بالفيديو- العراقية شيماء العباسي.. من نازحة فقيرة إلى ناشطة فاعلة

عماد الشمري- أربيل

في كثير من الأحيان تتبدل المحن إلى منح بإصرار وعزيمة أهلها، إلى جانب الاستفادة من التجربة والصبر على عثرات الطريق بهدف الوصول إلى الغاية التي تحول المآسي إلى أفراح والخيبات إلى نجاحات، وهو ما حصل في رحلة شيماء العباسي التي حولت صعاب النزوح إلى مسالك للنجاح.

ممارسة مفروضة

منذ كنت في الـ12 من عمري وقع على عاتقي مداراة أخي حيدر ذي الاحتياجات الخاصة ليكون بطل قصتي التي وصلت بسببها لما أنا عليه اليوم من مكانة بين ناشطي العراق، هكذا بدأت شيماء العباسي رواية قصتها للجزيرة نت.

وتابعت "اكتسبت من اهتمامي بأخي كطفل معاق خبرة كبيرة بالتعامل مع الأطفال استمرت لسنوات، رغم مرورها بمراحل صعبة، أبرزها ترك الدراسة رغم حبي لها، قبل أن يتبعها النزوح والسكن بالمخيمات".

المرحلة العصيبة
لم تمضِ الأيام سلسة كما كانت تظن شيماء بطفولتها، فقد حدث ما لم يكن بالحسبان، فمع بداية دخول تنظيم الدولة الإسلامية لقضاء سنجار بمحافظة نينوى مطلع سنة 2014 انقلبت الأمور رأسا على عقب واضطرت كالكثيرين للهرب والبحث عن مأوى آمن، بحسب شيماء.

وأضافت "أقلتنا شاحنة أبي ونحن تسعة أشخاص ننوي الخروج للسلامة بأجسادنا، وفي طريق الفرار كنا نقل معنا من نجدهم على قارعة الطريق من الهاربين من جحيم الغزو الإرهابي، وقبيل الغروب أصبح عددنا 35 نفرا في الشاحنة، بين أطفال ونساء ورجال مسنين، تحت حر الشمس، يلازمنا الجوع والعطش وبكاء الأطفال وأنين المرضى".

‪شيماء العباسي أثناء محاضرة لفريق السلام‬ (الجزيرة)
‪شيماء العباسي أثناء محاضرة لفريق السلام‬ (الجزيرة)

حافلة الموت

تكمل شيماء حديثها عن هول ما فجعت به أثناء توجهها إلى أربيل، قبل الوصول للمناطق الآمنة أوقفت إحدى مفارز تنظيم الدولة الشاحنة مفتشة عن ديانات الفارين ليصطحب عناصر المفرزة عددا من الإيزيديين ويتم إعدامهم أمام أنظار جميع ركاب الحافلة لتكون لحظات الخوف تلك فيلم رعب يعاد عرضه يوميا بذاكرتها.

وتؤكد شيماء للجزيرة نت "بقي صدى صرخات المعدومين وبكاء من في الحافلة سنوات طوالا يتردد بمسمعي، ترعبني وكأنها الآن تحدث، حرمت بسببها نوم ليالي طويلة ولّدت بداخلي عنصري الخوف والكآبة".

انتقمت بطريقتي

لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه بالاتجاه، وهذا ما أرادته العباسي كمبدأ لإكمال مسيرة حياتها، معلنة "سيساوي مقدار انتقامي مقدار ما حملته من ألم وخوف، لكن بالاتجاه المعاكس تماما، سأمضي لصنع البسمة على وجوه المظلومين والمنكوبين من أرامل وثكالى، وسأعتني أولا بالأطفال كوفاء لذكرى أخي حيدر الذي غيبه المرض عني في مخيم بحركة".

مضت السنون بمرها وأصبح عمرها 17 عاما وكان المخيم كسجن واسع بالنسبة لها، فقررت تغيير حياتها والتخلص من أسواره وإنهاء فكرة الانتحار التي طالما راودتها كثيرا -كما تقول- فأسرعت للبحث عن منظمة لتعمل بها كناشطة، لكن لعدم بلوغها سن الـ18 كانت ترفض دائما.

