3 قصص ملهمة.. أمهات يضحين لأجل أطفالهن من ذوي التحديات

أمهات ملهمات لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
تعليم طفل التوحد المعلومات الأساسية عن نفسه وأسرته تعد مهمة شاقة تتحملها الأمهات (الجزيرة)

آيات جودت

يولد كل يوم حول العالم عدد كبير من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة المختلفة، ورغم أننا في القرن الحادي والعشرين ومن المفترض أن الوعي الطبي والمجتمعي حول التعامل مع أصحاب التحديات الخاصة قد تطور، فإن على أرض الواقع -للأسف- العديد من الصعوبات التي يجب على كل بيت يضم طفلا "متميزا باختلاف" أن يعانيها.

ووسط هذا القدر من التحدي، تبرز بعض الأمهات كمحاربات وملهمات للكثير من الأسر الأخرى، وباختلاف المشكلات التي يعاني منها الطفل تختلف المشكلة التي تعاني منها الأم، ولكنها تصر على الصمود والتعلم من أجل إفادة طفلها وأسرتها.

التوعية
تخرجت الأم داليا يونس في كلية الطب بجامعة عين شمس في القاهرة، وتزوجت وأنجبت طفلها الوحيد أنس، ولكن قبل إتمامه العامين بدأت تلاحظ بعض المؤشرات غير الطبيعية عليه، مثل عدم اهتمامه بالكلمات على الإطلاق واهتمامه المتزايد بكل ما يتحرك بطريقة دائرية؛ وهنا قررت الذهاب بابنها إلى طبيب متخصص استنادا على بحثها عن قدرات الأطفال في عمر ابنها، مع ملاحظة تصرفاته جيدا والاعتماد على حدس الأم الذي قلما يخطئ.

استطاعت داليا أن تقطع شوطا كبيرا مع ابنها منذ تشخيصه بالتوحد وحتى يومنا هذا، فوجدت أنه يتمتع بحس موسيقي عال ويتواصل من خلاله، وهي تحاول باستمرار تنمية هذه الموهبة والبحث عن مواهب أخرى قد تكون لديه.

قررت داليا مشاركة تفاصيل رحلتها مع ابنها منذ بداية التشخيص وحتى الآن، احتفاء بابنها الذي يتم عامه الخامس في الشهر الجاري، قائلة إنها كانت محظوظة لكونها تتمتع بخلفية طبية وتتقن اللغة الإنجليزية، مما منحها فرصة الاطلاع على العديد من المصادر والدراسات الأجنبية، بينما لا يستطيع الكثير من الأهالي الوصول لمعلومات موثوق بها عن التوحد، وهي تحاول مد يد العون لهم.

السبب الثاني الذي دفعها لمشاركة تفاصيل تجربتها المميزة، هو رفع الوصم المجتمعي عن الأطفال المصابين بالتوحد، وتعريف المجتمع بماهية المرض حتى لا يستبقوا تصنيف الأطفال المصابين به بأنهم "قليلو تربية" أو "أشقياء بلا أدب"، وهذا لأن التوحد من التحديات التي ليس لها أثر عضوي واضح.

صعوبة القراءة أمام الرسم
"تحلم بأن تكون مثل زها حديد"، بهذه الكلمات القوية تستهل أمل طه حديثها عن طفلتها الكبرى "لينا".

بدأت رحلة أمل طه منذ أن كانت ابنتها في الثانية من عمرها، عندما لاحظت الأم والمحيطين أن لابنتها تصرفات غير تقليدية وظنوا أن لديها توحدا، فدرست الأم -خريجة الإعلام- دبلوم التربية العامة، ومنه علمت أن ابنتها لا تعاني من التوحد.

ظلت "أمل" حائرة في تشخيص حالة ابنتها، فظن البعض أنها تعاني من "الحرمان البيئي" الذي ينتج عنه تأخر في الكلام، ولكن بالدراسة اتضح أنها غير مصابة به أيضا، لتعلم الأم في النهاية أن ابنتها المتفوقة في موهبة الرسم والفنون تعاني من صعوبات في التعلم، وتحديدا في قراءة الأحرف والكلمات.

