لماذا لا توجد نجوم خضراء؟

نجوم
الاختلاف في ألوان النجوم يرجع إلى أن سطوحها لها درجات حرارة مختلفة (مواقع إلكترونية)

هاني الضليع*

انظر إلى السماء في ليلة صافية سترى نجوما كثيرة هنا وهناك تترامى في أطراف السماء.. دقق النظر ستراها مختلفة ليس في لمعانها فحسب، إنما أيضا في ألوانها. فبالرغم من أن معظمها يظهر بلون أبيض وبعضها يظهر بلون برتقالي، فإن الحقيقة هي أنها تتمايز في ألوانها بشكل كبير.

فلو أتيحت لك الفرصة أن تلتقط صورة لبقعة من السماء بآلة تصوير جيدة تسمح لك باستمرار التصوير مدة نصف دقيقة أو أكثر مثلا، فإنك سترى حقيقة ألوان النجوم في الصورة، إذ ستظهر فيها النجوم بألوان الطيف (عدا الأخضر!!)، فهناك النجوم الزرقاء والبيضاء والصفراء والحمراء وأخرى بين هذه وتلك، تتوزع في مختلف الاتجاهات في السماء. فما هي دلالة هذه الألوان؟ ولماذا تختلف النجوم في ألوانها؟ ولماذا لا توجد نجوم خضراء؟

لو سنحت لك الفرصة أن تسأل عالما فلكيا عن أهم آلة رصد فلكية على الإطلاق إضافة إلى التلسكوب، سيجيبك مباشرة بأنها جهاز المطياف الضوئي الذي يعمل على تحليل أشعة الضوء إلى ألوانها الأصلية كما في طيف الشمس المعروف بألوان قوس قزح. والسر أن النجوم لبعدها الهائل لا يمكن أن نستكشفها إلا إذا بلغناها، وهو أمر مستحيل، فكيف ندرسها إذن؟ ندرسها بواسطة ضوئها القادم إلينا.

ألوان الطيف (الجزيرة)
ألوان الطيف (الجزيرة)

بما أن جميع النجوم شموس كشمسنا، فإنها تملك أطيافا تشبه طيف الشمس، لكن طيفها هذا له خصائص تختلف قليلا عن طيف الشمس. فمثلا، تعد الشمس نجما أصفر اللون بسبب طيفها الذي يغلب عليه الهيدروجين والمعادن، لكنها في الوقت ذاته تعطينا جميع الألوان الأخرى الناتجة عن عناصر أخرى. أما لو نظرنا إلى نجم أبيض كنجم الشعرى اليمانية (ألمع نجوم السماء المرئية)، فإننا سنرى طيفه يغلب عليه الهيدروجين فقط، بينما لو أخذنا نجما برتقاليا محمرا فسيختلف طيفه تماما، فطيفه معقد نتيجة الجزيئات المختلفة للعناصر الكثيرة في النجم.

هذا الاختلاف في ألوان النجوم يرجع إلى أن سطوحها لها درجات حرارة مختلفة عن بعضها البعض. من أجل ذلك قام العلماء منذ القرن التاسع عشر بتصنيفها إلى عدة مراتب بحسب ألوانها التي تعكس درجات حرارة سطوحها، فأعطوا كل لون حرفا يميزه ويدل على درجة حرارته. فقسموا النجوم إلى سبع مراتب بدءا من أشدها حرارة وهي النجوم الزرقاء، وانتهاء بأقلها حرارة وهي النجوم الحمراء، وهي (من اليسار): O ,B, A, F, G, K, M  كما في الجدول التالي:

تصنيف النجوم بحسب ألوانها ودرجات حرارة سطوحها (الجزيرة)
تصنيف النجوم بحسب ألوانها ودرجات حرارة سطوحها (الجزيرة)

لمعان النجوم
غير أن لمعان النجم في السماء لا يعتمد بالضرورة على قربه أو بعده عنا، وإنما يمكن أن يكون السبب هو عظم حجمه أو صغره. فمن النجوم ما هو قزم يصغر الشمس بكثير مثل نجم بروكسيما قنطورس أقرب النجوم بعد الشمس لكنه لا يرى بالعين المجردة لصغر حجمه، ومنها النجوم العمالقة التي تأتي بألوان ثلاثة، وهي: العمالقة الزرق مثل نجم رجل الجبار ذي اللون الأبيض المزرق، والعمالقة الحمر مثل نجم يد الجوزاء الذي لو وضع مكان الشمس لابتلع مدار كوكب عطارد. وأخيرا العمالقة الصفر ومن أمثلتها نجم العيوق في كوكبة ممسك الأعنة. وتعد شمسنا نجما قزما إذا ما قورنت بأحجام نجوم السماء الأخرى.

