تأمل وفضفضة نسائية.. ورش للدعم النفسي دون علاج حقيقي

Nagwan Lithy - ورش الدعم بديل النساء عن زيارة الطبيب النفسي (بيكساباي) - تأمل وفضفضة حرة.. ورش الدعم النفسي النسائية بلا علاج
ورش الدعم بديل النساء عن زيارة الطبيب النفسي (بيكسابي)

شيماء عبد الله-القاهرة

أجواء هادئة، موسيقى خافتة، وأضواء أكثر خفوتا، لا شيء يزعج هؤلاء النسوة اللواتي تمددن على الأرض الخشبية، استجابة لتعليمات المدربة النفسية، وهي تخطو بهن نحو جلسة استرخاء وتأمل نفسي، ذكريات تتداعى، يعم الصمت، دموع تنساب من أثر ذكريات عالقة في غياهب النفوس.  

داخل إحدى ورش الدعم النفسي للنساء، استمعت الجزيرة نت لحكايات سيدات يبحثن عن يد تمتد إليهن بدعم نفسي ومعنوي، في وقت افتقدن فيه السند من أقرب المقربين، فكانت الورش النفسية ملاذهن الآمن والأخير، عسى أن يجدن فيها فائدة وبديلا.

"التأمل والحكي".. أول الطريق

عقب إعلان على فيسبوك، تجمعت مجموعة نساء، مختلفات الأعمار والطبقات، لا تتشابه اهتماماتهن، ولا تتآلف رغباتهن، تجمعهن الحاجة للاستماع والإنصات، والبحث عن سبيل مؤتمن لتفريغ الطاقات النفسية المكبوتة، وهي الدافع الوحيد المشترك لتجمعهن معا بأحد اللقاءات المجانية التي تنظمها منظمة نسائية، مهمتها دعم النساء نفسيا من خلال الورش الفنية واللقاءات الثقافية.

كانت الورشة عن الحب والعلاقة بين الأزواج، وكيف تستمر بشكل جيد على منحنى العمر. أزاحت جلسة الاسترخاء، ثقل الأيام عن كواهل النساء، لكن لم يزل العبء  الذي يجتاح نفوسهن، الحكي منحهن متنفسا للفضفضة.

فبعد ساعة وأكثر من الشرح المستفيض عن العلاقات وأنواع الحب، وأشكال العاطفة التي يبحث عنها كل إنسان، تحدثت النساء عن الذكريات التي تداعت في لحظات الاسترخاء والتأمل، أين كن، من قابلن؟ كلها أسئلة اختلفت إجاباتها من امرأة لأخرى، وانتظرت المدربات النفسيات دورهن في جلسة الحكي والتأمل (المديتيشن).

‪للتآمل أسس علمية يجب اتباعها لتجنب مضاعفة الأزمة النفسية‬ (بيكسابي)
‪للتآمل أسس علمية يجب اتباعها لتجنب مضاعفة الأزمة النفسية‬ (بيكسابي)

مدربات ولسن طبيبات
خمس من المدربات النفسيات يشرفن على اللقاء، تنظيمه وإعداده، وترتيب فقراته، والاستماع إلى الضيفات، واستقبال شحناتهن.. لسن طبيبات نفسيات، ولا دراستهن الجامعية متعلقة من قريب أو بعيد بهذا الأمر.

خبراتهن مستمدة من دورات وورش، تولت المنظمة النسوية صقلهن بها، ليصبحن على قدر من التعلم والتدرب الكافي لمواجهة الضغوط النفسية للمشاركات، بطريقة أقرب ما تكون للفضفضة الحرة.

يصفن أنفسهن بأنهن مسؤولات عن الورشة، ولا يدعين أنهن طبيبات نفسيات، ولا يقدمن أي دعم طبي أو دوائي، لكنهن قادرات على منح ضيفاتهن السكينة التي يرغبن بها ومساحة حرة وآمنة للفضفضة دونما أحكام مسبقة، أو قيد، أو محاولة للتوقيف، بحسب وصفهن.

