"البوقالة" في الجزائر.. مناظرات شعرية نسوية برمضان

تضع النّساء خواتمهن داخل إناء فخار قبل بداية السّهر
النساء يضعن خواتمهن داخل إناء فخار قبل بداية سهرة المناظرات الشعرية الرمضانية "البوقالة" (الجزيرة)

فاطمة حمدي-الجزائر

"بسم الله ابديت وعلى النبي صليت يا ربي أعطينا الفال (الفأل) ولاقينا بأولاد الحلال". هكذا تبدأ جلسة النساء في السّهرة الرمضانية حول مائدة مستديرة يتبادلن فيها ما يعرف في الجزائر بـ"البوقالة"، هذا التراث اللامادي الذي يمتد لمئات السنين، ويعود للعهد الفينيقي في البلاد.

ما فن "البوقالة"؟
"البوقالة" أو ما يعرف في اللهجة الأمازيغية بـ"البوقال" وهو الإناء الفخاري، ولكن "البوقالة" عبارة عن أبيات شعرية من الشعر الشعبي تحمل مواضيع ومعاني مختلفة، حيث تستعرض النساء في الجمعات بالمناسبات ويتباهين بما حفظنه عن أسلافهن.

وتعتبر بعض العائلات الجزائرية أن زاد السيدة من فن "البوقالة" دليل على عراقة أصلها. وتمارس النساء في حلقاتهن بالمناسبات، طقوسا خاصة تحاكي المناظرات الشعرية سابقا مع إضافة شعائر أخرى، حيث يطلب من غير المتزوجات عقد النية (فتقوم الشابة العزباء بربط أي من ثيابها على شكل عقدة) وتنوي "البوقالة".

‪المزهر‬ يوضع (الجزيرة)
‪المزهر‬ يوضع (الجزيرة)

الشابات وعقد النية
تعتقد السيدات اللاتي يجتمعن خصيصا في سهرات "البوقالة"، أنه على الشّابات عقد النية، حيث تذكر بينها وبين نفسها اسم شخص أو موضوعا معينا تريد أن تسمع رسالة "قدرية" حوله ولا يهم إن كان هذا الشّخص عدوا أو حبيبا، حسبما تقول الخالة مليكة عبد الوهاب (82 سنة).

وتشير الخالة مليكة "كلما اعتقدتْ صاحبة العقدة وأخلصت النية وآمنت تأتي رسالة "البوقالة" مطابقة لما نوت وترد على ما يحيّر بالها"، وتضيف "حتى المتزوجات معنيات بـ"البوقالة"، وفي وقت سابق هاجر ابني لأوروبا بطريقة غير شرعية ولم أعد أسمع عنه أي أخبار وكنت أعزي نفسي بالبوقالة".

قواعد الجلسة النسائية
تقول الخالة مليكة "كانت صديقاتي يحضرن لتخفيف همي، يجتمعن في بيتي أعقد النية حول ابني وأسمع "البوقالة"، فأشعر أنها رسائل منه، كما أطمئن على حاله من محتوها الذي كان إيجابيا في كل مرة، وبقيت سنوات على تلك الحال إلى أن ظهر فعلا".

تقول قواعد الجلسة النسائية تلك أنه على الفتاة المجاهرة بما نوت بعد أن تلقي السيدة "البوقالة"، وعلى أساسها تتخذ القرار في الموضوع الذي نوته. وتزداد هذه الجلسات في السهرات النسوية الرمضانية وسميت "البوقالة" حسب الرواة، لأن السّيدات يضعن خاتم في إنداء فخاري في بداية الجمعة.

وتتداول النّساء في الجلسات أو ما يعرف بـ"اللّمات" مصطلح "الفال" أي "الفأل"، حيث يجتمعن على مائدة يحضر فيها ماء الزّهر و"الزّهر" باللهجة الجزائرية يعني "الحظ"، حيث يوضع في مرش النّحاس وقبل كل إلقاء لـ"بوقالة" جديدة يقمن برش ماء الزهر.

‪عائلات جزائرية‬ تعتقد (الجزيرة)
‪عائلات جزائرية‬ تعتقد (الجزيرة)

عادات قاومت الحداثة
تتمسك بعض العائلات الجزائرية بجلسات "البوقالة"، معتبرة إياها "إحدى العادات التي قاومت الحداثة".

تقول إيمان جهدي (25 عاما) "حين نجتمع في منزل جدتي تطفئ بنات العائلة هواتفهن لعدم إزعاج الجلسة نلتف جميعنا حول مائدة مستديرة ونصغي لـ"بوقالات" سيدات العائلة وكبيراتها".

وتوصي جدة إيمان وخالاتها بالحفاظ على هذه العادة التي يعتقدن أنها "دليل عراقة العائلة"، والفتاة المتمسكة بتقاليدها حسبهم هي "بنت حسب ونسب فمن لا ماضي له لا ينتظر من مستقبله شيئا"، في حين ترفض فاطمة كركوب (21 عاما) "الحضور لجلسات البوقالة التي تحضرها نساء عائلتها".

ما الذي حصل لحماتها؟!
تعتبر الشابة فاطمة أن "هذا النوع من الجلسات يذهب أحيانا نحو استحضار الغيب، حيث يصل اعتقاد بعض النّساء بالبوقالة إلى التّخاصم، كما تبني بعض الشابات مستقبلهن على بيت شعري تلقيه سيدة بسذاجة متسائلة كيف تربط بعض النساء مصائرهن بلعبة؟!".

وتقول للجزيرة نت "تعادي والدتي زوجة أخي منذ سنتين بعد أن عقدت نية بوقالة لها، فجاءت البوقالة محذرة وتتحدث عن غدر الأقارب، ومن يومها والدتي تعتقد أن تلك الجلسة رفعت القناع عن زوجة أخي التي تحاول عبثا فهم ما حصل لحماتها منذ ذلك الحين".

ويحضر الورد وماء الزهر وتحضر النساء ونواياهن، تطفأ الهواتف وتطفئ الحاضرات الإنارة ويشعلن الشّموع ولا يسمحن لغير المعتقدات بـ"فن البوقالة" بالجلوس، فلا استهزاء ولا "تمييع" -حسبهن- ولا بقاء إلا لمن تُقوّي الجلسة بزادها من "البوقالات" القديمة والحديثة.

المصدر : الجزيرة