بين النسيان والهجرة.. لماذا يتحول رياضيون مغاربة إلى قصص محزنة؟

صور أيوب مبروك خلال مباريات مختلفة
صور مختلفة للبطل المغربي أيوب مبروك الذي قضى بعد غرق قارب للمهاجرين غير النظاميين قرب شواطئ إسبانيا (الجزيرة)

محمد بنكاسم

أيوب مبروك وعبد الرحيم بن رضوان بطلان رياضيان مغربيان أثارا وسائل الإعلام المحلية في الأسابيع القليلة الماضية، بعدما تحولا لقصتين مأساويتين أعادتا للواجهة الملف القديم الجديد، المتمثل في هجرة الرياضيين المغاربة، وتدهور أوضاعهم الاجتماعية بعد انتهاء مسارهم الرياضي، وهي أوضاع تتباين القراءات عن أسبابها، والجهات التي تتحمل المسؤولية عنها.

حالة مبروك
فقبل أيام، ووري الثرى الشاب أيوب مبروك (21 عاما) -بطل المغرب في الكيك بوكسينغ على مدى أربع سنوات- في مدينته سلا المجاورة للعاصمة المغربية الرباط بعد شهر ونصف الشهر على غرقه في شواطئ منطقة قادس الإسبانية، بعدما انفجر قارب كان يقله مع العشرات من المهاجرين غير النظاميين.

وخلفت وفاة الشاب السلاوي المأساوية الكثير من الحزن والأسى لدى أسرته والوسط الرياضي عموما، وتحدث نور الدين بلمالحة مدرب أيوب وبعض أقاربه عن تعرض الفقيد للتهميش، وعدم الاعتراف الرسمي، وغياب الدعم من الجهات المسؤولة عن هذه الرياضة بالمغرب.

 

حالة ابن رضوان
وقبل أيام، انتشرت في مواقع التواصل بالمغرب قصة تحول عداء الماراثون السابق عبد الرحيم بن رضوان من عداء معروف في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالي، التي فاز فيها بالعديد من الألقاب في بطولات مغربية ودولية؛ إلى عامل منسي في ورش للبناء بضواحي الرباط، ولا يكاد يجد ما يسد به رمقه.

واتهم ابن رضوان شخصيات في اتحاد ألعاب القوى بالمغرب بالمسؤولية عن العراقيل التي وضعت في مساره منذ عام 1993، وإقصائه من المشاركة ضمن المنتخب المغربي في العديد من البطولات العربية والدولية، فضلا عن حرمانه من مستحقاته المادية بحكم تمثيله للمغرب في الألعاب الأولمبية وغيرها.

وأثارت الفيديوهات التي أبرزت قصة معاناة عبد الرحيم، والحصار والنسيان اللذين تعرضا لهما، وتدهور وضعه المادي ضجة؛ مما دفع العديد من الرياضيين المغاربة للاتصال به، ومنهم البطل هشام الكروج الذي وعد بحل مشكلته في أقرب وقت ممكن.

وكشف ابن رضوان عن أن مسؤولا رفيع المستوى بمؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين استقبله، وسط الحديث عن تسوية وضعه المالي.

حالة دينار
ومن الحالات التي كشف عنها مؤخرا لرياضيين مغاربة يعيشون أوضاعا معيشية صعبة حالة عداء سابق بالماراثون ونصف الماراثون اسمه عبد الوهاب دينار (أربعون عاما)، الذي قال لأحد المواقع الإلكترونية المغربية إن قلة ذات اليد حالت بينه وبين المشاركة في التظاهرات الرياضية العالمية، رغم أنه كان يمتلك طموحا لبلوغ مراتب عالمية مثل البطل المغربي سعيد عويطة، والبطل الإثيوبي هايلي جبريسيلاسي.

ويقول دينار إن ظروفه الصعبة دفعته للعمل في محل لبيع النقانق للحصول على حاجاته المعيشية، ويضيف أنه لم يكن يجد المال الكافي لشراء ملابس أو أحذية رياضية جديدة للمشاركة في التظاهرات الرياضية، فيكتفي بأحذية قديمة ومرقعة.

ويلوم دينار المسؤولين في اتحاد ألعاب القوى لأنه تقدم إليهم بطلب للالتحاق بالمنتخب المغربي، ولكن ملفه كان مصيره التهميش.

ومثله مثل العديد من رياضيي ألعاب القوى، ترك ابن دمنات المدينة الجبلية الفقيرة فصول الدراسة ليتفرغ للرياضة التي يحبها وهي العدو، ولكن الرياح جرت بغير ما تشتهي سفنه، ليجد نفسه يبيع النقانق بأحد أسواق المدينة لكسب قوته في الفترة المسائية، في حين يخصص الفترة الصباحية للتدريب الرياضي بمفرده.

اعتصام أبطال
ومن تجليات مشكلة تهميش بعض الأبطال المغاربة، ما وقع عامي 2016 و2017 من اعتصام مفتوح نفذه ستة رياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة أمام مقر وزارة الشباب والرياضة، واستمر الاعتصام شهورا، وذلك للمطالبة بحقهم في التوظيف بموجب القوانين المعمول بها.

ويتعلق الأمر بكل من عز الدين النويري بطل رمي الجلة، ومحمد أمكون ومهدي أفري وطارق الزلزلي ومريم النوغي، وعبد العالي الإدريسي، وهم من عدائي المسافات القصيرة فئة ضعاف البصر، واستمر اعتصام هؤلاء إلى أن فرقته قوات الأمن في آخر عام 2017.

