليم الفتيات في المجتمع الهندي يزيد، طالبات إحدى مدارس شاهين التعليمية (الجزيرة)

شمشاد حسين-نيودلهي

بعد وفاة أبويها، أصبحت عائشة بحضانة أقاربها، وهناك واجهت ظروفا قاسية من الأذى الجسدي والمعنوي، فقررت الهروب من المنزل بحثا عن حياة آمنة.

وصلت إلى دلهي قبل سبع سنوات، وأقامت في سكن حكومي تابع لهيئة حماية حقوق الأطفال، وواصلت دراستها الثانوية، وتفوقت وحصلت هذا العام على 97.75%، ما أهلها لجوائز حكومية.

فما واقع تعليم الفتيات بالهند والعوائق التي تواجهه، وما مدى التغيرات الحالية والتوقعات المستقبلية.. هذا ما يعرضه هذا التقرير…

أرقام ومؤشرات
ثمة فجوة كبيرة في معدل التعليم الأساسي بين النساء والرجال بالهند، حيث إن أكثر من 17% من الفتيات لم يدخلن مدرسة، رغم أن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع نسبة تعليم الفتيا
ت من 64.8% عام 2001 إلى 74.4% عام 2011.

ولكن بعض الولايات لا تزال متخلفة بهذا المجال، ومن بينها ولاية راجستان التي سجلت أقل نسبة بتعليم الفتيات 52.66%، تليها بيهار 53.33%، ثم جاركند 56.22%، وجامو وكشمير 58.01%، فيما تفوقت ولاية كيرالا على جميع الولايات لتسجل نسبة 92% في مجال تعليم الفتيات.

الإحصائيات تشير لارتفاع نسبة تعليم الفتيات في المجتمع الهندي (الجزيرة)
الإحصائيات تشير لارتفاع نسبة تعليم الفتيات في المجتمع الهندي (الجزيرة)

أسباب التراجع
تخلف تعليم الفتيات بالمجتمع الهندي يعود لأسباب عدة، منها اقتصادية وثقافية ولوجستية، فقلة الوعي بأهمية تعليم الفتيات في معظم الأسر، إلى فقر الأسر، وضعف الثقافة لديها، إلى ع
دم وجود مدرسة في كل قرية.

هذا الأمر الأخير تثبته إحصائيات وزارة التنمية الريفية، إذ إن أكثر من 14% من القرى الهندية تخلو من وجود أي مدرسة، وفي 21% منها توجد المدارس الابتدائية فقط، و11% من القرى بها مدارس متوسطة، و6.57% منها فقط توجد فيها المدارس الثانوية.

كل تلك العوامل تتآزر لتصب في تراجع تعليم الفتيات، ولكن الواقع بدأ يتغير، حيث إن الأسر الفقيرة بدأت تهتم بتعليم الفتيات أيضا، كما أن رغبتهن بالتعلم تحملهن على قطع مسافة خمسة كيلو مترات وأكثر على دراجة بالمناطق الريفية.

وتقدمت الطالبات على الطلاب وسجلن تميزا نوعيا، كما يتضح ذلك من نتائج اختبارات الهيئة المركزية للتعليم الثانوي خلال السنوات الأخيرة، وكذلك من نتائج الامتحانات التنافسية الأخرى حيث تحتل الطالبات قائمة المتفوقين.

‪طالبات هنديات في المدرسة.. حيث تسجل الفتيات تقدما ملحوظا في نتائج الامتحانات‬ (الجزيرة)
‪طالبات هنديات في المدرسة.. حيث تسجل الفتيات تقدما ملحوظا في نتائج الامتحانات‬ (الجزيرة)

الطالبات.. في المقدمة

التوجه العام في الآونة الأخيرة لنتائج اختبارات الهيئة المركزية للتعليم الثانوي أثبت أن الطالبات حصدن المراكز الأولى ويتربعن على قائمة المتفوقين، كما أن نسبة النجاح بينهن أصبحت 88.70%، مقابل نسبة 74.40% للطلاب، ففي العام الماضي سجلت الطالبات نسبة نجاح بـ88.31%، مقابل 78.99% للطلاب.

وتعد هذه النتائج ذات أهمية بالغة، حيث تتجه المتفوقات للدراسات العليا بعد هذه المرحلة، كما أن هذا الأساس يضمن الأداء الجيد في الامتحانات التنافسية الأخرى.

