الثلاثي العملاق بالحلبة.. من الخاسر في صراع آبل وفيسبوك وغوغل؟

The new iPhone SE is seen on display during an event at the Apple headquarters in Cupertino, California March 21, 2016. REUTERS/Stephen Lam
شركات التقنية العملاقة تتسابق على بيانات المستخدمين باستخدام الكثير من التطبيقات (رويترز)

عبد الله آدم

عاش جمهور الإنترنت الأسبوع الماضي لحظات تخنق الأنفاس بعد كشف تقرير لموقع تيك كرنش عن انتهاك فيسبوك لبرنامج مطوري آبل بإطلاق تطبيق لجمع بيانات عملاء آيفون المحمية، وهو نفس الشيء الذي كشف التقرير أن غوغل تقوم به. فقد أطلقت فيسبوك تطبيق Research لجمع بيانات عشوائية من عملاء آيفون في حين قامت غوغل بإطلاق تطبيق مماثل يسمى سكرين وايس ميتر (Screenwise Meter).

ويبحث كلا العملاقين عن بيانات قيمة من مستخدمي آيفون، وهو ما لم تسكت عليه آبل حيث إن البيانات التي تطلبها فيسبوك وغوغل من مستخدمي آيفون عبر اتفاقيات الخصوصية تفصيلية جدا تشمل -ضمن أشياء كثيرة- كيف ومتى وأين يستخدم العملاء هواتفهم الآيفون، وهو ما يمثل تهديدا لوعد آبل لعملائها بأن ما يقومون به داخل أجهزتهم يبقى فيها ولن يتسرب لجهة أخرى.

الاستثمار بالخصوصية
تتمسك آبل دائما بحماية بيانات العملاء، ولها في ذلك قصص كثيرة منها على سبيل المثال رفضها منح كلمة سر هاتف سيد رضوان مهاجم سان بيرنادينو لأجهزة الأمن الأميركية عام 2016، وخاضت في ذلك معركة قوية انتهت بانتصارها مما اضطر الجهات الأمنية للاستعانة بهاكر بمبلغ مليون دولار لكسر قفل الهاتف.

تجني آبل الكثير من السمعة الحسنة من وراء التمسك بتأمين خصوصية بينات العملاء، في وقت نالت الفضائح من فيسبوك بعد ما حدث من تسليم بيانات عملائها لجهات أخرى منها شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية التي تورطت في قضية ارتبطت بمحاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتي تحقق فيها السلطات في واشنطن فيما يعرف بتحقيق مولر. ونفس الاتهامات وجهت لغوغل بالتراخي في حماية خصوصية عملائها ووضع تفاصيل كثيرة في اتفاقيات الخصوصية تسمح لها بالتملص من أي تبعات.

سلاح المواجهة
فإذا كانت غوغل وفيسبوك تلاحقان بيانات مستخدمي آيفون، فكم من الشركات الأخرى التي تقوم بذات العمل؟ ولكن الشركات الصغيرة لن تجرؤ على إغضاب آبل التي قد تحذف تطبيقات هذه الشركات من متجرها وتحرمها من برنامج مطوري آبل ومن شهادات الاعتراف التي تسمح بتنزيلها على نظام تشغيل آبل (iOS) لكنها لا تفعل ذلك مع فيسبوك وغوغل اللتين لديهما تطبيقات كثيرة على متجر آبل، والسبب في ذلك نحن المستخدمين، فهناك مئات الملايين الذين يستخدمون خدمات هاتين الشركتين وبالتالي أي إجراء قاس ضدهما سيعود بالضرر على آبل نفسها.

وقبل أن تكون غوغل جزءا من القصة، لم يكن أحد يعرف ما ستفعله آبل في مواجهة ما كشفه تقرير تيك كرنش، وافترض البعض أنها ستقوم بإخماد الأمر من وراء الكواليس خاصة بعد اعتراف فيسبوك علنا باستخدام التطبيق ولكنها تقول إنها أغلقته الآن، بينما توقع آخرون أنها ستحارب التطبيق فقط، ورأت فئة قليلة أن آبل قد تحذف فيسبوك كلية من متجرها.

الآن، وقد علمت آبل بما قام به فيسبوك وغوغل من انتهاك لعرف سائد بين الثلاثي العملاق فيما يتعلق بالخصوصية، ما هي الأسلحة المتاحة التي قد تستخدمها لمواجهة ذلك.

يتوقع تقرير تيك كرنش أن تقوم آبل بإجراءات مخففة توصل بها رسالة احتجاج للشركتين قد تقتصر على سحب شهادة التطوير لساعات فقط لحرمانهما من تشغيل تطبيقاتهما على بيئة نظام تشغيل آبل لديهما، لأن هذا هو الخيار الأسهل وغير المضر لكل الأطراف.