‪تحلم والدة لينا بأن تصبح ابنتها مثل المعمارية زها حديد‬ (الجزيرة)
‪تحلم والدة لينا بأن تصبح ابنتها مثل المعمارية زها حديد‬ (الجزيرة)

أكملت "أمل" أنها التحقت بعد ذلك بالمزيد من الدبلومات التي تساعدها في فهم حالة ابنتها، وتسعى في الوقت الحالي للبدء في رسالة ماجستير في التربية، فابنتها ترى الأحرف وكأنها رسوم، ولا تستطيع التعرف على الحرف عند قراءته ولكنها تستطيع تمييزه سماعيا والإجابة بطلاقة شفهيا.

تعرضت لينا مع والدتها إلى عدم تفهم المعلمين لتحديها الاستثنائي، فالكثير منهم لم يسمعوا على الإطلاق بهذا الأمر، مما يضطر أمل في كل اجتماع لأولياء الأمور أن تحضر معها رسومات ودرجات لينا السابقة كي تشرح لهم أن طفلتها ذكية وموهوبة، ولكنها تعاني من تحد بسيط أسمته "التحدي الخفي"، حيث إنه بلا سمات ظاهرية أو عضوية، ولا يكتشف إلا بالمعاملة الشخصية عن قرب، مما يدفع المعلمين غالبا لوصمها بقلة الذكاء أحيانا وبانعدام التركيز والكسل أحيانا أخرى، وتتمنى فقط ألا يبدأ المجتمع والمعلمون في إطلاق تصنيفات غير حقيقية على ابنتها دون محاولة جادة منهم لتفهمها.

"متلازمة مش أزمة"
"متلازمة مش أزمة" هي الحملة القومية الأولى في مصر للتوعية بمتلازمة داون، والتي أسستها علياء أحمد بعدما رزقها الله بطفلتها صوفي، فاستقبلتها علياء بفرحة حقيقية ورغبة في التعلم عن طفلتها الجديدة رغم أنهم أخفوها عنها ثلاثة أيام كاملة خوفا عليها من الصدمة، وفوجئت بعدها بالأطباء يخبرونها بالكثير من الموروثات الخاطئة التي تنم عن جهل شديد، كما أن المجتمع الذي كان من المفترض أن يبارك لها على المولودة صدمها بدعواته بأن "يعوض الله عليها".

تخرجت علياء في كلية الصيدلة بالقاهرة وشغلت عدة مهن مختلفة، ولكن كل هذا تغير بالكامل بعد ولادة صوفي لتعمل في التوعية الغذائية العلاجية للأطفال المصابين بالسرطان وأصحاب التحديات الذهنية، بالإضافة إلى ورشها التعليمية والداعمة لأسر أطفال متلازمة داون.

توجهت الحملة في بداية خطابها التوعوي حول المتلازمة إلى طلبة كليات الصيدلة والطب، لأنهم أول من يستقبل الأهل والمولود المصاب بالمتلازمة، ويجب عليهم أن يكون لديهم العلم الكافي لمساعدة الأهل واحتوائهم، وبعد أن أتمت الحملة عامها الرابع توسع نطاقها وأسست ورشات دعم لأهل أطفال متلازمة داون للمساعدة بالتوعية في المجالات المطلوبة، مع الاهتمام بنفسية الأم حتى تستطيع الاهتمام بطفلها.

‪
‪"متلازمة مش أزمة" هي الحملة القومية الأولى في مصر للتوعية بمتلازمة داون (بيكسابي)‬ "متلازمة مش أزمة" هي الحملة القومية الأولى في مصر للتوعية بمتلازمة داون (بيكسابي)

تسعى علياء في رحلتها مع طفلتها المميزة لخلق الوعي الكافي عند المجتمع لتقبل ابنتها كما هي دون إصدار أحكام مسبقة ومغلوطة عليها بناءً على شكلها فحسب، وتعتقد أن هذا الأمر واجب على كل أهالي الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولتمهيد الطريق أمام من سيأتي بعدهم حتى لا يضطر لمواجهة نفس الصعوبات.

في النهاية تتمنى أن يقف الجميع وراء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بالذات أهالي الأطفال الآخرين الذين تنتظر منهم المساندة وليس الجهل والتنمر، وأن يفخروا بهؤلاء الأطفال ويؤمنوا بقدراتهم وما يستطيعون تحقيقه.

المصدر : الجزيرة