مسنات فلسطينيات على عتبات المساجد يحفظن القرآن ويجودنه

عوض الرجوب-الخليل

كثيرون يربطون النسيان أو ضعف الذاكرة بتقدم السن، لكن الأمر مختلف تماما لدى نسوة قررن خوض التحدي وحفظ القرآن الكريم كاملا.

سيدات فوق الخمسين والستين، يشغلهن ذكر الله وحفظ كتابه، بعضهن أتممن الحفظ وتعلمن أحكام التلاوة وأصبحن محفظات لكتاب الله في غضون سنوات قليلة، وأخريات على الدرب نفسه.

أكثر من خمسين سيدة مسنة ينتظمن في حلقات لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم بدار الهدى لتحفيظ القرآن الكريم، وتقوم بمتابعتهن والإشراف عليهن متطوعات، وأصبحت دار القرآن بيتهن الثاني.

‪حلقة لتحفيظ القرآن الكريم بدار الهدى في الخليل‬ (الجزيرة)
‪حلقة لتحفيظ القرآن الكريم بدار الهدى في الخليل‬ (الجزيرة)

إجازة تجويد القرآن
أم سفيان عمرو، من بلدة دورا جنوب الضفة الغربية، واحدة ممن شغلهن حب القرآن عن غيره، فهي لم تكمل الدراسة بعد الثانوية العامة، لكنها حصلت مطلع تسعينيات القرن الماضي على إجازة في تجويد القرآن ثم بدأت بتحفيظه في دور القرآن الكريم جنوب مدينة الخليل.

تخرج على يدي السيدة الفلسطينية المئات من حفظة كتاب الله -ذكورا وإناثا- ثم أصبحت بعد سنوات مشرفة على أكثر من عشرين مركزا لتعليم القرآن.

خوض التحدي
في عمر 54 عاما كان التحول لدى أم سفيان عندما قررت أن تُحفظ نفسها القرآن، وبالفعل خاضت التحدي ونجحت في حفظه كاملا خلال ثلاثة أعوام إضافة إلى عام لتثبيت الحفظ.

تقول أم سفيان (62 عاما) إن حفظ القرآن قرار ذاتي، موضحة أنه أحدث تغييرا في حياتها وأصبحت أكثر إدراكا لحقوقها وواجباتها وأكثر دراية بالحلال والحرام وأشد مخافة لله عز وجل، وتأمل أن تنتهي قريبا من حفظ السند المتصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

أكثر ما يؤلم المسنة الفلسطينية أن أغلب من يلتحقون بدور القرآن من الشباب والشابات يتوقفون عن الحفظ بعد اجتياز الثانوية العامة، لانشغالهم بالدراسة الجامعية أو الانشغال بالعمل أو الزواج.

‪ختام الشراونة حفظت القرآن الكريم بعد سن الستين‬ (الجزيرة)
‪ختام الشراونة حفظت القرآن الكريم بعد سن الستين‬ (الجزيرة)

الحفظ بثمانية أعوام
ختام الشراونة (أم مهدي) بدأت هي الأخرى مشوار الحفظ متأخرا في عمر 52 عاما، عندما التحقت بدورة للقرآن تشرف عليها زميلتها أم سفيان، موضحة أنها بدأت بتعلم القراءة الصحيحة ثم تعلم أحكام التجويد ولاحقا البدء بالحفظ الذي استغرق ثمانية أعوام.

وينضم حاليا أكثر من 350 طالبا وطالبة لدار الهدى لتحفيظ القرآن الكريم الملحقة أخيرا بوزارة الأوقاف الفلسطينية، بعضهم يحفّظون القرآن وآخرون يحفَظون بعضه.

وتوضح علياء القزقي المتطوعة في دار الهدى للقرآن الكريم التي تنتسب إليها المسنات الحافظات، أن الحفظ ليس سهلا بالنسبة للسيدات وتحديدا المسنات، إذ يتطلب التحدي التوفيق بين الواجبات المنزلية والمناسبات الاجتماعية والانتظام في حضور حلقات الحفظ.

‪أكثر من خمسين سيدة مسنة ينتظمن في حلقات لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم بدار الهدى‬ (الجزيرة)
‪أكثر من خمسين سيدة مسنة ينتظمن في حلقات لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم بدار الهدى‬ (الجزيرة)

تحديات وأولويات
تضيف علياء أن تحديات جدية واجهت بعض الحافظات في بيوتهن وبعض الأزواج الذين عارضوا حضورهن إلى دار القرآن الكريم، لكن تم توعيتهن بشكل جيد حول أولوياتهن والأوقات المناسبة للحفظ والتلاوة في البيوت، مما خلق أجواء مناسبة للحفظ.

وذكرت أن من بين الحافظات ومنتسبات دورات التحفيظ موظفات ومعلمات متقاعدات بدأن مشوارهن مع كتاب الله بعد التقاعد وتزويج الأبناء حيث المتسع من الوقت.

من جهتها، توضح مسؤولة دائرة العمل النسائي في وزارة الأوقاف يسرى (يسرا) عليان أن المنطقة بحاجة لمزيد من المحفظات والواعظات، لكن المتاح حاليا هو تقديم مكافآت رمزية للمحفظات لتشجيعهن على الاستمرار.

وقالت إن تجربة المسنات لافتة وتستحق التقدير وتستحق اهتماما أكثر من وزارة الأوقاف، بما في ذلك تقديم محفزات وتشجيع مادي ومعنوي أفضل.

المصدر : الجزيرة