تكاليف الزواج في ريف مصر.. للعروس النصيب الأكبر من النفقات

Nagwan Lithy - عربة محملة بأجهزة كهربائية لعروس بقرية أبوصير- محافظة الغربية (الجزيرة) - تكاليف الزواج في ريف مصر.. للعروس النصيب الأكبر من النفقات
ثمة تصاعد سريع في تكلفة الزواج وظهرت عادات جديدة في التجهيزات لم تكن موجودة من قبل (الجزيرة نت)
فريدة أحمد-القاهرة
في الريف المصري المحروم من الخدمات يصبح سكانه أكثر فقرا، ويلجأ شبابه إلى السفر إلى الخارج طمعا في حياة أفضل، يسافر الشاب دون أن يكمل تعليمه فتصبح الصفة الأخرى لسكانه "أقل تعليما"، ويعود الشباب بعد سنوات الغربة محملين بأموال ينفقونها ببذخ على مظاهر الزواج طمعا في وجاهة اجتماعية يرى البعض أنها تعوض نقص التعليم.

ولا يملك أهل العروس سوى مجاراة الشاب فتتحمل المرأة كثير من التكاليف التي قد تتساوى أحيانا مع نفقاته بدءا من "الشبكة" وصولا إلى أثاث منزل الزوجية، ويتجاوز نصيبها في النفقات أحيانا 150 ألف جنيه (8.5 آلاف دولار) تتساوى في ذلك العائلات الثرية والعاملين باليومية في الحقول.

عادات وتقاليد
توجهنا إلى قرية أبو صير التابعة لمدينة سمنود محافظة الغربية، وهي كباقي القرى المصرية تعاني من مستوى معيشة منخفض يتبعه انخفاض في المستويين الاجتماعي والمادي إلا من بعض العائلات الكبيرة بالوراثة أو تلك التي سافر شبابها للعمل في الخارج، لكن الفقر لا يقف أبدا حائلا حين يتعلق الأمر بزواج البنت هناك.

وفي حديثنا مع عائلات لمسنا أن ثمة تصاعدا سريعا في تكلفة التجهيزات بين ثلاثة أجيال تحدثنا مع أفراد منها في القرية على الرغم من التشابه في الأساسيات بينهم، في بداية الثمانينيات تزوجت أسماء محمود وهي من أسرة متوسطة بمهر لم يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه، دفع والدها ألف جنيه أخرى حتى يفي بمتطلبات زواجها الضرورية، كان العرف السائد وقتها أن يدفع العريس مهرا حسب إمكانياته، ويضيف أهل العروس قليلا ليكملوا تجهيزاتهم الأساسية.

في التسعينيات، بدأ عدد من الشباب السفر إلى الخارج وتغيرت نوعا ما التركيبة الديمغرافية لسكان قرية أبو صير كباقي القرى والمدن، وتطورت عادات الزواج وتكلفته.

"زفة الجهاز" تتضمن سيارات عدة تحمل أجهزة ومفروشات العروس(الجزيرة)
تقول هدى يحيى -وهي سيدة في بداية الأربعينيات- "تزوجت في عام 1995، وكانت التكلفة متوسطة، كل أسرة تشتري قدر إمكاناتها على الرغم من أن المهر لم يكن يقل عن ثمانية إلى عشرة آلاف جنيه (450-560 دولارا)".

تتفاخر هدى بتميزها في الجهاز عن بنات جيلها، قائلة "بحسب العرف حينها كان على أسرة الفتاة شراء غسالة ملابس وبوتاغاز وخلاط فقط، لكن والدي اشترى لي جميع الأجهزة الكهربائية وذلك لم يكن يحدث إلا في الأسر الكبيرة".

تسلمت أسرة هدى مهرا قدره عشرة آلاف جنيه فأضافت له ألفي جنيه لشراء أثاث ثلاث غرف "غرفة نوم، غرفة أطفال وغرفة استقبال"، وأنفقت الأسرة ما يقارب 15 ألف جنيه لتجهيزات باقي البيت من سجاد وستائر ومفروشات وأوان وأطباق وأجهزة كهربائية ومطبخ كما هو العرف وقتها.

لم يتوقف الإنفاق عند هذا الحد، ففي ليلة الزفاف كانت تسبق العروسان إلى منزلهما "حلة الاتفاق"، وهي عشاء شهي يكفي لأفراد عدة لكنه مخصص للعروسين فقط.

"البنت تدفع أكثر"
التنافسية والتطلعات لأهل الريف رفعت تكلفة الزواج خلال سبع سنوات، وظهرت عادات جديدة في التجهيزات لم تكن موجودة من قبل، في الريف توجد عادة عريقة همها الحفاظ على الاسم والسمعة والتقاليد ولكي يحدث ذلك لا بد من تعزيز البنت بالمبالغة في تجهيزها معتقدين أن الإخلال بالتجهيزات الخاصة بها سيؤثر سلبا على اسم العائلة وتاريخها، ولتقليل الفجوة بين العائلات ذات المستوى المعيشي المنخفض وبين المجتمع تتمسك تلك العائلات بمحاكاة الأغنياء في تجهيز بناتهن.

بعد تقديم العريس الشبكة للعروس يصبح لزاما على أهل العروس في مدة أقصاها أسبوع القيام بـ"رد الشبكة"، وهي عادة مستحدثة في قرية أبو صير وفي كثير من القرى المجاورة.

تقول هدى "أهل العروسة يردون الهدية، عبارة عن أجولة طحين وأرز وسكر وطيور ولحوم وفواكه بكميات كبيرة".

وتعتقد هدى أن الزواج بالطريقة الحديثة يكلف أهل العروس أكثر من 150 ألف جنيه على الرغم من أنهم لا يشترون الأثاث، بل ينفق ذلك المبلغ على الأجهزة الكهربائية والكماليات.

وتقول هدى "مثل أي عروس اشترت زوجة أخي المطبخ بمستلزماته، وثمانية أطقم أطباق متنوعة بين الصيني وأركوبال وكريستال من ماركات شهيرة، إضافة إلى 48 فوطة (منشفة) و24 طقم ملاءات للفراش، وعشرة أزواج من أطقم الفراش لغرفة الأطفال وخمس بطاطين وثلاثة لحف فايبر، وثلاجتين إحداهما أساسية للعروسة والثانية لغرفة النوم، وثلاثة أنواع من الغسالات، واحدة أتوماتيك، ونصف أتوماتيك، وغسالة أطفال، وعجانة لصنع المخبوزات وأخرى لوالدة زوجها، بالإضافة إلى السجاد وخمسة أطقم أواني سيراميك وغرانيت وتيفال وستانلس وغيرها من الكماليات".

وتقدم العروسة لأشقاء زوجها عقب الزواج مباشرة مجموعة من الملابس والمفروشات الفاخرة.

‪جزء من مفروشات إحدى العرائس بالقرى‬ (الجزيرة)
‪جزء من مفروشات إحدى العرائس بالقرى‬ (الجزيرة)
استعدادات الفقراء تبدأ مبكرا
العادات والتقاليد أمر بالغ الصعوبة في تخطيه، قانون حاكم، خاصة في المناطق الريفية وصعيد مصر، لا يمكن تجاوزها مهما كلف الأمر.

تبدأ الأسر الفقيرة في أبو صير الاستعداد لزواج البنت في مرحلة مبكرة قبل أن تصل الطفلة عشر سنوات، تدخر الأسر الكماليات والمفارش والأموال، أما الأسرة التي ترفض الخضوع لهذه الأعراف فالعنوسة من نصيب بناتها، إذ لن يتقدم العرسان لخطبتهن.

أم سعيد تعمل بائعة أسماك على الرغم من أن ابنها هاجر إلى فرنسا منذ سنوات، وبحسب الأعراف فإن الابن المهاجر يتكفل بنفقات تجهيز شقيقاته، حيث تحرص الأسر حتى الفقيرة منها على شراء أكبر عدد من الأجهزة والكماليات مثل غسالة الأطباق ومحمصة الخبز "Toaster".

الهجرة غير القانونية وتكاليف الزواج
في مطلع الألفية الثانية بدأ شباب القرى في الهجرة غير النظامية إلى الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا، ونالت قرية أبو صير نصيبها من هجرة الشباب الذين اختاروا فرنسا ملاذا لهم والعمل في "النقاشة" وظيفة لهم هناك.

وتعتبر الهجرة غير النظامية إلى الخارج من أهم الوسائل لتوفير المال من أجل زواج الفتاة في الريف، يدفع الأهل في الريف إلى تسفير أبنائهم بطرق غير نظامية حتى يستطيعوا تحسين مستوى معيشتهم وتزويج بناتهم بما لا يقل عن مثيلاتهن.

وقد احتلت محافظة الغربية -التي تضم عددا من القرى من بينها قرية أبو صير- الترتيب الثاني من بين المحافظات التي يحاول شبابها مرارا الهجرة إلى الخارج بنسبة 99.3% بعد محافظة القليوبية التي وصلت نسبة محاولة الهجرة فيها إلى 100% طبقا لدراسة عن الهجرة غير النظامية صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع اللجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والمجلس القومي لحقوق الإنسان.

وفي دراسة بحثية لجامعة الأزهر عن "التكاليف الاجتماعية والأوضاع الراهنة في الريف" فإن تلك العادات تسللت إلى الثقافة المصرية عبر بوابة الهجرة الخارجية والعودة بأموال طائلة في أيدي الكثير ممن لم تكن لهم قيمة أو وزن في مجتمعهم، وأرادوا الرفعة وعلو المكانة من خلال المظاهر والتظاهر، وتبعهم في التقليد باقي أفراد المجتمع حتى أصبحت كل مظاهر الإسراف والبذخ جزءا من ثقافة المجتمع الريفي.

المصدر : الجزيرة