تكاليف الزواج في ريف مصر.. للعروس النصيب الأكبر من النفقات
ولا يملك أهل العروس سوى مجاراة الشاب فتتحمل المرأة كثير من التكاليف التي قد تتساوى أحيانا مع نفقاته بدءا من "الشبكة" وصولا إلى أثاث منزل الزوجية، ويتجاوز نصيبها في النفقات أحيانا 150 ألف جنيه (8.5 آلاف دولار) تتساوى في ذلك العائلات الثرية والعاملين باليومية في الحقول.
وفي حديثنا مع عائلات لمسنا أن ثمة تصاعدا سريعا في تكلفة التجهيزات بين ثلاثة أجيال تحدثنا مع أفراد منها في القرية على الرغم من التشابه في الأساسيات بينهم، في بداية الثمانينيات تزوجت أسماء محمود وهي من أسرة متوسطة بمهر لم يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه، دفع والدها ألف جنيه أخرى حتى يفي بمتطلبات زواجها الضرورية، كان العرف السائد وقتها أن يدفع العريس مهرا حسب إمكانياته، ويضيف أهل العروس قليلا ليكملوا تجهيزاتهم الأساسية.
في التسعينيات، بدأ عدد من الشباب السفر إلى الخارج وتغيرت نوعا ما التركيبة الديمغرافية لسكان قرية أبو صير كباقي القرى والمدن، وتطورت عادات الزواج وتكلفته.
تتفاخر هدى بتميزها في الجهاز عن بنات جيلها، قائلة "بحسب العرف حينها كان على أسرة الفتاة شراء غسالة ملابس وبوتاغاز وخلاط فقط، لكن والدي اشترى لي جميع الأجهزة الكهربائية وذلك لم يكن يحدث إلا في الأسر الكبيرة".
تسلمت أسرة هدى مهرا قدره عشرة آلاف جنيه فأضافت له ألفي جنيه لشراء أثاث ثلاث غرف "غرفة نوم، غرفة أطفال وغرفة استقبال"، وأنفقت الأسرة ما يقارب 15 ألف جنيه لتجهيزات باقي البيت من سجاد وستائر ومفروشات وأوان وأطباق وأجهزة كهربائية ومطبخ كما هو العرف وقتها.
لم يتوقف الإنفاق عند هذا الحد، ففي ليلة الزفاف كانت تسبق العروسان إلى منزلهما "حلة الاتفاق"، وهي عشاء شهي يكفي لأفراد عدة لكنه مخصص للعروسين فقط.
بعد تقديم العريس الشبكة للعروس يصبح لزاما على أهل العروس في مدة أقصاها أسبوع القيام بـ"رد الشبكة"، وهي عادة مستحدثة في قرية أبو صير وفي كثير من القرى المجاورة.
تقول هدى "أهل العروسة يردون الهدية، عبارة عن أجولة طحين وأرز وسكر وطيور ولحوم وفواكه بكميات كبيرة".
وتعتقد هدى أن الزواج بالطريقة الحديثة يكلف أهل العروس أكثر من 150 ألف جنيه على الرغم من أنهم لا يشترون الأثاث، بل ينفق ذلك المبلغ على الأجهزة الكهربائية والكماليات.
وتقدم العروسة لأشقاء زوجها عقب الزواج مباشرة مجموعة من الملابس والمفروشات الفاخرة.
تبدأ الأسر الفقيرة في أبو صير الاستعداد لزواج البنت في مرحلة مبكرة قبل أن تصل الطفلة عشر سنوات، تدخر الأسر الكماليات والمفارش والأموال، أما الأسرة التي ترفض الخضوع لهذه الأعراف فالعنوسة من نصيب بناتها، إذ لن يتقدم العرسان لخطبتهن.
أم سعيد تعمل بائعة أسماك على الرغم من أن ابنها هاجر إلى فرنسا منذ سنوات، وبحسب الأعراف فإن الابن المهاجر يتكفل بنفقات تجهيز شقيقاته، حيث تحرص الأسر حتى الفقيرة منها على شراء أكبر عدد من الأجهزة والكماليات مثل غسالة الأطباق ومحمصة الخبز "Toaster".
وتعتبر الهجرة غير النظامية إلى الخارج من أهم الوسائل لتوفير المال من أجل زواج الفتاة في الريف، يدفع الأهل في الريف إلى تسفير أبنائهم بطرق غير نظامية حتى يستطيعوا تحسين مستوى معيشتهم وتزويج بناتهم بما لا يقل عن مثيلاتهن.
وقد احتلت محافظة الغربية -التي تضم عددا من القرى من بينها قرية أبو صير- الترتيب الثاني من بين المحافظات التي يحاول شبابها مرارا الهجرة إلى الخارج بنسبة 99.3% بعد محافظة القليوبية التي وصلت نسبة محاولة الهجرة فيها إلى 100% طبقا لدراسة عن الهجرة غير النظامية صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع اللجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
وفي دراسة بحثية لجامعة الأزهر عن "التكاليف الاجتماعية والأوضاع الراهنة في الريف" فإن تلك العادات تسللت إلى الثقافة المصرية عبر بوابة الهجرة الخارجية والعودة بأموال طائلة في أيدي الكثير ممن لم تكن لهم قيمة أو وزن في مجتمعهم، وأرادوا الرفعة وعلو المكانة من خلال المظاهر والتظاهر، وتبعهم في التقليد باقي أفراد المجتمع حتى أصبحت كل مظاهر الإسراف والبذخ جزءا من ثقافة المجتمع الريفي.