حملة "مي تو" في غزة.. محاربة التحرش أم إساءة لسمعة الرجل؟

غزيات ينضممن لحملة عالمية
التحدث عن التحرش الجنسي في المجتمع الفلسطيني يعتبره البعض من المحرمات (الجزيرة)

علا موسى-غزة

انضمت مؤخرا مجموعة من الشابات الغزيات لحملة "مي تو/ ME TOO" العالمية للحديث عن تجارب النساء مع التحرش الجنسي، بعد أن استخدمت الوسم الذي أطلقته الممثلة الأميركية أليسا ميلانو، ما شجع ملايين النساء حول العالم للتحدث عما تعرضن له من انتهاكات، ولإظهار تجاربهن مع التحرش الجنسي، فيما اعترض البعض على الحملة، بأنها ليست أولوية للمجتمع الغزي الذي يعاني من أزمات إنسانية واقتصادية كثيرة.

وترى الشابات الغزيات اللواتي أطلقن الحملة نهاية مارس/آذار الماضي، أن الحديث عن موضوع التحرش الجنسي في المجتمع الفلسطيني، يعد لدى كثيرين من المحرمات، لكن تلك المواقف التي تتعرض لها الشابات أو الطفلات الصغيرات في غزة تبقى في ذاكرتهن، وقد تأثر في سلوكهن الحياتي.

لكن في حديث خاص مع صاحبة الحساب للجزيرة نت، طلبت عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، قالت إنهن مجموعة شابات وليست شابة واحدة من تدير هذا الحساب، ولا تود الإفصاح عن ذلك لأسباب شخصية ولضمان أمنهن، في ظل الانغلاق تجاه ثقافة الإفصاح عن جرائم التحرش، وتشير أنها بالفعل تعرضت لتحرش جنسي ولفظي في طفولتها، مثل كثير من الشابات ولا تزال عالقة في ذاكرتها ونفسيتها.

وتقول "كنا نتحدث أنه من اللازم تسليط الضوء على موضوع التحرش في غزة، خصوصا أننا لسنا مجتمعا معصوما من الخطأ وينكر وجود التحرش، وجمعنا أنفسنا -أعني الشابات- وأطلقنا الحساب وصممنا حسابا على موقع صراحة، لتوثيق الرسائل ولنضمن الأمان للمرسلة إن كانت تعرضت للتحرش وتخاف البوح ومعرفة شخصيتها، وإيمانا منا بضرورة الحديث عن المشكلة ومواجهتها".

انتقادات لاذعة
تعرضت الحملة لهجوم من البعض، واتهامها بتشويه سمعة الشاب الفلسطيني، في ظل اعتبار أرض غزة أرض صراع ورباط، وترد صاحبة الحساب أنهن لا يشهرن أسماء أحد في الحملة، ولا يردن تشويه سمعة المجتمع، وكل ما في القصد عرض المشكلة ومواجهتها.

وتشير إلى أن البوح بالمشكلة هو أولى خطوات حلها، وكسر حاجز الخوف عند الفتيات ولتأكيد أن الموصوم بالتحرش هو المتحرش وليس الضحية.

وبالفعل لقيت الحملة كثيرا ممن هاجموها في البداية، وطلبوا التحرك على أرض الواقع وعمل حملات توعية للأطفال عن التحرش وعن خصوصية جسدهم، إضافة لنصح الشابات اللواتي يتعرضن للتحرش بالتوجه لمراكز مختصة نفسية أو أخرى لشؤون المرأة.

وتضيف "في أقل من يوم كان الحساب حديث كل تويتر بين مؤيد ومعارض، وكثيرات أرسلن لنا قصصهن عبر الرسائل الخاصة وعلى موقع صراحة، حتى هناك من شاركن بقصصهن على العام من حساباتهن الخاصة، وهناك غياب لمحاسبة المتحرش مما يدفعه للتمادي، ويكمل حياته بشكل عادي ويتزوج ويؤسس أسرة، بينما المتحرَش بها تتعرض لأذى نفسي طوال العمر".

