لا لتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى
صرحت عضوة مجلس الشيوخ الأميركي إليزابيث وارن أنها ستقوم بتفكيك عمالقة صناعة التكنولوجيا، في حال انتخابها رئيسة للولايات المتحدة. ويبدو هذا الاقتراح عبارة عن خطة حكومية طموحة للغاية، لكن من المتوقع أن يعترض الحزب الجمهوري عليها.
وقد أفاد الكاتب ورئيس تحرير مجلة "ناشيونال ريفيو" الأميركية ريتش لوري -في مقاله الذي نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية- أن عملاق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حظر إعلانات أطلقتها عضوة مجلس الشيوخ إليزابيث وارن، هاجمت فيها الشركة وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى.
وكان السيناتور تيد كروز قد عبّر عن تأييده لما صرحت به وارن، حيث أشار في تغريدة له إلى أن هذه الشركات تتمتع بسلطة أكبر من اللازم.
اليمين واليسار يجتمعان
شركات التكنولوجيا واقعة بين مطرقة اليسار وسندان اليمين، فالمحافظون لا يحبون هذه الشركات لأن مديريها ومالكيها ليبراليون في وادي السيليكون، أما التقدميون فلا يحبونها لأنها تحقق أرباحا ضخمة. ولهذا السبب، هناك فرصة كبيرة في أن يتفق الحزبان في هذه النقطة.
لكن فكرة وارن المتعلقة بإغلاق المنصات الإلكترونية لشركات التكنولوجيا وتحويلها إلى منصات خدمات عامة، بالإضافة إلى فصلها عن بقية أعمالها؛ تبدو غير قابلة للتطبيق.
حجج التفكيك؟
وأثيرت قضية الاحتكار التي رُفعت ضد شركة مايكروسوفت في التسعينيات وكيف أنها قد فتحت المجال أمام شركتي غوغل وفيسبوك للازدهار ضمن الأسباب التي تدعو لتفكيك هذه الشركات.
ولكن شركة مايكروسوفت لم تسيطر على شبكة الإنترنت مطلقا، وهذا ما جعلها تترك الفرصة لكل من غوغل وفيسبوك.
كما تتهم إليزابيث وارن شركات التكنولوجيا باستخدام عمليات الدمج للحد من المنافسة، وتستشهد كمثال على ذلك باستحواذ فيسبوك على تطبيق واتساب. ومن الصعب جدا تأكيد ذلك لأن التطبيق كان يفرض رسوما إضافية عندما اشترته الشركة ولكنه أصبح الآن مجانيا.
كما اتهمت وارن شركة غوغل بإخفاء أسماء منافسيها في النتائج الأولية لعملية البحث، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت شركة غوغل تقوم بذلك حقا، خاصة أن نتائج البحث تقوم باستمرار بتقديم خيارات وفقا لما يريد الناس رؤيته.
ومن الواضح أن اقتراح وارن قد صيغ دون مراعاة لمصالح المستخدمين أو المستهلكين، علما بأنهم هم السبب وراء ازدهار شركات التكنولوجيا في المقام الأول.
ضررها أكبر من نفعها؟
ولسائل أن يسأل: ما الذي يجعل شركة غوغل توفر أداة مثل محرك البحث الذي يتعذر من دونه تخيل وجود الحياة المعاصرة، ويوفر لك كما هائلا من المعلومات المتاحة بسهولة وبالمجان؟
تتمثل الإجابة في الإعلانات، التي من دون إيراداتها -التي تصر وارن على أنها أعمال منفصلة- لن تجد شركة غوغل حافزا لتوظيف مهندسين لتحسين محرك البحث.
أما بخصوص الاحتكار فلنا في مجال البيع بالتجزئة مثال على ما يمكن أن تقدمه المنافسة من شركات التكنولوجيا لدفع غيرها من الشركات التقليدية لتحسين خدماتها، حيث استثمرت شركة تارغت (Target) الكثير من الموارد المالية لتحسين العديد من المجالات.
وأفضت هذه الاستثمارات إلى تحقيق أكبر نسبة مبيعات خلال قرن من الزمن، وذلك في ربع واحد من سنة 2018. وفي موسم العطلات الماضي، سعت الشركة إلى تخطي أمازون عن طريق تقديم خدمات شحن مجاني للمنتجات التي يستغرق إرسالها يومين.
ولا يمكن القول إن شركات التكنولوجيا العملاقة تسعى لجمع الأموال فقط، بل إن أكثر خُمس شركات إنفاقا في مجالي البحث والتطوير سنة 2017 كانت شركات تعنى بالابتكارات التكنولوجية.
فقد أنفقت أمازون أكثر من 22 مليار دولار، كما أن تطوير المركبات الذاتية القيادة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وقدرات الآلة على التعرف على الصوت، كان بفضل شركات مثل غوغل وأمازون بشكل كبير.
وأشار الكاتب إلى أن الإيجابيات المتعلقة بالشركات التكنولوجية الكبرى لا تدحض المخاوف الحقيقية المحيطة بنشاطها، حيث ما زالت هذه الشركات بحاجة لقواعد تنظم المحتوى بحيث يستند إلى مبدأ الحياد وروح التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الأميركية، ويجب وضع قواعد أكثر صرامة فيما يتعلق بالخصوصية.
وخلص الكاتب إلى أن ممارسات الشركات التكنولوجية الكبرى ليست فوق الرقابة، لكن ينبغي علينا التعامل مع أي جرائم حقيقية بشكل عقلاني عوضا عن الدعوة إلى إجراء عملية إعادة تنظيم جماعية مفروضة سياسيا لهذه الصناعة؛ ويرى الكاتب أن القيام بهذه العملية يعتبر فكرة سيئة للغاية.