تسلط الأهل والأزواج
الأزواج والأهل، أصحاب أكثر العلاقات تأثيرا بالسلب على حضور الورشة، تحكي "ن"، السيدة الأربعينية، التي خضعت لقرارات أمها قبل خمسة عشر عاما، لتحقق لها حلمها الفائت، لعدة سنوات بقيت تحت رزح الحلم القديم في الدكتوراه، حملت الشهادة وخرجت من أسر الأم، لأسر زوج لم يبال بها، ودفعها دفعا للخلاص من حياتها الزوجية.

خرجت "ن" من علاقاتها الخاسرة، بابنة تحاول تجنبيها ويلات ما لقيته هي، وعلاقات متوترة مع الأهل، الذين لم يدعموها ولو لمرة واحدة.

تقول "كنت أخبر أخي أنني دائمة الخوف من زوجي، فيخبرني أن هذا هو الوضع الطبيعي، لم يفهمني أبدا وأنا أتوسل له بأن يخلصني من خوفي، منذ تخلصت من زوجي، وأنا آتي هنا لأتخلص من خوفي الذي لا يزول".

الحكي ملاذي
زيجات فاشلة عدة، حكت عنها نساء الجلسة، وزيجات أخرى على وشك الفشل، جاءت صاحباتها ليبحثن عن سبيل ربما يحميهن من مصير محتوم.

تحكي "ف" عن علاقتها المتوترة بزوجها، منذ عدة سنوات، لا تستطيع إنهاء حياتهما سويا من أجل أطفالها، ولم تعد قادرة أيضا على الاستمرار، لكن يدفعها فقط حبها لأن يستقر أطفالها بين أبوين، عن أن يكون أبوهما منفصلين.

تقول (ف) "ذهبت عدة مرات لمعالجين نفسيين، وذهبنا سويا لخبراء في العلاقات الزوجية، لكن كل شيء يعود كما كان، أجد في مساحات الحكي ملاذا يمكن اللجوء إليه كلما احتجت للانفجار، أداوم على أدوية الاكتئاب، وأواظب على الحضور هنا مرة كل شهرين، ففيها دواء آخر لا أجده في العيادات".

‪بعض النساء يكفيهن جلسة
‪بعض النساء يكفيهن جلسة "فضفضة" للتخلص من همومهن النفسية‬  (بيكسابي)

تكلفة الطبيب
الذهاب للطبيب النفسي، بات مكلفا للغاية، ومحاولة الحصول على خدمة نفسية جيدة بأسعار زهيدة في المستشفيات الحكومية، هي فكرة غير قابلة للتحقق على أرض الواقع، وخاصة إذا كانت الفتاة لا تزال طالبة.

"سمر"، طالبة جاءت مع مجموعة من صديقاتها، للبحث عن مساندة نفسية، بعد خروجها من علاقة مؤذية، كما وصفتها "كان خطيبي، لكنه كان شخصا متسلطا، ودائم الانتقاد لي، يطالبني دوما بتحسين مظهري، ودائم التعليق على وزني وشكلي وكل شيء".

وتزيد "سألته لماذا ارتبط بي، ولم يقنعني أبدا رده بأنه يحبني، واخترت الابتعاد عنه رغم ألم حبي له، جئت للورشة بناء على نصيحة صديقاتي، لأنني لم أقدر على تكاليف زيارة طبيب نفسي".

ورش للمساندة
الطبيبة النفسية سارة حسين، اعتبرت ما يحدث بالورشة، مجرد "فضفضة"، وحالة جاذبة لعموم السيدات في المجتمع المصري، الذي يعاني من حالة تكميم للنساء، وقمع لعواطفهن.

لهذا أصبحت الورش والجلسات مجالا للبوح الآمن، لكنه ليس مساعدة طبية حقيقة، بل على العكس، إذا لم يتم التعامل مع ناتج البوح بشكل علمي قد يتسبب بأضرار نفسية لصاحبته، فليس كل بوح مفيدا، وهناك بوح مؤلم، وقد يسبب حالة أسوأ.

وتضيف الطبيبة النفسية، أن جلسة التأمل أو "الفضفضة" معروفة في الطب النفسي ولها أسسها، وأولها أن تكون المجموعة متشابهة التفاصيل أو متقاربة وتربطها عوامل مشتركة وليس نوع الجنس فقط (أي نساء)، مثل العمر ونوع الأزمات والأمراض النفسية، لئلا تتسبب حالة بتشتت حالة أخرى وجعل معاناتها أصعب.

المصدر : الجزيرة