‪الحملة‬ تهدف(الجزيرة)
‪الحملة‬ تهدف(الجزيرة)

الحديث عن تجربة التحرش
ولقيت الحملة تفاعلا من بعض الشابات الغزيات غردن لدعم الحملة، ومنهن من غردن لتجاربهن مع التحرش الجنسي، فمثلا قالت لمى القرناوي "تعرضت للتحرش وأنا صغيرة من حارس البرج وتعرضت للتحرش من صاحب المحل، ولم أكن أفهم تلك التصرفات، وفي المرة الثالثة كنت في الصف الخامس الابتدائي لكنني أفلت منه وهربت".

ورأت إيمان أبو طلحة المحامية والناشطة النسوية في غزة أن جرائم التحرش في القانون الأساسي الفلسطيني لعام 1996 فسرت بطريقة لا تواكب التطور البشري والتقني، وتتطلب من مقدمة الشكوى عن واقعة تحرش وجود أدلة أو شهود، وفي طبيعة تلك الجرائم يحاول المتحرش إخفاء جرمه أو أي دليل عليه.

وتقول "المجتمع الفلسطيني لا يختلف عن المجتمعات العربية التي تواجه التحرش الجنسي، وخصوصا في غزة، هناك حصار إسرائيلي على ودمار بغزة ونسبة عاطلين عن العمل وأمراض وهموم نفسية، لذا تلجأ فئة من الشبان للتفريغ عن أنفسهم بصورة خاطئة منها للأسف التحرش".

كثير من الحملات العالمية لمناصرة المرأة حصلت على صيت عالمي (الجزيرة)
كثير من الحملات العالمية لمناصرة المرأة حصلت على صيت عالمي (الجزيرة)

معترضون: الأولى دعم مشاريع التنمية المستدامة
من زاوية أخرى اعترضت جميلة أبو مهادي مسؤولة الإدارة الدعوية الدينية في مركز الإصلاح والتنمية في غزة على الحملة، واعتبرت أن حملات مكافحة التحرش الجنسي جاءت مضخمة في وسائل الإعلام وبعض إعلانات الإذاعات المحلية، وهي لا تلبي حاجة وقائع التحرش بشكل فعلي على أرض الواقع.

ونوهت بأنها قد تنعكس بشكل سلبي في ظل أن الإعلام الرقمي الإسرائيلي الذي يتبع للشاباك، يتصيد بعض منشورات الغزيين على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن بعض الحالات السلبية ليغير مسارها بشكل يعكس طبيعة المجتمع الغزي بصورة سلبية في الخارج.

وتقول أبو مهادي "المجتمع الغزي مجتمع عربي، تلك الحملات من الممكن أن تؤثر سلبا، فكثير من الآباء يخاف من تلك الوقائع، كما أنها تعطي صورة بعدم الأمان العام على الشابات في الشارع والعمل وغيرها، فلو جاءت الحملة مثلا لتعزيز صمود الفتاة في التعليم ومساندة الأسرة والتعايش كما يعيش الشاب بكامل حقوقه، ومن خلالها يتم توعيتها بالسلوكيات العامة لتكون قوية أمام مثل تلك الأفعال فتلبي حاجتها على أرض الواقع".

ونوهت بأن كثيرا من الحملات العالمية المناصرة للمرأة حصلت على صيت عالمي جاب البلدان العربية، لكن معظمها ذات طابع غربي وسياسي بحت، وفي المقابل لا يوجد دعم إنساني لبعض المشاريع التي قد تحقق تنمية مستدامة في المجتمعات العربية الفقيرة.

أما أميرة البربراوي المهندسة المعمارية (27 عاما)، فتشير إلى انزعاجها أمام ضجيج تلك الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، وفي المقابل فإن بعض القضايا الإنسانية والاجتماعية في غزة لا تستحوذ على الاهتمام نفسه، متعجبة من أن تلك الحملات تحظى بتمويل خارجي من مراكز تعنى بالحقوق النسوية، مقارنة بعدد قليل من مشاريع تمكين المرأة الغزية اقتصاديا.

وتقول البربراوي "شيء جميل أن تكافح الفتاة التحرش من نفسها وتتعامل بصمت معه، وهو ما تفعله كثيرات في غزة، وأنا مع محاسبة المتحرشين، لكن ما رأيته في حملة "مي تو" في غزة لم يعجبني، لأنني أشعر أن بعض التغريدات جاءت لمواكبة الحملة العالمية "مي تو" في بلدان يتمتعن فيها بحقوق كثيرة اقتصادية واجتماعية، وهناك أولوية للقضايا التي تحتاج لحملات مناصرة".

المصدر : الجزيرة