أنامل نساء تحمي طواقي مراكش الزاهية من الاندثار

عبد الغني بلوط - عبد الغني بلوط/ سيدة تعرض طواقي تقليدية للبيع/ المغرب/ مراكش/ ساحة جامع الفنا الجزيرة نت - أنامل نساء تحمي طواقي مراكش الزاهية من الاندثار
سيدة تعرض طواقي تقليدية للبيع في سوق الرحبة القديمة (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

وسط ساحة سوق الرحبة القديمة بالمدينة العتيقة، أو ساحة جامع الفنا، تجلس نسوة بجلابيبهن المميزة كأنهن يستنطقن ذاكرة المكان، يعرضن طواقي مراكش الزاهية مترقبات وصول سائح أو زائر لشراء إحداها.

منظر أصبح مألوفا بعد عصر كل يوم في هاتين الساحتين اللتين تحيط بهما أيضا أسواق كثيرة تتنفس عبق التاريخ، وتعتني كلها بعرض المنتجات التقليدية المعروفة في مراكش من ملابس وزرابي وأحذية.

‪طواقي زاهية لمختلف الأعمار وكل الأذواق معروضة للبيع‬ (الجزيرة)
‪طواقي زاهية لمختلف الأعمار وكل الأذواق معروضة للبيع‬ (الجزيرة)

نصنع الطواقي بقلوبنا وعيوننا
تقول السيدة للافاطمة وهي ترتب سلعتها بعناية -في حديث للجزيرة نت- "لا نصنع هذه الطواقي فقط بأيادينا، بل أيضا بقلوبنا وعيوننا وصحتنا، كل طاقية جديدة هي إيذان بمولود قد لا يعود مثيله للحياة مرة ثانية".

تعمل أنامل نساء معدودات على رؤوس الأصابع في مدينة مراكش على نسج الطواقي التقليدية المصنوعة من الصوف أو الخيط، قبل عرضها للبيع بأنفسهن أو تسليمها لتجار أو تاجرات أخريات.

تقودهن فطرتهن لاختيار الألوان المناسبة والأشكال المتناسقة من أجل صنع تحفة فنية تسر الناظرين، وتقي الرؤوس من برد الشتاء القارص، بحسب ما يقول نور الدين الفوراتي المسؤول المنتخب في غرفة الصناعة التقليدية بمدينة مراكش.

ويضيف الفوراتي في تصريح للجزيرة نت "هؤلاء يساهمن في المحافظة على موروث ثقافي مهدد بالاندثار، لكن غايتهن الأولى هي كسب قوت يومهن بيدهن وعرق الجبين".

‪زبائن يقتنون طواقي مراكش الزاهية‬ (الجزيرة)
‪زبائن يقتنون طواقي مراكش الزاهية‬ (الجزيرة)

طاقية  كل يوم
وتكشف للافاطمة التي تقترب من منتصف عقدها السادس أن كل امرأة لا تستطيع نسج أكثر من ثلاثا من الطواقي في اليوم الواحد، بعضهن -بالنظر إلى مشاغلهن اليومية مع الأولاد- قد لا ينسجن غير طاقية أو نصف طاقية يوميا.

وتضيف وهي تحاول أن تعقد عقدتها الأولى في طاقية جديدة بتركيز شديد "نستطيع أن نعمل في البيت أو في بعض الأحيان هنا في الساحة، لكن قبل ذلك يجب أن نبحث عن الصوف المناسب في الأسواق، نختار الألوان المناسبة لكل الأعمار ولمختلف الأذواق".

وتشير وهي تترقب أن يسألها سائح عن ثمن طاقية وضعها توا على رأسه "هناك نوعان من الطواقي، واحدة تصنع من الصوف، والثانية من الخيط، لكن هذه الأخيرة في تناقص بسبب انخفاض في المادة الأولية وغلاء ثمنها".

مهنة غير مصنفة
يذكر الفوراتي أن "ما يصعب مهمة هؤلاء النسوة أن المهنة غير مصنفة، والنساء وإن كن قليلات لكنهن غير منظمات في جمعية أو تعاونية".

هذا المسؤول الذي وجدت الجزيرة نت لديه تجاوبا، يتحسر على كون هؤلاء النسوة لا يربحن غير القليل من المال مما تنتج أياديهن.

تقول بائعة أخرى فضلت عدم ذكر اسمها للجزيرة نت "نبيع الطاقية الواحدة بـ15 إلى 20 درهما (حوالي دولارين)، في الوقت الذي نقتني المادة الأولية بحوالي 10 دراهم".

