خديجة تحكي قصتها.. أول مغربية تحمل مكنسة بشوارع مراكش

عاملة نظافة 3 / عبد الغني بلوط/ خديجة تقول إن عملها منحها العفاف والكفاف والغنى عن الناس /المغرب/ مراكش/ بيت خديجة بالمدينة العتيقة
خديجة: عملي منحني العفاف والكفاف والغنى عن الناس (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

بينما تحاول المدينة أن تتعافى من كسلها بعد نوم عميق مترقبة طلوع الفجر تكون السيدة خديجة قد نهضت من مضجعها واستعدت لتبدأ يوم عمل جديد.

وهي تدفع عربتها الصغيرة وتحمل مكنستها المؤنسة تمتزج خطى خديجة نحو أول شارع قابل للتنظيف بأصوات المآذن التي تنطلق من كل جانب من المدينة العتيقة معلنة عن اقتراب موعد أول صلاة.

دعواتها النابعة من قلبها النابض بالحياة تطمئنها وتجعل منها امرأة صامدة في وجه المحن.

‪خديجة حظيت باحترام كبير وسط عائلتها‬ (الجزيرة)
‪خديجة حظيت باحترام كبير وسط عائلتها‬ (الجزيرة)

مهنة شريفة
تقول خديجة للجزيرة نت وابتسامة طمأنينة مدهشة لا تفارق محياها "خرجت للعمل مضطرة بعد طلاقي قبل 15 سنة، عملت في شركات تنظيف المكاتب والمؤسسات، قبل أن أصبح قبل تسع سنوات أول امرأة تحمل مكنسة في شوارع مدينة مراكش الفسيحة".

لا تحتاج خديجة التي تقترب من إتمام منتصف عقدها السادس إلى منبه كي يوقظها مثل أي موظف عمومي، فمسؤولية نظافة المدينة تتحملها أولا بأول.

هو شعور يلازمها منذ أن تلقي نظرتها الأولى على المكان في يوم جديد إلى أن تعود منهكة في الزوال لكن مطمئنة لحلال رزقها وبركته التي لا تنقضي.

وهي تعدل ملابسها حتى تبدو متناسقة تخرج كلمات خديجة عفوية نابعة من عمق إنساني فريد "ليس لي اعتراض على قدري، هذه مهنة شريفة أحببتها ومنحتني كل شيء، الكفاف والغنى عن الناس أجر من الله، اعتراف وتقدير من الناس".

رياضة ورشاقة
قبل أن تضيف وهي تداوم على ابتسامتها المشرقة "وفوق كل ذلك هي رياضة تمنحني صحة ورشاقة"، وتجتهد خديجة في جعل شارع ضيق نظيفا كما تركته، تمر من جانبها وجوه ألفتها وأخرى تراها أول مرة.

الكل يشهد بكفاءتها
يقول السيد عباس -وهو حارس دراجات أمام مستشفى خاص في المدينة- "لم أعرف اسم هذه السيدة، ولا أعرف ظروفها التي دفعتها دفعا إلى هذه المهنة الصعبة، لكن الكل يشهد بكفاءتها".

ويضيف "كنت أفضل ألا تعمل في الشارع حفاظا على صحتها وكرامتها وحتى تتفرغ أكثر لبيتها، لكن يبدو أن المرأة المغربية اقتحمت جميع المهن حتى الصعبة منها".

أما الروائية أم الغيث بلقزيز التي جعلت المرأة المكافحة موضوع كثير من إبداعاتها فتقول للجزيرة نت "عاملة النظافة امرأة شريفة مكافحة تعمل من أجل لقمة العيش مثل باقي أفراد المجتمع"، مضيفة "من حق كل امرأة أن تخرج للعمل بصفتها نصف المجتمع".

‪خديجة: ابنتي تقبلت مهنتي بعد رفض‬ (الجزيرة)
‪خديجة: ابنتي تقبلت مهنتي بعد رفض‬ (الجزيرة)

فخورة بأمي
لا تهتم خديجة لنظرة الناس إليها بعد أن وجدت اعتراضا على مهنتها في البداية ثم قبولا في نهاية الأمر، حتى دموع ابنتها شيماء وهي صغيرة تتوسل إليها لكي تغادر هذه المهنة لكنها لم تثنِها عن مواصلة عملها.

تقول شيماء (15 عاما) وقد حرصت على لقاء للجزيرة نت بلباس المدرسة "أمي هي كل حياتي، فتحت عينيي ولم أجد غيرها، هي سندي وعضدي، تمنحني القوة لكي أتفوق في دراستي".

وتضيف ونظرة إعجاب ممتزجة بكثير من صمود تملأ المكان "في البداية كنت أبكي لأن أمي "حاملة مكنسة"، لكن نظرتي تغيرت وأصبحت "منظفة المدينة" مصدر فخر لي واعتزاز".

نظافة عقول
تتابع شيماء حديثها وبريق عينها ينير وجهها "حين أفتح كتبي يراودني حلم كبير في أن أتعلم وأنجح، لا يهم ما سأقوم به في المستقبل".

وتقول البنت الصغيرة وهي تنظر إلى حقيبة المدرسة وتعانق أمها بحرارة تدفئ برودة المكان إن "كل عمل شريف هو مكسب لهذا الوطن، ونظافة العقول بداية لنظافة الأمكنة"، في حين تستطرد السيدة خديجة وهي تعدل جلستها "ننحني من أجل أن يستقيم عود فلذات أكبادنا".

وتضيف "علمتني مهنتي أن أقدر أي عمل، وأفكر في كل إنسان يبذل جهدا من أن يسعد الآخرين ويجعل حياتهم أكثر أمانا وأكثر نقاء".

‪شيماء: أمي هي كل حياتي.. منحتني القوة لكي أتفوق في دراستي‬  (الجزيرة)
‪شيماء: أمي هي كل حياتي.. منحتني القوة لكي أتفوق في دراستي‬  (الجزيرة)

امرأة بألف
خديجة هي واحدة من بين أربع نساء اخترن أن يحملن المكنسة وسط فريق عمل مكون من آلاف عمال النظافة بالمدينة الحمراء، عملها اليومي المتقن جعلها علامة فارقة في مهنتها كما يقول السيد ألحو المشرف على العمال في منطقتها.

"لا أبالغ حين أقول السيدة خديجة بألف رجل" يضيف وهو يلقي نظرة على الشارع الذي بدأ يعج بالحركة وبدا نظيفا ممتعا للعين.

ويشير ألحو إلى أن "ما يميز كل امرأة تلج مهنة صعبة هو حبها لذلك العمل، وراحتها النفسية وهي تؤدي واجبها تجعل منها موظفة نموذجية".

نظرة وداع
بعد ست ساعات من العمل تكون الشمس قد مالت إلى الزوال ومال معها عقل خديجة نحو منزلها وابنتها التي تنتظر خروجها من المدرسة، فتودع خديجة مكنستها في المستودع البلدي وكلها أمل للقاء بها في اليوم التالي.

تلقي نظرة وداع وتبدو وكأنها تتساءل "من يحمل الآخر: هي أم المكنسة؟"، وتعرف الجواب حتما، لكن في كل مرة تنتشي بطرحه وتنتشي أكثر حين تجد نفسها قادرة على مواصلة العطاء.

المصدر : الجزيرة