مطربات الموالد.. غناء في محبة الحسين

مطربات الموالد.. غناء في محبة الحسين
للاحتفال بمولده، محبو الحسين يجتمعون في الثلاثاء الأخير من ربيع الثاني (الجزيرة)
شيماء عبد الله

أتى ربيع الآخر وانتصفت ثلاثينه، يعرف المحبون الموعد، لا ينتظرون رؤية ولا مدفعا، الكل يتجمع في الثلاثاء الأخير من شهر ربيع الثاني، فاليوم -بحسب الروايات- ذكرى مجيء رأس سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى مصر، وهي أكثر موالد (أعياد) آل البيت ازدحاما و امتزاجا بين الناس، فهناك تتشابه القلوب والوجوه، وتسود المحبة وينزوي الاختلاف.

في ساحة الحسين نزلوا وأنشدوا:

مين اللي ينكر فضلك.. مين يا ابن بنت الرسول

شبه الحبيب أصل وصورة.. به المكارم منصورة

"حُسنة".. حضور بمولد الحسين
الغناء في الموالد له نوتة موسيقية مختلفة، تسمعه أذن لا تنتظر حسن الصوت، لكن يستهويها الطرب.. مسرح منصوب على سيارة نصف نقل، وسماعات ضخمة تسمح بترديد صدى الصوت أكثر مما تحسّنه، مثلما يعتاد سميعة الحفلات الكبرى..

هناك أعلى العربة المحملة بعدة الغناء، تقف "حُسنة"، لا أحد يعرف إذا كان هذا اسمها الحقيقي أم لا.. أكثر من عشر سنوات وهي تأتي في نفس الموعد إلى ذات المكان، بعيدا عن زحام المسجد، قريبا من جمهور يهوى صوتها.

تقف حسنة بعباءتها الصفراء التي تحضرها جديدة كل عام استعدادا لمولد الحسين، عباءة الليلة الختامية يجب أن تكون جديدة، لونها فاقع يخطف الأنظار، يتلألأ في ظلام الليلة المضيئة بأنوار "شوادر" المولد.

يتوقفون لسماع تلك التي تعتلي العربة وهي تغني.. في نفس المكان ربما لن تأتي الشمس على "حسنة" مرة أخرى إلا بعد سنة جديدة، فما عاد يتبقى لها سوى ساعات فقط وترحل عن مولد الحسين، وتستعد لمولد آخر، بعباءة أخرى، وإنشاد جديد يخلو من سيرة سيد الشهداء، ويحتفي بالآخرين من الصالحين.

‪
‪"حسنة" تنشد التواشيح في احتفالات مولد الحسين بالقاهرة‬ (الجزيرة)

سيدة المسرح الخشبي
كما كانت تقف أم كلثوم على مسرحها شامخة بلا ميكروفون في يدها، تقف "بلبلة" على صدر المسرح الخشبي المقام أمام أحد المقاهي، تغني حينا وتستمع حينا، وتجلس أحيانا لالتقاط أنفاس الشيشة التي يعدها أحد مساعديها المسؤول عن "مزاج السيدة".

في الحي الشعبي، يستغرب الناس أن تجلس امرأة في مقهى شعبي وتدخن على مرأى ومسمع الجميع، لكن في المولد كل شيء مباح، من غروب شمس الثلاثاء حتى شروق شمس الأربعاء.

تغني "بلبلة" أناشيد الشيخ ياسين التهامي، يقل جمهورها بالطبع عن الشيخ المعمم، لكنه جمهور خاص يعشق بأذنيه قبل عينيه، صوتها الأجش منحها مساحة خاصة من تفضيلات جمهور الموالد، حتى هؤلاء الذين يسكنون المنازل القريبة، يتجمعون في أقرب منزل لها، ويتسامرون على أنغام صوتها وكوب الشاي الدافئ والخبز المبروم "الملفوف" بالأرز واللحم الساخن.

"بلبلة" سيدة خمسينية، لم يغادرها شبابها كليا، لكنها أيضا لم تعد تستطيع أن تستمر على المسرح ليلة كاملة، فأصبح لمساعديها دور كبير على المسرح، لكنها أبدا لم تأت للفرقة بمطربة جديدة، فقط هؤلاء الشباب الذين يتناوبون على الطبلة والدف والأدوات الموسيقية، يمسك أحدهم الميكروفون بين الحين والآخر، ويبدأ في الإنشاد للحبيب الحسين، أو يستكمل ما بدأته معلمته من أغان، بينما تكتفي "بلبلة" بالتصفيق وإشعال جمهورها بوجودها المتلألئ على المسرح.

‪
‪"بلبلة" سيدة المسرح الخشبي أثناء احتفالات مولد الحسين بالقاهرة‬ (الجزيرة)

للذكرى أثر لا يزول
لغناء السيدات في مولد الحسين ذكريات لا ينساها أهل المولد، فالجميع لا يزال يتذكر "الست رحيمة" التي ملأت شوادر الحسين طربا، وكانت تأتي من دمياط، تجوب الموالد وتستقر في القاهرة من مولد الحسين حتى مولد السيدة زينب.

استمرت "رحيمة" في الغناء للحسين، وكانت حين ترضى عن جمهورها تغني لهم الفلكلور الشعبي المصري.

كانت صدمة لجمهور الموالد حين عرف برحيلها رغم تقدمها في العمر، إلا أنها لم تتأخر عاما عن المولد، وحين لم تأت منذ عامين، عرف الجميع أن "رحيمة" لن تأتي مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة