رغم مبادرات وتنازلات نسائية.. 11 مليون مصرية أسيرات العنوسة

العنوسة في مصر لصفحة المرأة
هناك أسباب كثيرة لظاهرة العنوسة في مصر منها غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج بسبب التقاليد (الجزيرة)

 محمود صديق-القاهرة

"من عائلة راقية ذات مستوى ديني معتدل وأخلاقي واجتماعي وعلمي ومادي.. لا أقبل التعدد، زواج شرعي سني فقط، لا أقبل بأي شعبة من الإسلام غير السنية منعا للإحراج، لا أمانع السفر والإقامة خارج مصر".

هكذا أعلنت زهرة الخلود (39 عاما) عن رغبتها في الزواج على أحد مواقع الزواج الإلكترونية التي ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

مواقع الزواج الإلكترونية
كلام زهرة الخلود وآلاف الإعلانات على عشرات المواقع الإلكترونية المشابهة يعكس حال 11 مليون مصرية ممن تخطت أعمارهن 35 عاما وقعن أسر العنوسة.

وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، بلغ عدد من لم يتزوجن عام 2017 من الإناث فوق 35 عاما 472 ألفا بنسبة 3.3% من مجموع عدد الإناث في مصر البالغ عددهن قرابة 46 مليونا خلال العام نفسه.

ورصدت البيانات تفوق الإناث الحاصلات على مؤهل جامعي فما فوق في نسبة العنوسة، بينهن 5.8% مقابل 4.1% لمن يعرفن القراءة والكتابة، تليها نسبة الحاصلات على شهادات متوسطة، وفوق المتوسطة بـ3.2%، أما الحاصلات على شهادات أقل من المتوسطة فقد بلغت نسبة العنوسة بينهن 2.4%.

أسباب العنوسة
من ناحية أخرى، حدد جهاز الإحصاء أسبابا ستة لانتشار الظاهرة، منها: غلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج الأخرى الناتجة عن العادات والتقاليد المتبعة، وغلاء المعيشة، وانشغال الفتيات بالعمل، وضعف أجور الشباب.

هذه المعطيات دفعت ناشطات ونوابا في البرلمان إلى تبني مبادرات تحاول إيجاد حلول غير تقليدية للحد من تفاقم ظاهرة العنوسة.

‪حملة
‪حملة "بلاها شبكة" وجدت قبولا عند بعض الأهالي‬ (الجزيرة)

حملة "بلاها شبكة"
أطلق شاب من إحدى محافظات الصعيد في جنوب مصر حملة "بلاها شبكة"، وتبلغ قيمة الشبكة طبقا للتقاليد والعرف في محافظات الجنوب تحديدا عشرات الآلاف وربما تتخطى مئتي ألف جنيه في بعض الزيجات، حسب كلام مصطفى محمود مؤسس الحملة.

وقال محمود إن الحملة لاقت ترحيبا كبيرا وتجاوبا من بعض الأسر في الصعيد، ولكن ليست بالقدر الكافي نظرا لتمسك بعض الأهالي بالتقاليد المتزمتة في هذا الصدد.

وتبنى النائب خالد أبو زهاد عضو مجلس النواب عن إحدى دوائر محافظة سوهاج مبادرة "بلاها شبكة" نظرا للارتفاع الباهظ في أسعار الذهب ولتخفيف الأعباء على الشباب في تجهيز متطلبات الزواج.

الحملة لاقت انتقادات من البعض، خاصة من لديهم بنات في سن الزواج، حيث يرون أنها تخفف العبء عن الشاب دون النظر لما يكابده أهل الفتيات من تجهيز بناتهم.

ارحمي والدك أولا
إحدى الأمهات وجهت نصيحة إلى الفتيات اللائي تحمسن للمبادرة قائلة "قبل ما تعملي بطلة وتستغني عن الشبكة استغني عن الـ15 بطانية، وأطقم الكاسات، والحلل، والصيني وحاجات كتير مش قادرة أعدها، ارحمي أباك قبل ما تفكري ترحمي اللي جاي يأخذك على الجاهز".

نصيحة تلك الأم وعادات أخرى كانت السبب وراء تأسيس رانيا يحيى حملة أطلقت عليها "بلاها نيش وحاجات متلزمنيش"، وجرى العرف بين المصريين على ضرورة وجود شيء يشبه الدولاب يطلق عليه النيش توضع فيه أدوات منزلية كثيرة لا لزوم لها وربما لا تستخدم طوال العمر يلتزم أهل العروسة بإحضارها.