النجوم الخضراء
بالعودة إلى جدول تصنيف مراتب النجوم، نلاحظ غياب اللون الأخضر بينها رغم أنها في الحقيقة تتبع في ترتيبها ترتيب طيف الألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر والأبيض والأزرق. فأين ذهبت النجوم الخضراء؟

لو دققت النظر إلى الجدول مرة أخرى لوجدت أن لونا دخيلا قد احتل مكان اللون الأخضر، إنه اللون الأبيض. فكما هو معلوم فإن النجم جرم ساخن يبث حرارته في الفضاء بجميع أشكال الطاقة والأشعة المرئية منها كالألوان العادية، وغير المرئية كأشعة غاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء والأشعة الراديوية.

وتختلف درجات حرارة أسطحها كما سبق ذكره، فمن قلت درجة حرارة سطحه عن 2000 درجة فلا يعود ضوؤه يُرى كأشعة مرئية وإنما كأشعة تحت حمراء، علما بأن كل النجوم على الإطلاق تشع هذا النوع من الطاقة. وكلما ارتفعت درجة حرارة سطح النجم زادت كمية الأشعة المرئية التي يشعها النجم، حتى إذا ارتفعت أكثر فأكثر أصبحت الأشعة فوق البنفسجية هي الأشعة الأكثر صدورا من النجم، ترافقها كميات من الأشعة المرئية وتحت الحمراء.

تصنيف ألوان النجوم (الجزيرة)
تصنيف ألوان النجوم (الجزيرة)

ودور العين هو استقبال تلك الإشعاعات القادمة من النجم بمختلف أطوالها الموجية. وبما أن الطول الموجي للون الأخضر يقع في وسط الطيف المرئي، فإن العين تعمل على دمج جميع الألوان المرئية من أحمر وبرتقالي وأصفر وأزرق ونيلي وبنفسجي لتراها جميعا بلون أبيض بدلا من اللون الأخضر.

ويظهر هذا الاندماج جليا في ما يعرف بتجربة قرص نيوتن، وذلك برسم جميع ألوان الطيف في قطاعات على قرص ثم تدويره بسرعة، لتندمج الألوان إلى لون واحد هو الأبيض، علما بأن الأخير لا يُدرج ضمن الأطوال الموجية، وبذلك فهو -علميا- ليس أحد الألوان، وإنما يقال عنه وعن اللون الأسود إنهما لونان محايدان. وفي الجهة المقابلة، إذا سلطتَ ضوء الشمس "الأبيض" على منشور زجاجي فإنه سيعمل على تفريق أطواله الموجية إلى ألوان الطيف السبعة.

قرص نيوتن (الجزيرة)
قرص نيوتن (الجزيرة)

هناك حالة وحيدة في السماء يبدو فيها النجم مخضر اللون، وهو نجم زباني العقرب الشمالي صاحب اللون الأبيض. وأحيانا تنشأ هذه الظاهرة إذا ما دار نجمان حول بعضهما البعض، فإن لون أحدهما سيؤثر في لون الآخر فيجعله يبدو مخضرا، كما في نجم قلب العقرب الأحمر الذي يدور حوله نجم صغير لونه الحقيقي أبيض مزرق، لكن بعض الراصدين شاهدوه لوهلة بلون أخضر. وما ذلك في الحقيقة إلا خدعة بصرية ناتجة عن لون العملاق الأحمر الذي يعكس صورة اللون الأخضر عند النظر إلى اللون الأزرق.

أما في الطبيعة، فاللون الأخضر لون أصيل، بل إنه يشكل مع الأحمر والأزرق الألوان الرئيسية الثلاثة، فبدمج كل لونين على حدة، ينتج لون ثالث. فالأخضر والأحمر يُنتجان الأصفر، والأخضر والأزرق يُنتجان التركواز، وأخيرا ينتج اللون الوردي عن الأزرق والأحمر. أما عند دمج النواتج الثلاثة (الأصفر والوردي والتركواز)، فإننا نحصل على اللون الأبيض، وهو أحد اللونين المحايدين. أما اللون الأسود فينتج عن دمج الألوان الرئيسية الثلاثة.
_____________________
*عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

المصدر : الجزيرة