إصرارها منحها فرصة الانضمام لمنظمة غير حكومية، فكانت "بي أي أو"  (PAO)  "المساحة الصديقة للأطفال" أولى محطات انتقامها، بدأت تمارس خبرتها مع الأطفال بتعليمهم القراءة والكتابة وترتيب أوقاتهم بين الدراسة واللعب وتدريبهم على أداء فعاليات رياضية ومسرحية، شاركوا بعدها بالكثير من المهرجانات والاحتفالات التي تقام بعدد من المخيمات، فلفتت انتباه كثير من المنظمات الإنسانية، خاصة المهتمة بالطفل، وبعد أقل من شهرين أصبحت تتقاضى راتبا شهريا مكنها وأسرتها من استئجار منزل صغير وسط أربيل لتهجر المخيم بعد عناء لن تنساه.

رقصة النفوس
أحد أسباب شهرتها تطويرها نشاطا يسمى "رقصة النفوس" لدعم السلام والتعايش السلمي بين الطوائف والأديان، ومن خلاله أصبحت تتلقى الدعوات للمشاركات المحلية، وحصلت مرات عديدة على مراكز متقدمة، مما شجعها على تشجيع تطوير نفسها في مجالات مختلفة، فالتحقت بدورات إعلامية وأخرى في التنمية البشرية، وحصلت على ألقاب عدة، منها "بالون السلام"، و"جوكر"، و"الأخطبوط" وكلها كانت بمجال الأطفال.

‪العراقية شيماء العباسي أثناء تدريب الأطفال على أداء فعاليات رياضية‬ (الجزيرة)
‪العراقية شيماء العباسي أثناء تدريب الأطفال على أداء فعاليات رياضية‬ (الجزيرة)

المخيم مقري

سكني داخل مدينة أربيل لم يمنعني من التواصل مع مقر انطلاقي المخيمات، فما زلت حتى اليوم أقضي ما لا يقل عن يومين أسبوعيا هناك، وفي أغلب المرات أبيت في الخيام، تعلقت بالمخيمات لتعلق الأطفال بي، وأحزن لفراقهم حين أراهم يبكون عند وداعي وهم ينادونني ماما شيماء.

وتزيد "أجبر خواطرهم بالمبيت ونقضي النهار والليل باللعب والتدريب، فقد كونت عدة فرق للأطفال وما زلنا نشارك بفعاليات نقدم بها العروض المسرحية والغنائية الجديدة".

 شهادات حية

"كل الذين عملوا مع العباسي يشيرون إليها بالبنان وأنا منهم، فهي عن حق مذهلة بما تقدمه للأطفال من صنع حياة جديدة لمستقبل مشرق رغم صغر عمرها لكنها فاقت من سبقوها العمل بهذا المجال" هكذا أشاد هاني حواس بالعباسي.

وأشار إلى أن أبرز ما يميز أسلوب الإقناع المقترن بالخبرة خصلتان ساعدتاها على استقطاب جموع شبابية للانضمام إلى الأعمال التطوعية لتصبح اليوم "ماركة" ومرجعا يحتذى به في الجانب الترفيهي للأطفال.

ولم يذهب ثامر بعيدا عما قاله حواس، مضيفا أن انضمام العباسي دوليا للهلال الأحمر أعطى نكهة تطويرية خاصة لأطفال المخيمات، وأضفى التفوق لكثير من طلبة المرحلة الابتدائية عبر برنامج العباسي بتنظيم الوقت بين الدراسة والترفيه، وهو ما يشهد به جميع زملاء الفريق ومدراء المخيمات.

وتروي للجزيرة نت الطفلة نبأ عبد الحميد إحدى المنتميات لفريق العباسي التطوعي أنها تشعر بشيماء أما ثانية، وتقول "كنت تركت المدرسة، ولم أفكر بالالتحاق بها ثانية حتى شجعتني أمي شيماء وساعدتني بدروسي، لأكون اليوم ضمن قائمة المتفوقات العشر على مدرسة البارزاني الثانية في مخيم بحركة".

المصدر : الجزيرة