وأكدت يحيى في تصريحات صحفية أنها تهدف من وراء الحملة إلى الحد من المظاهر المبالغ فيها عند الزواج، وتوفير ما يدفع لأشياء أكثر إفادة، مشيرة إلى مصير بعض الآباء والأمهات الغارمين والغارمات في السجن أو مهددين به بسبب الاستدانة لتزويج بناتهم وأولادهم.

مبادرة "زوجي زوجك" 
من ناحيتها، أطلقت الدكتورة رانيا هاشم مؤلفة كتاب "كتاب التعدد شرع ورحمة" مبادرة أطلقت عليها "زوجي زوجك" تدعو فيها السيدات إلى ترك أزواجهن باستخدام حقوقهم الدينية بالزواج من أخرى صونا للرجل من الوقوع في الحرام، وحلا لمشكلة العنوسة التي تفاقمت في المجتمع المصري، مؤكدة تلقيها رسائل من سيدات يقمن بالخطبة لأزواجهن، وقوبلت المبادرة برفض واستهجان من قطاعات واسعة في المجتمع. 

المبادرات التي تطالب بالاستغناء عن الشبكة أو النيش أو
المبادرات التي تطالب بالاستغناء عن الشبكة أو النيش أو "زوجي زوجك" تناطح أعراف راسخة بعقول المصريين من سنوات (الجزيرة)

عانس وأفتخر
من ناحية أخرى، حاولت فتيات تخطين سن الـ35 دون زواج مواجهة واقعهن وأسسن صفحات ومجموعات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يحكين فيها عن تجاربهن في رفض الزواج لمجرد الزواج، وعدم شعورهن بالخجل لأنهن غير متزوجات.

وأصبحت صفحات مثل "عانس وأفتخر"، و"عانسون"، و"سناجل ونفتحر" منابر تحكي فيه الفتيات ما بداخلهن ويناقشن نظرات المجتمع لهن.

وقالت "آمال" التي تخطت الأربعين عاما مؤسسة إحدى هذه الصفحات إنها تفتخر بكونها حققت ذاتها بتفضيلها المكانة التي منحها لها العمل طبيبة، وإنها رفضت الارتباط الذي يمكن أن يعطلها عن طموحها، وحين مرت سنوات العمر من بين أيديها رفضت كل من تقدم طالبا يدها محاولا فرض شروطه على اعتبار تقدمها بالسن.

وأضافت للجزيرة نت أنها تشعر ببعض الحنين نحو الأمومة، لكنها تتغلب على هذه الفكرة بسؤال ماذا لو تزوجت من شخص ثم اكتشفت أنه عقيم.

وتابعت لست نادمة، وحاولت من خلال إنشاء صفحة على فيسبوك مشاركة تجارب بنات تأخر عنهن قطار الزواج لسبب أو لآخر، وتستهدف القضاء على مقولات راسخة في الذهن الشعبي مثل "ظل راجل ولا ظل حيطة".

لاقت الصفحة إقبالا وتفاعلا من كثيرات بحن بمكنون صدورهن، وتجاربهن، وعلى الرغم من أن معظمهن يدخلن حسابات فيسبوك بأسماء وهمية إلا أن بعضهن يقررن الانسحاب فجأة خوفا من معرفة أهلهم لشخصياتهن، ولكن هناك من يدخلن بأسمائهن الحقيقية ويعلن موقفهن بجرأة وشجاعة.   

تناطح ثقافات
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية سعيد صادق أن المبادرات التي تطالب بالاستغناء عن الشبكة أو النيش، وكذلك "زوجي زوجك" تناطح ثقافات وأعرافا راسخة في عقول المصريين من سنوات بعيدة ويصعب اختراقها، خاصة أنها مبادرات فردية تفتقر إلى الشكل والإمكانات البشرية والمادية المؤسسية، خصوصا إذا جاءت من الدولة.

ويقول صادق "انظر إلى حملات تنظيم الأسرة التي استغرقت عشرات السنوات بكل إمكانات الدولة وإعلامها ولم تصل للشكل الأمثل حتى الآن وستعرف المصير الحتمي لتلك المبادرات بلا شك".

المصدر : الجزيرة