ولعل هذه النتائج تفسر الانتشار الملحوظ للفتيات في قائمة المتفوقين باختبار هيئة الخدمات الإدارية الاتحادية التي تختار الموظفين للمناصب الحكومية المرموقة، ولا يقتصر ذلك على ولايات هندية بعينها.

وثمة مؤشر آخر وهو أن كثيرا من المتفوقات يأتين من الطبقات الفقيرة، حيث يكون الدافع لإثبات الذات أقوى، وهو ما ظهر جليا في نتائج الهيئات التعليمية التابعة للولايات.

جهود حكومية

بذلت الحكومة الهندية جهودا ملموسة للتوعية التعليمية خلال العقدين الماضيين، وخاصة في المناطق الريفية، مركزة على تنمية تعليم الفتيات في المجتمع، ومن أهمها إنشاء المدارس الابتدائية والثانوية، وكذلك دعم المدارس وإمدادها بكادر تعليمي متميز لخلق بيئة تنافسية وإبداعية، في كل قرية.

كما دشنت الحكومة برامج لجذب الفتيات وتشجيعهن على التعلم، مثل توفير الوجبات والكتب والملابس المدرسية والمنح المالية الخاصة للفتيات مع توزيع الدراجات وحواسيب محمولة في المدارس الحكومية.

وفي بعض الولايات توفر الحكومة للفتيات منحا مالية محفزة لإكمال الدراسة الثانوية، كما أن الحكومة قامت بتخصيص مقاعد في المدارس الخاصة للأسر التي تعيش تحت خط الفقر.

‪الحكومة الهندية قامت بتوزيع الدراجات على الفتيات في عدة مدارس حكومية‬ (الجزيرة)
‪الحكومة الهندية قامت بتوزيع الدراجات على الفتيات في عدة مدارس حكومية‬ (الجزيرة)

أسباب ودوافع
أسهمت عدة عوامل بهذا الوعي التعليمي الشامل وتحسين الوضع التعليمي في المجتمع، ومن أهمها انتشار الوعي بوضعها الراهن من التخلف والمعاناة، الذي جعلها تشعر بأن التعليم هو طريق الفتاة الحياة الآمنة الكريمة.

وعززت هذه الفكرة ثقة الفتاة بنفسها ومهدت لها طريق الجد والاجتهاد وتحسين الأداء، كما أثبتت الفتاة أنها إذا ما أتيحت لها فرص التعلم الجيد، فإنها تحقق بإنجازات كبيرة، حيث شجعت البرامج الحكومية عملية التنافس وتنمية الطاقات والإبداع.

السيد عبد القدير خان الذي يدير مجموعة شاهين التعليمية ولها 43 فرعا في الهند يدرس فيها أكثر من 16 ألف طالب يقول "الفتيات من الجيل الجديد يدركن الوضع الراهن ويعتقدن بأن الحياة الكريمة مشروطة بالتعليم، وهذه القناعة تحض على بذل الجهود وتحسين الأداء التعليمي، وهو ما كانت تفتقده الفتاة سابقا".

فيما يلاحظ خان الإهمال التعليمي لدى الطلاب الذكور والفوضى والإزعاج في محيط المدارس، الذي قد يؤدي لتحويل المدرسة إلى مدرسة بنات. ويقول إنه يعرف على الأقل عشرة مدارس في مدينة حيدر آباد القديمة تم تحويلها إلى مدارس خاصة بالبنات خلال السنوات الماضية.

إندراني بادري البروفيسورة بالمجلس الوطني للبحث والتدريب التعليمي التي ترأست الاستطلاعات التحليلية الوطنية للمجلس، توافق خان بأن الفتيات يتقدمن في التعليم على مستوى البلاد، ولكنها تستدرك بأن الاستطلاعات تشير إلى أن الفتيات يتقدمن في بعض الأماكن فقط، فيما يتفوق الطلاب الذكور في البعض الآخر.

ولا شك أن تعليم الفتيات -كما تؤكد بادري- بالهند ينتشر أفقيا ورأسيا، وتتناقص العقبات، وتأمل البروفيسورة الهندية في تغيير الخريطة التعليمية بالبلاد والقضاء على الأمية تماما.

المصدر : الجزيرة