وتضيف والحسرة تكاد تحبس كلامها "لكم أن تحسبوا أجر الساعة الواحدة إذا علمتم أن الطاقية الواحدة قد تستغرق ثلاث ساعات من العمل المتواصل".

‪ثمن العصرية مرتفع قليلا مقارنة مع التقليدية إلا أن انتشارها يغري المشترين ويفضلونها أحيانا عن المنتجة يدويا‬ (الجزيرة)
‪ثمن العصرية مرتفع قليلا مقارنة مع التقليدية إلا أن انتشارها يغري المشترين ويفضلونها أحيانا عن المنتجة يدويا‬ (الجزيرة)

المستورد ينافس المنسوج باليد
وتشير للافاطمة والأسف ظاهر على محياها "وبالرغم من أن ثمن (الطاقية) العصرية مرتفع قليلا مقارنة مع التقليدية، فإن انتشارها ربما يغري المشترين فيفضلونها في بعض الأحيان عن المنتجة يدويا".

وتتابع للافاطمة بنفس النبرة الحزينة، أنه بسبب قلة العائد المالي للطواقي التقليدية، فإن هؤلاء النسوة يلجأن إلى شراء الجاهزة منها لبيعها أيضا بهامش ربح قليل يكمل مدخولهن اليومي، بما يسد بالكاد رمقهن.

مساعدة ودعم النساء
زارت الجزيرة نت مجمع الصناعة التقليدية التجاري في مدينة مراكش، والذي يضم عددا من تعاونيات الحرف التقليدية، لكن لم تجد أي فضاء يعتني بهذه الطواقي غير محل واحد.

يقول عبد اللطيف آيت الحد، البائع في تعاونية متخصصة بالمنتجات التقليدية: "نشتري هذه الطواقي من نساء أغلبهن أرامل أو مطلقات، فقط من أجل دعمهن".

ويضيف للجزيرة نت وقد عرض عددا قليلا جدا من الطواقي الصوفية "هي مساعدة بسيطة من التعاونية، لكنها غير كافية لا لقوتهم اليومي ولا من أجل الحفاظ على هذا التراث".

‪طواقي زاهية من الخيط مصنوعة باليد ومعروضة للبيع‬ (الجزيرة)
‪طواقي زاهية من الخيط مصنوعة باليد ومعروضة للبيع‬ (الجزيرة)

تراث يستحق الإنقاذ
عندما تتحدث إلى الجميع، تشعر أن هؤلاء النسوة فعلا بحاجة إلى مساعدة، وأن هذا التراث يستحق تدخلا عاجلا من أجل إنقاذه.

فالطواقي -بحسب شهادات متطابقة- من أقدم المنتجات التقليدية، وقد ارتبطت بالعائلة المراكشية، وتطورت وتنوعت ألوانها وأشكالها، لكنها بقيت محافظة على الطابع الأصيل".

ويؤكد الفوارتي أن غرفة الصناعة التقليدية بمراكش على استعداد لمساعدة هؤلاء النسوة لتأسيس جمعية أو تعاونية يكون هدفها جلب الدعم من أجل النهوض بالقطاع وتحسين أوضاعهن المادية.

‪بائع في تعاونية يعرض عددا قليلا من الطواقي‬ (الجزيرة)
‪بائع في تعاونية يعرض عددا قليلا من الطواقي‬ (الجزيرة)

الأمل برزق أكثر غدا أو بعد غد
يختم الفوراتي حديثه بالقول "نفكر جديا في تنظيم معرض خاص بهن، يمكنهن تقديم صنعتهن مباشرة إلى الزوار للتعريف أولا وفي أفق إرجاع قيمتها الحقيقية أيضا".

وفي الوقت الذي تؤكد فيه للافاطمة أن أي مسؤول لم يزرها في مكانها بالسوق، تأمل في أن يتحقق ذلك سريعا على أرض الواقع، وهي تجمع سلعتها.

مالت الشمس إلى المغيب، ومالت قلوب النسوة إلى بيوتهن، يتأهبن للمغادرة بعدما بعن بضع قطع مما أنتجت أناملهن، ويأملن برزق أكثر غدا أو بعد غد.

‪منظر عام لسوق الرحبة القديمة‬ (الجزيرة)
‪منظر عام لسوق الرحبة القديمة‬ (الجزيرة)
المصدر : الجزيرة