خيار حذف تطبيق فيسبوك خطوة لا يمكن لآبل تحملها ذلك أن الملايين يستخدمون التطبيق، وتملك الشركة تطبيقين آخرين هما إنستغرام وواتساب أكثر التطبيقات رواجا وتنزيلا من المتجر، وقد يعرض أي إجراء من هذا القبيل هذه التطبيقات للتوقف في أجهزة آيفون وبالتالي إثارة غضب المستخدمين. 

من الضحايا؟
في نهاية المطاف تريد الشركات الثلاث العمل بتوافق من أجل مصالحها لأن تطبيقاتها تتكامل في أجهزة المستخدمين ومهمة لهم على المستويات المهنية والشخصية.

عدم التوافق بين الثلاثي العملاق يعني أن الخطر سيحيق في المقام الأول بالمستخدمين الذين ارتبطت حياتهم بهذه الأجهزة والتطبيقات. لذلك عندما تحدث مشكلات بين هذه الشركات فإن المستخدمين سيكونون ورقة المساومة الرئيسية، وتكون الخصوصية والأمان والراحة في خطر، وهذا الأمر ليس مريحا لأي طرف.

أي رد فعل عنيف من آبل كان سينجم عنه بالتأكيد رد فعل انتقامي من (موقع) فيسبوك الذي قد يرفض تطوير برامج لمتجر آبل، لأن الدخول لفيسبوك وإنستغرام وواتساب ليس مرتبطا عضويا بأجهزة آبل، إذ يمكن الوصول إليها عبر أي متصفح، لكن ذلك لن يكون مقبولا من مستخدمي أجهزة آبل، وهم بالملايين.

وعليه، كلما اندلع صراع بين آبل وفيسبوك فإن هذه العلاقة أصبحت رهينة، فعندما انتهكت فيسبوك قواعد الاستخدام التي وضعتها آبل تعلم أن الأخيرة قد تنتقم وتعلم (فيسبوك) أيضا أن ذلك صعب ومضر لها بسببنا نحن المستخدمين. لذلك فإن أي صراع بين هذه الشركات ضحيته المستخدمون وضرره عليهم أكثر. فما حدث الأسبوع الماضي يدل على أن لكلا العملاقين أسلحته القتالية، لكن أسلحة فيسبوك أقوى في هذا النزال.

‪تتنافس آبل وفيسبوك وغوغل على بيانات المستخدمين‬ تتنافس آبل وفيسبوك وغوغل على بيانات المستخدمين (غيتي)
‪تتنافس آبل وفيسبوك وغوغل على بيانات المستخدمين‬ تتنافس آبل وفيسبوك وغوغل على بيانات المستخدمين (غيتي)

موقع غوغل من الصراع
تختلف غوغل قليلا، ذلك أن لديها تطبيقات أكثر من فيسبوك على متجر آبل رغم أن جزءا منها غير مهم لأن آبل تقدم خدمات مشابهة لبعضها، لكنها (غوغل) مثل فيسبوك، بإمكانها التحول لتطبيقات إنترنت والانسحاب من متجر آبل، لكن غوغل لن تسير في هذا الطريق لأنها ببساطة تريد بيانات المستخدمين، ولذلك فهي تنفق مليارات الدولارات ليكون محركها هو محرك البحث الافتراضي على آيفون، وفي ذات الوقت تحتاج آبل لأموال غوغل التي تتدفق من الإعلانات.

وعلى ذلك، لا تريد الشركتان المجازفة بعلاقتهما، لذلك لم يدم سحب شهادة الاعتراف من تطبيقات غوغل على متجر آبل سوى ساعات قليلة الأسبوع الماضي، وكانت آبل مضطرة لهذه الرسالة لطمأنة مستخدميها بعد انكشاف الأمر بسبب تقرير تيك كرنش، وإلا كانت قد تمت تسوية سرية، وحتى مع هذا الإجراء المحدود كان المستخدمون هم الضحايا.

بالتأكيد، كان موقف آبل حماية خصوصية عملائها من تطبيقي "Research وScreenwise Meter" لكن الحقيقة أنها لم توقف التطبيقين إلى أن كشف أمرهما، كما لم توضح إلى أي مدى جمع التطبيقان من بيانات لمستخدميها. وما يمكن استخلاصه أن هذه الشركات مضطرة للعمل معا بحيث تتحدث آبل عن حماية الخصوصية في العلن وتوافق فيسبوك وغوغل على الالتزام بمعايير آبل وإغلاق التطبيقين وعدم ارتكاب أخطاء، وبذلك لم تخسر أي من الشركات الثلاث أي شيء من هذه المناوشات.

وعلى ذلك، عندما تنجلي المعركة فإن الشركات الثلاث تكون قد حصلت على ما تريد مع لعب المستخدمين دور البيادق (الجنود) في لعبة الشطرنج التقنية هذه، حيث وافق الجميع على تسليم بياناته الخاصة مجانا وبرضاه التام لهذه الشركات لتوظفها وتساوم بها كيفما تشاء، ويبقى هو الخاسر في النهاية.

المصدر : الجزيرة