وسبق لهؤلاء الأبطال البارالمبيين المعتصمين أن فازوا بميداليات ذهبية وغيرها في الألعاب البارالمبية في مدينة ريو البرازيلية في سبتمبر/أيلول 2016.

كرة القدم
وفي مجال كرة القدم، تبرز حالات كثيرة تعرضت للتهميش وقلة الاهتمام، ومن هؤلاء لاعب كرة القدم الدولي السابق حمادي الزهاني، الذي قال للجزيرة نت إنه يفترش الأرض ويلتحف السماء بعدما فاز مع شبان المغرب بكأس أمم أفريقيا، وذهبية الألعاب الأولمبية الفرانكفونية في كندا، قبل أن يجد نفسه في الخلاء دون معيل.

كما اضطر اللاعب المغربي السابق موهوب الغزواني لارتداء لباس سائق سيارة أجرة بين الفينة والأخرى، لإعالة نفسه وأفراد أسرته، وذلك بعدما كان أحد أفراد الجيل الذهبي الذي صنع في الستينيات والسبعينيات مجد المغرب الكروي.

ومن بين لاعبي منتخب 1976 الذين تعرضوا للنسيان مثل الغزواني، نجد اللاعب أحمد مكروح الملقب بـ"بابا"، الذي سجل هدف المباراة التي أحرز خلالها المغرب كأس أفريقيا سنة 1976، ويتحدث مكروح بمرارة عن التنكر لكل ما قدمه من تضحيات.

من المسؤول
هذه الحالات وغيرها التي تتفاوت ظروفها وملابساتها تختلف الآراء بشأن الجهة أو الجهات المسؤولة عن حدوثها، إذ ترى فئة من المتابعين أن الجانب الضاغط الذي يدفع العديد من الرياضيين للهجرة خارج المغرب هو العوز الاجتماعي والاقتصادي، وهو أمر لا ينفصل عن الدوافع وراء لجوء آلاف المغاربة والأفارقة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، التي تنتهي ببعضهم غرقى في مياه المتوسط.

ويضاف إلى دوافع المهاجرين عموما أن بعض الرياضيين يجدون في الهجرة الوسيلة الوحيدة للتخلص من سوء المعاملة وسوء الإدارة من قبل بعض مسيري الاتحادات والأندية الرياضية، فحتى إذا لم يهاجر بعض الرياضيين لأسباب اجتماعية واقتصادية فإنهم يهاجرون بطريقة غير نظامية أو أثناء المشاركة في مناسبات رياضية هربا من سوء الإدارة وتعامل بعض المسؤولين الرياضيين.

ويلاحظ أن ظاهرة هروب الرياضيين تطول فئة الشباب، لأنها فترة التوهج وقمة العطاء، وبالتالي فإن بعض الرياضيين يسعون لتحسين ظروف عيشهم وممارسة رياضاتهم قبل بلوغ سن التقاعد الرياضي في سن 32 أو 35 عاما.

‪اليازغي: هجرة الرياضيين المغاربة ترتبط بطموح شخصي لتحسين المستوى‬ (الجزيرة)
‪اليازغي: هجرة الرياضيين المغاربة ترتبط بطموح شخصي لتحسين المستوى‬ (الجزيرة)

رأي مخالف
في المقابل، هناك رأي آخر مخالف يجسده موقف الباحث المغربي في السياسات الرياضية منصف اليازغي، الذي قال في تصريح للجزيرة نت إن ما يقع لهؤلاء الأبطال أو الرياضيين عموما لا يمكن تحميله بشكل تلقائيا للجهات المسؤولة عن الرياضة.

ويقول اليازغي إن هجرة الرياضيين المغاربة ترتبط في نهاية الأمر بطموح شخصي لتحسين المستوى الاجتماعي، وذلك لأن الرياضة في المغرب لم تتحول إلى حرفة تضمن لممارسها مستقبلا زاهرا، ودخلا يسد به حاجاته الأساسية.

ويشير المتحدث إلى أن الكثير من الرياضيين الذين يوجدون حاليا في وضع اجتماعي صعب تركوا الدراسة على أمل التألق والنجومية في عالم الرياضة، وعندما فشلوا في تحقيق نجاحات كبيرة أصبحوا في وضع اجتماعي مترد.

ويضيف الباحث في السياسات الرياضية أن حديث بعض الرياضيين عن أنهم يتعرضون للتهميش، وأن الأفق أمامهم مسدود بالمغرب؛ لا يفسر دائما حقيقة ما جرى لهم، بل الصحيح -في نظر اليازغي- أن أداء هؤلاء الرياضيين كان ضعيفا، واقتناعهم بأنهم لن يصلوا إلى مستوى أبطال عالميين ولا المنافسة على المراتب الأولى بالمغرب يدفعهم للهجرة إلى الخارج بحثا عن تحسين وضعهم الاجتماعي والمادي.

غير أن المتحدث نفسه يعترف بأن محدودية الإمكانيات لدى الاتحادات الرياضية بالمغرب تدفع بعض الرياضيين للهجرة، كما أنه من بين أسباب هذه الهجرة غياب أي تقاعد خاص بهذه الفئة، إذ يجد الرياضي نفسه دون أي دخل بعد فترة الممارسة التي لا تتجاوز سن 32 سنة، مشيرا إلى أنه سبق أن تقدم حزب الاستقلال قبل أربع سنوات بمشروع قانون في البرلمان لإيجاد تقاعد رياضي، ولكنه لم يجد طريقه للمناقشة في المؤسسة التشريعية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي